شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"ليك في المحشي يا باشا؟!"... مقاه شعبية في القاهرة لتجارة المخدرات بالخفاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 13 يناير 202006:37 م

"ليك في المحشي يا باشا؟!"... ما إن تسمع هذا التساؤل حتى يتبادر إلى ذهنك "المحشي"، وهو من الأطباق الشهيرة في العديد من الدول العربية، وخصوصاً مصر، إلا أن المحشي المقصود في السؤال يختلف تماماً عن ذلك الطبق، خاصة إن سمعت تلك الجملة في مقهى شعبي بأحد شوارع القاهرة، أثناء جلوسك لبعض الراحة.

روائح مختلطة بين المعسلات ونكهاتها المتنوعة، تمتزج معها رائحة احتراق الفحم، التي تستطيع أن تخفي معالم الحجر المحشي بالحشيش والبانجو، لتضيع فيها الأجساد والأدمغة، في طريقها إلى صناعة المزاج الذي يبحث عنه هواة النوع.

تتحول بعض المقاهي الشعبية في أحياء القاهرة الشعبية، مثل الدرب الحمرا وشبرا والوراق والجيزة وأطراف أكتوبر، إلى مرتع لتجارة الحشيش والبانجو والمخدرات الأخرى، يستغلها التجار الصغار، أو ما يعرف في مصر باسم "الديلر"، لترويج بضائع التجار الكبار الذين يعملون لصالحهم، مستفيدين من تحول تلك المناطق الشعبية والفقيرة والمهملة لبؤر يتقلص فيها الحضور الأمني تاركاً السلطة الأكبر لتجار الممنوعات، نتيجة طبيعتها العشوائية وعدم قدرة الأجهزة الأمنية السيطرة عليها تماماً.

 ورغم المحاولات الكثيرة لمكافحة هذه التجارة من قبل الأجهزة الأمنية خلال السنوات الفائتة، يبدو ألا شيء قادر على إيقافها، في بلد يصل فيه الإنفاق على الكيف حد 140 مليار جنيه سنوياً، بحسب بعض الإحصاءات.

مروّجون تحت غطاء العمل

يتحدث أحمد صابر، وهو اسم مستعار لضابط مصري مستقيل تعامل مع عشرات قضايا تجارة الحشيش في أحياء القاهرة الشعبية، عن ظاهرة بيع المخدرات في مقاهي تلك الأحياء، مؤكداً أن الكثير من المروجين يعملون أساساً في هذه المقاهي، مستغلين أماكن عملهم لتسهيل عملية البيع والترويج، فتحولوا مع الوقت لخبراء في معرفة الزبائن الراغبين بالمخدرات، وصارت لديهم طرقهم الخاصة لإخفائها عن عيون الأمن وزوار المقاهي الآخرين.

ويشير صابر (27 عاماً) إلى أنه لاحظ من خلال إقامته في منطقة الدرب الأحمر الشعبية، حدوث الكثير من الملاحقات في تلك المنطقة من قبل المباحث لمثل هؤلاء التجار الصغار، وأن التحريات الأمنية تتكرر بشكل يومي تقريباً للبحث عنهم، إلا أن نسبة قليلة هي من يلقى القبض عليها، في حين يتخفى الكثيرون وراء المهنة والتعيش من خلال العمل في هذه المقاهي.

كما يؤكد خلال حديثه مع رصيف22 بأن أغلب المقاهي الشعبية تضم بين عمالها عدداً من المتعاطين والمروجين، وأن هؤلاء ربما يساهمون في نشر المخدرات والحشيش أكثر من المروجين العاديين، نظراً لاختلاطهم الدائم بالناس وقدرتهم على تمرير أكبر كميات خلال ساعات العمل.

واحد شاي ليوم عمل طويل

"يأتي ظهراً إلى المقهى ليطلب واحد شاي سكر زيادة، ويتكرر هذا الطلب عدة مرات خلال اليوم، كلما جاء أحد ليجلس معه ويطلب الشاي. لم نعرف أنه مروج مخدرات قبل أن يُقبض عليه متلبساً من قبل الأمن".

بهذه الكلمات يتحدث مصطفى. س (26 عاماً) عن أحد مروجي المخدرات الذي كان يعمل في الخفاء لعدة أشهر، متخذاً من الكافيه الذي يعمل فيه مصطفى، بمنطقة السيدة زينب في العاصمة القاهرة، مكاناً لممارسة عملية الترويج والبيع.

يصف مصطفى خلال لقائه مع رصيف22، المزيد من عادات ذلك المروّج: "يجلس بكل هدوء غير مكترث بالناس حوله، يستقبل العديد من الشباب، وأحياناً كبار السن، ليجلسوا في زاوية نائية من المقهى ويدور بينهم حديث قصير لا يتعدى زمنه النصف ساعة، ليرحل الضيف تاركاً المروج الذي عرفناه لاحقاً باسم عبده الديزل".

ويؤكد مصطفى أن هذا الأمر كثير الحدوث في المقاهي الشعبية، مشيراً إلى أنه من خلال تجربته بالعمل في هذه المقاهي، والتي تمتد لأكثر من سبع سنوات، لاحظ بأن الكثير من هؤلاء المروجين لا يجدون أنسب من المقاهي كأماكن للتستر على تجارتهم، معتقداً أن الازدحام وتداخل الناس في المقاهي، هو ما يدفع المروجين لاختيارها للاجتماع بزبائنهم.

رزق البلطجية على القهوجية

"لم أكن يوماً أفكر بأن أصبح أجيراً لدى بلطجي ومروج للمخدرات، لكنه أجبرني على ذلك"، يحكي سيد، وهو اسم مستعار لشاب مصري له من العمر ثمانية وعشرون عاماً ويقيم في منطقة "بين السرايات"، قصته لرصيف 22.

يعمل سيد كمزوّد للفحم على شيش الزبائن في المقاهي الشعبية منذ نحو 7 سنوات، تنقل خلالها بين ثلاث مقاهٍ حتى وصل به المطاف قبل ثلاث سنوات إلى مقهى، تحول فيه من مجرد عامل إلى متعاطِ، ثم تاجر وموزع للمخدرات والحشيش، وذلك على يد أحد البلطجية الذي أدخله عالم المخدرات والتعاطي، قبل أن يجبره على العمل كموزع مقابل كل جرعة يأخذها، نتيجة عدم امتلاكه المال اللازم لشراء الجرعات، حسب حديثه.

البلطجي الذي كان لقبه في المنطقة بـ"الونش"، تعامل مع سيد كأجير لديه، كما يذكر الأخير، مجبراً إياه على توزيع كميات من الحشيش والأفيون وبودرة الهيرويين، قبل أن يهرب سيد من المنطقة كلها متعالجاً من آثار المخدرات في جسده، وعائداً إلى قريته في محافظة كفر الشيخ.

ويؤكد سيد أن الكثير من صبيان المقاهي في مناطق عديدة من مصر، يعملون لحساب بلطجية أو تجار ممنوعات، لتسهيل الترويج وإبعاد الشبهة عن كبار المروجين. بعضهم يعمل مقابل المال، وآخرون يعملون مقابل جرعات من المخدرات، كما كان هو يفعل قبل أن يتعافى من التعاطي.

يضيف الشاب بأن بعض العاملين في المقاهي يُجبرون على ذلك رغماً عنهم، مهدَدين بحياتهم أو بقطع أرزاقهم، من مكان نفوذ البلطجية في تلك المناطق الشعبية، وهو نفوذ يتيح لهم منع الشباب من متابعة عملهم أو تلفيق المشاكل لهم، أو حتى إجبار أصحاب المقاهي بالقوة على طردهم.

روائح مختلطة بين المعسلات ونكهاتها المتنوعة، تمتزج معها رائحة احتراق الفحم، التي تستطيع أن تخفي معالم الحجر المحشي بالحشيش والبانجو، لتضيع فيها الأجساد والأدمغة، في طريقها إلى صناعة المزاج الذي يبحث عنه هواة النوع

تتحول المقاهي الشعبية في بعض أحياء القاهرة الشعبية،  إلى مرتع لتجارة الحشيش والبانجو والمخدرات الأخرى، يستغلها التجار الصغار، أو ما يعرف في مصر باسم "الديلر"، لترويج بضائع التجار الكبار الذين يعملون لصالحهم

قوانين رادعة تبطلها محاضر الضبط

تنص المادة 33 من الجزء الخاص بمكافحة المخدرات ضمن قانون العقوبات المصري، على معاقبة كل من يقوم بممارسة الاتجار في المواد المخدرة بالسجن من ثلاث سنوات إلى المؤبد، أو الإعدام في بعض الحالات، أما المادة 34 فتنص على عقوبة المؤبد أو الإعدام لمن تاجر بالمخدرات داخل المجتمع، وكل ذلك بحسب وقائع الدعوة.

إلا أن كمية المواد المخدرة المضبوطة ونوعها يلعبان دوراً مهماً في العقوبات ومدى شدتها، حيث أن بعض المواد لا تصل عقوبتها لأكثر من ثلاث سنوات وقد تخفف لعام واحد، ما يسمح لمروجي المخدرات باستخدام بند الكمية لأجل تخفيف العقوبة بحال ضبطهم متلبسين، من خلال حمل كميات قليلة وتوزيع الحمولة على دفعات وعبر أشخاص عدة في العديد من الأمكنة.

ويرجح المحامي المصري محمد حسيب، أن أغلب قضايا جناية الاتجار في المخدرات وكل ما يتعلق بها تنتهي ببراءة المتهمين، نتيجة وجود ثغرات قانونية في معظم محاضر الضبط التي تتم بحق المتهمين المقبوض عليهم بقضايا الاتجار والتعاطي.

ويعتقد حسيب المتخصص بالقضايا الجنائية، أن أغلب القضاة يحكمون ببراءة المتهمين نتيجة طعون المحامين بالحالة التي يُقبض فيها على المتهمين، حيث يؤكد أن المحاضر المكتوبة في أقسام الشرطة بحق المتهمين غالباً ما يوجد فيها مداخل لتسهيل عملية طعنها من قبل جهة الدفاع عن المتهم.

ووفق حديث المحامي لرصيف22، فإن القانون المصري حدد بدقة آلية ضبط وإحضار المتاجرين ومروجي المواد المخدرة الممنوعة، وسنوات عقوباتهم، والطريقة التي يجب أن يتعامل فيها عناصر الأمن والتتبع مع المتهمين المشكوك في أمرهم من خلال تحديد حالات التوقيف المبرر قانوناً، أو ضبط المروج متلبساً.

ويرى حسيب أن الثغرات القانونية المذكورة لا يمكن تلافيها إلا من خلال تطبيق إجراءات الإحضار بحذافيرها وعدم الخلل في أي منها، معتقداً أن الأمر يحتاج لوضع أسس ومعايير مناسبة لمجمل الحالات، حتى لا يستخدم القانون لصالح المتهمين من المروجين والتجار، بسبب بعض التفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تساهم ببراءة المروج.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image