اعتاد زوجها التعدي عليها بالسب والضرب ولم تجد منه سوى المعاملة القاسية وتوجيه الإهانات. فهربت إلى بيت ذويها. تروي ميادة (35 عاماً)، الحاصلة على دبلوم تجارة من القاهرة، لرصيف22 تجربتها مع زوجها الذي جن جنونه لدى مغادرتها بيت الزوجية. رفع عليها دعوى لإلزامها بالعودة إليه عبر ما يسمى بيت الطاعة. تقول إنها شعرت بالخوف حالما تسلمت إنذار الطاعة، وبرغم أن قوات الشرطة لا تتدخل لإعادة المرأة لزوجها بالقوة، فإن الإنذار الذي وصل إلى ميادة عبر محضر المحكمة، كان كفيلاً بإرهابها. تقول أنها عادت إلى بيت الزوجية منكسة الرأس، شاعرة بانكسار لم يراودها من قبل. لم يعد مسكن الزوجية بيتها الطبيعي، هو فقط بيت الطاعة الذي لا كرامة لها فيه.
بيت الطاعة في القانون
يقول المحامي المصري شعبان سعيد لرصيف22 إن فكرة بيت الطاعة مستمدة من القانون الروماني. وقد تم تطبيقها في القانون المصري عام 1929، وفقاً للمادة رقم 25، وأكد على ذلك القانون رقم 100 لسنة 1985، معطياً الرجل حق توجيه إنذار الطاعة لزوجته بعد حدوث خلاف بينهما وخروجها من البيت بغير رضاه. هذا الإنذار هو دعوة من الزوج لزوجته للعودة إلى مسكن الزوجية، على أن يوفر بيتاً ملائماً لها، فيه وسائل الحياة التي تتناسب مع الظروف المعيشية لزوجته، وتطلق عليه العامة "بيت الطاعة".ويوضح سعيد أن الزوجة هنا بين خيارين، إما أن تعود لمسكن الزوجية أو لمسكن آخر يوفره الزوج، أو أن تعترض على الإنذار خلال 30 يوماً بدعوى تسمى "الاعتراض على إنذار الطاعة". يؤخد ابالاعتراض إذا كان المسكن وهمياً، أي أن "الشقة غير موجودة على أرض الواقع"، أو إذا كان الزوج لا ينفق عليها أو لا يحسن معاشرتها ويقوم بسبها أو ضربها. فلا بد من وجود سبب قوي للاعتراض. تحقق المحكمة في الأمر، وتستمع لشهود الزوجين، وفي النهاية تصدر حكمها إما بقبول الاعتراض، أو رفضه واعتبار الزوجة ناشزاً. والزوجة الناشز، وفقاً للقانون، هي الخارجة عن طاعة زوجها، ولا تستحق أي نفقات مادية.
حيلة ليتهرب الزوج من الإنفاق
يشير سعيد إلى أنه في الغالب يُقدم الأزواج على خطوة بيت الطاعة لمضايقة الزوجة وضياع حقوقها الأدبية والمالية، إذ في حال رفضها الاستجابة والعودة لمسكن الزوجية فليس من حقها الحصول على الحقوق والنفقات التي تحصل عليها خلال الزواج وبعد الطلاق. وقد يستخدم بعض الأزواج هذه الثغرة ليدّعوا أن الزوجة لم تعد إلى منزل، وإن كانت قد عادت، ليسقطوا عنها حقوق النفقة إذا وقع الطلاق. وهو ما أدركته المهندسة منى (30 عاماً) من الإسكندرية، والتي رفضت استخدام اسمها الكامل، حينما وصلها إعلا الطاعة. فقررت أن تذهب إلى قسم الشرطة وتسجل إنذاراً، أو إعلاماً، لزوجها مفاده أنها جاهزة للعودة إلى المنزل وأن عليه استلامها من قسم الشرطة.تقول منى لرصيف22: "زوجي استلم الإنذار، ولكنه لم يأتِ لاستلامي من القسم، وبهذا سقط حقه في إعادتي عبر بيت الطاعة، ثم تمكنت من الانفصال عنه مع أخذ حقوقي المادية". تستنكر رباب عبده المحامية ونائب رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان ومسؤول ملف المرأة بالجمعية، لرصيف22، مسمى "إنذار الطاعة" لأنه يوحي بإذلال للمرأة. وترى عبده أن دعوى الطاعة ما هي إلا وسيلة إرهاب للزوجة يستخدمها بعض الأزواج من باب التهديد عند نشوب خلافات مع زوجاتهم. فيتوعد الزوج زوجته بالذل والإهانة في حال عدم الاستجابة له من خلال بيت الطاعة. وتشدد على أن جهل عدد مبير النساء بالقانون هو ما يجعلهن خائفات منه، فكثيرات منهن لا يعلمن أن الاعتراض حق لهن.
حب بالإكراه ومودة بالسيف
في الماضي، كان بإمكان القاضي المختص بأن يأمر باستخدام القوة لإعادة المرأة إلى بيت زوجها إذا لزم الأمر، مستعيناً برجل شرطة يقتاد المرأة حتى بيت زوجها تحت الحراسة الأمنية. لكن القانون رقم 44 لسنة 1979، أوقف ذلك. تطرق المؤرخ المصري القاضي أحمد أمين في مذكراته التي نشرها في كتاب "حياتي" لأحكام الطاعة التي كان يصدرها في بداية حياته العملية، عندما عمل بالقضاء عام 1913. وكتب في هذا الشأن: "ظللت أحكم بالطاعة وأنا لا أستسيغها ولا أتصورها. كيف تؤخذ المرأة من بيتها بالشرطة؟ ومن بعد ذلك توضع في بيت الزوج بالشرطة أيضاً؟ وكيف تكون هذه حياة زوجية؟" يضيف أمين: "إنني أفهم أن قوة الشرطة في تنفيذ الأمور المادية، كرد قطعة أرض إلى صاحبها، ووضع محكوم عليه بالسجن، وغير ذلك من المسائل المالية والجنائية، أما تنفيذ المعيشة الزوجية بالشرطة والقوة الجبرية المصاحبة لها، فهذا لم أفهمه مطلقاً إلا إذا فهمت حباً بالإكراه أو مودة بالسيف".كيف يمكن استخدام الشرطة والقوة الجبرية لاتمام حياة زوجية؟ هل من يكون الحب بالإكراه وتأتي مودة بالسيف؟
جهل كثير من النساء بالقانون هو ما يجعلهن يخشين بيت الطاعة، فكثير منهن لا يعلمن أن من حقهن الاعتراض
الطاعة في الإسلام
وعن وضع قانون الطاعة في الإسلام، اختلف رجال الدين حوله، فأكد الشيخ أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، لرصيف22، أن ذلك القانون بعيد كل البعد عن الإسلام، ووصفه بالقانون الوضعي الذي اخترعه البشر. وأوضح كريمة أنه لا يمكن إكراه الزوجة على أن تعيش بالرغم منها مع زوجها، فالمرأة لا يمكن أن تصبح أسيرة. أساس المعيشة هو الرضا والإيجاب والقبول، وفي حال عدم وجود تلك الأمور، فأسلم حل هو الحصول على الطلاق أو الخلع. في المقابل، يرى الدكتور حامد أبو طالب، عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن فكرة بيت الطاعة ناشئة من حقوق الزوج الشرعية. ويقول أنه إذا كان من الواجب على الزوج أن ينفق على زوجته، فإن له حقاً في احتباسها، أو "بقائها في بيته" لتؤنسه وتساعده على الاستقرار. لكنه يرى تناقضاً بين فكرة المودة والرحمة الواردة في القرآن وإكراه الزوجة على البقاء في البيت. وهو لا يتصور بيتاً توضع المرأة فيه بقوة الشرطة أو القضاء، سيزخر بالمودة والرحمة. ويقول: "إذا وصل الأمر إلى حد إكراه الزوجة على البقاء في بيت الزوجية، فالأفضل إذّاك هو الطلاق".دعوى الإطاعة في لبنان
في لبنان، أوضح مصطفى الشعار، رئيس جمعية المبادرة الفردية لحقوق الإنسان ورئيس حملة جنسيتي كرامتي، لرصيف22 أن مثل هذه القضايا في لبنان يسمى دعوى الإطاعة، فتحضر الزوجة أمام القاضي في المحكمة الشرعية، وفي حال موافقتها تعود لمسكن الزوجية، أما في حال رفضها فتبيّن أسبابها المنطقية لرفض العودة. وفي حالة عدم وجود أسباب تمنعها من العودة، أو في حال تغيبها عن الحضور أمام القاضي، تعتبر ناشزاً وتُحرم من حقوقها. وأكد المحامي اللبناني جاد تهامي لرصيف22 أن المحاكم الشرعية السُنّية في لبنان تطبق أحكام قانون حقوق العائلة العثماني الصادر عام 1917، ومن بين مواده دعوى الإطاعة.وأشار الشعار إلى أن بعض المنظمات الحقوقية اعترضت على دعاوى الإطاعة، ولكن دار الفتوى، وهي المرجع للمحكمة الشرعية، نفت تطبيقها حكم الطاعة بالقوة الجبرية. وأضاف أن تلك الدعاوى تستعمل لتبيان نسبة الحق سواء على الرجل أو على المرأة، أو باباً للمصالحة، أو لأنها إحدى مراحل التفريق بين الزوجين إذا أثبتت الزوجة أن زوجها غير صالح للمعاشرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...