نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي، والتي ضَمّنَها عالم الطبيعة البريطاني، تشارلز داروين، في كتابه "أصل الأنواع" (الصادر عام 1859)، هي نظرية تصف العملية التي تتغيّر من خلالها الكائنات الحية بمرور الوقت نتيجة حدوث تغيّراتٍ في الصفات الجسدية المورّثة أو السلوكية، وتسمح للكائن بالتكيّف بشكلٍ أفضل مع بيئته، ومساعدته على البقاء على قيد الحياة في الظروف المحيطة به، وتمرير مورثاته إلى خلَفه. وهي واحدة من النظريات التي أُثبتت بأفضل شكل في تاريخ العلم، إذ أنها مدعومة بمجموعةٍ واسعةٍ من الأدلّة العلمية.
ثم يأتي شخص مؤمن بالله وبكتبه ليدحض هذه النظرية، ويحاول أن يثبت لي بأنني جاهلة عبر سؤاله: "يعني أصلك قرد؟".
القرود التي تطوّرنا منها قد انقرضت والقرود الحالية لم تتطوّر منا ولم نتطوّر منها، بل نتشارك معها بأسلافٍ مشتركة في أزمان مختلفة
هنا تأتي الردود العلمية المُعقّدة أحياناً، والّتي قد لا يفهمها من لم يقرأ غير كتابٍ واحدٍ في حياته. إذ من السهل أن يبحث في الكتب والمراجع وعبر الإنترنت عن كتاب "أصل الأنواع" وغيره من الكتب العلمية التي تحدّثت بالتفصيل الممل عن نظرية التطوّر، والتغيرات التي طرأت على الجنس البشري والتي حصلت على مدى ملايين السنين، فقط من أجل المعلومة، لكن من يصدّق دون أدلّة، ومن يؤمن دون براهين، لا يستطيع أن يستوعب هذا الكم من الأدلّة والبراهين والأحافير التي تم اكتشافها وإثباتها علمياً على مدى السنين، فالإيمان هو تصديق الغيبيات والأقاويل المتوارثة، أما العلم فهو تصديق الأدلّة والبراهين المنظورة والملموسة.
من الصعب على أي شخص يؤمن بأعجوبات الأنبياء والمرسلين، أن يصدّق ما تراه عيناه وما تلمسه يداه من أحافير وأدلّة، والتي تدحض إيمانه بما لا يستطيع أن يراه أو يلمسه.
نعم… أصلنا قرود، لكن ليس القرود أو السعادين الحالية. القرود التي تطوّرنا منها قد انقرضت والقرود الحالية لم تتطوّر منا ولم نتطوّر منها، بل نتشارك معها بأسلافٍ مشتركة في أزمان مختلفة خلال الفترة التطورية.
لن أتعمّق في تفسير هذه النظرية، إذ لن أتمكّن من إزالة غشاوة الجهل عن عيون الكثيرين.. مهما تكلّمت وبرهنت وأثبتت، سيستمرّ من يؤمن بالجنّ والعين والحسد بطرح نفس السؤال الجاهل: "يعني أصلك قرد؟".
كيف أُقنع المرأة التي جعلوها تظن بأنها عورة وبأن الرجل قوّام عليها، بعملية الانتقاء الطبيعي؟ كيف أشرح للرجل الذي يعتبر أن المرأة نجسة بسبب الدورة الشهرية، أن الأحافير التي اكتشفها علماء الانثروبولوجيا تُثبت بشكلٍ قاطع بأن لدينا سلف مشترك مع القرود؟
تتشارك جميع الثدييات في إنتاج الحليب من ثدييها.
تتشارك جميع الفقاريات في وجود عمودٍ فقري ينظّم حركتها.
نعم أنا أصلي قرد وأفتخر!
أنا جزء من هذه المنظومة الطبيعية، وأتشارك مع كل الكائنات الثروات التي خلّفتها لنا الطبيعة. فلننظر إلى أنفسنا في المرآة ثم ننظر إلى الثدييات التي تعيش معنا على هذا الكوكب... نُشبهها في العديد من الملامح والمميزات والتصرّفات.
أنا جزء من هذه المنظومة الطبيعية، وأتشارك مع كل الكائنات الثروات التي خلّفتها لنا الطبيعة. فلننظر إلى أنفسنا في المرآة ثم ننظر إلى الثدييات التي تعيش معنا على هذا الكوكب... نُشبهها في العديد من الملامح والمميزات والتصرّفات
أصلي قرد وأفتخر... علينا كلنا أن نفتخر ونفرح لكوننا نمتلك سلفاً مشتركاً مع هذه الحيوانات الجميلة والرقيقة، التي لم تشكّل عصابات وأحزاباً، التي لم تشن حروباً ولم تقتل أفراداً من جنسها باسم آلهتها ومعتقداتها
"إذا أنت أصلك قرد أنا أصلي من طين"... "أنت ملحدة وشاذة تؤمنين أن أصل الإنسان قرد"... "أنت أصلك كلبة وليس قرد".
هذه عيّنة من "الإهانات" التي توجّه لي كلما تحدثت عن نظرية التطوّر وأصل الإنسان.
في الحقيقة، أنا لا أعتبرها إهانة... بما أنني قلتها سابقاً وأعيد تكرارها، أصلي قرد وأفتخر... علينا كلنا أن نفتخر ونفرح لكوننا نمتلك سلفاً مشتركاً مع هذه الحيوانات الجميلة والرقيقة، التي لم تشكّل عصابات وأحزاباً، التي لم تشن حروباً ولم تقتل أفراداً من جنسها باسم آلهتها ومعتقداتها... كم أتمنى أن نتعلم من القرود حبَّ الطبيعة واحترامَ الأشجار والأرض، كم أتمنى لو لم نتطوّر وبقينا قروداً، ثدياتٍ غير مدركة، إذ عندما أصبحنا ندرك ونفكّر... تحوّلنا من قرود إلى وحوش.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...