مع مطلع شمس الأوّل من إبريل كلّ عام، يحتفل أغلبنا باليوم الأشهر للكذب، رغم أنه كعيدي الحبّ والأم، لا يحتاجان يوماً واحداً للاحتفال، فنحن، وبالقدر الكاف من الصراحة، نكذب يوميّاً، هكذا تقول الاحصاءات والدراسات، وأيضاً أحاديث النفس حين نخلد للنوم، أو نهرب إلى العزلة.
كان يا ما كان
في مثل هذا اليوم، نعود بالذاكرة إلى الوراء، لنتذكّر أشهر كاذب عرفته البشريّة وبات أيقونةً للكذب، حتى أننا نصف كل من يكذب بأنه "بينوكيو".
بينوكيو شخصية خياليّة مُستمدّة من رواية للروائي الإيطالي كارلو كولودي، تُرجمت لعددٍ كبيرٍ من اللغات، فيما أُخرجت في عشرات الأفلام، وقدّم التلفزيون الإيطالي في 1972 نسخةً منها في خمس حلقات، كلّ حلقة مدّتها ساعة، غير أن بينوكيو اكتسب شهرته الواسعة في 1940، حين احتلّ دور البطولة في فيلم شهير أنتجه ديزني، في ثاني تجاربه مع أفلام الأنيميشن، ردّاً على الشهرة الكبيرة التي حقّقتها سنو وايت، الأمر الذي دعاه إلى البحث عن بطلٍ جديدٍ يحقّق شهرةً جديدةً، فكان الحلّ في بينوكيو.
كذب X كذب
قدّم الأداء الصوتي للفيلم، بيرسي جونز وكريستيان روب، وشارك في إخراجه مجموعةٌ كبيرةٌ من مخرجي هوليوود، أبرزهم هاميلتون لوسك.
أما الأحداث فدارت حول نجّار فقير، كبير السن، ولأنه كان يعاني من الوحدة، فكّر في صناعة دمية خشبيّة على شكل طفل صغير، ليتخذه رفيقاً باقي حياته. غير أن الأمور تنقلب رأساً على عقب، عندما تقرّر الحورية أن تنفخ الروح في جسد الدمية الخشبيّة، ليصبح طفلاً حقيقيّاً يخوض المغامرة تلو الأخرى، ليُثبت حسن أخلاقه، ويحصل في النهاية على جسد إنسان، وبينما كان يكذب كان يجد أنفه قد طال أكثر من الحدّ الطبيعي.
تعاطف الكثيرون مع بينوكيو وخصوصاً الأطفال، غير أن صدور ترجمةٍ للغة العربيّة لرواية "بينوكيو، قصّة دمية متحرّكة" لكارلو كولودي كشفت كذب ديزني في تناول شخصية بينوكيو، وضربت التعاطف معها في مقتل.
يقول يوسف وقاص، في مقدمته للترجمة الصادرة حديثاً للرواية: "ما أثار انتباهي، من خلال قراءات متفرّقة لمقالات نقديّة عن هذه الرواية، أن معظم النّقّاد والأدباء يبدو أنهم يعرفون بينوكيو من نسخة والت ديزني المُبسّطة، التي أنتجتْها هوليوود عام 1940، أو النسخة المختصرة التي أُتّفق، بشكل ما، على أنها أكثر ملاءمة للأطفال، حيث الأحداث غالباً ما تأخذ مسارات، لا علاقة لها بالقصّة الحقيقيّة".
في الرواية الأصليّة، نجد أن بينوكيو صاحب طباع سيّئة وناكر للجميل، ولا أدلّ على ذلك أكثر من تعدّيه على النجّار العجوز الذي صنعه وهروبه من بيته، فور تعلّمه المشي.
في الرواية الأصليّة، نجد أن بينوكيو صاحب طباع سيّئة وناكر للجميل، ولا أدلّ على ذلك أكثر من تعدّيه على النجّار العجوز الذي صنعه وهروبه من بيته، فور تعلّمه المشي.
وبينما كان يخوض المغامرات في شوارع المدينة، تلقي الشرطة القبض عليه، وهناك يعترف بأن والده "النجّار العجوز" أساء معاملته، وبالتالي قرّر الهرب من البيت، وهنا يتمّ اعتقال النجّار ومحاسبته على تلك الفعلة التي لم يُقدم عليها.
تلقي الشرطة القبض على بينوكيو، وهناك يعترف بأن والده "النجّار العجوز" أساء معاملته، وبالتالي قرّر الهرب من البيت، وهنا يتمّ اعتقال النجّار ومحاسبته على تلك الفعلة التي لم يُقدم عليها.
تمضي الأحداث فيعود بينوكيو إلى البيت، ويقتل شخصية الصرار الناطق "صوت الخير والحكمة"، الذي عاش في البيت منذ أكثر من 100 عام، وهنا يعود الكاتب لاختبار وفاء بينوكيو مرّة أخرى، حيث تتعرّض قدماه للاحتراق، وعندما يخرج النجّار من السجن ويعود للبيت، يصنع له قدمين جديدتين على أمل أن يتغيّر بينوكيو، غير أنه يتنكّر مرّة أخرى للجميل، ويمارس بكل أريحيّة، الكذب والسرقة والهرب من المدرسة، ليجد مصيره في النهاية، مشنوقاً على جذع شجرة.
