خاض العرب تسع حروب ضد بعضهم البعض في النصف الثاني من القرن العشرين، أدت إلى استنزاف قوى العرب العسكرية والاقتصادية.
فالحروب المتعاقبة بين الدول العربية استنزفت قواها "فتقزمت أمام إسرائيل"، كما يرى الباحث في الشأن العربي محمد عصمت سيف الدولة، متهماً الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق وشركات الأسلحة الدولية بتغذية صراعات العرب.
وقال سيف الدولة لرصيف22 إن هذه الحروب "نتاج طبيعي لأنظمة حاكمة، لا تنحاز أغلبها إن لم يكن جميعها إلى شعوبها، بل ترهن شرعيتها في الحكم إلى قوى تحركها من الخارج".
قصف مصري للسعودية
دعمت مصر حركة الضباط اليمنيين ضد النظام الملكي في صنعاء وأرسلت جيشها لمساندتهم. وفي المقابل دعمت السعودية، الجارة الشمالية لليمن، حكم الملكيين، وكانت تأوي الإمام محمد البدر "الحاكم المخلوع" على أرضها.
وأدى صراع الدولتين على أرض اليمن إلى قصف الطيران المصري للمناطق الجنوبية السعودية بشكل متقطع، وبدأ ذلك منذ عام 1963، بدعوى أن تلك الأماكن تأوي مسلحين ملكيين مناوئين للجيش المصري.
ويذكر الكاتب الروسي أليكسي فاسيلييف، في كتابه "الملك فيصل: شخصيته وعصره"، أن العاهل السعودي فيصل بن عبد العزيز التقى بالرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1964 في الإسكندرية، وأثمر اللقاء عن اتفاق لحل الأزمة لكنه لم ينفّذ.
وعام 1965، سافر عبد الناصر إلى جدة للقاء فيصل، وسبق الزيارة تهديد مصري بشن حرب مباشرة على السعودية إذا لم تنجح المفاوضات المرتقبة.
وُقّعت اتفاقية جدة عام 1965، وأجهضها فشل الصلح بين اليمنيين أنفسهم. وعادت السعودية لمناوئة الوجود المصري في اليمن، فعاد الطيران المصري إلى قصف نجران السعودية مرّتين في 14 أكتوبر 1966، بحسب ما ذكره عبد الله سعود القباع، في كتابه "العلاقات السعودية اليمنية"، ومرّتين في بداية عام 1967، بحسب أليكسي فاسيلييف.
ونسب الكاتب حمدان حمدان إلى الملك فيصل إرسال رسالة إلى الرئيس الأمريكي ليندون جونسون عام 1966، يطالبه فيها بدعم إسرائيل لتوجيه ضربة إلى مصر، للقضاء على النظام الناصري، كما ذكر في كتابه "عقود من الخيبات". وفي عام 1967، انسحب الجيش المصري من اليمن بسبب حرب يونيو مع إسرائيل.
حرب الرمال
يذكر السياسي المغربي عبد الهادي بوطالب أن الملك الحسن الثاني زار الرئيس الجزائري أحمد بن بلة عام 1962، وأخذ معه 23 سيارة مرسيدس لوضعها رهن خدمة الوزراء الجزائريين الـ23، وطلب التفاوض على المشكلة الحدودية، فطلب بن بلة تأجيل المسألة إلى حين استقرار الوضع الداخلي.
وبعد سفر العاهل المغربي، اتهمه بن بلة علناً بدعم التمرد القبلي عليه بقيادة حسين آيت أحمد، وتوترت الأوضاع حتى اندلعت "حرب الرمال" بين الطرفين في أكتوبر 1963. ودعمت الجزائر كل من مصر، كوبا والاتحاد السوفييتي، فيما دعمت الولايات المتحدة وفرنسا المغرب.
انتهت الحرب، بوساطة جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في فبراير 1964، وتراجعت القوات المغربية عن الأماكن التي كانت قد دخلتها.
ويرى أستاذ العلوم السياسية، ناظم الجاسور، في كتابه "إشكالية الحدود في الوطن العربي: دراسة في الصراعات السياسية والخلافات"، أن فرنسا هي السبب الأساسي للحرب، إذ كانت تقتطع من أرض المغرب لتضيف إلى الجزائر أثناء الاستعمار، لأن المغرب كان محمية فرنسية أما الجزائر فكانت مقاطعة، أي كانت باريس تعتبرها جزءاً منها.
وأشار إلى أن فرنسا رسمت الحدود بين البلدين بطول 140 كيلومتراً فقط في الشمال، عام 1845، وفي عام 1950 ضمت منطقتي تندوف وبشار إلى الجزائر. أما السبب الثاني فكان التجاذب الدولي، والتزام منظمة الوحدة الإفريقية بالحدود التي رسمها الاستعمار.
