"جاءت إلي سيدة عمرها أكثر من 40 عاماً، انتظرتْ لوقت متأخر بالعيادة، في البداية استشارتني كأنها متزوجة، وعندما هممت للكشف عليها، أخبرتني الحقيقة بأنها لم تتزوج، ومازال غشاء بكارتها سليماً، وأنها تريد القيام بعملية ختان كامل لعضوها التناسلي، وإزالة ما يظهر منه، لاشتداد رغبتها الجنسية، وخوفاً على نفسها من الفتنة".
فقط هذا ما قالته الطبيبة الخمسينية، ولكن حديثها لم يكف للأسئلة التي دارت بداخلي أثناء قراءته.
كانت المرة الأولى التي أرى فيها تصريحاً كهذا، استفزتني هذه المعلومة للبحث أكثر، وتساءلت: ما الذي قد يدفع الواحدة منا إلى ذلك، بدا الأمر وكأنه انتحار، وهل تشكل تلك العمليات ظاهرة؟
بدأت بمحركات البحث عبر الإنترنت، لم أجد شيئاً، ثم تواصلت مع جمعيات حقوقية فنفوا معرفتهم بهذا الأمر، حتى قصصت على صديقتي الفكرة فأخبرتني أنها تعرف واحدة، وهنا أدركت أنني أمسكت بطرف الخيط.
"أحيانا أشعر بالدونية والحزن بسبب ما حدث، ولكني أجريت الختان مضطرة كأداة لإنقاذي من "الفتنة"، لو كنت تركت نفسي هكذا، كنت هقابل رجالة، وهنام معاهم، وده حرام"
تُعرّف منظمة الصحة العالمية الختان على أنه تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، عن طريق ممارسات تنطوي على إزالة الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام، أو إلحاق إصابات أخرى بتلك الأعضاء، بدواع لا تستهدف العلاج. تلك الممارسات غالباً ما تجرى على فتيات تتراوح أعمارهن بين سن الرضاعة والمراهقة، وفي بعض الأحيان يتم ختان البالغات، ولكن لم تُحدد المنظمة ظروف هذه البالغات أو أعمارهن أو الأسباب التي يحدث بسببها الختان في هذه الحالة.
"شكوت للشيخة رغبتي الجنسية"
في أحد شوارع المنيل في القاهرة ولدت كريمة (اسم مستعار)، وعاشت فيه لخمسين عاماً، توفى والديها منذ عشرون عاماً. بعد زواج أختيها الصغيرتين، رغم ارتباطها رسمياً بمن أحبت، وخطوبتها المُتكررة لأكثر من شخص على مدى عشرة أعوام، ولكن لم يكتب لعلاقاتها النجاح، فعاشت كريمة "وحيدة، عزباء، منسية"، كما تصف نفسها لرصيف22، في شقة كبيرة ورثتها عن أبيها.
على استحياء، وبعيون مليئة بالدموع، بدأت كريمة قص حكايتها: "أي إنسان في الحياة يحتاج للجنس، ولكن عندي الأمر كان زائد عن حده، وخصوصاً بعد وفاة أهلي وبقائي بمفردي. في البداية، كنت أواظب على الصلاة، أدعو الله أن ينقذني من أفكاري هذه ويبعد عني الوساوس، ولكن لم أحتمل، فتعلمت استخدام الإنترنت خصيصاً من أجل مشاهدة الأفلام الإباحية، علهّا تشبع جزءاً ولو بسيطاً من احتياجي. أدمنت العادة السرية، بداخلي كنت أعلم أن هذا خاطئ وسيحاسبني الله عليه، فأدعوه مجدداً ليرحمني من هذا الشعور، ثم أنتكس وأعود للألعاب والمحادثات الجنسية مع الرجال عبر الإنترنت.
كلما كنت أرى أُختيّ وزوجيهما، كنت أشعر بالحزن والشفقة على نفسي وأتمنى أن يكون عندي شريك ولكن الوحدة مُقدرة لي".
تكمل كريمة: "شاهدت بالصدفة برنامجاً دينياً يتحدث عن الأفلام الإباحية وحرمانيتها، فكرهت نفسي وجسمي وشعرت بالعار والخزي من نفسي، وقررت أن أوقف هذا الأمر، فذهبت إلى شيخة لا تعرفني في منطقة بعيدة عني، وقصصت عليها حكايتي، فسألتني: هل خُتنت؟".