هكذا مضت أحداث القّصة الحقيقيّة التي كانت تُنشر في إحدى الصحف المحليّة في إيطاليا على أجزاء، وأمام تعلّق الأطفال الشديد بها، طلب محرّر الصفحة من كولودي تغيير النهاية وكتابة أجزاء جديدة للقصّة، وهو ما استجاب له المؤلّف بالفعل، وقام بتغيير النهاية المأساويّة، وأدخل شخصية الحوريّة التي كان لها مفعول السحر في تغيير شخصية بينوكيو للأفضل، حتى منحته جسد إنسان حقيقي، فيما كتب 10 أجزاء أخرى وضمّها للرواية.
عندما يخرج النجّار من السجن ويعود للبيت، يصنع له قدمين جديدتين على أمل أن يتغيّر بينوكيو، غير أنه يتنكّر مرّة أخرى للجميل، ويمارس بكل أريحيّة، الكذب والسرقة، ليجد مصيره مشنوقاً على جذع شجرة.
كلنا بينوكيو
في دراسة لها خلصت خبيرة علم النفس بيلا دي باولو، إلى أن الأشخاص يقولون ما متوسطه 1.5 كذبة في اليوم، وأن 60% من البالغين لا يستطيعون إكمال حديث لمدة 10 دقائق دون كذبة واحدة على الأقلّ.
الدراسة ردّ عليها الكاتب البريطاني أيان ليسلي، في كتابه "كيف نكذب؟ ولماذا نكذب؟" وقال إن هذه أرقام متحفّظة، خصوصاً وأن دراسة باولو وغيرها من الدراسات التي دارت حول الكذب، أُجريت قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، التي ضاعفت، كما قال، فرص الكذب عدّة مرّات، وجعلت من عمليّة نشر الأكاذيب أمراً سهلاً.
في نفس السياق، كشف العلماء مؤخّراً عن جهاز كشف كذب "أكثر دقّة" من أي وقت مضى، بعد اكتشاف ثوري يحمل تشابهاً مذهلاً مع حكاية "بينوكيو" الأسطوريّة، يوضّح أن الأنف هو مفتاح كشف الحقيقة من عدمها.
وأكّد العلماء أن الشخص عندما يكذب تنخفض درجة حرارة مقدمة أنفه إلى 1.2 درجة مئوية، بينما ترتفع درجة حرارة الجبين بمقدار 1.5 درجة، كون الكذب يسبّب القلق، والذي يتجلّى بدوره في درجة حرارة الأنف، وكلّما زاد الفرق بين حرارة الأنف والجبين، ارتفع احتمال الكذب.
لو كنت بينوكيو؟
علاء الشاذلي طالب بكلية التجارة جامعة القاهرة: مفيش حد مش بيكدب، وأنا شخصيا لسه كادب على أبويا عشان فلوس الكتب بتاعة الجامعة، وطبعاً هاخد الفلوس وأصوّر الكتب ولا من شاف ولا من درى. أمّا بخصوص بينوكيو لو أنا زيه يعني، وكل ما بكدب مناخيري بتكبر، كان زمانها أطول من برج إيفيل دلوقتي.
منى طالبة في كلية حسابات ومعلومات: إحنا بنكذب في كل يوم لما حد بيسألنا عاملين إيه، ونردّ ونقول كويسين، عشان محدّش يشيل همّنا فوق همّه، ولو على بيونيكو، فأنا لو مناخيري هتكبر زيه مع كل كذبه هبطل أكذب طبعاً، هوري وشي للناس وأنا مناخيري طول كده إزاي؟
ياسمين خرّيجة كلية الصيدلة: بصّ في وشوش البنات وهتعرف يعنى إيه الكذب، هات لي واحدة بس بتنزل من بيتها من غير ميك آب عشان تجمّل نفسها، هو ده مش كذب؟ كلنا بينوكيو فعلاً، بس مناخرينا عملنا لها عمليات تجميل علشان ما تكبرش وتفضح كذبنا.
هيثم محمد، طالب كلية الهندسة: طبعا كلنا نكذب وإن اختلفت الطرق، فالبعض يكذب للتبرير، والبعض الأخر يكذب لأنها عادة، وآخرون يكذبون لتجميل الموقف، أو لتجاوز مشكلات الحياة، أنا أعرف واحد صاحبي كل يومين بيكذب على واحدة من زميلاته في الجامعة عشان يوقعها في حبه، وفي الآخر بيهرب منها بحجج مختلفة، ده لو بينوكيو، كان زمانه ماشي على ضهره، لأن مناخيره هتبقى أطول من أبو الهول، ومش هيعرف يمشي منها بشكل طبيعي.
كرم موافي، فنّي اتصالات، 42 سنة: من يوم ما اخترعنا لفظ "الكدبة البيضا" وإحنا مش بنبطّل نكذب، وتحديداً المتزوجين، أغلبهم بيكذب ويقول إنه مبسوط، رغم أنه عايش في همّ ونكد يومياً. لو موضوع بينوكيو ده بقى بجد، كلنا هنمشي نخبط مناخيرنا في بعض من طولها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع