"تزفّ عشائر حجام شهيدها البطل عباس داخل حبيب الذي استُشْهِدَ خلال التظاهرات السلمية، أخ حسن وحسين ومحمد، وتُقام الفاتحة في حسينية جعفر الطيار في حي التجار اعتباراً من 5/11/2019".
كُتِب هذا العزاء على لافتةٍ سوداء، لا تزال معلقةً إلى جانب العلم العراقي على جدار بيت عائلة عباس، في مدينة الشطرة، التابعة لمحافظة ذي قار جنوبي العراق، وتُصرّ العائلة على إبقائها معلقةً إلى حين تحقيق المطالب التي قُتِلَ من أجلها عباس.
عباس (17 عاماً) هو أحد الضحايا الذين سقطوا في التظاهرات التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر 2019 في العاصمة العراقية بغداد ومحافظات جنوب البلاد، احتجاجاً على الفقر (نسبته 22.5 % بحسب ما كشفه لنا المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي) والبطالة (نسبتها 22.6% بين الشباب بحسب المصدر نفسه) والفساد (المرتبة 162 من أصل 180 دولة في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية لعام 2019).
الاحتجاجات التي تُعد الأكثر دموية منذ عام 2003، والتي خرجت في تسع محافظات ذات غالبية شيعية، أدت إلى مقتل 556 متظاهراً وإصابة 22799 آخرين، بحسب آخر إحصائية نشرتها "المفوضية العليا لحقوق الإنسان" في العراق (تابعة للبرلمان العراقي) في الثالث من شباط/فبراير 2020، غير أن منظمات مدنية ومراكز توثيق مستقلة تؤكد أن الحصيلة أكبر مما هو معلنٌ رسمياً.
المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب (مركز مستقل) هو من المؤسسات التي تشكك بإحصائية المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، ووفقاً للمركز الذي زودنا بحصيلة الضحايا الذين وثقهم؛ فإن الحصيلة بلغت 752 قتيلاً، و24488 جريحاً، و2915 معتقلاً لدى الأجهزة الأمنية الرسمية والمليشيات المسلحة التي لها نفوذ كبير في البلاد. وهذه الإحصائية هي للفترة من بداية تشرين الأول/أكتوبر 2019 إلى غاية 6 شباط/ فبراير 2020.
بحسب المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، فإن 36 قتيلاً (من مجموع العدد الكلي للقتلى) قضوا في قنابل الغاز المسيل للدموع التي أطلقتها قوات الأمن العراقية على المتظاهرين في عموم المدن العراقية التي تشهد احتجاجات شعبية.
مقتل بائع السمك الصغير
بنبرة حزينة وغاضبة، يروي لنا حسن قصة شقيقه عباس الذي قُتل بقنبلة غاز استقرت في جمجمته وهشّمتها: "كان للتو قد أكمل عامه السابع عشر. قرر أن يعمل بائعاً للسمك في سوق الشطرة ليساعدنا في توفير لقمة العيش، لكنه ظلّ يحلم بالعودة إلى الدراسة والحصول يوماً ما على وظيفة مناسبة لبناء مستقبله".
لافتة إعلان مقتل عباس داخل حبيب خلال التظاهرات في محافظة ذي قار
"عندما بدأت الاحتجاجات ترك عباس بسطة السمك، وشارك مع رفاقه في التظاهرات مثل آلاف الشباب العاطلين عن العمل، والباحثين عن مستقبل أفضل، كان مؤمناً بأنها الطريقة الوحيدة للضغط على الحكومة من أجل إيقاف الفساد".
يُكمل حسن: "لم يكن عباس يحمل غير علم العراق، لكنهم قتلوه. قتلته الحكومة الفاسدة، قتلوه بقنابل الغاز المسيل للدموع التي يشترونها بأموالنا، إنها حكومة مليشيات لا تعرف غير القتل! ماذا رأى من حياته غير الفقر والبطالة؟ خرج يطالب بحياة كريمة، لكنهم أعادوه لنا جثةً مهشمة الرأس".
في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وبعد تصاعد حدة التظاهرات، انسحب فوج مكافحة الشغب من مدينة الشطرة، حيث يعيش عباس، واستُبدِل بفوج طوارئ البصرة، وعندما احتشد متظاهرو الشطرة أمام منزل الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزّي، تدخل فوج الطوارئ لتفريقهم، مُطلقاً الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع، ما أوقع 15 إصابة، كانت بينها ثلاث إصابات خطرة نُقِلت إلى مستشفى الحسين التعليمي في المدينة، لكن اثنين من المصابين فارقا الحياة، أحدهما كان عباس.
