قضية إثبات نسب الطفلة ديالا إلى والدها الفنان المصري التشكيلي الشهير عادل السيوي، ما هي إلا حلقة في سلسلة معاناة أمهات مصريات يناضلن لإثبات نسب أطفالهن إلى آبائهم.
هذه المعاناة جمعت فنانات وصحافيات معروفات وسيدات بسيطات لم يسمع بهن أحد. هناك أكثر من 20 ألف قضية إثبات نسب أمام محاكم الأسرة في مصر، بحسب مجلة "نصف الدنيا" الصادرة عن مؤسسة الأهرام الحكومية في نوفمبر 2018. وكان تحقيق استقصائي لموقع "أصوات مصرية"، بدعم من شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج)، أكد أن المحاكم المصرية نظرت في 15 ألف قضية إثبات نسب في العام 2014 وحده.
الأربعاء 20 مارس، قضت محكمة استئناف الأسرة بإثبات نسب الطفلة "ديالا" لوالدها الفنان التشكيلي عادل أمين السيوى، في القضية رقم 90 لسنة 2017، بعد أن رفضت محكمة أول درجة القضية.
نظرة المجتمع شرقي
بدأت قصة "ديالا" في مايو 2017، حين نشرت صحافية شابة تدعى سماح إبراهيم عبد السلام صورةً لها رفقة طفلتها التي لم تكن أكملت عامها الأول، من داخل معرض الفنان عادل السيوى، الذي حمل آنذاك عنوان "في حضرة الحيوان"، وعلقت عبر حسابها صفحتها على فيسبوك: "ديالا عادل السيوي في معرض والدها".
أثارت الصورة والتعليق الكثير من التساؤلات، وسارع السيوي إلى نفي علاقته بالطفلة وأمها، ونشر عبر فيسبوك قائلاً: "فتاة مجهولة تزعم الإنجاب منّى"، مشيراً إلى أنه حرر ضدها بلاغاً.
لكن القصة أخذت منحىً جديداً، عندما بادرت الصحافية الشابة إلى رفع دعوى قضائية تطالب بإثبات نسب ابنتها، لوالدها عادل السيوي، كاشفةً أسرار العلاقة التي جمعتهما وتفاصيل الزواج والولادة. وعبر هاشتاغ #حق_ديالا سعت الأم إلى الدفاع عن قضيتها.
وتقول سماح عبد السلام، لرصيف22، إنها "عاشت معاناة رهيبة وحاربت بشدة لإثبات نسب طفلتها"، موضحةً أنه "لم يكن الأمر سهلاً أبداً في مجتمع شرقي يلقي باللوم دائماً على المرأة ويعتبر الزواج العرفي جرماً، ومطالبة المرأة بحقوقها تبجحاً".
وبينت أن حكم أول درجة صدر برفض الدعوى لعدم كفاية الشهود والأدلة، مشيرةً إلى أن قاضي الاستئناف لم يطلب حتى إجراء تحليل الحمض النووي لتأكده التام من حكمه العادل بثبوت نسبها لأبيها، معتبرةً عدم مطالبة السيوي بإجراء التحليل أكبر إثبات بأن الطفلة ابنته.
وأضافت: "لم يكن الأمر سهلاً على أسرتي أبداً، قاطعني بعض أشقائي والكثير من الأقارب، لكن والديّ دعماني بدافع مسؤوليتهما تجاه ابنتهما"، مستطردةً "رغم أنني كنت ضحيةً لرجل ظننته محل ثقة وكنت منبهرةً بشخصيته ولم أفعل شيئاً محرماً".
وتابعت: "تزوجت عادل السيوي في عام 2015، وبقي الزواج سرياً لأنه يحمل الجنسية الإيطالية من زوجته الأولى ويمنعه قانون هذه الدولة من الزواج بأخرى. كان هناك اتفاق بعدم الإنجاب وحدث الحمل رغماً عني. تفاوض كثيراً معي لإجهاض الطفل أو نسبه لأب آخر مقابل تأمين مستقبل الطفل ببعض الأموال لكني رفضت".
وشرحت: "قلت له حرام أن تنسب ابنتك لأب آخر، هذا يؤدي لاختلاط الأنساب، ليرد ساخراً: أنا أفكر بالمنطق يا متدينة".
كما أشارت إلى أنها تعرضت للتهديد من عادل السيوي بتشويه سمعتها واتهامها بأنها "متعددة العلاقات” بل هددها كذلك بإيذاء أسرتها وبفصلها عن عملها، ما تؤكد أنه حدث بالفعل عندما تدخل السيوي لفصلها من بوابة الأهرام.
وتوضح: "لم تكن المعاناة النفسية والاقتصادية سهلة أبداً، مرضت جسدياً ونفسياً طيلة السنوات الماضية، وعانيت كذلك من إجراءات التقاضي ومماطلة المحامين، وتحملت كافة تكاليف طفلتي التي عوملت كأجنبية نظراً لعدم امتلاكها إثبات هوية"، شارحةً "مرضت طفلتي بعد ولادتها مباشرةً واضطررت لدفع 7000 جنيه (406 دولار) بدلاً من 200 جنيه (11 دولار) فقط لأني لا أستطيع إثبات أنها مصرية".
تقول سماح عبد السلام، لرصيف22، إنها "عاشت معاناة وحاربت بشدة لإثبات نسب طفلتها..ولم يكن الأمر سهلاً أبداً في مجتمع شرقي يلقي باللوم دائماً على المرأة ويعتبر الزواج العرفي جرماً، ومطالبة المرأة بحقوقها تبجحاً".
يؤكد استشاري الطب النفسي، إبراهيم مجدي، لرصيف22، أن "الأطفال الذين يُرفض نسبهم ويحتكمون إلى القضاء لإثباته يتأثرون جداً ويصبح الأمر أشد قسوة مع انتشار قضاياهم على مواقع التواصل الاجتماعي ما يرجح تعرض هؤلاء الأطفال للمعايرة في الكبر”.
معارك قادمة أكثر صعوبة
تؤكد سماح أن معركتها لم تنته فلا تزال الخصومة قائمة ضد السيوي الذي أبلغت بتهديداته وكذلك ضد زوجته الإيطالية التي حررت سماح بحقها بلاغاً جراء تهديدات مماثلة، بالإضافة إلى صديقين للسيوي شوها سمعتها واتهماها عبر مواقع التواصل بسوء الخلق والسلوك.
تنوي سماح أيضاً، حسب ما أبلغت به رصيف22، مقاضاة السيوي للحصول على نفقة طفلتها وربما تطالب بحق الطفلة في حمل الجنسية الإيطالية.
رغم كل ما سبق تعتقد سماح بأن المهمة الأكثر صعوبةً التي بانتظارها حالياً هي "تنشئة ديالا كطفلة سوية نفسياً، لا تتأثر برفض والدها لها وكل ما أثير حولها في الماضي".
وأكد استشاري الطب النفسي، إبراهيم مجدي، لرصيف22، أن "الأطفال الذين يرفض نسبهم ويحتكمون إلى القضاء لإثباته يتأثرون نفسياً بالطبع"، مشيراً إلى أن الأمر بات "أشد قسوة مع وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي تظل تحتفظ بالقضية وتتناولها على نطاق واسع ما يرجح تعرض هؤلاء الأطفال للمعايرة في الكبر".
ويتابع: "عادةً ما ينشأ هؤلاء الأطفال ناقمين على المجتمع وعلى الأب الذي تخلى عنهم، وربما على الأم التي اختارت هذا الأب أو أفصحت عن علاقتها به"، ويعتبر أن الحل الضروري هنا " أن تلجأ الأم لاختصاصي الطب النفسي لمعالجة الطفل منذ الصغر وتحديد كيفية شرح ما حدث له، وتعزيز ثقته بنفسه، بجانب أهمية احتواء الأب للطفل وتعويضه عما حدث. كما ينبغي على المجتمع التعامل مع الأطفال المرفوض نسبهم على أنهم ضحايا لا ذنب لهم”.
