شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
“العلم ليس حكراً على الرجال“... د.سيرين نعمة وطموحات تتخطى حدود الأرض

“العلم ليس حكراً على الرجال“... د.سيرين نعمة وطموحات تتخطى حدود الأرض

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 11 أكتوبر 201906:13 م
Read in English:

"Science is not Exclusive to Men"... Dr. Nehmé and Her Extra Terrestrial Ambitions

"على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، هذه المقولة لمحمود درويش قد تكون الدافع الأساسي وراء الإرادة الصلبة التي تتحلّى بها الأخصائية في علم الفيزياء الفضائي د.سيرين نعمة، والتي جعلتها تغوص في أسرار هذا الكون، بمعزل عن جميع العوائق التي واجهت طريقها.

من يتعرف على هذه السيدة "النابضة بالحياة" والتي تخرج من عيونها شرارة الحب والشغف والجنون، يدرك جيداً أن ما حققته نعمة من إنجازات علمية تحتسب لصالح المرأة العربية، ما هو إلا جزء صغير من طموحاتها التي تتخطى حدود الأرض وتتجاوز الحواجز الجغرافية... أحلام كبيرة تتصل بالأرض وتلامس الفضاء، وأهداف لا تعرف الخمول، طالما أن قلبها يدق حباً للحياة، وفكرها يجول في الأفق بحثاً عن أجوبة شافية عن هذا الكون وعظمته.

فقد تمكّنت ابنة منطقة الشوف اللبنانية من كسر صور نمطية تُلاحق المرأة العربية، واحترفت مهنة لطالما اعتُبرت حكراً على الرجال، وهي الغوص في علم الفضاء، ومن خلال جهدها ومثابرتها حققت حلمها بالعمل مع وكالة الناسا الأميركية، كما عيّنتها الأمم المتحدة مؤخراً كمنسقة وطنية عن الأسبوع العالمي للفضاء، وهو حدث ضخم تشارك به أكثر من 90 دولة من حول العالم.

من شغفها بعالم الكون وأسراره وصولاً إلى الحديث عن النظرة السلبية والأحكام المجحفة التي يمارسها الفكر الذكوري السام بحق المرأة، بالإضافة إلى التطرق إلى موضوع الجنس والكحول في الفضاء... إليكم هذه المقابلة التي أجراها موقع رصيف22 مع د. سيرين نعمة.

في البداية أخبرينا أكثر عن شغفك بعلم الفيزياء الفضائي وسبب اختيارك لهذا المجال دون سواه؟

أعتبر نفسي محظوظة لكوني وجدت رسالتي في الحياة وأنا في سن مبكرة.

ففي عمر الـ8 سنوات، أهداني صديق والدي نظارة فلكية رأيت من خلالها حلقات كوكب زحل، كانت هذه المرة الأولى التي أنظر فيها إلى السماء بهذه الطريقة، وعندها أدركت أنني أريد أن أشهد طعم الحرية التي يعيش فيها هذا الكوكب وأكتشف أسراره وسكونه، فقررت أن أدرس الكون وأتعمّق به وتشكلت لدي صورة عن علم الفضاء ترسخت في ذهني وفي عقلي، أما بالنسبة للشغف تجاه هذا العالم السحري فكان يكبر شيئاً فشيئاً، بخاصة حين أتعمق في البحوث وألمس عظمة هذا الكون اللامتناهية، وفي نهاية المطاف كيف لا أغرم في هذا المجال ونحن كبشر نجسّد الكون والكون يجسّدنا؟

أين تابعت تحصيلك العلمي؟ وما هو البلد الذي احتضن أحلامك وطموحاتك؟

أكملت تعليمي في إحدى مدارس بيروت وفي عمر الـ15 عاماً تفوقت على دفعتي فحصلت على منحة وسافرت إلى فرنسا، وتحديداً إلى مدينة ليون حيث تلقيت دروساً في Maths spé، وبعدها عدت إلى بيروت حيث أكملت دراستي الجامعية قبل أن أسافر مجدداً إلى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه في علم الفيزياء الفضائي، واليوم أعمل كمدرسة جامعية في لبنان بالإضافة إلى التعاون مع وكالة ناسا الأميركية.

