جذبت محافظة الفيوم، جنوب القاهرة، اهتمام مُحبِّي المنتجات اليدوية، وذلك بمهرجان قرية تونس "للخزف والحرف اليدوية" في دورته التاسعة، والتي تقام كلّ عام في بداية شهر نوفمبر.
المهرجان الذي يُعدّ الأكبر من نوعه في مصر للخزف والحرف اليدوية، جمع العشرات من الحرفيين من قرية "تونس"، ومحافظات مصر المختلفة، وذلك خلال ثلاثة أيام، بدأت من الجمعة 8 إلى الأحد 10 نوفمبر، جاذباً المصريين والأجانب المهتمين بالحرف اليدوية والتراثية التي تنوَّعت بين السجاد والجريد والحُلي والخزف والفخار، فضلاً عن المنحوتات من الجرانيت والبازلت والخشب.
وتقع قرية "تونس" على هضبة ترتفع عن سطح بحيرة قارون، وتمنح الزائرين منظراً رائعاً، الذي يشعر بأنه داخل قرية ريفية بلمسات عصرية، لم تتأثر بسلبيات التطور التكنولوجي.
وتعدّ القرية صغيرة نسبياً، إذ يشطرها شارع واحد طويل، وتتفرَّع منه أزقة صغيرة تصل البيوت بعضها لبعض، الأمر الذي يجعل التنقل صعباً بالعربة، ولا يكون أمام الزائر إلا التنقل مشياً أو على دراجة هوائية.
صناعة أمام أعين المارّة
بدأ الحرفيون بعرض أعمالهم داخل الأماكن المُخصَّصة، في الشارع الرئيس والممرَّات الصغيرة، وما كان من الزوار إلا التجول ذهاباً وإياباً متفاعلين مع الحرفيين وأصحاب الأعمال اليدوية، خاصة وأن بعض الحرفيين كانوا يصنعون منتجاتهم أمام المارة، ليشعروا أنهم داخل ورشة أو مصنع صغير، وليعرفوا كيفية صنع المنتجات.
فضلاً عن العروض الشعبية "الكرنفالية"، فبعد الافتتاح الرسمي ظهر الجمعة 8 نوفمبر، بدأت عروض رقص التنورة تجوب الشارع وسط تفاعل الزوار بالرقص والغناء.
"الناس زهقت من البراند (العلامات التجارية)، لأنهم لا يريدون أن يصبحوا متشابهين، حيث لا يرغب البعض بارتداء ما يرتديه الآخرون، لذلك أتجهوا إلى المنتجات اليدوية حتى يكونوا متميزين"
"بعض الحرفيين كانوا يصنعون منتجاتهم أمام المارة، ليشعروا أنهم داخل ورشة أو مصنع صغير، وليعرفوا كيفية صنع المنتجات"
يقول أشرف عبد القادر (29 عاماً) صاحب مدرسة لتعليم الخزف في قرية تونس، إن مهرجان الخزف بدأ في الفيوم منذ 2011، بعدد قليل من العارضين من القرية، وتدريجياً توسَّع وجذب خزّافين من خارج القرية، وضم حرفاً يدوية أخرى.
ويضيف عبد القادر في تصريحات لرصيف22 أن "غالبية الزوار حتى العام 2017 كانوا من الأجانب المقيمين في مصر، ربما يرجع ذلك لأن عدداً كبيراً من زوار قرية تونس من الأجانب، فهم يعتبرونها واحة صحية للاسترخاء، وحالياً كبرت تلك القاعدة مع انتشار التسويق وجذب المهرجان لاهتمام المصريين".
وعن طبيعة عمل عبد القادر، يقول: "أعمل في صناعة الخزف والذي بطبيعته يختلف عن الفخار، على الرغم من أنَّ الاثنين يصنعان بالطين، فالخزف يتكون من 4 أنواع من الطين، أما الفخار يتكون من نوع طين واحد فقط، وفي الاثنين تتحكَّم أنامل الحرفي في تشكيل وتطويع الطين".
بعدما يشكِّل عبد القادر القطعة التي يريدها، يضع عليها عنصر "الجليز" لتكوين طبقة ملوَّنة ولامعة، بعد التشكيل تأتي مرحلة الرسم بإبرة صغيرة، وتدخل المنتجات إلى الفرن لساعات عدة لتصبح جاهزة للبيع.يستلهم العاملون في الخزف والفخار من الطبيعة التي حولهم، عناصر يدرجونها في مشغولاتهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يُدخل البعض سنابل القمح وبعض أنواع النباتات والأسماك والحيوانات التي تعيش معهم، ما يعطي للمنتج النهائي لمسة خاصَّة تدل على الحياة الطبيعية التي يحيونها، وتستعمل المنتجات كأواني للطعام أو كديكور.
يشير عبد القادر إلى أن الخزف غير ضار، ويفضّله الأجانب عن الأدوات المعدنية في المطبخ، وبين الحين والأخر تصدّر المنتجات إلى دول أوروبية، خاصة إيطاليا وفرنسا.