قانون غير منصف
مها أبو بكر، المحامية الحقوقية والمتطوعة في قضية ديالا، أكدت لرصيف22 أن معاناة أمهات مصريات لإثبات نسب أبنائهن شاقة للغاية فالإجراءات مرهقة لاسيما فيما يتعلق بـ"الوقت". وتوضح "أكملت ديالا عامين ونصف في الحياة والمحاكم دون هوية ما يفقدها كافة الحقوق القانونية والاقتصادية والاجتماعية".
واستطردت مطالبةً: "بتعديل القانون بما يسمح للأم بتسجيل الأبناء فور ميلادهم وعلى الأب حال تضرره أو رفضه النسب أن يسلك هو إجراءات التقاضي"، مشددةً على أن إثبات النسب في مصر يتطلب إثبات العلاقة الزوجية وهو أمر معقد للغاية كون أغلب الأزواج يخفون وثائق الزواج (العرفي)، ويكون الشهود على العلاقة، عادةً من طرف الزوج وينضمون لصفه في الإنكار".
وأوضحت أبو بكر أنها شخصياً تقاضي حالياً المخرج المصري مجدي أحمد علي، عبر البلاغ 14988 لسنة 2018 جنح المعادي، لأنه لم يكتف بالتشهير بسماح وأهان محاميتها شخصياً، على حد قولها. الجدير بالذكر أن المخرج له أفلام تتناول قضايا نسائية هامة مثل أسرار البنات من بطولة دلال عبد العزيز وسوسن بدر، وخلطة فوزية بطولة إلهام شاهين.
وحاول رصيف22 التواصل مع ناصر أمين محامي عادل السيوي، لكنه لم يرد على اتصالاتنا حتى نشر التقرير.
قضايا نسب أثارت الرأي العام المصري
قضية ديالا لم تكن الأولى من نوعها في المجتمع المصري، لكن ما ساعد على رواجها شهرة والدها وربما عمل والدتها بالمجال الصحافي. لكن حالات أمهات أخريات يعانين ويتحملن اللوم وربما العنف والقتل من أسرهن تبقى طي الكتمان.
وفي عام 2003، قدمت هند الحناوي بلاغاً للنيابة تتهم فيه الفنان أحمد الفيشاوي، بسرقة عقد زواجهما العرفي محاولاً التهرب من إثبات نسب الجنين الذي كانت تحمله في أحشائها وأنكر الفيشاوي علاقته بالفتاة التي حكمت المحكمة لصالحها في 2006 بعد سجالات طويلة يتذكرها المصريون جيداً حتى الآن.
المثير أن أحمد الفيشاوي تقرب من ابنته من هند الحناوي (لينا) لاحقاً ووصفها بأنها "نور عينيه"، معترفاً بخطئه الكبير في حقها بإنكاره نسبها سابقاً، قائلاً: "أشعر الآن بقدر كبير من التسامح تجاه هند الحناوي وعائلتها. استوعبت تماماً بعد قصتي المؤلمة معها، أن طفلتنا لم تكن أبداً طرفاً في تلك القضية ولن أسمح بأن تكون"، تصريحات أدلى بها خلال استضافته ببرنامج "البيت بيتك".
كما أكد والده الفنان فاروق الفيشاوي، في برنامج "معكم" مع الإعلامية منى الشاذلي: "أنا أضعف من الضعيف قدام حفيدتي لينا" في عام 2016. لكن أحمد الفيشاوي عاد للتهرب من نفقة طفلته في الآونة الأخيرة لتعود والدتها إلى ساحات المحاكم للمطالبة بها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com