تُظهر شهادة وفاة عباس داخل حبيب التي حصلنا عليها من عائلته أن سبب الموت هو: "كسور وتمزقات ونزيف في الرأس بسبب مقذوف ناري مستقر"، دون ذكر نوعية هذا المقذوف، فيما تؤكد عائلته أنه قُتِل جراء إصابته بشكل مباشر بقنبلة غاز مسيل للدموع أو ما تُعرف بين المتظاهرين المحليين بـ"الدخانية".
شهادة وفاة عباس ومكتوب أن السبب: كسور وتمزقات ونزيف دموي في الرأس بسبب مقذوف ناري مستقر
في محافظة ذي قار التي تشهد احتجاجات دامية وإضراباً عاماً في العديد من المؤسسات والقطاعات الحكومية، وبحسب مسؤول رفيع في دائرة الصحة، اشترط عدم الإفصاح عن هويته قُتِل 104 متظاهرين، وأُصيب 1467 بينهم عشرات الحالات الحرجة التي ما زالت ترقد في مستشفيات المحافظة، فيما بلغ عدد المعتقلين والمختطفين من الناشطين في التظاهرات 573 معتقلاً، وهذه الإحصائية هي للفترة من 1 تشرين الأول/أكتوبر 2019 ولغاية 13 كانون الثاني/يناير 2020.
أما أعداد القتلى والمصابين جرّاء استهدافهم بقنابل الغاز المسيل للدموع فقد بلغت في محافظة ذي قار وحدها 25 قتيلاً و524 مصاباً، بحسب المسؤول الذي أكد لنا أن غالبية الإصابات تكون في منطقتي الرأس والصدر، وهذا ما يجعل تلك القنابل مميتة، بسبب إطلاقها من قبل قوات الأمن على أجساد المتظاهرين بشكل مباشر.
بحسب المسؤول، فإن دائرة صحة ذي قار لم تُصدر أو تُعلن أية إحصائية بعدد الضحايا منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2019، بعد توجيهات مباشرة من قبل قائد شرطة المحافظة حينها محمد السعيدي الذي أمر بأن تكون قيادة الشرطة الجهة الوحيدة المخولة بإعلان حصيلة ضحايا التظاهرات.
سألنا المسؤول في دائرة صحة ذي قار عن السبب الذي يدفع أجهزة الأمن الى منع دائرة الصحة من إعلان حصيلة الضحايا، فقال إن "الأعداد كبيرة جداً، والشرطة أو الأجهزة الأمنية عموماً تخشى غضب الأهالي عندما تُعلَنُ حصيلة الضحايا الحقيقية، هناك عشرات الإصابات يومياً، القتلى والمصابون تغص بهم مستشفيات المحافظة".
شهادات "خط الصد الأول"
خلال التظاهرات استخدمت قوى الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع على نطاق واسع في العاصمة العراقية بغداد ومدن جنوب البلاد، وتوثق عشرات مقاطع الفيديو والصور والشهادات التي حصلنا عليها، إطلاق عناصر الأمن تلك القنابل بطريقة مباشرة على أجساد المتظاهرين، ما تسبب بوقوع مئات القتلى والجرحى.
من ساحة التحرير التي تشكل مركز الاحتجاجات في بغداد، وكذلك ساحة الخلّاني، وشارع السعدون، وبناية المطعم التركي، وبالقرب من جسر الجمهورية الذي يُعتبر خط الصد الأول بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب التي تقطع بدورها الجسر لمنع المحتجين من العبور إلى المنطقة الخضراء حيث معظم مؤسسات الدولة، حصلنا على عشرات الشهادات والصور ومقاطع الفيديو لمتظاهرين وناشطين، كما حصلنا على شهادات خاصة لأطباء المفارز الطبية التي تتمركز في الساحات والشوارع التي تشهد زخماً في التظاهرات، وهؤلاء بدورهم زودونا بصور الأشعة المقطعية لمتظاهرين قُتِلوا أو تعرضوا إلى إصابات مباشرة في منطقتي الرأس والصدر بقنابل الغاز المسيل للدموع.
مصطفى أحمد (26 عاماً) هو أحد المتظاهرين الذين تعرضوا في ساحة التحرير إلى إصابة مباشرة في القدم بقنبلة غاز مسيل للدموع.
يقول في شهادته: "تعرضت أكثر من مرة لقنابل غاز، المواد الكيمياوية فيها تُشعرك باختناق شديد فلا تستطيع التنفس، لا يمكنك أن ترى ما حولك حيث يصعب عليك أن تفتح عينيك، كأنك تموت أو يُغمى عليك".
يؤكد مصطفى أنه تعرض ثلاث مرات لقنابل غاز مسيلة للدموع منتهية الصلاحية: "كانت سنة انتهاء صلاحيتها تشير إلى العام 2014 وذلك يجعل سُميّتها أشد، لهذا فإن التعرض لها خطير جداً... لو جاءت الإصابة في الرأس أو الجسد فإن النجاة تكون صعبة".