كيف تقيّمين تجربة العمل مع وكالة ناسا؟

عندما أنهيت الدكتوراة دخلت المفوضية الفرنسية للطاقة الذرية والطاقات البديلة (CEA)، وهناك كنا نعمل على تطوير كاميرا تعمل على الأشعة تحت الحمراء لكي ينطلق تلسكوب جيمس ويب الفضائي في العام 2021، بغية البحث عن الحياة خارج كوكب الارض، وبعدها تحقق حلمي وعملت مع وكالة الناسا الأميركية وكانت التجربة مثمرة إلى حدّ كبير وذلك على الصعيدين المهني والشخصي، بخاصة وأن الوكالة تحترم جميع من يعمل معها بغض النظر عن جنسه وجنسيته وشكله وخبرته...

في العادة من يعمل وينجح في الخارج تصعب عليه العودة إلى الوطن... ما الذي دفعك إلى العودة مجدداً إلى لبنان؟

عندما أعلنت عن عودتي إلى لبنان وقررت فسخ العقد مع وكالة الفضاء الأوروبية، استغرب جميع من حولي من هذا القرار المفاجىء، ولكن في الحقيقة قررت العودة من أجل إعادة إحياء علم الفضاء في لبنان عن طريق تدريس هذه المادة في الجامعات، وجعل الجيل الحالي يتعرف أكثر على أهمية الفضاء.

هل شعرت بالندم بعد عودتك من الخارج؟

لا أنكر أن الشعور بالندم سيطر عليّ مؤخراً، فعلى الرغم من أنني إنسانة متفائلة وإيجابية إلا أنني لاحظت كيف أن بعض الناس في لبنان يعملون على تحطيم الشخص الناجح، بخاصة إن لم يكن مدعوماً من أي جهة رسمية... "بكل تواضع فيي قول إنو البلد ما بيستاهلني".

ما هي الصعوبات التي واجهتك كامرأة عربية تعمل في مجال علم الفضاء؟

في الخارج لم تواجهني أي مشكلة من هذا القبيل بل كانت تتم معاملتي كإنسان قبل أن أكون مجرد "جسد أنثوي"، ولكن بعد عودتي إلى لبنان بدأت ألاحظ النظرات السلبية والأحكام المسبقة التي تلاحق السيدات، كالتقليل من شأنهن وقمع طموحاتهن والزعم بأنهن عاجزات عن تحقيق أي إنجاز، أو التهكم عليهن من خلال القول بأن هرموناتهن هي التي تتحكم بتصرفاتهن... للأسف في وطننا العربي يتم التعامل مع المرأة على أساس أنها مواطنة "من الدرجة الثانية".

من خلال حديثك قد يخال للبعض أنك ناقمة على الرجال، هل هذا صحيح؟

كلا على الإطلاق، أنا لست "عدوّة الرجل" بل أحترمه وأقدره، ولكن في مجتمعنا الشرقي أحارب يومياً وبشكل مستمر، الفكر الذكوري الرجعي الذي يدوس على عقل المرأة وينظر إليها كجسد فقط، كما أنني أنتقد الرجال الذين ينظرون إلى حقوق النساء باستهزاء، والمفارقة أنه في حال ثارت المرأة على وضعها وقررت رفع صوتها عالياً، فقد لا تؤخذ على محمل الجدية، لا بل يقال إن هرموناتها هي التي تتلاعب بها.

سيرين نعمة لرصيف22: "في الخارج كانت تتم معاملتي كإنسان قبل أن أكون أنثى، أما في الوطن العربي فيتم التعامل مع المرأة على أساس أنها مواطن من الدرجة الثانية"

من ينظر إليك يلاحظ مدى اهتمامك بالموضة والأزياء، كيف تجمعين بين عالمين متباعدين: الموضة والفضاء؟

في مجال الفضاء يسود الفكر الذكوري وبخاصة وأن عدد النساء اللواتي يدخلن هذا المجال قليل، ولكن العلم ليس حكراً على الرجال.

