"كان علي أن أعيش خمسة أشهر على أقل القليل من الطعام ومن دون مرتب. وقد تأثرت أسرتي كثيراً. وتطفح عيناي بالدموع كلما تذكرت أين كنا نذهب للعثور على طعام... في حاويات القمامة".
هكذا اختصر جاك، عامل من كينيا لدى شركة "يونايتد كلينينغ" في قطر، معاناته ومعاناة مئات العمال الآخرين في سبيل الحصول على حقوقهم على الرغم من وعود السلطات القطرية بتحسين حقوق العمال.
وردت شهادة العامل في تقرير لمنظمة العفو الدولية، نشرته في 19 أيلول/سبتمبر، تحت عنوان "عمل دائم بدون أجر: نضال العمال الأجانب في قطر من أجل العدالة"، ويكشف عن يأس مئات العمال الأجانب، الذين كانوا يعملون لدى ثلاث من شركات الإنشاءات والنظافة في قطر، من نيل العدالة، وعودتهم إلى بلادهم مفلسين، منذ آذار/مارس عام 2018.
أضاف العامل الكيني: "بعد العمل سنتين وخمسة أشهر لدى ‘يونايتد كلينينغ‘ دون أخذ أي عطلة، تدين لي الشركة بمبلغ كبير ترفض دفعه لي. لو حصلت على هذا المبلغ لأمكنني العودة إلى زوجتي وابني في بلدي".
أما ديباك، عامل من النيبال، فيقول: "كنا نعيش على التبرعات الغذائية. الشركة لم تدفع أجورنا شهوراً عدة ولم يكن معنا مال".
ليس هذان العاملان المتضررين الوحيدين من ظروف العمل غير الإنسانية وغير العادلة في قطر التي يوجد فيها قرابة مليوني عامل أجنبي، يشكلون عصب اقتصادها ويعانون تحت وطأة نظام "الكفالة".
وقد تابعت العفو الدولية مساعي العمال للحصول على حقوقهم من آذار/مارس عام 2018 وحتى تموز/يوليو 2019.
ومن خلال متابعتها الدقيقة لـ33 عاملاً، وإجرائها مقابلات مع 30 منهم، أكدت المنظمة الدولية أن عمالاً في 3 شركات، هامتون إنترناشونال وحمد بن خالد بن حمد ويونايتد كلينينغ، يئسوا من الحصول على حقوقهم المتصلة بالأجور والتعويضات وغادروا قطر.
إجبار على التخلي عن الحقوق
من هؤلاء بيجوي، عامل هندي، طال انتظاره ثلاثة شهور من أجل تحديد جلسة لنظر شكواه فقط، في حين أن القانون القطري يلزم "لجان فض المنازعات" بـ"إصدار قرارات" بشأن القضايا المعروضة عليها في غضون ستة أسابيع من تقديم الشكوى.
اضطر بيجوي إلى العودة إلى بلده من دون الحصول على حقه بسبب مرض والده وخضوعه للعلاج في المستشفى.
لم يكن أمامه خيار سوى الموافقة على أخذ 1000 ريـال قطري فقط (حوالي 275 دولاراً أمريكياً) بالإضافة إلى تذكرة العودة إلى الهند، ووقف مساعيه لاستعادة مستحقاته التي تزيد عن 13 ألف ريال قطري (حوالي 3,750 دولاراً أمريكياً) لدى "شركة هامتون إنترناشونال".
وتؤكد العفو الدولية أن مئات العمال الآخرين لدى "شركة هامتون" اضطروا للخيار نفسه.
ونقلت المنظمة عن العامل الهندي قوله "لم نتلق مالاً طوال 7 أشهر. والدي مريض ويجب أن أنسى المال وأسافر. توسلت إلى شقيق رئيس الشركة أن يعطيني ولو أربعة آلاف ريال قطري (حوالي 1100 دولار أمريكي). أعطاني ألفاً (حوالي 275 دولاراً أمريكياً). يجب أن أنسى لأنني أريد أن أرى أبي".