"شاهدت بنفسي عدداً من الشباب يسقطون شهداء بتلك القنابل خاصة على ضفة نهر دجلة قرب جسر الجمهورية"، ويضيف مصطفى: "بعضهم استشهد بإصابات مباشرة في الرأس، وبعضهم الآخر أصيب بسبب الاختناق، هذه القنابل تُستخدم لتفريق المتظاهرين في أسوأ الأحوال، لا لقتلهم".
سألنا إحدى الطبيبات عن مشاهداتها الميدانية، وافقت على التحدث شريطة ألا نذكر اسمها في التحقيق خوفاً على مستقبلها المهني، كونها موظفة في إحدى مستشفيات العاصمة، لكنها ومنذ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2019 موجودة في ساحة التحرير في مناوبات تمتد أحياناً لمدة 14 ساعة مع أطباء آخرين لتقديم العلاج للمتظاهرين.
تقول الطبيبة: "لقد تعرضت شخصياً للإصابة بقنبلة غاز مسيل للدموع، أُلقيت على المفرزة الطبية، بينما كنا نُسعف المتظاهرين المصابين، كانت الأعراض شديدة الألم، حيث ترتفع درجة حرارة الجلد بشكل كبير، وتتشنج عضلات العينين وتفقد القدرة على فتحهما بشكل طبيعي، وبالنسبة لي ساعدني زملائي على فتح عينيّ بالقوة من أجل إعطائي قطرة ′هاي فريش′ (Hyfresh)، وبقيت 15 دقيقة أعاني آلاماً قوية في العينين".
"المفارز الطبية في ساحة التحرير وما حولها في خطر دائم"، تؤكد الطبيبة مضيفة: "في أية لحظة يمكن أن تسقط علينا قنابل غاز مسيل للدموع أو حتى رصاص حي، المفارز مكشوفة في الشوارع، ومنتشرة لاستيعاب العدد الكبير من الجرحى، لكن لا ضمان لسلامة الأطباء، نحن هنا في ساحة حرب، هكذا تتعامل معنا الأجهزة الأمنية".
في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وخلال محاولته إسعاف المصابين على جسر الشهداء في بغداد، قُتل الطبيب عباس علي، قائد المفرزة الطبية في شارع الرصافي، وأصيبت طبيبة كانت معه، وقد استطعنا الحصول من أحد الناشطين على تسجيل مصور يوثق لحظة مقتل الطبيب عباس ومحاولة المتظاهرين إسعافه.
علي شميِّل، وهو طبيب آخر في المفارز الطبية لساحة التحرير، يحذر من مخاطر بعض نوعيات قنابل الغاز المسيل للدموع المستخدمة: "هذه النوعية من الغاز تستخدم في المعارك العسكرية، وليس في التظاهرات السلمية".
ويقول: "القنابل التي تُطلق تحتوي مواد كيماوية سُمَّية، واستنشاقها بكميات كبيرة يؤدي إلى تشنجات في الجهاز التنفسي والعضلي مما يسبب الوفاة".
ويضيف "في المفرزة الطبية التي أتواجد فيها شهدتُ وفاة ثلاثة متظاهرين بعد أن استنشقوا جرعات كبيرة من الغاز تحت جسر الجمهورية، وفي يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019 كانت لدي مناوبة في مستشفى الجملة العصبية في بغداد، واستقبلنا 15 حالة وفاة بقنابل الغاز المسيل للدموع، بعضها كانت بسبب الاستهداف المباشر في منطقتي الرأس والصدر، وبعضها بسبب استنشاق جرعات كبيرة من الغاز".
بالنسبة لشميل فإن الخطر يهدد الكوادر الطبية أيضاً: "تعرضنا لاستنشاق الغاز لفترات طويلة هنا في ساحة التحرير وجسر الجمهورية وساحة الخلاني وساحة النصر، فدخان القنابل لا ينقطع، ونحن الأطباء نتعرض للإصابة والموت في أية لحظة، الجميع هنا في خطر دائم".
ويعتقد شميّل أن "تعتيماً إعلامياً كبيراً يحدث في ما يخص أعداد الضحايا والجرحى الذين يسقطون بتلك القنابل".
"في يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019 كانت لدي مناوبة في مستشفى الجملة العصبية في بغداد، واستقبلنا 15 حالة وفاة بقنابل الغاز المسيل للدموع، بعضها كانت بسبب الاستهداف المباشر في منطقتي الرأس والصدر، وبعضها بسبب استنشاق جرعات كبيرة من الغاز"
تتطابق روايات شهود آخرين من المتظاهرين والأطباء والصحافيين الذين التقيناهم في بغداد وسبع مدن جنوب العراق هي: بابل، وكربلاء، والنجف، والناصرية، والشطرة، والسماوة والبصرة؛ مع الشهادات التي وثقناها في هذا التحقيق.