ومن جهتي أحرص على عدم قمع "الأنثى" الموجودة في داخلي، وذلك عن طريق الاعتناء بمظهري وارتداء الكعب العالي والملابس التي قد يعتبرها البعض جريئة بعض الشيء، والتي لا أنكر أنها جعلتني في بعض الأحيان عرضة لبعض الانتقادات، بخاصة وأن هناك صورة نمطية مفادها أن الشخص العلمي ينكب على الدراسات والأبحاث ويهمل مظهره الخارجي، وهذا الأمر غير صحيح إذ أن الإنسان كيان واحد وقادر على إحتواء كل ما في هذه الدنيا من جمال.

برأيك كيف يمكن للمرء في وطننا العربي التغلب على التحديات؟

في ظل الوضع الصعب الذي نعيشه في لبنان هناك خياران: إما أن نستقيل وندفن رأسنا في الرمل ونعيش بمقولة "ما باليد حيلة"، أو أن نكافح ونثابر من أجل التغيير.

من جهتي لا أقدر أن أعيش على الهامش بسبب شغفي الكبير وحبي للعطاء، فأنا وضعت على كاهلي مسؤولية تثقيف وتهذيب الشعب اللبناني في موضوع الفضاء وعدم الجلوس والاكتفاء بترديد الشعارات الرنانة، على غرار "لبنان يا قطعة سما"... الأهم بالنسبة لي هو تهذيب الروح والعقل.

أما بالنسبة إلى كيفية التغلب على التحديات التي قد تعترض طريق نجاحنا، فأعتبر أن الخطوة الأولى تكمن في التحلي بالعزيمة والإرادة الصلبة لإكمال هذا المشوار الصعب في الحياة.

ما هي أحلامك وأهدافك المستقبلية؟

أحلم بالعيش في وطن حر يحترم المرء لذاته بمعزل عن دينه وجنسه ولونه... الحرية ليس لها ثمن، وللأسف نحن شعب مقيّد بأفكاره الرجعية، بالطبع لا أدعو إلى "الفلتان" وعيش الحرية بطريقةٍ غير مسؤولة، بل أدعو إلى التحرر من القيود التي تكبّل الإنسان وتجعله أسير أفكاره النمطية.

وعلى الصعيد الشخصي، نتيجة الطعنات التي تعرضت لها على يد أقرب المقربين إليّ وخيبات الأمل الكثيرة التي مررت بها خلال هذا الشهر، قررت في البداية وضع أحلامي on hold (في الانتظار) ولكن في معركة الفيلة والحيتان سرعان ما أدركت أنه لا يجب أن نختبئ، بل أن نواجه قدر المستطاع لعلنا نغيّر شيئاً في المعادلة الصعبة، وها أنا اليوم أكافح يومياً من أجل تحقيق أهدافي.

سيرين نعمة لرصيف22: "أحلم بالعيش في وطن حر يحترم المرء لذاته بمعزل عن دينه وجنسه ولونه... الحرية ليس لها ثمن، وللأسف نحن شعب مقيّد بأفكاره الرجعية"

تقول الروائية أناييز نين: "أنت لا تعرف حال الناس على الأرض إلا إذا عرفت ماذا يقولون عندما يرفعون وجوههم إلى السماء"، ماذا تقولين حين توجهين أنظارك نحو الأعلى؟

أول ما أنظر إلى السماء أصرخ من قلبي وأقول: يا إلهي ما أجمل وأعظم هذا الكون! وبعدها أخاطب المخلوقات الفضائية بالقول: أين أنتم؟ خاطبونا، نحن في الانتظار...

حدثينا أكثر عن الأسبوع العالمي للفضاء: تفاصيل وأسباب وأهداف انعقاد هذا الحدث ومن هي الدول العربية المشاركة؟

في العام 1999 أقرّت الأمم المتحدة الأسبوع العالمي للفضاء كحدث عالمي يمتدّ من 4 إلى 10 أكتوبر، ويشارك به 92 بلد من حول العالم، وبالإضافة إلى لبنان هناك الكثير من الدول العربية المشاركة مثل سوريا ودبي والجزائر وتونس، والهدف من هذا الأسبوع هو جعل الأفراد يتعرفون أكثر على عالم الفضاء وتحريك الشغف لدى الأجيال تجاه هذا العالم، وذلك عن طريق القيام بعدة أنواع من النشاطات مثل الرسم والمحاضرات ورواية القصص... أما بالنسبة للمشاركة فهي مفتوحة للجميع ولا تنحصر بالاشخاص الذين لديهم خلفية علمية.