الأردن وسوريا وأيلول الأسود
[caption id="attachment_105194" align="alignnone" width="700"] جمال عبد الناصر وسيطا بين ياسر عرفات والملك حسين.[/caption]أدى نفوذ المنظمات الفدائية الفلسطينية في الأردن إلى استشعار النظام الحاكم بالتهديد، فشنّ حرباً على معاقلها، انتهى بهروب ياسر عرفات، قائد منظمة التحرير من عمان، وطرد المنظمات الفلسطينية إلى الأحراش والغابات الشمالية، بداية، ثم إلى خارج الأردن، في ما عرف بأحداث أيلول الأسود عام 1970. فتدخل الجيش السوري لنجدة المنظمات الفلسطينية في 18 سبتمبر.
ويذكر الصحافي البريطاني باتريك سيل، في كتابه "الأسد والصراع على الشرق الأوسط" أن حافظ الأسد، وزير الدفاع السوري آنذاك، رفض إشراك القوات الجوية في الحرب، ما تسبب في خسائر فادحة للقوات البرية التي لم تكن تنوي الإطاحة بالحسين بن طلال، وإنما حماية الفلسطينيين.
لكن القوات الجوية الأردنية تعاملت مع السوريين بشراسة، وأرسل الملك حسين إلى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون يطلب النجدة، فبعثت واشنطن ثلاث سفن حربية إلى المنطقة، وهو أمر وافق الهوى الإسرائيلي. وتحت الضغوط والخسائر انسحب الجيش السوري.
9 حروب خاضها العرب ضد بعضهم البعض في النصف الثاني من القرن العشرين! استنزاف قوى
مصر وليبيا
في 20 يونيو 1977، قاد الزعيم الليبي معمر القذافي مسيرة شعبية إلى الحدود المصرية، بدعوى فرض الوحدة بين البلدين، فتصدت لها قوات حرس الحدود المصرية، فقصفت المدفعية الليبية معبر ومدينة السلوم المصرية.
وردت عليها القوات الجوية المصرية بقصف أهداف عسكرية شرق ليبيا، واقتحمت القوات البرية المصرية ليبيا، لتحتل عدداً من مناطقها.
يرى ناظم الجاسور في كتابه، أن الخلاف الإيديولوجي بين القذافي وأنور السادات، خاصة في ما يتعلق بالتوجه المصري للسلام مع إسرائيل، كان سبباً رئيسياً في الحرب التي توقفت بعد أربعة أيام نتيجة وساطة الرئيس الجزائري هواري بومدين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وجامعة الدول العربية، وتم تبادل الأسرى بين الطرفين.
كذلك لفت الجاسور إلى تلويح مصر وقتها بملكيتها لواحة الجغبوب الليبية الحدودية.
حرب الصحراء الغربية
تشكلت جبهة البوليساريو لمقاومة الاحتلال الإسباني للصحراء الغربية. ولكن مع انسحاب إسبانيا، قسمت السيادة على الأراضي التي كانت تسيطر عليها بين المغرب وموريتانيا، في حين أن البوليساريو اعتبرت أن الصحراء يجب أن تكون دولة مستقلة بذاتها، فأعلنت من طرف واحد في فبراير 1976 قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، واعترفت بها مجموعة دول، على رأسها الجزائر.
نظم الملك المغربي الحسن الثاني مسيرة شعبية إلى الصحراء، بحراسة الجيش، فترك الكثير من الصحراويين قراهم، ونشبت حرب بين المغرب وموريتانيا من طرف، والصحراويين من طرف آخر.
لم تتوقف الحرب إلا في 6 سبتمبر 1991، برعاية الأمم المتحدة التي وعدت بإجراء استفتاء على حق الصحراويين في تحديد مصيرهم. لكن الاستفتاء لم ينظم حتى الآن، رغم المحاولات الأممية المتكررة لتنظيمه.
ويرى ناظم الجاسور، أن دعم الجزائر للبوليساريو ضد النظام الملكي المغربي، أدى إلى صمود الصحراويين، معتبراً أن الأمر لم يكن بعيداً عن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في المرحلة الأولى من النزاع، إذ كانت موسكو تدعم الجزائر ومن ورائها البوليساريو، وكانت واشنطن تدعم المغرب.
الحرب السورية اللبنانية
بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، دخل الجيش السوري لبنان بمباركة عربية دولية لفرض الاستقرار، واصطدم بميليشيات الحركة الوطنية اللبنانية التي كانت تشن حرباً لتغيير النظام ومنَعها من تحقيق هدفها.
ولكن مرت السنوات وبقيت الحرب مستمرة وكانت تحالفات السوريين تتغيّر، فتارة يتحالفون مع قوى مسيحية ضد قوى مسلمة وطوراً العكس، بهدف خلق حالة من الاستقرار الهش تساعد على بقاء الجيش السوري في لبنان.