صورة أشعة مقطعية تُظهر استقرار قنبلة غاز مسيلة للدموع في رأس متظاهر عراقي ببغداد، الصورة حصلنا عليها من أحد الأطباء في المفارز الطبية لساحة التحرير
في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أصدرت "منظمة العفو الدولية" تقريراً بعنوان: "العراق: وقوع مجموعة من الإصابات الشنيعة المميتة بسبب اختراق قنابل غاز جديدة مسيلة للدموع جماجم المحتجين"، ذكرت فيه أن القنابل صربية الصنع (Sloboda Ĉaĉak M99) وقنابل غاز مسيل للدموع (M651) وقنابل دخان (M713) المصنَّعة في إيران تقتل المتظاهرين في العراق.
وحثت "العفو الدولية" السلطات العراقية على ضمان أن تتوقف شرطة مكافحة الشغب وقوات الأمن الأخرى في بغداد على الفور عن استخدام نوعين من القنابل المسيلة للدموع، لم يسبق استخدامهما من قبل، لقتل المحتجين بدلاً من تفريقهم؛ وذلك بعد أن خلصت تحقيقاتها إلى أنهما تسببا في وفاة ما لا يقل عن خمسة محتجين خلال خمسة أيام.
المنظمة أجرت مقابلات، عن طريق الهاتف والبريد الإلكتروني، مع العديد من شهود العيان، واطّلعت على السجلات الطبية، واستشارت المهنيين الطبيين في بغداد، فضلاً عن متخصص في الطب الشرعي مستقل، حول الإصابات المروعة التي سببتها هذه القنابل منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
"العفو الدولية" لفتت إلى أنها اطلعت وتحققت من أدلة الفيديو بشأن أربع حالات وفاة إضافية سببتها القنابل اليدوية الصربية والإيرانية، وتلقت عدداً كبيراً من الصور الإضافية للأسلحة، عبر مصادر على الأرض. لكن المنظمة أشارت في تقريرها إلى أن ليس لديها معلومات بشأن هويات قوات الأمن التي تطلق القنابل الإيرانيةM651) ) و (M713) في بغداد.
صورة مقطعية تظهر إصابة أحد المتظاهرين في بغداد بقنبلة غاز مسيل للدموع، الصورة حصلنا عليها من مستشفى الجملة العصبية في بغداد
وقالت مديرة البحوث للشرق الأوسط في المنظمة لين معلوف: "تشير جميع الأدلة إلى قيام قوات الأمن العراقية باستخدام هذه القنابل العسكرية ضد المحتجين في بغداد، مستهدفة، على ما يبدو، رؤوسهم أو أجسادهم من مسافة قريبة وبصورة مباشرة. وكان لهذا نتائج مدمرة، في حالات متعددة اخترقت جماجم الضحايا، مما أدى إلى جروح مروعة وموت بعد أن تنغرس القنابل داخل رؤوسهم".
هناك نموذجان من القنابل هما المسؤولان عن قتل وإصابة المتظاهرين في العراق، بحسب التقرير، وهذان النموذجان هما: 40 مم من طراز إم 99 إس (M99s) الصربي الذي صنّعته شركة سلوبودا تشاتشاك (Sloboda Čačak) ووزّعته شركة بلقان نوفوتيك (Balkan Novotech) وشركة يوغو إنبورت (Yugoimport)، وقنابل 40 مم من نوع إل في (LV) من بينها قنابل غاز مسيل للدموع M651، وقنابل دخان M713، من صنع منظمة الصناعات الدفاعية الإيرانية.
قنبلة غاز مسيل للدموع مستخرجة من رأس أحد المتظاهرين في بغداد، الصورة حصلنا عليها من المفرزة الطبية في ساحة التحرير
للحديث عن الاستخدام المفرط والمميت لهذه القنابل من قبل قوات الأمن العراقية، قابلنا في إسطنبول الخبير العسكري والعميد ركن صبحي ناظم توفيق، وقد أكد لنا بعد أن عرضنا عليه الصور ومقاطع الفيديو التي بحوزتنا أن ما تقوم به أجهزة الأمن العراقية هي جرائم قتل عن سبق الإصرار والترصد: "لم أشاهد خلال متابعاتي لظاهرة الاحتجاجات العالمية على مدى عدة عقود من الزمن قمعاً مشابهاً لما تقوم به قوات الأمن العراقية في التعامل مع المتظاهرين، إن تلك القوات تستخدم قواعد الاشتباك الخاصة في المعارك مع المدنيين العُزّل".