"الناس كرهت التشابه"
شاركت داليا عماد للمرة الثانية على التوالي في مهرجان قرية "تونس"، بمشغولات يدوية، وتستعمل داليا جلود الحيوانات لصناعة منتجات تستعمل في الحياة اليومية، بما في ذلك حقائب ظهر ويد وحافظات، وأحياناً تخلط بين الجلود والأقمشة.
ترى داليا أنَّ زيادة الاهتمام بالمنتجات المصنوعة يدوياً، حدث نتيجة ضجر البعض من المنتجات المتشابهة، موضحة: "الناس زهقت من البراند (العلامات التجارية)، لأنهم لا يريدون أن يصبحوا متشابهين، حيث لا يرغب البعض بارتداء ما يرتديه الآخرون، لذلك أتجهوا إلى المنتجات اليدوية حتى يكونوا متميزين".
وتضيف داليا لرصيف22: "الناس كلها بقت شبه بعض، الشخص يشعر بالسعادة حينما يطلب تصميم منتج ما بالشكل واللون الذي يريده، حينها يشعر أن هذا المنتج ملكه تماماً".
حُريّة وربح
تخرجت داليا من قسم الديكور في كلية فنون جميلة في جامعة الإسكندرية عام 2014، وعملت لمدة عامين في شركة ولم تتأقلم مع الوظيفة الروتينية، كان ذلك في العام 2017، ومن ذلك العام بدأت في صناعة المنتجات اليدوية، العمل في صناعة المنتجات اليدوية بالنسبة لها كان أكثر حرية وربما ربحاً.
وعن الاختلاف بين المنتجات اليدوية والمصنوعة على الماكينات، تقول داليا إن المنتجات اليدوية يكون فيها روح الحرفي والشخص الذي سيمتلكها، مشيرة إلى أنها تهتم بالجودة جداً حتى أن بعض عملائها يظنوا أنها استخدمت ماكينة لحياكة الخيط في الجلود، إلا أن ذلك الاتقان جاء بعد تدريب طويل.
يجب على الحرفي أن يكون ماهراً ومبدعاً في التصميم حتى لا يصبح مقلداً لمنتجات أخرى على شبكة المعلومات، بحسب داليا، التي ترى أن: "الهاند ميد موجود بكثرة، والجلد موجود، والجميع يذهب إلى مصدر واحد لشراء الجلد والصبغات، لكن ما يفرق بين شخص وآخر، هو التصميم والتقفيل، لكن آخرين يعيدون إنتاج منتجات من الإنترنت ويصبح الأمر تقليداً متبعاً فيما بعد، ولن يستطيع الحرفي ابتكار منتج لأنه اعتاد على نسخ تصاميم أخرى".
"الصناعة اليدوية تعود"
في منتصف المعرض، وضع علي رشدان علي، أستاذ تربية فنية، مجموعة قطع خشبية من كراس ولوحات طبيعية صنعها من خلال الرسم بالتفريغ على الخشب، يكون ذلك من خلال الحفر في لوحات خشبية وتقطيع أخرى ليخرج الشكل الذي في مخيلته.
يقول رشدان، لرصيف22 إنه يصنع منتجات متنوعة، فعلى سبيل المثال استطاع أن ينهي كرسي خشب صغير خلال 10 دقائق وذلك بتقطيع وتفريغ الخشب، لكن في أوقات أخرى تستغرق صور الأشخاص نحو نصف ساعة، والمناظر الطبيعية والآيات القرآنية قد تصل إلى ثلاث ساعات.
ويستخدم رشدان مطرقة صغيرة وقلم حفر ويكون حذراً أثناء الطرق حتى لا يرتكب خطأ يكلفه إعادة الحفر على قطعة أخرى.
يستخدم أستاذ التربية الفنية، نوعان من الخشب في منتجاته، إما خشب روسي أو صيني، ويفضل الروسي لأنه خامته أقوى وأفضل ولا يتآكل بسرعة أثناء الحفر، بخلاف الخشب الصيني الذي لا يتحمل الألوان ويغمق سريعاً ويتلف إذا حدث خطأ بسيط أثناء الحفر عليه، واستطاع صنع رشدان فوانيس رمضان، من خلال تعشيق الخشب في بعضه ليتحمل الصدمات والسقوط من يد الطفل، وذلك عكس نظيره المستورد من الصين.
يعمل رشدان حالياً على تصميم برواز بداخله بقرة وبجوارها ساقيتين بجذع كبير وتحتهم حشائش وتحت الحشائش نحو 50 ثقباً، موضحاً: "أعمل على هذا التصميم منذ 3 أشهر وحتى الآن لم أنته، لأنه يحتاج إلى صبر ووقت، ويعد هذا التصميم الأطول وقتاً والأكثر تفريغاً".
وعن مهرجان "تونس" يقول أستاذ التربية الفنية، إن صناعة المنتجات اليدوية بدأت تزهو من جديد، بعدما خفتت نتيجة ظهور الماكينات، وإنه في الوقت الحالي بدأ الاهتمام بالمنتجات اليدوية من المصريين مثل الأجانب والأمر أصبح مربحاً للعاملين في سوق الحرف اليدوية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...