وفي عام 1988 فشل البرلمان في اختيار رئيس جمهورية خلفاً لأمين الجميل، فقرر الأخير تعيين قائد الجيش، ميشيل عون، رئيساً للوزراء يتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية بحسب الدستور اللبناني آنذاك.
قاطع الوزراء المسلمون حكومة عون، إذ أن الميثاق الوطني اللبناني كان ينص على أن تكون رئاسة الوزراء للمسلمين السنة، في حين أن عون مسيحي، وتدحرجت الأحداث إلى أن أعلن عون ما عرف بحرب التحرير عام 1989، ضد الوجود السوري، وكانت تلك آخر المعارك ضد الجيش السوري.
فبعد ذلك، نجح الجيش السوري في إخراج عون من قصر بعبدا، (لجأ الأخير إلى السفارة الفرنسية ومنها انتقل إلى منفاه الباريسي)، وإيصال الرئيس الياس الهراوي إليه وبسط هيمنته على لبنان.
وذكر الصحافي الفرنسي آلان غريش، في كتابه "الأبواب المئة للشرق الأوسط"، أن اندلاع حرب الخليج الثانية خدم الرئيس السوري حافظ الأسد، فبعد انضمام دمشق إلى التحالف الدولي ضد العراق، أعطته واشنطن الضوء الأخضر ليفعل ما يشاء في لبنان.
واستمر وجود الجيش السوري في لبنان حتى عام 2005، حين خرج بضغوط دولية، وبالأخص أميركية.
حرب الخليج الثانية
بعد انتهاء الحرب بين العراق وإيران عام 1988، سعت بغداد لتعويض خسائرها عن طريق رفع أسعار النفط، من خلال تقليص إنتاج دول مجموعة أوبك، التي تشكل دول الخليج القوى الأكبر فيها.
وأورد الباحث التهامي الهاني في كتابه "العرب إلى أين؟ سكون القيادة وحراك الشعوب" أن بغداد استضافت مؤتمر القمة العربية عام 1990، وتحدث الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين للحكام العرب، خلال جلسة مغلقة بمزاج حاد، وقال إن دولاراً واحداً يخفض من ثمن البترول يتسبب في خسارة العراق مليار دولار سنوياً، متهماً الكويت بالتنقيب غير القانوني في حقل الرميلة المشترك بين الدولتين.
وعرضت السعودية منح العراق 10 مليارات دولار، كما عرضت الكويت 9 مليارات، ولكن بشرط ترسيم الحدود بين الكويت والعراق، فرفض صدام.
وفي 2 أغسطس 1990 غزت القوات العراقية الكويت، وهرب أمير الكويت، جابر الصباح إلى السعودية. وفي يناير 1991، كانت الولايات المتحدة قد كونت تحالفاً من 34 دولة لمنع احتلال السعودية وتحرير الكويت، شاركت به 8 دول عربية، هي: السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، عمان، مصر، سوريا، والمغرب.
وفي 28 فبراير، انتهت الحرب بانسحاب الجيش العراقي، بعد تكبده خسائر فادحة.
احتلال العراق للخفجي السعودية
في 17 يناير 1991، بدأت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة هجومها بألفي طلعة جوية يومياً، حتى دمرت القوات الجوية العراقية تماماً.
وكان صدام حسين يعول على الحرب البرية، فأمر قواته بالتحرك من جنوب الكويت إلى محافظة الخفجي السعودية على ساحل الخليج، فاحتلتها في 29 يناير.
ويوضح بول وسترمير في كتابه "المارينز في حرب الخليج 1990-1991: تحرير الكويت" أن قائد الجيش السعودي خالد بن سلطان طلب من قائد الجيش الأمريكي في الخليج نورمان شوارزكوف شن هجوم جوي ضد العراقيين، فرفض الأخير، واتفق الطرفان على استعادة المدينة بواسطة الحرس الوطني السعودي، المدعوم بدبابات قطرية وقوات خاصة أمريكية، وفشل هجومها الأول.
ولكن نتيجة فشل وصول الإمدادات العراقية إلى القوات المحاصرة في الخفجي، استطاعت السعودية استعادة الخفجي في 1 فبراير.
السعودية والحوثيين
هناك جولتان للحرب بين السعودية وجماعة أنصار الله، أو "الحوثيين". الأولى كانت عام 2009، حين هاجم الحوثيون جبل دخان بالخوبة، ودارت معارك بينهم وبين الجيش السعودي، لم تنته إلا في يناير 2010. وخسرت المملكة 73 قتيلاً، و470 جريحاً، و21 مفقوداً.
الجولة الثانية كانت بعد استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن مع نهاية 2014، بالتحالف مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. وفي 2015 أعدت المملكة تحالفاً لضربهم، ولا تزال الحرب مستمرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ 3 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ اسبوعينتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه