في مساء أحد أيام شهر يوليو، تنكّر المخرج الكندي المستقلّ مارك أندرو لويتشيل على هيئة سيّدة، ووضع إعلاناً على مواقع التعارف لإغواء الشباب، واتفق مع شاب على أن يأتي إلى منزله لممارسة الجنس، وفور دخوله قتله لويتشيل وقطّع جثته.
خطّط لويتشيل، أن يصبح قاتلاً متسلسلاً يشرع في تطهير العالم مِمَّن اعتقد أنَّهم خطر، ولحسن الحظ، تمّ القبض عليه قبل أن يتمكّن من ارتكاب ثلاث جرائم قتل، وخلال جلسة المحاكمة في العام 2011، ذكر لويتشيل أنَّه استوحى طريقة جريمته من مسلسل "Dexter"، وأراد أن يصبح مثله.
الإعجابُ بأفلام الرعب والمغامرة شائع بين عُشَّاق السِّينما والدّراما، لِمَا تفعله هذه النوعية من الأفلام فينا، برفع مستوى الأدرينالين في الدم، والشعور بالمتعة والإثارة، ولكن ما الذي يدفع أشخاصًا مثل لويتشيل أو غيره، ليتجاوزوا مرحلة الإعجاب، إلى أن يصبحوا مثل أبطال تلك الأفلام، قتلة؟
"ديكستر" أو القتل لتطهير العالم من المجرمين
في الدراما يتمُّ عادة إضفاء طابع مأساوي على حياة الأبطال حتى لو كانوا مجرمين، مما يدفع شخصيتهم للتطوّر، على سبيل المثال ديكستر مورغان، في مسلسل "ديكستر"، طفلٌ بدأ حياته وسط الدماء، وشاهد والدته تُقتل بالمنشار أمام عينيه وهو لم يُكمل الثالثة، وتطوّر الأمر معه ليصبح قاتلاً متسلسلاً يتخلّص من أشرار العالم.
يقتل ديكستر من أجل تطهير العالم من السفّاحين والقتلة، من أجل غايةٍ يؤمن أنها أخلاقيّة، واستطاع قتل مجرمين أفلتوا من العقاب بطرقٍ قانونيّةٍ أو لأنه لا يوجد دليل على إدانتهم.
يقتل ديكستر من أجل تطهير العالم من السفّاحين والقتلة، من أجل غايةٍ يؤمن أنها أخلاقيّة، واستطاع قتل مجرمين أُفلتوا من العقاب بطرقٍ قانونيّةٍ أو لأنه لا يوجد دليل على إدانتهم.
الجوكر.. الحرية المطلقة في الفوضى
تكشف شخصيّة "الجوكر" التي أدّاها الممثل الراحل هيث ليدجر ببراعة عن جانب آخر من نفسية القاتل المتسلسل، المُعتلَّة نفسيّاً، والتي ترغب في نشر الفوضى وتدمير أنظمة الحكم، في أحداث فيلم "باتمان"، وكانت أشد جاذبية للمشاهدين، ربما لأنها انعكاس لتنفيذ رغبات داخل المشاهدين، التمرّد والعصيان وخرق القانون الذي لم نضعه.
هل لاحظت يوماً أنك انجذبت إلى إحدى هذه الشخصيّات السابقة، أو شخصية مشابهة وتعاطفت معها، وتساءلت: هل تملك شرّاً ساكناً بداخلك وترجو أن تكون مكانهم؟ أو تعاطفت مع الشخصيّة وبرّرت أفعالها؟ وناجيت نفسك بخوف: ماذا إذا كنت أنت أحد المعتلّين نفسيّاً أو السفّاحين يوماً ما، هل ستسير في الطريق ذاته؟
لا يوجد إجابات دقيقة على تلك الأسئلة، لكن من البداية يُرجع خبراء هذا الانجذاب لمثل تلك لشخصيّات إلى عوامل عدّة، منها أننا منذ طفولتنا، تطاردنا جميعاً ثقافةٌ مشتركةٌ اجتماعيّة ودينيّة صارمة للسلوك والأخلاق، لذلك حينما نجد من يخترق تلك الحواجز ويتمرّد عليها، نرغب ونتمنّى أن نكون مكانه يوماً ما، وألّا يضع لنا أحد القواعد، بل نكون نحن أصحاب القواعد، وهذا ما نفتقده: أن نكون أصحاب القرار.
يمكننا أن نقول إن شخصيّة القاتل المتسلسل، تكون غير متوقَّعة، نحن لا نعرف ما سيقوم به لاحقاً، لذلك نشاهد تحرّكاته بفضولٍ متنامٍ، ولن تكون مملّة أبداً، لأن الإنسان بطبعه يشعر بنفور من العلاقات التي يتخلّلها الملل أو الروتين، لذلك تكون حياة الأشرار مليئة بتفاصيل مثيرة، وهذا ما يجعلنا نتعلّق ونعجب بهم، بصريّاً ونفسيّاً، وهنا لم نصل إلى مرحلة الانجذاب، نحن فقط أعجبنا بملامح الشخصيّة وطريقة تمرّدها.
لإعجابنا بالأشرار أسرار
الناس تنجذب إلى الشخص الشرير لرؤية تفاصيله، كنوعٍ من تفريغ الطاقة الداخليّة، بحسب الدكتور إبراهيم حسين، استشاري الطب النفسي، فإنَّنا حينما نُشاهد الأشرار في الدراما، نكتشف أنَّهم يمُسّون الجزء الشرّير بداخلنا.
هنا، المعجب أو المنجذب لأفعال الشرير والقاتل المتسلسل لديه رغبة انتقام من شخصيّات معينة، لكنه لا يستطيع أن ينتقم منهم، يشرح حسين، إنَّه يرى أنَّ ذلك يُمثِّل له الانتقام الذي يتمنّاه، ويعتقد أنه إذا أصبح يوماً ما شرّيراً، فإنه سيكون بهذه الصورة وستكون هذه الشخصيّة مرجعاً له.
هل بداخلنا الشر؟ يجيب استشاري الطب النفسي لرصيف22، أنّ البشر "مخلوقات الازدواجيّة"، نحن نملك كلّاً من السمات الجيّدة والسيّئة، ولدينا القدرة على أن نكون شرّيرين، خاصّة في الظروف الصعبة.
انجذابك إلى القاتل والفوضوي والتعاطف معه يرجع إلى أن أفعاله الشخصيّة تُشبع رغباتٍ مكبوتةً داخلك
بينما ترى آمنة آمين، الباحثة في علم الاجتماع، أنَّنا عندما نعجز عن كشف مخاوفنا الخاصّة، فإنَّنا نعرضها على شخصيات تستطيع حلّها.
تقول آمين: "إنَّ الانجذاب وحالة التوحّد التي تنشأ مع الشخصيات المعتلّة نفسيّاً أو القاتلة، يحدث لأنها قادرة نظريّاً على فعل ذلك من أجلنا".
لعلك تمنّيت يوماً أن تكون مكان شريرٍ ويكون ضحيّتك مديرك المتسلّط في العمل أو جارك الشرير، لكنك تخشى القانون وعقاب الرب، لا تقلق.. مشاعرك طبيعيّة، إن انجذابك إلى القاتل والفوضوي والتعاطف معه يرجع إلى أن أفعاله الشخصيّة تُشبع رغباتٍ مكبوتةً داخلك، أشياء تتمنّى أن تفعلها، إلا أن القانون والوازع الديني والأخلاقي يردعونك عن فعلها، لذا يجب تفريغ هذه الطاقة في شيء ما، رياضة أو علاقة ما، حسب آمين.
كلّ شخص منا لديه جانب شرير، كما لديه جانب طيّب، والجميع يتفاعل مع الشخصيّات الشريرة ويجد فيه نموذجاً وراحة، ويتقمّص الشخصيّة الشرّيرة في خياله، ويبدأ في رسم سيناريوهات يكون فيها هو البطل، ويضع شخصيات أذته مكان الضحايا، ويتخيّل أنه يؤذيهم بهذه الطريقة، سواءً بسخريّةِ وفوضويّةِ الجوكر، أو بطريقةِ قتلِ ديكستر، أو أكلِ لحومهم مثل هانيبال ليكتر، يقول حسين.
وفي النهاية، فالبشر يحبّون قصص السقوط، والتقاط الأنفاس، والنجاة، والوقوف على حافّة الموت دون خوفٍ، وينفرون من الحكايات المُملّة والرتيبة، كلّنا يعلم أنّ الحياة لا تسير على وتيرةٍ واحدةٍ، بل هناك ارتفاعات مذهلة ودرجات منخفضة مفعمة بكلّ المشاعر الإنسانيّة، وربما تكون طبيعتنا هذه هي السبب الخفي وراء ولعنا بحياة وشخصيات القتلة المتسلسلين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...