الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يصف نفسه في السنوات الأخيرة بأنه "حامي المسلمين في جميع أنحاء العالم"، يساعد الصين على إعادة معارضين من أقلية الأويغور المسلمة إلى بلدهم عبر إرسالهم إلى دول أخرى باعتبارها وسيطاً، "للحفاظ على استثمارات بكين في تركيا".
هذا ما أفادت به صحيفة "التليغراف" البريطانية، مساء 26 تموز/ يوليو، في تقرير سلط الضوء على المخاوف التي تكتنف نحو 50 ألفاً من الأويغور الذين يحتمون في أنقرة كلاجئين فرّوا من حملة قمع مدانة دولياً من بكين بحق هذه الأقلية المسلمة.
"هناك تهديدات، وهي ممنهجة. إنهم يريدوننا أن نعتقد أنه يمكنهم الوصول إلينا في أي مكان"، قال الناشط الحقوقي البارز المعروف باسم رئيس الوزراء الأويغور الرمزي إسماعيل جنكيز للصحيفة البريطانية.
"تضحية بشرية أخرى للحفاظ على استثمارات بكين في تركيا"... قلق يتزايد في صفوف الأويغور اللاجئين في أنقرة من تسليمهم إلى الصين عبر طاجيكستان
لماذا تركيا؟
في البداية، أوضح التقرير أسباب "ازدهار" أعداد الأويغور اللاجئين إلى تركيا، موضحاً أن أنقرة كانت "تفتخر" بحسن استقبالها الأويغور، لا سيما في ظل حكم أردوغان الذي يصف نفسه خلال السنوات الأخيرة بـ"حامي المسلمين في جميع أنحاء العالم".
ولفتت الصحيفة إلى أن الأويغور انتشروا بشكل خاص في حي "زيتون بورنو" في إسطنبول، وازدهرت ثقافتهم، فراج الشعر الأويغوري، وعرضت المحالّ التجارية الملابس الأويغورية. وقدمت المطاعم أطباق المعكرونة الحارة التي تذكرهم بوطنهم.
كما أشارت إلى توفير تركيا "منصة يخبر عبرها الأويغور العالم بما يقولون إنه إبادة جماعية تُرتكب ضد مسلمي الصين". وهناك نحو 1.5 مليون من الأويغور في معسكرات اعتقال تقول الصين إنها "معسكرات إعادة تثقيف للمسلمين لنبذ التطرف".
لكن المحامين يقولون إن الصين تتلاعب حالياً باتفاقات تسليم المجرمين لسحب الأويغور خارجها إلى معسكرات الاعتقال، فيما يجادل ناشطون بأن اعتماد أنقرة الاقتصادي المتزايد على بكين "يضر بقدرتها على تحمل الضغوط الصينية وحماية الأويغور الذين فروا إليها"، بحسب "التليغراف".
"أجبر الاقتصاد المتشنج والاحتكاك مع أوروبا تركيا على الاستثمار في صداقات أخرى، وخاصة الصين. كجزء من إستراتيجية بكين ‘الحزام والطريق‘، استثمرت الشركات الصينية المليارات في تطوير البنية التحتية التركية، وتهدف بكين إلى مضاعفة استثماراتها هذه إلى أكثر من ستة مليارات دولار بحلول نهاية العام المقبل"، أضافت الصحيفة.
وأضاف جنكيز: "هناك الكثير من المال على المحك، قضيتنا تأتي فقط في المرتبة الثانية بعد ذلك"، مشيراً إلى أن التحسن في العلاقات بين البلدين واعتماد أنقرة المتزايد على استثمارات بكين دفع الأويغور كلفتهما.
تركيا التي تفاخرت بإيواء نحو 50 ألفاً من الأويغور المسلمين الذين يواجهون القمع في الصين، وفي ظل حكم أردوغان الذي يصف نفسه بأنه "حامي المسلمين" في العالم، تخضع لبكين وتعيد معارضين إلى "مصير مجهول" في معسكراتها
ذريعة الإرهاب
على الرغم من دعم أنقرة العلني للأويغور في محنتهم، فإن الاتفاقات الثنائية مع وزارة العدل الصينية تعوقها أيضاً، لأنها تلزم السلطات التركية بالتحقيق في الشكاوى التي أثارتها الصين ضد الأفراد.
كذلك تحرص تركيا على تحسين مكانتها الدولية بشأن كيفية تعاملها مع "الإرهابيين" في ظل مزاعم بأنها كانت "متساهلة" مع الجهاديين الأجانب الذين يسافرون إلى سوريا في السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية التي اندلعت عام 2011. ويقال إن بكين "تلعب" على هذه النقطة.
ونشرت "التليغراف" وثائق للمخابرات الصينية قدمتها لوزارة الأمن العام الصينية كجزء من طلبات تسليم تدعي أنها تستهدف "إرهابيين". تركز الوثائق على عدة مئات من الأويغور الذين انتقلوا إلى سوريا للانضمام إلى الجماعات الجهادية.
وتؤكد "التليغراف" أن عشرات الأويغور قضوا أشهراً في مراكز الاعتقال ومقار ما قبل الترحيل في أنحاء تركيا "بدون تهمة، نتيجة المطالبات القضائية الصينية".
وبيّنت أنه برغم سياسة عدم ترحيل الأويغور إلى الصين لدى تركيا، حيث من المحتمل أن يواجهوا الاحتجاز أو الموت، فقد كشفت "التليغراف" عن "أدلة" على أن الصين نجحت في ترحيل الأويغور من تركيا إلى دول ثالثة باعتبارها وسيطاً يعتقد أنهم أعيدوا منها إلى الصين مرة أخرى.