يضيف توفيق: "في كل الدول، تحصل قوات الأمن على تدريبات خاصة للتعامل مع مظاهر الاحتجاج الشعبي، والقوات التي تتولى التعامل والاحتكاك مع المتظاهرين يجب أن تكون على دراية وتركيز عاليين حرصاً على عدم سقوط ضحايا، هنالك قواعد اشتباك في حالات حرجة ونادرة قد تصل إليها الاحتجاجات، يمكن فيها استخدام القوة وبأوامر عليا، وهذه الحالات الحرجة لم تصل إليها التظاهرات في العراق".
يتهم توفيق السلطات العراقية بخرق المبادئ الأساسية الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تخص استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل قوات الأمن المكلفة بتطبيق القانون: "تنص المبادئ الأساسية للأمم المتحدة على أن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون ينبغي أن يكون متناسباً مع احترام حقوق الإنسان، ويجب على المسؤولين عن تنفيذ القانون عند القيام بواجبهم، استخدام وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة والأسلحة النارية، ولا يجوز لهم استخدام القوة إلا إذا بقيت الوسائل الأخرى غير فعالة أو دون أي وعد بتحقيق النتيجة المقصودة، وهذا ما لم تفعله قوات الأمن العراقية".
قنابل فتَّاكة "مجهولة المصدر"... وطرف ثالث يقتل المتظاهرين
في العاصمة العراقية، وقع العدد الأكبر من الضحايا باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع، وتحديداً في ساحة التحرير وجسر الجمهورية وساحة الخلّاني، حيث استخدمت قوات الأمن القوة المفرطة لقمع الاحتجاجات، ورغم أن لجنة التحقيق المكلفة من رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي (قدّم استقالته في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2019) ادعت وجود طرف ثالث غير القوات الأمنية هو من قتل المتظاهرين خلال الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019، إلا أن هذه اللجنة لم تتطرق في نتائج تحقيقها إلى الاستخدام المتطرف لقنابل الغاز المسيل للدموع ضد المحتجين.
وكشفت لجنة التحقيق عن الحصيلة النهائية لضحايا الموجة الأولى من التظاهرات والتي امتدت من 1 تشرين الأول/أكتوبر 2019 ولغاية 7 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وبلغ عدد القتلى خلالها 157 شخصاً فيما أُصيب 5494 آخرين في محافظات: بغداد، والنجف، وبابل، والديوانية، وميسان، وذي قار، وواسط، والمثنى، والبصرة.
بعد أسبوعين، وتحديداً في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2019، انطلقت الموجة الثانية من التظاهرات الشعبية، ورغم وعود رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بحماية المتظاهرين وتعهداته بأن العنف الذي وقع في المرة الأولى لن يتكرر؛ إلا أن أعداد القتلى ارتفعت بشكل كبير منذ تلك الفترة، حيث بلغت حصيلة ضحايا الموجة الثانية من الاحتجاجات العراقية 399 قتيلاً، و17305 جريحاً، بحسب إحصائية "المفوضية العليا لحقوق الإنسان" في العراق والتي نُشرت في 3 شباط/فبراير 2020، كما ذكرنا بداية التحقيق.
سقوط متظاهر عراقي بعد تعرضه لإصابة مباشرة في الرأس، بقنبلة غاز مسيّل للدموع، على طريق محمد القاسم في بغداد. تصوير: أحمد الربيعي/AFP
من أجل معرفة العدد الفعلي لضحايا التظاهرات، وكذلك عدد ضحايا قنابل الغاز المسيل للدموع، اتصلنا بالناطق الرسمي لوزارة الصحة والبيئة الدكتور سيف البدر ، ووجهنا له أسئلة عن عدد القتلى الكلي للتظاهرات منذ انطلاقها، وكذلك عدد المصابين، وكم هي نسبة أو عدد ضحايا قنابل الغاز المسيل للدموع من مجموع العدد الكلي للضحايا؛ لكنه اعتذر عن الإجابة على أسئلتنا معللاً ذلك بـ"أوامر عليا" تمتنع بموجبها وزارة الصحة والبيئة عن إعطاء أية حصيلة للضحايا، وأن المخوَّل الوحيد إعلان الحصيلة هو الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء ركن عبد الكريم خلف.
اتصلنا باللواء خلف ووجهنا له أسئلة محددة: هل هناك أوامر للأجهزة الأمنية بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بطريقة أفقية ومباشرة نحو أجساد المتظاهرين؟ وفي حال لم تعط مثل تلك الأوامر فما هو تعليقكم على الاستهداف المباشر للمتظاهرين بتلك القنابل من قبل أجهزة الأمن في بغداد وبقية المدن التي تشهد احتجاجات؟ وهل استطعتم الكشف عن هوية الطرف الثالث الذي قالت لجنة التحقيق المكلفة من قبل رئاسة الوزراء إنه من أطلق النار على المتظاهرين؟
بعد الانتهاء من طرح الأسئلة صمت خلف لبرهة من الزمن، وبعد التأكيد عليه مرةً أخرى، اعتذر عن الإجابة بحجة دخوله إلى "اجتماع أمني مهم" وتركنا دون نفي أو إثبات للأسئلة التي طرحناها عليه.
