شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
صورة الجسد المهتزّة... كيف يؤثر شكلنا الخارجي على شخصيتنا؟

صورة الجسد المهتزّة... كيف يؤثر شكلنا الخارجي على شخصيتنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 24 يوليو 201906:41 م

"ليش ما بتضعفي"، "خفّفي أكل، ليكي شو صايرة ناصحة"، "روحي زبطي شكلك"...هذه العبارات الجارحة وغيرها تختصر طفولة صديقتي المقرّبة والانتقادات الكثيرة التي كانت تطالها بسبب شكلها الخارجي وجسدها الممتلىء.

في البداية لم تكن الكيلوغرامات الزائدة تؤثر على شخصية باميلا (25 عاماً) وعلى سلوكها الاجتماعي، حتى بدأت مرحلة المراهقة وبدأت معها موجة التنمّر من كل حدبٍ وصوب، سواء كان ذلك في المدرسة أو في الحيّ الذي تقطن فيه...

ونتيجة التهكّم المستمرّ على شكلها الخارجي، فقدت الشابة اللبنانية ثقتها بنفسها وأصبح المنزل ملاذها الوحيد، حيث تقضي فيه معظم وقتها، هرباً من عيون الناس وتعليقاتهم الجارحة.

إنما مع مرور الوقت ودخولها الجامعة وانخراطها في مجال العمل وتحديداً في شركة محاسبة، أدركت باميلا أن فقدان الأمل والاستسلام إلى انتقادات المجتمع لا يجدي نفعاً، وهكذا قررت أن تتحدى الجميع من خلال وصفةٍ واحدة وهي تقبّل نفسها، وفق ما أكدته في حديث خاصّ لرصيف22: "تعلمت حب الذات أولاً، وأن أتقبل جسمي وشكلي كما هو، الأمر الذي جعلني أستعيد ثقتي بنفسي وأدرك أن قدراتي وطاقاتي لا تقف عند حدود الشكل الخارجي...".

تكوين الشخصية

من عادات روتيننا اليومي قبل الذهاب إلى العمل، المدرسة، الجامعة أو أي مكانٍ آخر، الوقوف أمام المرآة بهدف أن نظهر بأبهى حلّةٍ أمام الآخرين.

وفي حين أن البعض لا يبالي كثيراً بمظهره الخارجي ولا يكترث لأقوال الناس، فإن البعض الآخر يقف لساعاتٍ أمام المرآة، بغية الخروج ب"لوك" يتماشى مع حالته النفسية ويرضي ذوق المجتمع.

تعتبر الخصائص والسمات الجسدية من أبرز الأسس التي تساهم في تكوين شخصيتنا، ولكن هل فكّرتم إلى أي مدى يمكن أن يؤثر المظهر الخارجي على الشخصية؟

من الناحية النظرية يبدو التركيز على شكل البنية الجسدية هو أمرٌ هام لمعرفة سمات وملامح الشخصية.

ففي أربعينيات القرن العشرين، طرح عالم النفس الأميركي، ويليام شيلدون، نظريته التي تشدّد على ارتباط البنية الجسدية بشخصية الإنسان، حيث لاحظ أن الأشخاص الذين يتمتعون بأجسامٍ متشابهة في التكوين يكون لديهم نفس سمات الشخصية.

وعليه، قام ويلدون شيلدون في كتابه Atlas of men  بتقسيم أنواع الشخصيات إلى ثلاثة أنماطٍ أساسية من البنيان الجسدي Somatotype وذلك وفق الشكل الخارجي للبنية الجسدية ووفق الوظائف الحيوية الداخلية:

-النمط الإندومورفي (البدين): الجسم الممتلئ عند منطقة البطن، نحيل الأكتاف عريض الخصر، مستدير الجسم غير حاد الزاويا ولديه الكثير من الشحم، مع بطءٍ في نمو العظام والعضلات، ويتميز صاحب هذا الشكل بكونه شخصاً بشوشاً وعاطفياً ويحب الحياة الاجتماعية والطعام ويميل إلى الراحة والاسترخاء.

-النمط الميزومورفي (العضلي) :الجسم العضلي القاسي، عريض الأكتاف نحيل الخصر، ضخم العظام، ويتميز الشخص بكونه شجاعاً، نشيطاً ويحب السيطرة.

-النمط الإكتومورفي (النحيل): نحيل الأكتاف والخصر، مسطح الصدر، قليل العضلات والشحوم، ويتميز صاحب هذا الشكل بكونه شخصاً حساساً ويميل للوحدة والانطوائية وأحياناً يكون عصبياً وصعب المزاج.