برغم نفي أنقرة الشديد سابقاً ترحيل أويغور إلى الصين، "أدلة" على أن بكين نجحت في ترحيل الأويغور من تركيا إلى دول أخرى باعتبارها وسيطاً أعيدوا منها إلى الصين. صحيفة تؤكد: "تركيا تغرق بطلبات التسليم الصينية والاتفاقات مع بكين تكبّلها"
عبر وسيط وليس مباشرةً
في حين ترفض تركيا إعادة الأويغور مباشرةً إلى الصين، يقول ناشطون إن هناك من يرغبون في إرسالهم أولاً إلى دولة ثالثة، مثل طاجيكستان، إذ يسهل على الصين تأمين تسليمهم في هذه الحالة.
واعتبرت الصحيفة أن الأتراك باتوا متواطئين في هذه العملية بسبب "المال وضمان استمرار الاستثمارات الصينية في تركيا".
ونقلت الصحيفة عن إبراهيم إرجين، المحامي المتخصص في قضايا الترحيل: "لن يتم تسليم أويغور مباشرةً إلى الصين. لا أعتقد أن هذا سيتغير في أي وقت قريب. لذا فإنها (الصين) تحاول جعل حياتهم بائسة قدر الإمكان، وإرسالهم إلى بلدان أخرى حيثما يمكن إعادتهم منها. مع تحسن العلاقات بين الصين وتركيا، الأويغور هم الذين خسروا".
وتحدث إرجين عن كيف "تغرق" الحكومة التركية بطلبات التسليم وأوامر التوقيف والطلبات القضائية من الصين بحق أويغور؛ بعضها يأتي مباشرة من بكين، وبعضها الآخر من الإنتربول الدولي، مع تكهنات بصدور عدد منها من دول ثالثة نيابة عن الصين.
وأردف: "لدي قائمة تضم 200 أكاديمي من الأويغور المقيمين في تركيا. بطريقة أو بأخرى، تطالب الصين بإعادتهم جميعاً".
استند التقرير إلى قصص عدد من الأويغوريين الذين سلمتهم تركيا إلى طاجيكستان من دون أن تكون لهم أي صلة بهذا البلد أو أن يكونوا يحملون جنسيته. من بينهم إيموزي كوانهان (59 عاماً)، وهي أرملة أويغورية وأم لطفلين، انقطعت الأخبار عنها فجأةً بعدما كانت تتواصل عبر الرسائل مع ابنها.
قالت "التليغراف" إن كوانهان التي فرت من الصين إلى "ما اعتقدت أنه ملاذ آمن في تركيا"، وبعد مرور عام على اختفائها "لا يمكن أحداً أن يقول إذا كانت لا تزال على قيد الحياة".
"لدي قائمة تضم 200 أكاديمي من الأويغور المقيمين في تركيا. بطريقة أو بأخرى، تطالب الصين بإعادتهم جميعاً"
ونبهت إلى أن عائلة الأرملة الأويغورية تعتقد أنها سُلّمت إلى "مصير مجهول" في الصين عبر طاجيكستان كـ"تضحية بشرية أخرى للحفاظ على استثمار بكين في تركيا".
وشددت "التليغراف" على أن كوانهان "لم تكن ناشطة. قال أولئك الذين عرفوها إنها بعدما وصلت إلى تركيا حاولت أن تعيش ‘حياة هادئة‘. ومع ذلك، عام 2012، حُكم على أحد أبنائها بالسجن 14 عاماً في الصين لتعلمه القرآن".
وكانت كوانهان قد تواصلت مع أسرتها للمرة الأولى بعد احتجازها بأسبوعين قائلةً إنها في مركز احتجاز بإزمير، وقد أبلغتهم عقب عدة أسابيع أن سبيلها سيُخلى، لكن خلال الاتصال صرخ بها شرطي وأغلق الهاتف ولم تظهر ثانيةً. وتنفي السلطات التركية احتجاز المرأة التي يعتقد أنها مصابة بالخرف على الرغم من أن سجلات المكالمات تثبت أنها أجرت عدة اتصالات من داخل المركز.
في الوقت نفسه، اكتشفت محامية استشارتها أسرتها لاحقاً أنها سُلمت إلى طاجيكستان، على الرغم من أنها لم تكن تعيش هناك أو تحمل جنسيتها. وقالت المصادر التي عرفت كوانهان: "من هناك أُرسلت إلى الصين".
حالة أخرى تشبه ما حدث لكوانهان، هي قضية زينيت غول تورسون، الأويغورية التي رُحّلت من تركيا إلى طاجيكستان في العام الماضي مع طفلاتها. لم يكن لديهن صلات بطاجيكستان، وبعد وصولهن إليها، أرسلن إلى الصين كذلك.
الناشط الأويغوري البارز أليسان أنوار قال للصحيفة البريطانية إنه خلال مرات اعتقاله العديدة في تركيا العام الماضي، حاول حُراسه خداعه للتوقيع على "طلب ترحيل طوعي". لكنه برغم ذلك، ومثل جميع الناشطين الذين تحدثت إليهم الصحيفة، لا يريد اتهام الدولة التركية.
يقول جنكيز: "ليس من مصلحتنا أن نُعادي الدولة التركية. لقد كانت جيدة جداً معنا. عندما لم يكن هناك أي شخص آخر يستمع، أخذونا".
وتجدر الإشارة إلى أن تركيا سبق أن نفت بشكل قاطع ترحيل الأويغور إلى الصين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...