للأسف، الجميع لديه الصورة النمطية عن الآخر، بغض النظر عمن هو الآخر، سواء كان الآخر الذي ينتمي إلى عائلة أخرى غير عائلتنا، أو الفرد القادم من مدينة أخرى غير المدينة التي ننتمي إليها، أو الشخص الغريب الذي ينتمي إلى ديانة مختلفة عن ديانتنا، أو الشخص الغريب الذي ينتمي إلى البلد الغريب عن بلادنا، أو الذي لديه قومية مختلفة عن قوميتنا.
في عقولنا تكون الصورة النمطية بشكل غير واعٍ، أصبحنا نرى الأشخاص ضمن هذه الصورة المرسومة في عقولنا.
حين جئت إلى ألمانيا حاولت محاربة الصورة النمطية عند الألمان عن اللاجئين، ولكن مع الوقت وجدت بأنني أحمل الصورة النمطية عن الآخر بغض النظر من هو، سواء الحلبي أو الشامي أو الحمصي وحتى الألماني. وجدت بأنه يتوجب عليّ محاربة الصورة النمطية في عقلي الباطني أولاً.
أنا جزء من المجتمع السوري الذي تنتمي إليه أنت أيضاً، وربما أشبهك وربما تشبهني بحملنا الصورة النمطية ضد الآخر.
نحن مثل الألمان لدينا الصورة النمطية، بجانبها السلبي أو الإيجابي، ولكن الفرق بين المجتمعين هو الركيزة الأساسية في الفردية والحرية الشخصية.
ترعرع الألماني في مجتمع قائم على الحرية الفردية وعلى أهمية الفرد واستقلاله عن العائلة، والمجتمع يدعم هذا الاستقلال ويشجعه من خلال سن قوانين جديدة تدعم ذلك، ووضع الفرد ركيزة أساسية في تعامل الدولة مع أفرادها، وتنشئة أجيال كاملة تتبنى الفردية والحرية الشخصية ضد دكتاتورية أو سطوة العائلة.
بينما مجتمعاتنا العربية والسورية قائمة على العائلة، حيث يذوب الفرد في العائلة. العائلة هي الهوية الشخصية التي نحملها، وبسبب نظام العائلات المتبع في موروثنا أصبحت مجتمعاتنا عبارة عن مجتمعات وليس مجتمعاً. نعم مجتمعات لأنه لا يوجد مجتمع واحد في سوريا، إنما عبارة عن مجتمعات تتشابه بكثير من العادات والتقاليد والبنية الأساسية وتختلف بالعادات والتقاليد ومحاولة التطور.
المجتمعات السورية أو العربية قائمة على العائلة كركيزة وبنية أساسية للمجتمع بما تمثله من عادات وتقاليد وتاريخ، مع التركيز على ذوبان الفرد بالعائلة، فالمجتمع لا يعترف بالشخص بحد ذاته، بنجاحه أو فشله، إنما النجاح أو الإخفاق أو الخطأ سيلتصق بجميع أفراد العائلة وباسم العائلة، لذلك نحن لا نشاهد الأفراد من منظور شخصي أو فردي إنما من منظور عائلي أو جمعي، فلا نعترف بالصفات الفردية إنما بالصفات الجمعية للمجموعة أو العائلة التي ينتمي إليها الفرد، فإذا قابلنا شخصاً جيداً من حلب فإننا نقول إن جميع سكان حلب جيدون وإذا قابلنا شخص سيئاً من دمشق فإننا أيضاً نقول إن جميع سكان دمشق سيئون، وليس ذلك فقط ولكن نكسب أيضاً خبرات وتجارب أفراد عائلتنا مع أفراد العائلات الأخرى بشقها الجيد أو السيء، ونربطها بالعائلات الأخرى أو المجتمعات الأخرى.
حين جئت إلى ألمانيا حاولت محاربة الصورة النمطية عند الألمان عن اللاجئين، ولكن مع الوقت وجدت بأنني أحمل الصورة النمطية عن الآخر، سواء الحلبي أو الشامي أو الحمصي وحتى الألماني. وجدت بأنه يتوجب عليّ محاربة الصورة النمطية في عقلي الباطني أولاً.
مجتمعنا لا يعترف بالشخص بحد ذاته، بنجاحه أو فشله، إنما النجاح أو الإخفاق أو الخطأ سيلتصق بجميع أفراد العائلة وباسم العائلة، لذلك نحن لا نشاهد الأفراد من منظور شخصي أو فردي إنما من منظور عائلي أو جمعي.
فنحن نحمل ما يقوله آباؤنا أو أخوتنا الكبار عن باقي المجتمعات في ذاكرتنا، فمثلاً سكان دمشق أناس بخيلون جداً على الرغم من أن البخل هنا بمعنى الحرص الشديد، وسكان حمص أناس سذّج على الرغم من أن السذاجة هنا تعني خفة الدم والظرافة.
على الرغم من أننا نقابل أشخاصاً كثراً مختلفين عن التصورات المسبقة التي بنيت على ما سمعناه من أهلنا، ولكن تبقى هذه الصورة مستقرة في عقولنا، ومن هنا تنشأ الصورة النمطية عن العائلات او المجتمعات الأخرى.
ولكن السؤال الأهم هل يحمل البشر جميعاً نفس الصفات بجانبها الجيد أو السيء؟ أم أنهم مختلفون؟ هل يتشابه السوريون بكل شيء؟ هل ينتمي الدمشقيون إلى نفس المجموعة المتشابهة بالصفات أم أن هناك دمشقيين من داخل السور أو من خارجه؟ هل جميع اللاجئين مجرمين أو جميعهم ضحايا؟
هل نشبه أخوتنا وأفراد عائلاتنا أم أننا مختلفون عنهم ولدينا صفاتنا الخاصة بشقيها الجيدة أو السيئة؟
بالإجابة عن هذه الأسئلة نستطيع أن نعي الصورة النمطية ضد الآخرين أو ضد أنفسنا وماذا يتوجب علينا أن نكون؟ فالحل هو بالتفكير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...