هذه الأنماط وعلاقتها بالشخصية يمكن تناولها من الناحية النظرية طبعاً، وقد تكون العلاقة بين شكل الجسد والشخصية عرضةً للتغيير في أي وقت، فصحيح أن السمات الجسدية قد تساهم بالفعل في تكوين الشخصية، غير أن نظرة المجتمع للمعايير الجمالية والثورة التكنولوجية التي تحدّد ما هو الشكل الخارجي "المقبول" اجتماعياً، كلها عوامل قد تؤثر بدورها على شخصية المرء وسلوكه في المجتمع، وهو ما رأيناه مع الشابة باميلا والتي، بالرغم من أنها تطابق النمط الإندومورفي، إلا أن نظرة المجتمع لها جعلتها في البداية تتحوّل، من شابةٍ ديناميكيةٍ تحب الحياة إلى شابةٍ انطوائيةٍ غير قادرة على مواجهة ألسنة الناس ونظراتهم.

التكنولوجيا تزيّف شخصيتنا

من منّا لا يحب أن يكون جميلاً في عيون الآخر؟ غير أن اللهاث وراء "تلميع" الشكل الخارجي، بخاصةٍ على تطبيقات المواعدة قد يكلّف صاحبه أثماناً باهظة.

فقد كشفت دراسة أميركية حديثة أًجريت على أكثر من 1700 شخص يستخدمون تطبيقات المواعدة الإلكترونية على غرار Tinder، أن هؤلاء أكثر عرضةً للسيطرة على وزنهم بطرقٍ غير صحية.

وقارن مُعدّو البحث سلوكَ الأشخاص الذين استخدموا تطبيقات المواعدة مع أولئك الذين لم يفعلوا ذلك، ووجدوا أن المستخدمين لديهم نسبة أعلى من المشاركة في سلوكيات غير صحية للتحكم في الوزن كالتقيؤ، استخدام المسهّلات، الصيام عن الأكل، اللجوء إلى حبوب الحمية ومكملات بناء العضلات، هذا بالإضافة إلى تناول المنشطات.

وتعليقاً على هذه الدراسة، يقول الدكتور ألفين تران من كلية الصحة العامة في جامعة هارفرد في بوسطن: "تعتبر دراستنا واحدة من أوائل الدراسات التي تبيّن العلاقة بين استخدام تطبيق المواعدة والسلوكيات غير الصحية للتحكم في الوزن".

وأضاف تران: "بالرغم من أننا لا نعرف ما إذا كان الأشخاص يمارسون سلوكيات التحكم في الوزن قبل استخدام تطبيقات المواعدة، إلا أننا نشعر بالقلق من أن استخدام هذه الخدمات التي تركز على المظهر قد تؤدي إلى تفاقم هذه السلوكيات".

في الحقيقة إن الفضاء الإلكتروني من شأنه تضليل الأفراد، بحيث لا يكشف البعض سوى عن جانبٍ واحدٍ من شخصيته على الإنترنت فيظهر أفضل ما لديه على الشبكة العنكبوتية، كما أن الصور التي تحثّ على ممارسة الرياضة والحفاظ على الصحة، يظهر فيها عادةً الأشخاص المؤثرون والمشهورون الذين يتمتعون بأجسادٍ مثالية، ما يجعل الإنسان العادي أكثر قسوة في الحكم على مظهره.

هذا الهوس بالشكل الخارجي الذي يعززه بامتياز عالم السوشال ميديا، تحدثت عنه أخصائية التغذية، فيرا يمين، في حديثٍ خاصّ لرصيف 22، إذ قالت: "من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بات المظهر الخارجي يؤثر كثيراً على شخصية بعض الأشخاص"، شارحةً أن الإناث يتأثرن بشكلٍ أكبر من الذكور، خاصة في مرحلة المراهقة، وهي المرحلة العمرية التي تتكون خلالها شخصية الفرد: "المراهقات اللواتي يتمتعن بجسمٍ نحيف تكون ثقتهنّ بأنفسهنّ أكبر من اللواتي لديهنّ جسم ممتلىء، في حين أن الذكور يكون تركيزهم أكثر على القوة البدنية وعلى الجسم الصلب".

وتحدثت يمين عن الاضطرابات في الأكل والتي لها تأثير كبير على الأشخاص الذين يفقدون ثقتهم بنفسهم جرّاء تهكم الآخرين على مظهرهم الخارجي، أو أولئك الذين لديهم هوس بشكلهم: "يعاني هؤلاء الأشخاص من هاجس المثالية، لأنهم وبكل بساطة لا يتقبلون مظهرهم الخارجي مهما فعلوا، وحينها تبدأ بعض المشاكل والاضطرابات بالظهور مثل "انوركسيا" و"بوليميا"، وغيرها من المشاكل التي قد تمتدّ لفترةٍ طويلة في حال لم تتم معالجتها على وجه السرعة".

"أصبح الحصول على جسم جميل موضة وtrend تطال جميع الناس، سواء كانوا يحبون ارتياد النادي الرياضي أو لا"

وبدورها توافق المدربة الشخصية في أحد النوادي في لبنان، باميلا الصغبيني، على العلاقة الوطيدة بين المظهر الخارجي والشخصية، خاصة بالنسبة لموضوع الثقة بالنفس والتي يكتسبها المرء في حال كان راضياً عن شكله، وهو ما اختبرته مع الأشخاص الذين يقصدون النادي بهدف الحصول على جسمٍ جميل: "في لبنان، أصبح الحصول على جسم جميل موضة وtrend تطال جميع الناس، سواء كانوا يحبون ارتياد النادي الرياضي أو لا...".

تشير باميلا إلى أن معظم الفتيات اللواتي يتمتعن بجسمٍ متلىء، يطغى عليهنّ الخجل ويعانين من فقدان الثقة بأنفسهنّ، سواء كان ذلك بسبب تعرضهنّ للتنمّر أو بسبب عدم تقبلهنّ لمظهرهنّ الخارجي، غير أنه مع المواظبة على الرياضة تتغير نظرتهنّ لأنفسهنّ، ويشعرن براحةٍ أكبر مع أجسادهنّ، أما بالنسبة للذكور فإنهم في الغالب لا يعانون من الخجل بسبب شكلهم الخارجي، بل يكون همهم الأول والأخير الحصول على عضلاتٍ مفتولة وبنيةٍ جسدية قوية، بهدف التباهي بها أمام الآخرين.

وتضيف الصغبيني لرصيف22: "ليس من الضروري أن يحتلّ الشكل الخارجي أهميةً كبرى في حياة الإنسان، إنما لا شك أنه يساعد المرء على استعادة ثقته بنفسه وبالتالي على تقبّل ذاته أولاً".

حبّ الذات

من جهتها تُبدي المحلّلة النفسية، ليا داريدو، رأيها في موضوع العلاقة بين المظهر الخارجي والشخصية، فتقول لرصيف22: "في علم النفس، نعتبر أن الشخصية هي التي تؤثر على الشكل وليس العكس، إنما لا يعني ذلك أن التأثيرات الخارجية لا تؤثر على الشخصية".

وبالنسبة إلى صورة الجسد ونظرة المرء إليه، تشدّد "داريدو" على أهمية العودة إلى طبيعة العلاقة المبنية في المنزل: ترابط العائلة، طريقة التربية وجرعة الحب التي يقدمها الأهل لأبنائهم، كلها عوامل تندرج ضمن تأسيس جوهر المرء منذ صغره".

تشرح ليا أنه في حين أن البعض يقوم بـ"نفخ" عضلاته وحقن الإبر في محاولة منه لسدِّ نقصٍ ما في حياته، فإن هناك بعض الأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد إنما من دون أن ينعكس ذلك سلباً على شخصيتهم: "يتقبل هؤلاء الأشخاص أنفسهم تماماً، والسبب يعود إلى الطريقة التي ترعرعوا فيها داخل الأسرة خلال فترة طفولتهم".

رؤية الأمور بطريقةٍ إيجابية والإيمان بالذات وعدم الاستسلام أمام عوائق الحياة كلها أمور من شأنها أن تحسن علاقة الفرد بمظهره الخارجي

وعن كيفية الوصول إلى نتيجةٍ تخفّف المشاكل النفسية التي يمكن أن يمر بها المرء لناحية اهتزاز صورة الجسد لديه، تركّز ليا داريدو على أن الخطوة الأولى تبدأ بتعلم حب الذات: "عندها يستطيع المرء أن يركز على حسناته ويتقبل سيئاته، فتختلف نظرته لنفسه وبالتالي لا يستسلم لتنمّر المجتمع"، وعليه تشير داريدو إلى أن رؤية الأمور بطريقةٍ إيجابية والإيمان بالذات وعدم الاستسلام أمام عوائق الحياة كلها أمور من شأنها أن تحسن علاقة الفرد بمظهره الخارجي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image