شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الحب بعد الأربعين (3): قدر مكتوب أو حيوان فلتان؟

الحب بعد الأربعين (3): قدر مكتوب أو حيوان فلتان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 9 فبراير 201901:01 م

جاء يوم الجمعة 14 يناير، كنت على موعد مع مطوّر برمجيات أمريكي يزور مدينتنا باحثاً عن مطوّرين محليين. برأيه لدينا أفضل أدمغة في العالم الثالث بعد الهند، عدسة العنصرية في كلّ مكان هذه الأيام كما لو كنا تحت الاحتلال أو الانتداب، كل فالح نغريه ونسحبه إلى الباب العالي.

حجز باردي في مطعم فاخر قرب مكتبنا، كنت متشوقاً للقائه، جلسنا نبحث تطور الشراء أونلاين والتحديات التي نواجهها لافتقادنا أي خدمة بريدية موثوق بها. فجأة رأيتها جالسة مع زوجها الوسيم وولديها على بعد طاولتين منّي.

ماذا تفعل هنا على وجبة الظهر معهما؟ ألا يذهبان للمدرسة؟ هل تسكن في المنطقة؟ ماذا يعمل زوجها؟ هل هذا عيد ميلاد أحدهما مثلاً؟ لم أعد قادراً أن أركّز على باردي وحوارنا، هل رأتني قبل أن تجلس في مكانها؟ انتابني شعور بالنشوة ولم أعد قادراً على الأكل، كنت في كوكب آخر. أكملت حديثنا وانسحبت بهدوء بعد دفع فاتورة الغداء. عيوننا لم تلتقِ، أرجّح أنها لم ترني.

رمزي وجهاد أشعلا الحياة في جوالي في اليوم التالي، رسائل قصيرة وواتساب يحثّانني على الانضمام إليهما في البار حيث التقينا أول مرة، كنت نائماً، كلّما سافرت زوجتي في رحلة عمل، أغتنم الفرصة وأبقى في البيت وحيداً أنام متى شئت، أشاهد نتفليكس متى شئت وأعمل متى شئت! هل عادت للمكان نفسه أملاً في رؤيتي؟ طبعاً لا. خيالي واسع جداً، ما الذي قد يجذبها لي؟ ممكن أن أكون من عمر والدها، هل لديها عقدة أوديب؟ وهل تبحث عن رجل مثل والدها؟ في حديثنا الأول فارق العمر لم يكن مهيمناً، الانجذاب والغريزة لا يعرفان سنّاً. طلب منها رمزي أن تأخد معه صورة لترسلها لي، مؤكّداً لها شغفي بها، رفضت.

كنا نأكل بيد ونرسل رسائل باليد الأخرى. كلمات بسيطة وإيموجيز لا أفهمها، مما اضطرّني إلى البحّث عليها على غوغل. وجه قطّة فمها مزموم، ومعنى ذلك أنها جاهزة لقبلة على فمها أم أنها تقبّلني؟ قبلة صداقة أم جنسية النكهة؟... حب ما بعد الأربعين
"استهبلني" صديقي وقال: "لم تضاجعها بعد؟" ابتسمت لأنني لأول مرّة لا أعرف ماذا أفعل معها، أين سنصل غداً أنا وجنا؟... الجزء الثالث من سلسلة حب ما بعد الأربعين

جاء يوم الجمعة، يوم العائلة، زوجتي في رحلة عمل، خرجنا لوجبة العشاء مع أخواني وفي منتصف الوجبة دخل رجلان وعرّف أحدهم عن إسم حجزه، فسمعت اسم عائلتها. كلّ هذه المصادفات؟ شيء غريب جداً، بين ليلة وضحاها جنا حولي كيفما توجهت. نهاية أسبوع جميلة جداً، نفسية مرتاحة وثقة جديدة بنفسي.

الأحد صباحاً توجهت إلى المطار الجديد، لا يشبه مدينتنا المنهكة، لكن إدارته تشبهنا، 3 سنوات وترتطم رؤية المعماري وسيشبهنا المطار تماماً. جلست في الكرسي وإذ بنسخة من جنا تجلس في كرسي أمامي! أختها حتماً. ما هذا يا إلهي؟ ما كان لي إلا أن أرسل لجنا أول رسالة على مسنجر أقول لها إن نسخة منها تجلس أمامي، أجابت بعد ثلات ثوانٍ فقط ممازحة "هذه أنا" ، بعد ذلك طلبت مني أن أعرّف نفسي على أختها، فعلت ذلك بكلّ ثقة، كنت مسروراً بهذه الصدفة الجديدة. تراسلنا خلال سير الطائرة على مدرج الإقلاع، كلمات بسيطة وإيموجيز لا أفهمها مما اضطرّني إلى البحّث عليها على غوغل. وجه قطّة فمها مزموم، ومعنى ذلك أنها جاهزة لقبلة على فمها أم أنها تقبّلني؟ قبلة صداقة أم جنسية النكهة؟ طارت الطائرة وعاد الجوّال إلى الشنطة. طوال ثلاثة أيام تراسلنا كما لو كنّا مراهقين عاشقين، ليلا نهاراً فقط لا غير، الابتسامة لم تفارق وجهي وهي أيضاً باحت لي أنها تبتسم وتضحك وحدها، كنا نستيقظ فجراً للتراسل، كنّا على ثقة أن أحدنا عرف الآخر في حياة سابقة، طروادة حتماً، أنا كنت مقاتلاً ثلاثينياً وهي يافعة بالكاد بالغة عندما وجدنا نفسينا في قاربِ في وسط البحر، لا أذكر أكثر لكننا شعرنا أن أحدنا عرف الآخر شرعياً كرجل وامرأة.

