شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
التوجيهات الأمنية المصريَة في دراما رمضان: هل نصدق الواقع أم رسائل الدولة؟

التوجيهات الأمنية المصريَة في دراما رمضان: هل نصدق الواقع أم رسائل الدولة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 10 يونيو 201712:03 م

خلال خمسينيات القرن الماضي وستينياته، استطاع الفن أن يساهم في حماية ثورة يوليو ومبادئ الاشتراكية التي حرص على تعزيزها جمال عبدالناصر لسنوات، من خلال عدد من الأعمال السينمائية والمسرحية.

وما أشبه الليلة بالبارحة، فمع اختلاف الأشخاص والأدوات، تحاول الإدارة المصريّة الحالية أن تصنع توجيهات جديدة خاصة بها وبظروفها الراهنة، وأبرزها التوجيهات الأمنية ولا سيما التي لها علاقة بهيئة الشرطة.

مسلسل "كلبش" المعروض حالياً على شاشات التلفاز للمرة الأولى، يعد نموذجاً واضحاً للتوجيه الأمني الذي تحرص الدولة على تطويره ودعمه بكافة الأدوات الحديثة والتقليدية، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر دراما تلفزيونية يشاهدها الملايين خلال شهر رمضان.

العمل من تأليف بهاء دويدار وإخراج بيتر ميمي، والبطولة للفنان أمير كرارة الذي يجسد دور "سليم الأنصاري" ضابط العمليات الخاصة، الذي تم نقله بأمر من وزارة الداخلية للعمل كضابط مباحث بقسم العمرانية بمنطقة الهرم في القاهرة.

يبدأ المسلسل بظهور الضابط "سليم" أثناء قيادته حملة أمنية كبيرة لضبط أو تصفية عدد من المتطرفين المختبئين في المنازل، ووسط إطلاق النار المتبادل بين القوة والمطلوبين يسقط الضابط زميل "سليم" مقتولاً على يد "عاشور" أحد المتطرفين المطلوبين. يواصل "سليم" حملته الأمنية وحده.

وبدون مبرر منطقي، يظهر فجأة طفل جالس على الأرض وسط المنازل وتظهر عليه علامات الرعب جراء إطلاق النار المتبادل، ورغم كثافة الطلقات المتناثرة هنا وهناك، يستطيع الضابط التقاط الطفل دون أي أذى، ليسلمه لوالدته.

يستكمل حملته باحثاً عن "عاشور" أبرز المطلوبين، ليجده مختبئاً داخل إحدى البنايات تحت الإنشاء، وهنا يظهر طفل آخر، لكن هذه المرة الطفل بين أيدي المتطرف كرهينة، وفي هذه اللحظة ينطلق حوار ساذج بين "سليم" و"عاشور"...

يقول الضابط: "الواد مالوش ذنب"، ليرد عاشور: "ماحدش مالوش ذنب في اللي إحنا فيه... الواد ده لو مات هيخش الجنة معايا، الدور والباقي عليك انت واللي معاك".

في النهاية ينجح الضابط في تصفية عاشور وإنقاذ الطفل. لكن الغريب أن وزارة الداخلية لم تَسعدْ بخبر مقتل عاشور ولم تكافئ ضابطها كما هو معتاد في الواقع، بل نقل الضابط من موقعه إلى قسم العمرانية احتجاجاً على تصفية "عاشور" قبل التحقيق معه للحصول على معلومات مرشدة لخليته الإرهابية.

تتعقد أحداث المسلسل، وتتبلور أكثر الرسالة الموجهة للمشاهد في الموقع الجديد الذي انتقل إليه الضابط "سليم" وذلك عقب ظهور "زناتي" أمين الشرطة الذي يعلم كل تفصيل عن القسم.

منذ الوهلة الأولى للقاء "سليم" بالضابط رئيس مباحث القسم، يمكنك أن تلمح التوجيه الجديد ضد أمناء الشرطة، فرغم أنهم من أهم أطراف العمل الشرطي وأيدي بعضهم ملوثة في الجرائم والأحداث التي شهدتها السنوات الأخيرة، إلا أنه منذ حوالي العامين ظهرت نغمة جديدة تحاول إدعاء أن أمناء الشرطة وحدهم هم الذين يرتكبون الجرائم داخل الأقسام أو خارجها.

