شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
تخفيض عدد المصارف اللبنانية إلى النصف... هل أموال المودعين في خطر؟

تخفيض عدد المصارف اللبنانية إلى النصف... هل أموال المودعين في خطر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 20 مايو 202011:22 ص

كثر الحديث في الفترة الماضية عن رغبة الحكومة اللبنانية في إعادة هيكلة القطاع المصرفي. وبرغم عدم البدء بخطوات عملية في الملف، إلا أنّ نقاشات كثيرة تدور بين مؤيد ومعارض، في وقت يُثير الطرح مخاوف لبنانيين كثر لجهة المخاطر المحتملة على ودائعهم.

قبل أيام، قال وزير المال غازي وزني إنّ الحكومة ترغب في خفض عدد المصارف التجارية من 49 إلى النصف تقريباً. هذا التصريح كان قد سبقه إعلان رئيس الحكومة حسان دياب، في 30 نيسان/ أبريل الماضي، أنّ ورقة الحكومة الاقتصادية تهدف إلى إعادة هيكلة القطاعين المصرفي والمالي لتحسين الواقع الاقتصادي.

الحديث عن تدخل الحكومة لإنقاذ المصارف، عبر إعادة هيكلتها، في ظل غياب قدرة الأخيرة على معالجة أزمتها وتعثرها، يتزامن مع مفاوضات يجريها لبنان مع صندوق النقد الدولي المشجع لمثل هذا الخيار، كي يصبح القطاع المصرفي متناسباً مع حجم الاقتصاد المحلي.

ومن ضمن الخيارات المطروحة عملية الدمج والاستحواذ، أو ربما تصفية بعض المصارف، لاستيعاب الخضات المحتملة، ولمحاولة تلبية حاجات المودعين وعدم ضعضعة الثقة أكثر في القطاع المصرفي.

والدمج يعني زوال مصرف وانتقال حقوقه والتزاماته إلى المصرف الدامج، بإشراف المصرف المركزي، وبمعنى آخر: مصرف كبير يستحوذ على مصارف صغيرة ومتعثرة.

مسألة الدمج لا تزال قيد البحث، ولا توجد خطوات عملية متخذة في هذا الملف، إذ يؤكد كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل لرصيف22 أنّ لا شيء ملموساً حتى الساعة، والمفاوضات بين المصارف التجارية وحاملي سندات اليوروبوند الأجانب والدولة اللبنانية لم تبدأ بعد، ويقول إنه من المبكر الكلام عن هذا الموضوع ويجب انتظار النصف الثاني من العام الجاري لمعرفة مسار اتجاه الأمور.

مَن يحمي المودعين؟

عملياً، أثار هذا الطرح قلق المودعين حول ودائعهم التي تُطبَّق عليها إجراءات صارمة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، تمنع أصحابها من حرية التصرّف بها.

فعندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في البلاد، بسبب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، سارعت المصارف إلى الإقفال لفترة 15 يوماً قبل أن تعود وتفتح أبوابها مع تقييد حرية المودعين في سحب ودائعهم، لا سيّما بالعملة الأجنبية.

وطغى في تلك الفترة مشهد وقوف عشرات الناس أمام أبواب المصارف للحصول على بضعة دولارات أسبوعياً، الأمر الذي زعزع ثقة المودع بمصرفه الذي بات متعثراً.

مبدئياً، لن يشكل دمج المصارف أو تصفيتها أيّ خطر على أموال المودعين، إذ إنّ إعادة هيكلة ورسملة المصارف ستكون لحماية المودعين ولتكوين قطاع مصرفي قوي يكون قادراً على استعادة ثقة الناس فيه من جهة، ويساهم في النمو الاقتصادي من جهة أخرى، حسبما يرى الخبير الاقتصادي جان طويلة.

وفي حين يقول مصرفوين واقتصاديون إنّ هناك خسارة ما ستلحق على الأقل بكبار المودعين، فيما لن يتأثر الصغار منهم، يقول طويلة لرصيف22: "رغم أنّ القطاع المصرفي سيتكبد خسائر كبيرة، جراء تعثر القطاعين العام والخاص في لبنان عن سداد مستحقات المصارف، إلا أنه لا يمكن التعميم في هذا السياق أبداً، ويجب التنبه إلى أخذ حالة كل مصرف على حدة".

ويضيف: "ستلجأ المصارف في إعادة رسملتها إلى المساهمين الذين سيتحملون الخسائر أو إلى إدخال أموال جديدة عبر مساهمين جدد، وفي حال لم تغطِّ هذه الأموال خسائر المصارف سيكون الخيار الأخير بالطلب، وليس الإجبار، من كبار المودعين تحويل نسبة مئوية من ودائعهم إلى أسهم في المصرف لرفع رأسماله".