حديثنا بدأ يأخد حدّة وقوة جسدية، كلّما زدت عيار الرسائل القصيرة، زادت هي عيار الإجابات، لم أشعر مرّة أنني أحرجها، كنّا بكلّ بساطة رجلاً وامرأة يمارسان الغزل كما فعل عنتر مع عبلة، لا رادع ولا عيب. شعرت أحياناً أنني وسخ لكنها لم تمثّل أنها مصدومة أو مستاءة بالرغم أنها شريفة بالمعنى التوراتي، لكنها تعرف الحياة، وتعرف ماذا تريد وماذا أريد، لا يحكم أحدنا على الآخر، لا نحكم على شركاء حياتنا، كل ما في القصّة اننا منجذبان أحدنا للآخر على مستويات لا تحصى. كنا نستمع لنفس البلاي ليست، نأكل بيد ونرسل رسائل باليد الأخرى.

كلّ ذلك دون أي اتصال صوتي، نعيش على السامسونغ، صلتنا بالحياة، عدت لمدينتنا بعد غياب أسبوع، لم أنم فيه أكثر من 3 ساعات دون ان نتراسل، رسائلها كانت ألطف من رسائلي، تصبّح عليّ وتمسّي يومياً، بينما انا لم أجامل وأضيع وقتي. عرفت نفسي أكثر من علاقتنا هذه، كلّ ما هو جنا يجعل منّي رجلاً أفضل. وفجأة كنّا في نفس المدينة وقادرين أن نلتقي، مكان عملها يبعد ساعة عنّي في أفضل الأحوال، وساعتين في وقت الذروة، ساعات لا نملكها مع كل مشاغلنا وواجباتنا المهنية والعائلية.

اتفقنا أن لا نتعب نفسينا أكثر بما أننا في نفس المدينة ونتكل على القدر لنتلقي للمرّة الثالثة. كلّ هذا ولم نلتقِ إلا ثلاث مرّات، أول لقاء في الملهى حيث أيقظت فيها الحياة عندما قلت لها إنها جميلة، مرة بعد العرض السينمائي حيث تبادلنا خمس كلمات لا أكثر، والليلة المنتظرة حيت تبادلنا الحبّ كله. لقاؤنا الرابع تركناه للقدر، القدر شاء. أرسلت لي رسالة تقول فيها إن زوجها سيخلد للنوم باكراً وطلبت أن ألقاها في مكان لقائنا الأول لأنها ستذهب مع صديقات لها يزرنها في مدينتنا.

يا إلهي، علينا أن نتكلّم من دون السامسونغ! سنتقابل كغريبين يمثلان انهما صديقان. دخلت الملهى مرتدية قميصاً مفتوحاً حتى سرّة بطنها، قالت لي لاحقاً إنه قميص زوجها! كعب مقاسه شبران مما جعلها أطول مني، كانت أجمل مما أذكر، عيناها تشعان حياة وفضولاً، ابتسمت لي ولصديقي رمزي "المرافق" النديم الذي يعرف سرّنا الحميم، وقالت: أراكما لاحقاً قبل أن تعود لصديقاتها. رمزي سألني بعد القبلات الهوائية: وبعدين؟ قلت له "ولا قبلين"، هذا لقاؤنا الأول بعد كل الدراما الراقية الافتراضية، نظر لي وكأنني أهبل وقال: لم تضاجعها بعد؟ ابتسمت لأنني لأول مرّة لا أعرف ماذا أفعل معها، أين سنصل غداً أنا وجنا؟ لم أعد قادراً على الاحتمال كما لو كنا مراهقين بكرين ننتظر الفرج، ننتظر الفرج. غداً قد أفقد صوابي معها وآخد ما لي وأعطيها ما لها. علاقة مشحونة بالشغف وبغريزة حيوانية مخيفة. يتبع...

الحب بعد الأربعين (1): طريق الانحراف؟

الحب بعد الأربعين (2): نظرة فابتسامة فموعد فخمر فحشيشة


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image