واللافت أنه في كل عام يتم اختيار theme (موضوع) معيّن لأسبوع الفضاء العالمي، ففي العام الماضي كان العنوان: الفضاء يوحّد الجميع، أما هذه السنة فالموضوع هو: القمر... بوابة إلى النجوم، وذلك بمناسبة مرور 50 عاماً على وقوف الإنسان للمرة الأولى على سطح القمر.

ماذا بعد وصول الإنسان إلى القمر؟ وماذا عن إمكانية الوصول إلى المريخ؟

"رح نغط قريباً على القمر"، فقد وقعت وكالة الناسا عقداً بقيمة 30 مليار دولار لإنشاء قرية على القمر بحلول العام 2024.

أما بالنسبة إلى إمكانية الوصول إلى المريخ، فالإمكانات العلمية موجودة إنما نحتاج إلى الإمكانات الإنسانية، بحيث أن مسألة الصعود والهبوط تستغرق حوالي سنتين، ما يفتح نقاشاً حول مدى تكيّف الدماغ مع البيئة الجديدة، ففي هاواي حاول الباحثون القيام بتجربة تحاكي الذهاب إلى المريخ من خلال الطلب من بعض رواد الفضاء البقاء تحت الأرض طيلة 6 أشهر، إلا أن التجربة باءت بالفشل.

ما هي حاجات رواد الفضاء وماذا يأخذون معهم في رحلاتهم؟

رواد الفضاء هم في نهاية المطاف بشر وحاجاتهم داخل المركبة الفضائية تشبه حاجات أي إنسان آخر، كتأمين الطعام والشراب والاستحمام، هذا بالإضافة إلى المواظبة على التمارين الرياضية، خاصة وأن انعدام الجاذبية يساهم في خسارة الكثير من العضلات، كما أنهم قد يعانون من هشاشة العظام نتيجة الإشعاعات.

واللافت أنه خلال الرحلات يصطحب كل رائد فضاء معه شيء عزيز على قلبه، مثل صور أولاده وعائلته، ألعاب، كتاب...

هل يسمح بتناول الكحول على الفضاء؟

عندما صعد باز الدرين لأول مرة في رحلة أبولو 11، اصطحب معه النبيذ ولكن من بعدها قررت وكالة الناسا منع الكحول، خوفاً من أن تؤثر المشروبات الكحولية على الدماغ وعلى أداء الرواد، في حين أن وكالة الفضاء الروسية تحبذ تناول مشروب الكونياك وتعتبره مفيداً لتقوية جهاز المناعة.

هل يسمح بممارسة العلاقات الحميمة في الفضاء؟

بصورة عامة لا يسمح بممارسة العلاقات الحميمة في الفضاء غير أنني لا أستطيع أن أجزم ذلك، فرواد الفضاء يقبعون مع بعضهم البعض في غرفة صغيرة طوال الوقت، والغريب أن الجنس في الفضاء هو موضوع "تابو"، وكأنه من المطلوب من عالم الفضاء أن ينذر العفة ويمتنع عن إشباع حاجاته.

ما هي حدود الإنسان؟

لا حدود للإنسان طالما أنه كائن حيّ يعيش ويفكر فعليه أن يستمر في البحث والتقدم، وأعتبر أن حدود الإنسان هي إنسانيته وهي التي تفرقه عن عالم الحيوان.

برأيك، هل هناك حياة خارج سطح الأرض؟

قد نكون أنانيين في حال اعتقدنا أننا الكائنات الوحيدة التي تعيش في المجرّة، ولكن لم تتمكن الأبحاث العلمية، حتى هذه اللحظة، من إيجاد جواب شافٍ على مسألة الحياة خارج سطح الأرض.

في الختام ما هي حكمتك المفضلة في الحياة؟

اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً (علي بن أبي طالب).


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image