شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الكتاب العربي الأكثر مبيعاً... مسروق

الكتاب العربي الأكثر مبيعاً... مسروق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 2 فبراير 202005:52 م

يحقّق كتاب "تفسير الأحلام" لابن سيرين، نسبة عالية من المبيعات في معارض الكتاب التي تقام سنوياً في العالم العربي، هذا إن لم يتصدر قائمة المبيعات كلها. وينشر الكتاب عادة بأكثر من عنوان أبرزها: "تفسير الأحلام الكبير" أو "منتخب الكلام في تفسير الأحلام". وقد أحصيت إلى الآن أكثر من ستين داراً عربية تقوم بنشر هذا الكتاب وإعادة نشره، وهي في حقيقة الأمر تشارك في سرقته وتزوير نسبته.

لقد وضع John Lamoreaux عام 2002 كتاباً في تأريخ علم التعبير عند المسلمين، ويجزم بعد مراجعته لقرابة مئة مخطوط منسوب لابن سيرين، ألا مخطوط منها هو لابن سيرين فعلاً، ويشكّك أن يكون الأخير قد وضع كتاباً في الأصل. فمن يكون صاحب هذا الكتاب الشهير؟ وما الأسباب التي تقف خلف تزوير نسبته؟

يقول إبراهيم صالح في مقدّمة تحقيقه لكتاب "تعبير الرؤيا" لابن قتيبة، إن كتاب ابن سيرين هو حقيقة كتاب "البشارة والنذارة في تعبير الرؤيا والمراقبة" لأبي سعد الخركوشي. وسعياً إلى التأكد من ذلك، راجعت ثمانية مخطوطات للخركوشي، وقارنتها بخمسة عشر كتاباً منشوراً لابن سيرين، فوجدت خمسة مخطوطات منها تتفق بشكل شبه تام مع كتب ابن سيرين، مع اختلاف في ترتيب المادة أحياناً. وهذه النتيجة الصادمة تستدعي إعادة النظر جدياً في الأمانة العلمية والمهنية الأكاديمية التي تظهرها دور النشر العربية، إذ شاركت – وإن لم يكن عمداً – في تزوير نسبة الكتاب سعياً لتحقيق أرباح مادية أكبر.

ويتحمّل جمهور القراء أيضاً جزءاً من المسؤولية، خاصة أن قراءة واعية للكتاب تظهر مباشرة خطأ نسبته. فالأعلام الوارد ذكرهم في كتاب ابن سيرين قد عاشوا في القرنين الثالث والرابع، وابن سيرين توفي عام 110 ه. وكذلك مقدمة الكتاب تعود صراحة إلى الخركوشي: "مقدمة الأستاذ أبي سعد الواعظ"، وعدد كبير من الأبواب يبدأ بذكره: "قال/يقول الأستاذ أبو سعد الواعظ".

يحقّق كتاب "تفسير الأحلام" لابن سيرين، نسبة عالية من المبيعات في معارض الكتاب، وينشر الكتاب عادة بأكثر من عنوان أبرزها: "تفسير الأحلام الكبير" أو "منتخب الكلام في تفسير الأحلام"، وهو ببساطة ليس لابن سيرين

يصعب تعيين بداية الخطأ في نسبة هذا الكتاب، والتأكد إن كان خطأ متعمّداً أم لا. لكنني أفترض أن قراءة خاطئة لكتاب "الفهرست" لابن النديم كانت أساس المشكلة. فالأخير لا يذكر ضمن الكتب المؤلفة في تعبير الرؤيا كتاب "البشارة والنذارة" للخركوشي، ولكنه في المقابل يذكر كتاباً بعنوان "تعبير الرؤيا" لابن سيرين. وبالنظر إلى تاريخ وفاته، يحتمل أن ابن النديم لم يكن قد أدرك كتاب الخركوشي. لا سيما أن " البشارة والنذارة" وفق تأكيد Lamoreaux قد حظي في عصره بانتشار واسع، وتم نسخه بأعداد كبيرة. ولعل هذه الشهرة الواسعة للكتاب، دفعت بمن اتخذ ابن النديم معتمداً في رصد ما أُلف في علم تعبير الرؤيا إلى نسبته إلى ابن سيرين.

وتقتضي تتمة حديثنا تعريفاً موجزاً بالخركوشي. هو أبو سعد – أو أبو سعيد – عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري، واعظ متصوف من فقهاء الشافعية، ولد في خركوش وهي سكّة في نيسابور، ورحل إلى العراق، الشام، الحجاز ومصر وجالس العلماء. قَدِم بغداد حاجّاً سنة 393ه وحدّث بها، ثم غادرها إلى مكّة وأقام فيها حتى سنة 396ه. كان ثقة صالحاً ورعاً زاهداً حافظاً مفسِّراً. لقّبه الذهبي بالإمام القدوة وشيخ الإسلام، وقال عنه الحاكم: "لم أرَ أجمع منه علماً وزهداً وتواضعاً وإرشاداً إلى الله." توفي في نيسابور سنة 407ه وقيل 406ه.

أما مصنّفات الخركوشي، فمن المترجمين من لم يذكر منها شيئاً، ومنهم من قال: له تفسير كبير، وكتاب "دلائل النبوّة"، ويسمّى أيضاً "شرف المصطفى"، وكتاب "الزهد"، وزاد عليها بروكلمان "تهذيب الأسرار في طبقات الخيار" و"البشارة والنذارة في تعبير الرؤيا والمراقبة"، وتابعه سزكين في ذلك.

إن سرقة الكتاب من الخركوشي ونسبته إلى ابن سيرين قد تجاوزت تداعياتها جمهور العامة إلى عدد من الباحثين العرب والمستشرقين، والأمر في غاية الخطورة، لأنهم في دراساتهم للمنامات وتعبيرها يخرجون بنتائج على أنها تنطبق على القرن الهجري الأول، فيما هي نتاج القرن الهجري الثالث أو الرابع

ختاماً، إن سرقة الكتاب من الخركوشي ونسبته إلى ابن سيرين قد تجاوزت تداعياتها جمهور العامة إلى عدد من الباحثين العرب والمستشرقين، إذ يستشهد بعض هؤلاء بالكتاب على أنه لابن سيرين، ولكنه من تدوين أحد تلامذته. والأمر في غاية الخطورة، لأنهم في دراساتهم للمنامات وتعبيرها يخرجون بنتائج على أنها تنطبق على القرن الهجري الأول، فيما هي نتاج القرن الهجري الثالث أو الرابع. كل ذلك يجعل تحقيق كتاب "البشارة والنذارة" تحقيقاً أميناً واجباً أكاديمياً، ليكون التحقيق بداية مسار جديد في دراسة المنامات في الحضارة الإسلامية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image