بعد يوم واحدٍ على الاتصال باللواء خلف، وتحديداً في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، خرج في مؤتمر صحفي للحديث عن التظاهرات وتطوراتها، وإجابةً على أحد الأسئلة حول قنابل الغاز المسيل للدموع قال خلف: "إننا نستخدم غاز SC وهو مستخدم في الولايات المتحدة، وفي بريطانيا، وفي فرنسا، وفي روسيا، وفي كل دول العالم، وهو خليط من الغازات يحتوي على الفلفل الأسود ومادة أخرى كيمياوية، فقط تُسيل الدموع، وكمية الغازات التي تخرج من القنبلة تلحق الأذى بالمتظاهر لفترة مؤقتة، وبمجرد إزاحة المتظاهر من المكان يعود إلى وضعه الطبيعي".
رواية خلف نسفها تصريح مثير لوزير الدفاع العراقي نجاح الشمري في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، كشف فيه أن قوات الأمن العراقية تستخدم أسلحة لإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع مداها من 75 إلى 100 متر، والعتاد الموجود فيها يستخدم في كافة دول العالم، لكنه استدرك بالقول إن حوادث قتل حصلت لمتظاهرين يبعدون عن القوات الأمنية مسافةً تزيد عن 300 متر.
في المقابل، قال الشمري أيضاً: "بعد الذهاب إلى الطب العدلي، وإخراج المقذوف من رؤوس المتظاهرين وجدنا أن هذا العتاد لم يُستورد من قبل أي جهة عراقية، وأن أداة الإطلاق والبندقية والعتاد دخلت إلى العراق ليس عن طريق الحكومة العراقية، وكان استخدامه سيئاً، ووزن المقذوف ثلاثة أضعاف وزن المقذوف الذي كان يُستخدم من قبل القوات الأمنية المختصة"، مؤكداً وجود "طرف ثالث" يقوم بقتل المتظاهرين والقوات الأمنية على حدٍ سواء.
من أجل الحصول على توضيحات وتفاصيل عن هوية الطرف الثالث الذي يقتل المتظاهرين والقوات الأمنية، حاولنا مقابلة كل من: الناطق باسم وزارة الدفاع اللواء تحسين الخفاجي، والناطق باسم وزارة الداخلية العميد خالد المحنا، وكذلك الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء عبد الكريم خلف، كل على حدة، لكنهم رفضوا جميعاً، وامتنعوا عن الرد على اتصالاتنا في ما بعد.
غيث أحمد، أحد المتظاهرين الذين يقفون على ما يعرف بــ "خط الصد الأول" على جسر الجمهورية، وهو ساتر يفصل المتظاهرين عن القوات الأمنية، ينفي رواية الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، ويقول إن "قنابل الغاز المسيل للدموع أكثر فتكاً وخطورة"، معلقاً: "لقد عايشت التظاهرات منذ بدايتها، حيث قمعونا في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 2019 بالرصاص الحي والقناصة، لكننا عدنا مرةً أخرى في 25 أكتوبر 2019 فكانت قنابل الغاز المسيل القاتلة تفتك بالمتظاهرين".
ويصف غيث كيفية إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع من قبل قوات مكافحة الشغب: "كانوا يرمون الساحة في كل مرة بوابل من القنابل، تشعر أنه مطر من الغاز، وفي يومي 25 و26 من أكتوبر 2019 كانت القنابل التي تُطلق علينا في جسر الجمهورية وساحة التحرير منتهية الصلاحية، ويعود تاريخ انتهائها إلى عام 2014".
ويعتقد غيث أن "خط الصد الأول" على جسر الجمهورية، كان المكان الأخطر على المتظاهرين: "بتاريخ الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر سقط على خط الصد ثلاثة شهداء، وعندما جاءت إحدى الطبيبات لإسعاف الجرحى، أُصيبت هي الأخرى بقنبلة غاز مسيل للدموع في بطنها، ونقلوها بالتوك توك".
يحكي غيث أن أكثر ما يجعل "خط الصد الأول" خَطِراً هي المسافة القريبة التي يُطلق منها عناصر قوات مكافحة الشغب قنابل الغاز المسيل للدموع.