لم تُختن كريمة وأخواتها، رغم انتشار الختان في الماضي في مصر، عكس الآن، لأن والديها عاشا لفترة في بداية حياتهم بالخارج، لذا كونا قناعات عن تأثير الختان السلبي على الفتيات، كما تحكي لنا.
كانت نصيحة الشيخة لكريمة أن تقوم بختان نفسها. لم تكذب خبراً، وذهبت في اليوم التالي لطبيبة، رفضت في البداية، ولكن مع إصرار كريمة، قامت بختانها وأزالت "البظر" كله، كان ذلك منذ عشرة أعوام.
"هل قلّ احتياجك الجنسي بعد الختان بالفعل؟"، تُجيب كريمة: "في البداية، واظبت على الصلاة وأخذت عهداً على نفسي ألا أفعل ذلك مجدداً، ولكن بعد فترة عُدت للعادة السرية من جديد. ولكن لم أكن أصل للنشوة الجنسية كالسابق، فأصبحت ممارسة الجنس والأحاديث الجنسية والأفلام الإباحية، أموراً مملة بالنسبة لي".
"أحيانا أشعر بالدونية والحزن بسبب ما حدث، ولكني أجريت الختان مضطرة كأداة لإنقاذي من الفتنة. لو كنت تركت نفسي هكذا، كنت هقابل رجالة وهنام معاهم، وده حرام، وكان هو الحل الوحيد أمامي. ولكني غير موافقة على الختان للفتيات الصغيرات والمتزوجات"، تروي كريمة.
أعراض جانبية كثيرة تتعرض لها كريمة يومياً جراء إزالتها للبظر كلياً، منها: ألم أثناء التبول، ومشاكل متكررة أثناء الدورة الشهرية، بالإضافة إلى سلس البول.
"طبيب الختان مجرم"
تعتبر الطبيبة النسائية، أمل زكي، ختان الإناث، سواء كان في مرحلة عمرية مبكرة أو مرحلة عمرية متقدمة، ما هو إلا نوع من أنواع العنف ضد المرأة. تقول زكي لرصيف22: "ليس مجرد فعل خاطئ بل هو جريمة انسانية، حتى وإن طلبت المرأة نفسها إجراء هذا الفعل، فطلبها هو نتيجة ثقافة مجتمعية خاطئة، مجحفة ومهينة، هدفها انتهاك المرأة، التقليل من شأنها، هز ثقتها بنفسها وسلبها أبسط الحقوق الإنسانية بأنها إنسان كامل مكمل، له الحق في ممارسة رغباته بالطريقة التي تتناسب مع قناعاته ومبادئه وعقائده، وكذلك الاستمتاع بكل حواسه كما خلقت".
هل يؤثر الختان على الرغبة الجنسية؟
في دراسة لعدة باحثين مصريين تحمل عنوان "تشويه الأعضاء التناسلية للنساء وتأثيره النفسي"، تم فحص 250 امرأة، تم اختيارهم عشوائياً من مراكز الأمومة والطفولة في الإسماعيلية، وتم إجراء مقابلات معهم لتحديد تأثير الختان عليهن، فوجدوا أن 80% ممن تم ختانهن، اشتكوا بشكل أكبر من عسر الطمث، 48.5% اشتكوا من جفاف المهبل أثناء الجماع، و45% اشتكوا من نقص الرغبة الجنسية، أيضاً 28% اشتكوا من تكرار أقل للرغبة الجنسية في الأسبوع، و49% اشتكوا من سعادة أقل بالجنس، و39% هزة الجماع أقل، وتكرار أقل للنشوة الجنسية بنسبة 25%، وصعوبة الوصول إلى النشوة الجنسي بنسبة 60.5% مقارنة بالنساء غير المختونات .
الطبيبة النسائية، أمل زكي، تشرح لرصيف22 كيف يؤثر الختان على الرغبة الجنسية، فتقول: "ليس لعملية ختان الإناث أي علاقة أو تأثير على الاحتياج الجنسي، حيث أن الرغبة في العملية الجنسية تبدأ من مراكز المخ العليا، فالغريزة الجنسية ومدى قوتها أو ضعفها لا ترتبط بكون الأنثى مختونة أم لا، ولكن الختان يؤدي إلى الشعور بعدم الإشباع الجنسي للمرأة أثناء عملية الجماع، ما يتسبب بحدوث مضاعفات نفسية متعددة للمرأة".
وتضيف زكي: "الإنسان عندما يشعر بألم نفسي أو عضوي عند عمل شيء معين فإنه لا إرادياً يفقد الرغبة في عمله".
"الطبيبة عرضت عليّ الختان"
حتى الآن تعاني نعيمة (41 عاماً)، من آلام الختان، توفي والدها في الثلاثين من عمرها، وتركها تعيش بمفردها مع أمها، في بيتهم بمدينة بمحافظة القليوبية.
تعمل نعيمة كمدرسة في أحد المدارس الحكومية، تعرفت على رجل على الإنترنت بنفس مدينتها، أخبرها أنه طلق زوجته ولديه طفلة واحدة، أعجبها حديثه عن افتتانه بشخصيتها وجسدها، استمر حديثهما شهوراً، قبل أن يقررا أن تنتقل علاقتهما للمرحلة الثانية، ويتقابلا في مكان عام، تماماً مثل الأشخاص "المرتبطين"، في مجتمعات تدين أخلاقياً العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
ومع مرور الوقت، اكتشفت أنه لايزال متزوجاً، ولديه ثلاثة أطفال.
رفضت نعيمة ممارسة الجنس معه، لأنها "تريد الحلال".
رفضت نعيمة ممارسة الجنس معه، لأنها "تريد الحلال".
ذهبت نعيمة هذه المرة إلى منزلها، وهي مُتخذة قرار أن تنساه، ولكنها كانت خائفة من أن تضعف أمامه مرة أخرى، ذهبت في اليوم التالي لطبيبة نسائية أخبرتها مشكلتها وطلبت منها أدوية لكبح احتياجها الجنسي له، فعرضت عليها الختان بدلاً من ذلك.
تتذكر نعيمة وهي تبكي:" ماكنتش في وعيي، وقولت لنفسي الختان مش هيضرني، بس للأسف أزالت عضوي كله الشفرين والبظر، وحصلي مضاعفات كبيرة، ومعرفتش أقاضيها لأني كنت خايفة من الفضيحة عشان حكتلها القصة كلها، لكن أمي عرفت إني ختنت نفسي، وحصل مشاكل كبيرة، وحاولت أنتحر بس ربنا نجاني". تُنهي نعيمة حديثها عن سلوكها الجنسي حالياً: "مبقاش فيا حاجة عشان أحس، عضوي كله اتشال، واحساس كمان اتعدم".
تنتمي نعيمة لشريحة السيدات التي خضعت للختان بين سن الخامسة عشر والتاسعة أربعين عاماً، بنسبة تسع لكل عشر سيدات وفقاً للمسح الصحي لعام 2015.
"في البداية، واظبت على الصلاة وأخذت عهداً على نفسي ألا أفعل ذلك مجدداً، ولكن بعد فترة عُدت للعادة السرية من جديد. ولكن لم أكن أصل للنشوة الجنسية كالسابق، قبل الختان، فأصبحت ممارسة الجنس، والأفلام الإباحية، أموراً مملة بالنسبة لي"
يُعاقب القانون المصري على عملية الختان وفقاً لنص المادة 61 و242 مكرر، ولكن هل في حالة إقبال السيدة بنفسها على الختان هل يعاقب الطبيب؟
تجيب المحامية الحقوقية، هبة عادل، رئيس مجلس أمناء مؤسسة مبادرة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، في حديث لرصيف22: "الختان لا يعتبر من الأساس وقاية، هذا تفكير واعتقاد خاطئ، والسيدات اللواتي يفعلن ذلك يعتقدن أنه سيحميهن من الفتنة، ولكن هذا غير صحيح، فهو عادة فرعونية ورثتها الأجيال عن بعضها".
وتُضيف عادل: "القانون لا يفرق في هذه الحالة، عقوبة الطبيب الذي قام بختان لطفلة ولسيدة كبيرة، حتى لو كان عمرها 70 عاماً وطبياً، لذلك يعاقبه القانون".
"كرهت الجنس"
سمر وكاميليا (اسمان مستعاران) قصتاهما مُتشابهتان، ختنتا نفسيهما خوفاً من الاحتياج الجنسي. كاميليا في العقد الخامس من عمرها، تعيش بمفردها، ولم تتزوج. خُتنت وهي صغيرة كأخواتها، ولكن منذ عشر سنوات، حاول جارها الجديد بالعمارة استقطابها لممارسة الجنس، مُستغلاً عيشها بمفردها، وكادت أن تقبل ذلك لاحتياجها الشديد للعلاقة الجنسية وتفكيرها المستمر بها، ولكن استيقظت في نهاية المطاف، كما تحكي لنا، فذهبت لطبيبة وعرضت مشكلتها، فقالت لها إن ختانها ليس كاملاً وختنتها مُجدداً.