منذ اندلاع ثورة يناير عام 2011، بدأ عدد من أمناء الشرطة في الخروج عن المألوف بالمشاركة في مظاهرات ضد وزارة الداخلية، للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وتعدّدت مظاهراتهم لأكثر من 15 مرة، وتصاعدت حِدة احتجاجات الأمناء عام 2015، حين هددوا الوزارة بإضراب عن العمل إذا لم يتم صرف حوافزهم المالية وتحقيق مطالبهم.

التوجيهات الأمنية الواضحة في مسلسل "كلبش"... بالأمثلة

منذ ذلك الحين ظهر توجه عام داخل الجهاز الأمني انتقل لمعظم ووسائل الإعلام الحديثة والتقليدية ضد أمناء الشرطة، وتزامن ذلك مع تعدد حوادث إطلاق النار على مواطنين، ارتكبها أمناء في السنوات الأخيرة.

يحاول الأمين "زناتي" عرض خدماته ومجاملاته على "سليم" ضابط القسم المستجد، لكن "سليم" يتعامل مع "زناتي" وكأن هناك عداء مُسبقاً بينهما، وكأن مخرج المسلسل يقول لنا "لاحظوا أن هناك فارقاً بين الضابط والأمين"، ويبدو ذلك ساذجاً إذا نظرنا لواقع علاقة الضباط بالأمناء، ففي الواقع غالباً ما يكون الأمين مساعداً وداعماً لعمل الضابط، وفي كثير من الأحيان منفذاً، وفي بعض الحالات يكون الأمين مُعلماً للضابط، خاصة إذا كان الضابط حديث التخرج وجديداً في العمل.

لكن رغم العداء الذي يكنه سليم لـ"زناتي" بدون مبرر درامي واضح، إلا أنه حين تعرّض لسخرية الأمين لم نرَ له رد فعل قوي أو قاسِ على هذه السخرية، وفات الأمر بشكلٍ طبيعي.

يخرج "زناتي" من مكتب سليم ويغلق الباب خلفه بعد أن سأله سليم عن اسمه الثلاثي. لكن "زناتي" لم يرحل إلى عمله، وقف خلف باب المكتب متنصتاً على مكالمة هاتفية أجراها "سليم" مع أحد زملائه اتصل به ليحصل منه على معلومات بشأن "زناتي".

وهو المشهد الساذج الذي صوّر لنا القسم وكأنه مملكة الأمين وحده، يستطيع أن يقف بكل جرأة يتنصت على مكالمات الضباط بطريقة مفضوحة. وبالطبع هذا ليس منطقياً ولا واقعياً، خاصةً أن قسماً مثل العمرانية من المفترض أن يكون مكتظاً بالعساكر والأمناء والضباط، وأيضاً بالمتهمين والمواطنين.

لكن المخرج أراد أن يُظهر لنا سريعاً طبيعة العلاقة المتوترة بين الأمين والضابط لتكتمل الرسالة الموجهة.

بالبحث، توصل سليم إلى وجود تاجر مخدرات في منطقة القسم اسمه "تايسون"، وفي مشهد ساذج جمعه برئيس مباحث القسم، تعجب "سليم" من عدم وجود أي محضر شرطي ضد هذا التاجر، ليخبره رئيس المباحث بأن القسم لم يستطع إثبات تهمة الاتجار بالمخدرات، والسبب "وجود عصافير داخل القسم تخبره بكل شيء ليأخذ احتياطاته".

هذا ليس أمراً غريباً، بل هو معروف حتى لدى المواطنين العاديين، لكن الغريب أن المُخرج ما زال يُصر أن يُظهر "سليم" على أنه ضابط طيب يحكمه ضميره، ولا يعلم بوجود متعاونين في الشرطة يخبرون تجار المخدرات بمواعيد الحملات الأمنية أحياناً.

يبدو أن "سليم" علم بأن "زناتي" هو الذي يحمي التاجر، فقرر أن يخترق هذه الحماية بنزوله المنطقة التي يقيم بها "تايسون" وذلك بواسطة قوة أمنية محدودة على رأسها "زناتي" نفسه، يركض "سليم" خلف "تايسون" ويقف "زناتي" مشاهداً مثل باقي أهالي المنطقة الذين شاهدوا الضابط وهو يضرب ويسحل "تايسيون" من قدمه حتى عربة الشرطة، في مشهد ليس له مبرر سوى أن المخرج قد اعتبر أن السحل هو الأداء الأمثل للضابط حين يكون في مهمة ضبط أي شخص أو متهم.