"إنهم يطلقونها بشكل مباشر باتجاهنا، وفي الأيام الأخيرة بدأوا يستخدمون أنواعاً مختلفة من القنابل بحيث يؤدي انفجارها إلى انتشار شظاياها في المكان المستهدف، وحدثت جراء ذلك حالات بتر في اليد والقدم، وإصابات في الرأس والجسم".
واستطعنا الحصول من غيث على فيديو قام بتصويره في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2019، يوثق قيام قوات مكافحة الشغب بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بشكل مباشر على المتظاهرين عند بداية جسر الجمهورية.
أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً، بتاريخ 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، اتهمت فيه قوات الأمن العراقية بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع مباشرة على المتظاهرين في بغداد، وبحسب المنظمة فإن "قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع مباشرة على المتظاهرين في بغداد، وفي عدة مناسبات منذ استئناف المظاهرات في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2019، ما أسفر عن مقتل 16 شخصاً على الأقل. عدد القتلى هذا هو الأعلى منذ بدء المظاهرات اليومية في بغداد ومدن أخرى جنوب العراق ضد الفساد".
وحلّلت المنظمة فيديوهات صوّرتها وكالة "رويترز" يومي 27 و29 تشرين الأول/أكتوبر، وتأكدت منها عبر مقابلات مع شهود. تُظهر المقاطع أن قوات الأمن على جسر الجمهورية أطلقت النار على الحشود عند نهاية الجسر المطلة على ساحة التحرير، كما يُظهر مقطع صُوِّرَ في 27 أكتوبر أحد عناصر الأمن يطلق قنابل مسيلة للدموع إلى الأعلى بينما يطلق ضابط آخر على يساره القنابل بشكل مباشر ضد حشود المتظاهرين من مسافة تقل عن 100 متر".
"منذ استئناف الاحتجاجات، منع كبار المسؤولين الحكوميين الطواقم الطبية من مشاركة المعلومات حول القتلى والجرحى مع أي مصادر خارج وزارة الصحة، ولم تُصدر الوزارة سوى معلومات شحيحة وغير كاملة"
وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن التباين في طريقة إطلاق قنابل الغاز يطرح سؤالاً عمَّا إذا كانت بعض القوات تعمل جنباً إلى جنب بموجب أوامر مختلفة، أو لديها أوامر بتفريق الحشود بأي طريقة تراها مناسبة، أو أن بعض القوات تتجاهل الأوامر الصادرة لها.
طواف حول نصب الحرية
في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019، سقط واحد من أهم الناشطين في تظاهرات العاصمة العراقية بغداد، صفاء السراي، وهو شاعر ورسام ومبرمج كمبيوتر من مواليد بغداد عام 1993.
أُصيب بقنبلة غاز مسيل للدموع في رأسه عصر يوم الاثنين، وفارق الحياة بعد منتصف الليل في مستشفى الجملة العصبية ببغداد، وشُيِّع جثمانه فجر الثلاثاء في ساحة التحرير، وامتثالاً لوصيته، طاف المشيعون به حول نصب الحرية، في جنازة كسرت حظر التجوال الذي فرضته السلطات العراقية حينها.
في بغداد، قابلنا علي ثابت، الصديق المقرب من صفاء ورفيقه في التظاهرات منذ انطلاقها، وآخر من تناول معه سندويشة فلافل في ساحة الأمة وسط بغداد، وحكى لنا قصة صفاء منذ خروجه متظاهراً بداية تشرين الأول/أكتوبر 2019، وحتى مقتله في آواخر ذلك الشهر.
"أصابته قنبلة غاز مسيل للدموع في رأسه ولم نستطع إنقاذه، مات صفاء في تلك الليلة، وشيعناه في ساحة التحرير مثلما أراد، ودفناه بالقرب من والدته ثَنْوة، التي كان يُحب أن نناديه بها، كان يحب أن نقول له: ابن ثنوة".
قال علي وهو يُشعل سيجارةً في أعلى بناية المطعم التركي التي يسيطر عليها المتظاهرون: "بداية تشرين الأول/أكتوبر 2019، خرجت من عملي في شارع الرشيد متوجهاً إلى ساحة التحرير، ومنها إلى ساحة الطيران، وهناك جاء حشد من الناس يقودهم صفاء السراي وهم يهتفون: سِلمية سلمية وعاش العراق وغيرها من الهتافات الوطنية، وعندما اقترب مني صفاء تعانقنا وقدنا التظاهرة في ساحة الطيران".
يتابع علي: "لم تمرّ سوى 15 دقيقة حتى بدأت قوات الأمن بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية باتجاه التظاهرة، فتفرق الناس وبقيت أنا وصفاء نوثق ما يجري من خلال التصوير بأجهزة هواتفنا المحمولة، وقد حاول صفاء إبعاد إحدى قنابل الغاز المسيل للدموع بيده لكنها أحرقتها، وأُصبنا بالاختناق، ثم بدأ عناصر الأمن بإطلاق الرصاص الحي باتجاهنا فانسحبنا إلى منطقة الكرّادة".