سمر، عمرها صغير نسبياً مقارنة بكريمة ونعيمة وكاميليا، رغم أنه خمس وثلاثون ربيعاً فقط، ولكنها ختنت نفسها أيضاً بسبب الجيران، ولكنها حالتها النفسية أصعب بكثير منهم، لأنها مازلت تعاني من تبعات اختيارها وتذهب لطبيبة نفسية لتجاوز هذا.
تقول سمر:" ختنت نفسي في البداية لأني كنت بمفردي وفقدت الأمل بالزواج، ولكن بعد ذلك تقدم لي عريس ولكني رفضته. أنا كرهت العلاقات الجنسية والتفكير بها وأبغض نفسي لما فعلته بها، ولا أسامح من دفعني لفعل ذلك".
"أنا كرهت العلاقات الجنسية والتفكير بها".
السيدات الأربع، ظلمهن المجتمع بأفكاره، وظلمن أنفسهن بمعتقدات خاطئة. بينما تصلي كريمة الآن باستمرار من أجل أن يحفظها الله، ويسامحها على ما مضى، تبكي نعيمة ليلاً نهاراً على وحدتها واستغلالها من طرف هذا الرجل، وتسأل الله الراحة وأن يُذيقه ما فعله بها، بعدما أنقذتها أمها من محاولة انتحارها الأخيرة.
كاميليا تتلافى الخروج للشارع باستمرار خوفاً من تكرار ما حدث، ولكن سمر باعت شقتها واشترت بيتاً آخر بعيداً عن هذا الشارع وهؤلاء الجيران.
يوضح أحمد علام، استشاري الصحة النفسية، الأسباب النفسية التي قد تدفع السيدات إلى الختان، يقول لرصيف22: "بعضهن يعشن في مُجتمعات متشددة، أو رغماً عنها أجبرت على وضع ديني مُعين، مما قد يدفعهن لحماية انفسهن من ما يسمى "الفتنة" بتشويه أعضائهن التناسلية".
ويوضح علام وجهة نظره أكثر: "غالبا ما يتزامن الوضع الديني المتشدد مع الأمية، لذا تختار السيدات الختان، الخيار الأسهل في هذه الحالة، اعتقاداً منهم أن ذلك سيقلل الاحتياج الجنسي وهذا غير صحيح بالطبع".
"السمات المجتمعية تلعب دورً كبيراً في هذه الحالة، فالمجتمع المتحفظ لن يقبل بالطبع أن تمارس المرأة الجنس لاشباع احتياجها خارج إطار الزواج، ولكنه سيرحب بتشويه العضو التناسلي لامرأة لكبح حاجتها، والسيدات معظمهن مغلوبات على أمرهن، وفي سن كبير نسبيا".
وتتفق هبة عادل مع علام على أن السيدات اللاتي يفعلن ذلك مغلوبات على أمرهن، تقول عادل: "ذلك بسبب مجتمع أمي ومتشدد، تغيب فيه العدالة الجندرية للنساء، ويتم التحكم فيه بأجساد النساء، وإصدار أحكام مجتمعية بائسة على السيدات اللاتي يعشن بمفردهن، أو تريد ممارسة الجنس خارج إطار الزواج".
ويؤكد علام على ضرورة استمرار نشر الوعي فيما يخص عمليات الختان، ويشدد على أن ما تقوم به السيدات من ختان، هي ممارسات فردية، ولا تشكل ظاهرة، كما يحدث مع ختان الصغيرات، وغالبية السيدات اللاتي يقمن بذلك يندمن بعد فعلتهن.
"هذه الشهادات لا تعني أن كاتبة المقال تتفق مع ختان الإناث، نحن لا نطبع مطلقاً مع تشويه الأعضاء التناسلية للسيدات، فهي كما وصفتها منظمة الصحة العالمية اعتداء جنسي، ولكننا نناقش مفهوماً جديداً للختان، ولا نتسامح بأي شكل من الأشكال مع هذه العملية، وننصح السيدات اللواتي مررن بهذه التجربة اللجوء للقانون والتشكي على الأطباء الذين يعرضون عليهن الختان كأداة لتقليل الاحتياج الجنسي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...