لماذا الاختلاف؟

تنقسم الآراء بين مَن يجد أنّ دمج المصارف جيد ويلائم المرحلة وربما هو أكثر من ضرورة، كونه يعيد بناء قطاع مصرفي قوي يساهم في تحسين الواقع الاقتصادي، وبين مَن يعتبر أنه لن تكون له أيّة إيجابيات مرجوة بل على العكس سيعمق المشكلة أكثر.

ينطلق الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي في تبرير تفضيله لعدم اللجوء إلى مثل هذا الخيار، من أن الدمج "يعني مفاقمة مشاكل المصارف أكثر، لناحية شح السيولة وعدم قدرتها على تلبية حاجات زبائنها والقيام بالتحويلات الداخلية والخارجية وغيرها من الأمور، معتبراً أنّ خطوة توسع أو شراء أو دمج مصارف عادة ما تُتَّخَذ في وضع تكون فيه المصارف في أوج ازدهارها ووضع السيولة لديها ممتاز وغير متورطة مع مدينين غير آمنين، وبالتالي يكون اتحادها مع مصارف متعثرة أو أقل قوة أمراً مطلوباً وجيداً".

يكثر الحديث عن رغبة الحكومة اللبنانية في إعادة هيكلة القطاع المصرفي. وبرغم عدم البدء بخطوات عملية في الملف، إلا أنّ نقاشات كثيرة تدور بين مؤيد ومعارض، في وقت يُثير الطرح مخاوف لبنانيين كثر لجهة المخاطر المحتمَلة على ودائعهم

ويضيف لرصيف22: "في الحالة اللبنانية الراهنة، المصارف شبه مفلسة ولا يعلَن عن ذلك صراحة، وبالتالي فإن إجراء عمليات دمج إجبارية وتصفية بنوك صغرى لن يشكل أيّ إصلاح مرجو بل سيشكّل إساءة للنظام المالي والنقدي والمصرفي القائم والذي هو جزء أساسي من نظام اقتصادي حر ذي بعد اجتماعي يتمتع به لبنان دستورياً، وهو من أفضل الأنظمة في العالم لكن مَن حكم لبنان أفرط في الإساءة إلى طبيعته ولم يراعِه، وخرج عن أصوله وقواعده".

من جهة أخرى، يعتبر طويلة أن خيار إعادة الهيكلة جيد ومطلوب شرط ألا تتدخل الحكومة فيه. ففي المشروع المالي للحكومة (الخطة الاقتصادية) هناك دعوة لمنحها صلاحيات استثنائية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإنشاء 5 مصارف جديدة ومتخصصة.

أما غبريل، فيتعبر "أنّ دينامكية السوق والوضع الاقتصادي والتنافسية بين المصارف هي التي تقرر حجم القطاع المصرفي كأي قطاع آخر، إذ إن الاقتصاد اللبناني كله يرزح تحت ضغوط بسبب وجود أزمة سيولة حادة وأزمة ثقة. وبالتالي فإنّ ضغوطات السوق موجودة وتؤدي نحو الدمج والتملك بين المصارف تلقائياً ولا جدوى من تدخل الحكومة بشكل مباشر مثلما هو موجود في المشروع المالي لأن هذا سيؤدي إلى فقدان الثقة لجيل كامل من المودعين والمستثمرين، ولا يخدم هدف إيجاد قطاع مصرفي قوي وسليم قادر أن يكمل في تمويل الاقتصاد اللبناني، علماً أنّ هذا الخيار عادة ما تقرره مجالس إدراة المصارف وتصوّت عليه الجمعيات العمومية".

ويضيف غبريل: "لقد تدخلت الحكومة في القطاع عندما أعلنت عدم الاستمرار في دفع استحقاقات سندات اليوروبوند في 7 آذار/ مارس 2020، والمصارف تحمل جزءاً من هذه السندات وتأثرت بشكل مباشر بهذا القرار لأن إيراداتها بالعملات الأجنبية توقفت جراء ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ودائع المصارف لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية"، مشيراً إلى أن "حجم القطاع تقلّص بسبب تراجع الودائع فيه بحوالي 23 مليار دولار بين أول أيلول/ سبتمبر 2019 وآخر آذار/ مارس 2020".

وأشار غبريل إلى أنّ جمعية المصارف ستقترح بديلاً عمّا جاء في خطة الحكومة لجهة كلفة الأزمة التي حُمّلت للقطاع المصرفي ولجه تقليص حجمه للحفاظ على المصارف وودائع الناس، وسنرى بعدها التطورات على الأرض، لافتاً إلى تناقضات ملحوظة في المشروع المالي للحكومة، بحيث تسعى إلى تقليص عدد المصارف الموجودة من جهة بينما تسعى إلى إنشاء خمسة مصارف جديدة لم تظهر ملامحها بعد.

تنقسم الآراء بين مَن يجد أنّ دمج المصارف اللبنانية جيد ويلائم المرحلة، كونه يعيد بناء قطاع مصرفي قوي يساهم في تحسين الواقع الاقتصادي، وبين مَن يعتبر أنه لن تكون له أيّة إيجابيات مرجوة بل على العكس سيعمق المشكلة أكثر

على مقلب آخر، تبرز مخاوف على مصير العاملين في القطاع المصرفي والذين باتوا اليوم مهددين بخسارة وظائفهم في حال تحقق الدمج أو التصفية، وقد ينضمّون إلى عشرات الآلاف من المواطنين الذين فقدوا وظائفهم بسبب إغلاق العديد من المؤسسات في لبنان نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة.

تجارب سابقة

تاريخياً، لا يُعَدّ الدمج أو التملك أمراً جديداً في لبنان، ففي تسعينيات القرن الماضي، ومع انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) سهّل مصرف لبنان دمج وتملك بعض المصارف وعمد إلى سحب رخص بعضها الآخر، حتى انخفض عدد المصارف من 88 مصرفاً إلى العدد الحالي، بهدف إعادة بناء قطاع مصرفي قوي، وقد منح لأجل ذلك حوافز مشجعة للمصارف الدامجة من أجل تسهيل عملية الدمج، وهذا ما يعجز عنه راهناً، لا سيما أنّ المصارف بغالبيتها متعثرة وعمليات الدمج تُقدَّر بالعشرات.

وبحسب غبريل، هذا المنحى لا يُعتمد فقط وقت الأزمات وإنما في الأوقات الطبيعية، متتقداً تدخل الحكومة وطلبها صلاحيات استثنائية فـ"هذا شيء منافٍ لهوية الاقتصاد اللبناني الحر".

وفي مقارنة سريعة بين ما جرى حينذاك وما يحدث اليوم، يقول طويلة إنّ تعثر المصارف في التسعينيات أتى نتيجة سوء إدارة بعض المصارف ليس أكثر، فيما يؤخذ على القطاع المصرفي في الوقت الراهن أنه تواطأ مع السلطة السياسية الفاشلة، فكان فشل السياسات المالية والنقدية سبباً رئيسياً لما وصلنا إليه.

ومنذ ذلك الحين، حصلت حالات دمج وتصفية فردية، كانت نتيجة عوامل خارجية كاتهام وزارة الخزانة الأمريكية بعض المصارف بالتعامل مع حزب الله، كما جرى مع البنك اللبناني الكندي عام 2013، وجمّال ترست بنك العام الماضي، ولم تتأثر حينها أموال المودعين التي عمل المصرف المركزي على إعادتها لهم.

ماذا على الصعيد القانوني؟

يقول الخبير القانوني ووكيل أحد المصارف اللبنانية، مازن صفية، لرصيف22 إنّه "في الظروف الاقتصادية العادية، لا تطرح عملية الدمج أيّة إشكالات قانونية أو مالية مع المودعين لأن العلاقة التعاقدية لجهة الالتزامات الدائنة أو المدينة تكون مع المصرف الدامج الذي يلتزم بها وهي أساساً مضمونة برأسمال المصرف وموجوداته والاحتياطي القانوني الإلزامي في مصرف لبنان كما بمؤسسة ضمان الودائع وبالتالي لا يوجد أي خطر على أموال المودعين".

ويضيف: "كذلك الأمر بالنسبة إلى حالة التصفية، إذ تكون أموال المودعين مضمونة أيضاً بأموال المصرف وأصوله وموجوداته الثابتة، ويعمد مصرف لبنان إلى تخمينها وبيعها وتأمين السيولة اللازمة عنها لتسديد أموال المودعين".

ويضيف لرصيف22 أن "هناك اقتراح قانون يقضي برفع ضمان الودائع إلى 75 مليون ليرة أُقرّ في لجنة المال النيابية تمهيداً لإقراره في الهيئة العامة ما سيشكل ضمانة إضافية لحماية أموال المودعين".

ولكن في الوقت نفسه، يقول صفية إنّ "القانون يحمي المودع مبدئياً لكن يبقى تطبيق القانون من قبل القضاء هو الذي يؤكد على فعاليته أو العكس".

ولأننا في ظروف اقتصادية استثنائية، يتابع، فإنّ "تأمين الحماية القانونية للمودعين تستلزم قوانين استثنائية وطارئة لمواكبة الظروف دون المس بالقطاع المصرفي أو تهديده إذا كان الهدف استمراره واستمرار الثقة به".

من جهته، يعتبر غبريل أنّ "دمج المصارف بحد ذاته لا يشكل خطراً على أموال المودعين، وإنما ما تضمنه مشروع الحكومة المالي الذي يجبر المودع على دفع ثمن أزمة لا علاقة له بها، من خلال تحويل قسم من ودائعه إلى أسهم في المصارف أو إلى سند يصدره المصرف بفائدة منخفضة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard