قبل أيام، وأنا أتصفّح موقع فيسبوك، رأيت إعلاناً لدورة تدريبية عن الأنوثة وفن الهمسات واللمسات، ومقدّمة هذه الدورة هي الداعية الإسلامية أو المستشارة الزوجية والتربوية، الدكتورة هالة سمير.
وعندما بحثت عن اسمها، وجدت العديد من مقاطع الفيديو التي تتحدث فيها عن لباس المرأة، وكيف أن الرجل يثيره الفضول لمعرفة الموجود تحت العباءة التي ترتديها المرأة، أما من ترتدي البنطلون، والتي شبّهتها هالة سمير بـ"الفرقع لوز"، فلا تثير فضول الرجل بالمرّة، وبهذه النظرية المقزّزة تحثّ هالة سمير على ارتداء العباءة والخمار.
وفي حلقة أخرى تتحدث فيها عن الحجاب، قالت إن البنت يجب أن ترتدي الحجاب في سن الثالثة عشر، أما مَن هي أصغر من الثالثة عشر فيجب أن نهيّئ لها ارتداء الحجاب، ثم انفعلت للغاية وقالت: "لكن سايب بنتك بلغت وطالعة ببنطلون ضيّق ومتعرية؟ أومال فين الراجل اللي في البيت؟ هتقوليلي أنا حرة؟ لا منتيش حرة".
بالإضافة إلى مقاطع بعناوين مثل: "كيف نعلّم بناتنا الحياء"، "ومن هي المرأة التي يعشقها الرجل؟"، "وما هي الصفات التي تزعج الرجل؟" و"عن طاعة الأزواج وكيف تحافظين على زوجك؟ ..إلخ.
ففي نظر هالة سمير، كل شي يدور حول الرجل، ترتدي المرأة لباساً معيناً من أجل لفت نظر الرجل، وينبغي أن يكون هذا اللباس متفقاً عليه من أبيها وأخيها والشريعة والمجتمع والرجل التي تريد لفت نظره وتحويله إلى عريس، يجب أن يكون لباسها متفقاً عليه من قِبَل كل هؤلاء إلّا المرأة نفسها، فهي لا تقرّر لنفسها أبسط الأمور مثل لباسها وما ترتدي، حتى لا يتم وصمها بالعهر أو التبرّج أو غيره من المصطلحات التي تُطلَق على المرأة التي تخالف "اللباس المقرّر".
ما علاقة الملابس بالأنوثة؟ هل تُحَدَّد الأنوثة باللباس؟ هل امرأة ترتدي بنطلون هي امرأة غير مكتملة الأنوثة؟
وفي نظرها أيضاً، يجب أن تبذل المرأة كل الجهود والحيل لترضي وتطيع زوجها وتسعده وتجعله يحبها وتحافظ عليه..إلخ، وكأن الرجل سلطان والمرأة جارية وليست شريكة له ولهما وعليهما نفس الحقوق والواجبات من الأخذ والعطاء، وأن يكون الحب متبادلاً، والسعي للحفاظ على العلاقة بينهما متبادلاً… وليس طرفاً يبذل أقصى جهده والطرف الثاني يتلقى فقط!
تستغلّ هالة سمير الدين وسلطته على عقول الناس في تسليع المرأة، ووضعها في إطار ونمط جنسي وجسدي فقط، وتضع بناتَ جنسها في مرتبة أقلّ من الرجل، فالمرأة يجب أن تتعلّم الحياء ويجب أن ترتدي الحجاب ويجب أن تسعى لكسب رضى الزوج، ويجب أن تسارع للتسجيل في دورتها التدريبية عن فن الأنوثة وتعلم اللمسات والهمسات وغيره، كل هذا فقط لكسب رضاء الرجل.
بعد أيام، أصادف دورة تدريبية أخرى عن فن استعراض الأنوثة والتنمية الأنثوية وإجلال الجسد، ومقدّمة هذه الدورة الكاتبة دينا أنور، صاحبة مبادرة "المجد لخالعات الحجاب"، والتي تصنّف نفسها كأيقونة للتنوير في المجتمع.
لا تختلف دينا أنور عن هالة سمير في مبدأ تحديد لباس معين للمرأة، والذي في نظرها هو اللباس المثالي للأنثى، ألا وهو الفساتين القصيرة، وتشبّه النساء اللواتي يعارضن ذلك بـ"الجواري"، وأسّست حملةً تسمى "البسي فستانك واستردّي أنوثتك". وهنا السؤال: ما علاقة الملابس بالأنوثة؟ هل تُحَدَّد الأنوثة باللباس؟ هل امرأة ترتدي بنطلون أو غيره هي امرأة غير مكتملة الأنوثة؟
إن هذا هو نفس التسليع والتنميط والقوالب التي يضع فيها الإسلاميون المرأة ولكن من وجهة نظر تنويرية وعلمانية، ووجهتا النظر هاتان يسلبان المرأة حقها في الاختيار، فهنا يجب أن تكون محجّبة وجوهرة مصونة وإلا أصبحت "عاهرة"، وهناك يجب أن تكون أنثى ترتدي الفساتين القصيرة وإلا أصبحت "جارية".
ثم أسّست دينا أنور هذه الدورة التي تناقش فيها أفكاراً مثل: كيف تستعرضين أنوثتك وتفخرين بنوعك وبجسدك، وإلى آخره من الفكر الذي يقوم بالتأصيل والغرس في المجتمع أكثر نظرية الفروق بين الجنسين، التي نريد نحن، كمهتمّات بقضايا المرأة، أن نقوم بمحوها وأن نُحدِث مساواة بين الجنسين، ونلغي ثقافة التفرقة بينهم على أساس بيولوجي يترتب عليه تفرقة دينية ومجتمعية وغيره، فمثلما يملك الرجل عضواً تناسلياً، تمتلك المرأة عضواً تناسلياً، ومثلما يملك الرجل خصيتين تمتلك المرأة مبيضين، ومثلما يمتلك الرجل عقلاً تمتلك المرأة عقلاً.
سواء هالة سمير والمنظور الديني التي تقدّمه، أو دينا أنور والمنظور التنويري التي تقدّمه، الاثنتان قامتا بتسليع المرأة والترويج لها كجسد فقط، مع إغفال الجانب العقلي والفكري للمرأة وهو الأهم
عزيزتي المرأة، أنت حرة باختيار ما تكونين عليه، عقلاً وجسداً، سواء أكنت محجبة أم غير محجبة، ترتدين فستاناً قصيراً أم خماراً، تأكدي من أن يكون كل هذا هو خيارك... خيارك وحدك
بالنسبة لي، المرأة المتحرّرة هي المرأة المبدعة، المنتجة والعاملة، وهي المرأة التي تستطيع خلق قراراتها بنفسها، التحرّر والتنوير ليسا تحويل المرأة إلى دمية تتزين فقط!
سواء هالة سمير والمنظور الديني التي تقدّمه، أو دينا أنور والمنظور العلماني والتنويري التي تقدّمه، الاثنتان قامتا بتسليع المرأة والترويج لها كجسد فقط، مع إغفال الجانب العقلي والفكري للمرأة وهو الأهم، الاثنتان قامتا باستغلال الدين والتنوير لوضع المرأة في نفس الإطار الذي نحاربه؛ وهو الإطار الجنسي والجسدي فقط… وفي هذا السياق، أتذكّر جملة تقول: "من غطّاكِ باسم الدين، ومن عرّاكِ باسم الحرية، لا يرون منك إلا جسداً فقط".
عزيزتي المرأة، أنت حرة باختيار ما تكونين عليه، عقلاً وجسداً، سواء أكنت محجبة أم غير محجبة، ترتدين فستاناً قصيراً أم خماراً، تأكدي من أن يكون كل هذا هو خيارك... خيارك وحدك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...