أما العامل الكيني كيفن فقال: "كنت أريد الحصول على مرتبي وإذن عدم الممانعة حتى يمكنني العمل من جديد. عندما ذهبت إلى المكتب لطلب الإذن، قالوا إن عليّ توقيع أوراق تفيد بأنني حصلت على مستحقاتي أو أن أتنازل عن الدعوى… كانوا يقولون ذلك لكل من يسأل".
عمال أجانب يروون لمنظمة العفو الدولية عن معاناتهم من أجل الحصول على حقوقهم في قطر حتى يئسوا وغادروها… بعضهم اقتات من القمامة وآخرون توسلوا للعودة إلى بلادهم
مزيد من الخسائر
وعوضاً عن الحصول على حقوقهم من خلال التقاضي، يتكبد العمال الأجانب المزيد من الخسائر المالية. وهو ما حدث مع روي، من الفلبين الذي يعمل لدى شركة حمد بن خالد بن حمد. قال للمنظمة: "الأمر نفسه يتكرر في كل جلسة، يطلب مني القاضي أن أعود مرة تلو أخرى. أنفقت مالي على سيارات الأجرة ذهاباً وإياباً... واضطررت أيضاً لطلب إجازات من وظيفتي الجديدة لأنني بحاجة إلى الذهاب إلى المحكمة".
في هذا السياق قال بوبنترا، عامل من النيبال: "تحاول وزارة العمل (القطرية) الوصول إلى تسوية، وتمتنع الشركة في أغلب الحالات عن حضور الاجتماع. ومن ثم تحيل الوزارة القضية إلى المحكمة. هناك يتعين على العامل أن يدفع 500 أو 600 ريال (137 أو 165 دولاراً). كيف يمكن لعامل أن يدفع مثل هذا المبلغ؟ هذا يشبه تسلق جبل إفرست".
حتى إذا كان العامل مستعداً لدفع كل تلك المبالغ، فإن الذهاب إلى المحكمة لا يضمن استعادة الحقوق، إذ تقول العاملة الفلبينية لورا: "نحن متأكدون أننا لن نحصل على مالنا لأنهم (السلطات القضائية) لا يلحون حتى على صاحب العمل لكي يدفع. نجد الأمر باعثاً على أشد اليأس عندما نتعامل مع محكمة العمل والمحكمة العليا… إنهم بطيئون للغاية وغير صارمين مع أصحاب العمل الذين يسيئون معاملة عمالهم".
أما أشيش، أحد الموظفين الأجانب في شركة حمد بن خالد بن حمد، فقال: "انتظرت 4 أشهر كي تعطيني وزارة العمل حكماً بأن من حقي الحصول على مالي من الشركة، وكان هذا كل شيء. مرت سنة، منذ بدأت تلك العملية، ولم أتلق فلساً واحداً".
هنالك آخرون ماضون في السعي من أجل حقوقهم، بينهم العامل الكيني كيفن، الذي أكد للعفو الدولية: "سأستمر حتى النهاية في الكفاح من أجل حقوقي. هذا عَرقي (كدي في العمل) خلال خمس سنوات. كنت أستيقظ في الثالثة فجراً".
وسلط حصول قطر على حق استضافة كأس العالم لعام 2022 الضوء على ما يعانيه العمال الأجانب الذين يمثلون 90% تقريباً من سكانها. وغالبيتهم من بلدان فقيرة تحركهم الرغبة في تحسين أوضاعهم وأوضاع أسرهم المعيشية. غير أن آمالهم تلك تتبدد على أرض الواقع، بل يعودون إلى بلادهم مثقلين بالديون، بحسب العفو الدولية.
وبرغم المطالبات المستمرة بإنهاء نظام الكفالة المسيء ومنح العمال أجورهم وتعويضاتهم المستحقة، والتعهدات الرسمية بالوفاء بذلك، لم يحدث أي تحسن في الأوضاع، على الرغم من إنشاء السلطات القطرية لجاناً جديدة تهدف إلى الإسراع في فض منازعات العمل في إطار إصلاحات جرى الاتفاق عليها قبيل إقامة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين