شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
نحن مواطنو العالم من الدرجة الثانية

نحن مواطنو العالم من الدرجة الثانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 29 مايو 201712:30 م

دُعيت أخيراً لإلقاء كلمة في الجامعة الوطنية في سنغافورة، وعند وصولي لدائرة الجمارك بالمطار اصطحبوني للداخل من أجل مزيد من الأسئلة.

لم يستدعوا زوجي، مع أنني أنا كنت أحمل الدعوة وانتظر بقلق الحصول على تأشيرة دخول لهذا البلد، بينما كان جواز سفري مستلقياً في السفارة في واشنطن لثلاثة أسابيع. كما أني أنا من انتظرت خمسة أسابيع للحصول على تأشيرة لهونج كونج.

وبينما تقدم زوجي بطلب للحصول على تأشيرة لدخول الصين، حصل على تأشيرة دخول متعدد بمعدل ستين يوماً لكل مرة وصالحة لمدة عشر سنوات. وحصلت أنا على تأشيرة دخول منفرد لمدة ثلاثين يوماً فقط.

الفارق بيننا هو أن زوجي يحمل جواز سفر أمريكياً وأنا أحمل جوازاً لبنانياً.

يحتل جواز السفر الأمريكي المرتبة الثالثة على مؤشر "هينلي وشركاه" لقيود التأشيرات، والذي يقيّم جوازات السفر بحسب عدد الدول التي يمكن لحامليها دخولها دون الحاجة لتأشيرة (تحتل ألمانيا الصدارة وتليها السويد) بينما يقبع جواز السفر اللبناني في المركز الـ96 بفارق ثماني مراتب عن المركز الأخير.

كيف تبدو الأمور في المركز الـ96؟ ليس فقط أنني أحتاج لتأشيرة دخول تقريباً لكل دول العالم، ولكن حاملي الجواز اللبناني وكثيرون غيره يحتاجون لتأشيرة "ترانزيت" فقط ليستطيعوا المرور عبر المطارات الكبرى في أوروبا وأمريكا الشمالية، أو بالأحرى لكي تلمس أقدامنا المنتمية للعالم الثالث الأرضيات البراقة لمطارات العالم الأول.

وما الذي تعنيه تأشيرة الـ"ترانزيت"؟ عندما تتأخر رحلاتنا المكملة يتم توجيهنا لأسرّة متراصة فيما يتم اصطحاب ركاب العالم الأول، الذين اشتروا التذاكر نفسها التي اشتريناها، مع الاعتذار، إلى فنادق قريبة من المطار.

ولكي يسمحوا لنا بالخروج من المطار، نحتاج، مسبقاً، إلى تقديم تعهدات شتى بأننا لسنا متسللين ولا إرهابيين.

هذا هو الواقع حتى في أقصر الرحلات السياحية. لذلك، وبالإضافة إلى إثبات محل الإقامة وتذاكر الطيران ورسوم التأشيرة، يطلب منا تقديم كشف حساب بكل رحلاتنا للخارج في السنوات الخمس أو العشر الأخيرة من حياتنا، وكذلك حساب البنك وإيصالات الدفع ومعلومات تتضمن الوظائف وعناوين الإقامة ليس فقط للزوج أو الزوجة ولكن للأزواج السابقين وللوالدين والأشقاء (حتى لو كانوا يعيشون في بلدان أخرى).

يُطلب منا كذلك خطاب من صاحب العمل يقر فيه بمعرفته، وكذلك سماحه لنا، بالسفر في المواعيد المقترحة، وكذلك خطاب خاص من شركة التأمين، مثلما تتطلب تأشيرة الاتحاد الأوروبي، التي تتضمن ثلاث كلمات: طبي - إجلاء - والأكثر رهبة منهما، الترحيل.

تذكار دائم بأننا لن نكون أبداً أهلاً لتلقي المعاملة التي يحصل عليها أهل العالم الأول فقط بفضل محل مولدهم

وبهذا تكون الدول التي تبشر بالخصوصية وحماية المعلومات تطلب منا، أو الأسوأ من ذلك شركات خاصة تعمل لصالح تلك الدول، أن نزودها ببيانات خاصة ليس لها علاقة بالسفر.

الدول نفسها التي تدّعي الحفاظ على حقوق العمال تطلب منا الحصول على إذن من أصحاب العمل من أجل السفر لإجازة.

الدول نفسها التي تصور نفسها حامية للضعفاء تنزع عن ذاتها أية مسؤولية طبية عنا في حالة التعرض لحادثة.

والدول نفسها التي تتبنى سيادة القانون لا تقدم لنا أي مسار قانوني أو حق الاعتراض أو الاستئناف على عملية طلب التأشيرة أمام القضاء أو أي جهة مستقلة.

في الواقع، قرارات التأشيرات ما هي إلا قرارات مبهمة، إذ لا يوجد إلزام بالمحاسبة أو التبرير، فبعد كل شيء، نحن، كما يذكّرنا موظفو التأشيرات بنجاح، بطريقة أو بأخرى، الشحاذون هنا.

إلا أن إهانة الكرامة لا تقف عند مرحلة الطلب فقط، فالانتظار يكاد يكون أسوأ.

الأمر فقط يستغرق بين ثلاثة أيام وثلاثة أشهر للحصول حتى على تأشيرة سائح، ولكن ما يجعل الأمر مؤلماً هو أنك لا تعرف مسبقاً فترة الانتظار، وعبارة "بعض الطلبات تستغرق وقتاً أكثر من المحدد" دائماً جاهزة.

وأسوأ من ذلك أن غالبية مكاتب الهجرة والتأشيرات تصر على الاحتفاظ بجوازات السفر بينما يتم النظر في الطلبات.

تأشيرة الترانزيت تعني أننا نحتاج إذناً لكي تلمس أقدامنا المنتمية للعالم الثالث الأرضيات البراقة لمطارات العالم الأول

الانتظار في هذه الحالة لا يكون فقط للتأشيرة ولكن أيضاً لاستعادة المرء حرية حركته (ولو كانت محدودة) وكذلك إثبات هويته.

ربما الجانب المضيء في الحياة مع التأشيرات هو التضامن الذي يتشكل بيننا، نحن من ينتظرون في السفارات، عادة نكون آسيويين أو شرق أوسطيين أو لاتينيين. مزيج القلق والانتظار الطويل يخلق حالة مثالية للمحادثة، ودائماً ما يتفجر الحديث وتتم مشاركة التجارب مصحوبة بتعابير الخوف والضحك والقلق.

الحياة مع التأشيرات بالتأكيد ليست أسوأ مظالم الهجرة، فهي في النهاية رفاهية أن تكون قادراً بالأصل على طلب تأشيرة سائح، ومع ذلك، إنها مثل حبة كرز مُرة على كعكة الهجرة الفاسدة، فالتأشيرة هي تجسيد لإحدى طرق تصنيف الناس في هذا العالم.

هذا الأمر يعد تذكاراً دائماً للكثيرين منا، مهما كانت وظائفنا، بأننا لن نكون أبداً أهلاً لتلقي المعاملة التي يحصل عليها أهل العالم الأول فقط بفضل حظهم الجيد في محل مولدهم.

يقارن الفيلسوف جوزيف كارينز بين هذا النظام وبين الإقطاع في القرون الوسطى، ومشاهدة المشاحنات المتبادلة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مؤخراً من أجل السماح لمواطني كل منهما بدخول أراضي الآخر دون تأشيرات يجعلنا نشعر بأننا نشاهد الأرستقراطية العالمية تتصارع حول مزيد من فتات الامتيازات، في الوقت الذي يتآمر فيه قناصلهم علينا دون حساب.

نسخة مترجمة عن المدونة المنشورة باللغة الإنجليزية في تاريخ 07.05.2017.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image