تنقلب أحداث المسلسل وتتعقد أكثر بوفاة فتاة أثناء تعرُض شاب لها في منطقة القسم، واختار كاتب العمل أن يكون هذا الشاب ابن برلماني كبير. ورغم قساوة الحادث، ذهب "سليم" إلى منزل البرلماني ليطلب منه تسليم ابنه الهارب، ليرد عليه البرلماني بعرض رشوة كبيرة عليه مقابل تجاهل الحادث ونسيان الأمر.

بالطبع، رفض "سليم" العرض، لكنه لم يكن قاسياً مثلما ظهرت قساوته مع تاجر المخدرات. ولم يقرر مطاردة أسرة الشاب القاتل مثلما يحدث مع بعض المواطنين العاديين إذا ارتكب أي فرد من الأسرة جريمة في الواقع. رحل في سلام.

بالمصادفة يكون الشاهد الوحيد الذي شهد الحادث وصوره بهاتفه، هو الشاب الذي كان ألقى "سليم" القبض عليه أثناء سيره بالشارع ليلاً، في وقتٍ سابق بدون أي تهمة، وأودعه في الحبس فقط لأنه حاول أن يناقشه ويسأله عن أسباب القبض عليه.

يستضيف "سليم" الشاهد في مكتبه، ثم يتركه قليلاً وحده، ويستغل زناتي رحيل سليم عن القسم، لينفذ ما طلبه منه البرلماني والد القاتل، بأن يعرض على الشاهد مبلغاً مالياً ليغير شهادته، فيصطحب "زناتي" الشاهد إلى غرفة تشبه غُرف التعذيب، وهناك يعرض عليه تغيير شهادته، لكن الشاهد يرفض، ويندفع "زناتي" بضربه على وجهه بوساطة سلاحه الميري.

بعد مرور ساعات قليلة، عاد "سليم" إلى القسم، ليجده خالياً من عساكره ومن الشاهد الذي لم يجده كما تركه في مكتبه، ورغم عِلم "زناتي" بعودة الضابط، يستمر في تعذيب وتهديد الشاهد في الغرفة السرية، لينتهي الأمر بمقتل الشاهد إثر التعذيب.

"زناتي" يظهر وكأنه لم يُفاجأ بمصرع الشاهد على يده، ويقرر أن يرتب أموره لاتهام الضابط بمقتل الشاهد، فيتفق مع صديقه "تايسون" تاجر المخدرات المحبوس داخل القسم على أن يشهد ضد الضابط ويتهمه بتعذيب وقتل الشاهد، وبالفعل هذا ما حدث أمام ممثل النيابة الذي حضر إلى القسم للتحقيق في القضية.

تتصارع الأحداث ويصبح "سليم" متهماً بقتل أحد المواطنين داخل القسم، ويصنع المخرج مظاهرة أمام القسم تقودها مجموعة من الشباب يهتفون "الداخلية بلطجية" أحد هتافات ثورة 25 يناير. وهنا الرسالة الموجهة تتبلور وتتضح أكثر، وهي أن المواطنين وخاصة المعارضين لا يعلمون شيئاً عن الواقع، أو كأن كل الحوادث التي يُتهم فيها ضباط هي في واقعها من تدبير آخرين.

الحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي ظهر أكثر من مرة في المسلسل، ظهر بالطريقة نفسها التي يتحدث بها رجال الأمن في وسائل الإعلام، وهي النغمة التي تعتبر كل ما يدار على وسائل التواصل الاجتماعي حول حوادث الشرطة شائعات وافتراءات لا أساس له من الصحة.

الواقع أن "سليم لم يقتل الشاهد، وأن الأمين هو القاتل... لكن هذا لا يغير من الحقيقة، خاصةً أن هناك الكثير من الضباط تورطوا في تعذيب وقتل مواطنين داخل القسم أو خارجه، فعلى سبيل المثال قضت محكمة الجنايات على ضابطي أمن وطني بالسجن المشدد خمس سنوات في ديسمبر 2015 بعد ضلوعهما في تعذيب وقتل "محامي المطرية"، وذلك قبل إعادة المحاكمة.

وفي العام الماضي حكمت جنايات الإسماعيلية على أحد الضباط بالسجن المشدد خمس سنوات معاقبةً له على قتل أحد المواطنين بعد تعذيبه، بالإضافة لحصوله على حكم آخر بالسجن ثلاث سنوات رداً على تزويره محضر الشرطة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image