"في الأسبوع الأول من التظاهرات كنا نوثق كل ما يحدث من انتهاكات أنا وصفاء ثم نرسلها إلى قناة NRT لبثها بسبب قطع الحكومة لشبكة الإنترنت، وكنا في كل يوم نتعرض للموت المحقق برصاص القناصة المنتشرين على سطوح البنايات العالية، وعندما اقتحمت ميليشيات مسلحة مقر قناة NRT في بغداد، وحطموا الأجهزة وأوقفوا بث القناة، سافر الأصدقاء الذين كانوا يوثقون معنا التظاهرات إلى شمال العراق (كردستان) خوفاً من تلك المليشيات، لأن أجهزة الكومبيوتر في مقر القناة كانت تحتوي على ملفات خاصة بأسمائنا، لكنني وصفاء بقينا في بغداد، نشارك في التظاهرات ونوثقها".
يواصل علي سرد القصة: "في الرابع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، اتصل بي صفاء وطلب مني المبيت في بيته للخروج مبكراً إلى ساحة التحرير، وفعلاً ذهبت وبتنا سوية؛ لكن صفاء لم يستطع النوم من شدة الحماس، وكان كل حديثه عن العراق، وكيف يمكن تغيير واقعه المرير، وفي الصباح انطلقنا إلى ساحة التحرير ومن ثم إلى جسر الجمهورية، وكنا نوثق كل ما يحدث لأننا نعلم أن السلطة ستقطع شبكة الإنترنت؛ لذلك لا حلّ أمامنا سوى أننا نوثق القمع بأجهزة هواتفنا ونبحث عن قنوات فضائية تبث تلك الفيديوهات، ويرى العالم بشاعة ما نتعرض له".
ويضيف: "في أحد الأيام أُصيب صفاء بيده من جرّاء شظية قنبلة غاز مسيل للدموع، وأضاع جهاز الهاتف في زحمة المتظاهرين، وبعدها بخمس دقائق أُصبتُ أنا أيضاً بيدي اليمنى، ثم افترقنا وسط حشود المتظاهرين، وبعد ساعتين التقينا مجدداً، وقررنا التقاط صورة سيلفي لتوثيق تلك اللحظة".
من اليمين: علي ثابت وصفاء السراي وتظهر على يديهما آثار الإصابة
سألنا علي عن اللحظات الأخيرة في حياة صديقه صفاء فردَّ: "في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019، كنا نتظاهر في ساحة التحرير، ثم جلسنا في حديقة الأمة، وأكلنا هناك، وبعد أن استعدنا نشاطنا ذهبنا إلى الخطوط الأمامية للمتظاهرين على جسر الجمهورية، وهناك كانت قنابل الغاز المسيل للدموع تمر بالقرب من رؤوسنا، على مسافة نصف متر أو أقل، وكان الموت في لحظتها محققاً، ثم افترقنا وسط الحشود، والتقينا مجدداً في حديقة الأمة، وجلسنا هناك نتحدث ونضحك، ثم غفوت أنا في الحديقة من شدة التعب، وعاد صفاء إلى التظاهرة، وهناك أصابته قنبلة غاز مسيل للدموع في رأسه ولم نستطع إنقاذه، مات صفاء في تلك الليلة، وشيعناه في ساحة التحرير مثلما أراد، ودفناه بالقرب من والدته ثَنْوة، التي كان يُحب أن نناديه بها، كان يحب أن نقول له: ابن ثنوة".
آخر صورة التقطها صفاء في حديقة الأمة قبل ساعات قليلة من مقتله
توجد بالقرب من ساحة التحرير خيمة نصبها أصدقاء صفاء السراي، وأسموها "خيمة أولاد ثنوة" توفر الطعام والشراب للمتظاهرين، وفيها يعتصم أصدقاء صفاء ليلاً، وينطلقون للمشاركة في التظاهرات نهاراً، وهم يرتدون قمصاناً طبعوا عليها آخر صورة التقطها صفاء في حديقة الأمة قبل مقتله.
شهادة وفاة صفاء السراي وكُتِب فيها سبب الوفاة: مقذوف دخاني في الرأس
"خيمة أولاد ثنوة" هي واحدة من عشرات الخيام والسرادق التي نصبها المتظاهرون في ساحة التحرير والشوارع المؤدية إليها، منذ الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2019، وتزامن نصب هذه الخيام من قبل المتظاهرين مع إعلانهم عن اعتصامات مفتوحة في بغداد وجميع المدن التي تشهد احتجاجات لحين استجابة الحكومة لمطالبهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع