ماتت فرح. لم تكن الضحية على علمٍ بما ينتظرها بعد عبورها باب مستشفى التجميل التابع لخبير التجميل اللبناني الشهير نادر صعب، جلّ ما يشغل بالها هو النتيجة التي تنتظرها بعد الخروج من الباب الذي دخلته، فالدعاية المهولة التي يحيط صعب نفسه بها توهم الطامحين إلى زيارته بأن عمليات التجميل لا تعدو كونها "شربة ماء" أو عملية بسيطة تنتهي بعد ساعات، بلا أعراض جانبية.
أصدر مجلس النواب قانوناً في فبراير من العام 2017 يفرض بموجبه على أي مركز تجميلي في لبنان، الحصول على ترخيص من وزارة الصّحة قبل إجراء أي عملية جراحية، لأن العمليات التجميلية تعدّ عمليات جراحية طبية كأي عمليات أخرى وفيها نسبة من الخطر المميت.
السياحة التجميلية في لبنان... لا ضوابط ولا معايير
يحتل لبنان المركز الـ24 عالمياً بعمليات التّجميل، 18,500 عملية تجميل سنوياً أي أكثر من 120 عملية شهرياً، قد يكون البعض منها خطراً جداً ما لم يتقيّد الطبيب بالمعايير المهنية والصّحية. مع ازدهار السّياحة التجميلية، ازداد الإقبال على الطلب في ظلّ وفرة العرض والدّعايات التي تجتاح العالمين الافتراضي والفعلي، لوحات إعلانية ووجوه بلاستيكية متشابهة، فلا إبتسامة تميز ما بينها ولا عبسة.
تجارة التجميل فتحت شهية أطباء كُثُر، فتحوّلت العيادات إلى مستشفياتٍ صغيرة غير مجهّزة بأبسط المقومات اللازمة، كأجهزة مراقبة المريض بعد العملية مثلاً، وتقتصر التجهيزات على الأجهزة اللازمة لإجراء العملية فقط.
وجوه بارزة ووجوه متشابهة وآذانٌ صمّاء
تدخل السياحة التجميلية للجيوب ما نسبته 15% من مجمل الإنفاق السياحي، لذلك تغضّ السلطات الطرف عن محاسبة دكاكين التجميل المنتشرة، على الرغم من الحملة التي قام بها وزير الصّحة السابق، وائل بو فاعور وأقفل بموجبها مراكز تجميلٍ غير مؤهّلة، ما لبثت أن فتحت أبوابها مجدّداً.
آذان السلطات الصّماء تكاد تحوّل صالونات الحلاقة بحسب نقيب الأطباء ريمون صايغ إلى عيادات تجميل، تتوفّر فيها خدمات إزالة التاتو وإزالة الشعر باللايزر، كما حقن إبر بوتوكس في بعض الصالونات "الفاخرة".
الدعاية المهولة، مترافقةً مع ترويج إعلامي كبير للدكتور نادر صعب، حيث حلّ الأخير ضيفاً على برامج تلفازية ومسابقات ملكات جمال ومؤتمرات، كرّسته مرجعاً جمالياً في نسخ الوجوه.
عمليات التّجميل بالأساس وجدت لترميم تشوهات مختلفة الأسباب، ومحو آثار قد تترك في نفس حاملها مشاكل وعُقداً، لا لحرمان النساء من جمالهن الطبيعي، كي يتحوّلن شبيهاتٍ للفنانات، حتّى أصبحت طرقاتنا تعجّ بشبيهات إليسا ونانسي وهيفا وهبي.
المجتمع شريك في موت فرح... لا استهتار نادر صعب فقط
استهتار بعض الأطباء ومراكز التّجميل، واستسهالهم البضع والقصّ والشّفط دون أن يأبهوا بما في ذلك من مخاطر على حيوات الضحايا، مردّه إلى المجتمع الذي اعتاد صنع آلهة في قوالب مقدّسة. آلهة اكتسحت بنجوميتها الشاشات والشوارع، فما إن ظهرت جريمة مقتل الشابة فرح قصّاب، حتى انبرى البعض دفاعاً عن الطبيب، فغرّد المخرج شربل خليل قائلاً: "دكتور نادر صعب، إبداعك بمهنتك نادر، والنيل منك صعب، تحية لك بوجه حملة التجني عليك".
صعب بريء برأي خليل، لا داعي للتحقيقات فحسمها المخرج ومن معه، موت شابةٍ، أم لثلاثة أطفالٍ هو تمثيلية من حملة تجنٍ ممنهجة.
الممثلة لورين قديح اختصرت المشهد بالتالي: "من قتلَ السيدة مجتمعٌ منافق مجّد الجسمَ المنحوت والوجهَ المسحوب والفمَ المنفوخ. من قتل السيدة إعلامٌ وعصرٌ أوصلا المزيف واغتالا الحقيقي"، فالمجتمع يألف التجميل ونتائجه، وسيداته البارزات كما أسياده، من فنانين وكتبة وإعلاميين، يتهافتون على إجراء عمليات التّجميل طمعاً بالوصول للكمال الشكلي، أو ما يظنون أنه الكمال، ليسقطوا هم أيضاً ضحايا للدعاية التي تروّج لأطباء التجميل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 21 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت