شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
مطار رفيق الحريري الدولي سهل الاختراق

مطار رفيق الحريري الدولي سهل الاختراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 28 يونيو 201707:37 م

إذا كنت تريد أن تطلق العنان لنزعتك الإرهابية، وتترأس لائحة الإرهابيين المتخصصين في النطاق الجوي، توجّهْ إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت دون تردّد. فرجال أمنه ينامون في منتصف الليل، ونزعتهم لإحصاء الأغنام في مناماتهم، تطغى أحياناً على التدريب العالي الذي تلقّوه من كبار الضباط، في جهازٍ يرأسه العميد جان طالوزيان.

7 مايو 2014، الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وطأت قدماي مطار بيروت رفيق الحريري. كنت برفقة صديقةٍ لي، منعتني من النوم لئلا نقصد المطار بساعة متأخرة، فننتظر ساعات خلف خانة التفتيش. بالفعل، قمنا بالركض لنسبق آلاف المسافرين إلى مختلف دول العالم، وانتظرنا في المنطقة الحرة لحظة تنادينا طائرتنا لتحملنا إلى عاصمة إحدى أقوى الدول في العالم، برلين، مقرّ المستشارة أنجيلا ميركل.

تفاجأت لدى اقترابي من منطقة التفتيش بعدم وجود أي مسافرٍ أمامنا، وكأن المطار ملكنا والطائرات كلها سترتفع في السماء لترافقنا نحن فقط إلى عاصمة فن الغرافيتي الحرّ. كنت أقلب الأغراض في حقيبتي رأساً على عقب لألتقط جواز السفر بيدي فألصقه بوجه المفتش الأول قبل أن يطالب به، وإذ به يصرخ في منامه متفادياً أن توقظه حركاتي المتحمسة "باسبورِك معك؟". هززت برأسي بخجلٍ مستغرب، ويدي تجمّدت في حقيبتي المثقّلة بكماليات الحياة، ليشير هو بيده نحو الداخل، كأنه يعرفني ولا يحتاج لتفقّد أوراقي. 3 ثوانٍ بقيت أتفحّص وجهه، ربما نعرف بعضنا، ولكن لا، لم تقع عيني من قبل على ذلك الوجه الدائري الذي تتخلله دوائر سوداء حول العين حتى أنفه المتورّم، فقلت في رأسي ربما ذلك المفتش الزومبي المسكين قد تعب من كثرة التفتيش في أولى ساعات الليل.

خطوات صغيرة وتُفرَش أمامك السجادة السوداء المتحركة لتستقبل الحقائب الكبيرة والصغيرة منها، ومحتويات جيوبك والأكسسوارات التي تزين خصل شعرك حتى أسفل كاحلك. وضعنا حقائبنا وهواتفنا في السلل البلاستيكية، لندخل بوابة الأمن الإلكترونية العظيمة، التي تلتقط أدق التفاصيل التي قد تتسبب بإشكالٍ خطر في سماوات القارات. إذا كنتم تقرأون الصحف والمواقع الإلكترونية التابعة لأمن الدولة اللبنانية ومطارها، تخالون أنفسكم في أأمن بقاع الأرض، محاطين بأمنيين تلقوا أرفع مستويات التدريبات، لئلا تنتقل عدوى الإرهاب والفوضى الاجتماعية من لبنان إلى الدول الأبعد. أطلقت البوابة السحرية الصفارة الأولى لدى مرور صديقتي، فأمرها عضو الأمن أن تدخل غرفة التفتيش المخصصة للنساء، ليتم تجريدها من أي مادة ممنوعة أو غرضٍ محظور في قوانين السفر.

حان دوري لأدخل المربع الأمني. بالكاد عبرت قدمي الأولى حدود البوابة، انطلقت صفارة أمنها لتبلغ الأمنيين عن احتضاني مواد غير شرعية بلغة الطيران، وأشعلت معها اللمبة في رأسي فكرةً ظننتها للحظة جهنمية. خطر على بالي أن أخوض لعبة مع رجال الأمن المتواجدين من حولي، لأحثّهم على فتح أعينهم، أو ربما ببساطة لأسلّي نفسي وسط ذلك الجو الأمني الرتيب. أشار الزومبي الأول بيده لأدخل حجرة التفتيش، فاقتربت 3 خطوات نحو المفتشة الزومبية رقم 2 وابتسمت لها ببساطة، وقررت ألا أدخل منطقة التفتيش. نتيجة اللعبة: المفتشة الزومبية لم تنتبه لوجودي لأنها تتحدث إلى رجل أمنٍ زومبيٍ آخر واقف على شمالي، رغم أنني ظننت أنها ردت البسمة لي، قبل أن ألاحظ أنها مجرد بسمة بوتوكسية دائمة، والمفتش الزومبي الأول ظل واقفاً يتأمل الفراغ بانتظار مسافرٍ آخر. صديقتي نظرت إلي بغرابة وقالت لي "أدخلي!". فمسكتها من يدها لنتوجه إلى الأمام، لعلّ أحداً يناديني لأنني قلّلت من احترام الأمن. لا شيء، لا أحد.

البوابة الأمنية رقم 2. سال لعابي بمجرد التفكير أن أحداً ما سيصرخ بوجهي لأصرخ مجدداً أشتكي الزومبيين الأوائل عند مدخل مطار رفيق الحريري. الصفارة نفسها تدلّ الأصابع علينا، تتوجه المفتشة الجديدة، قليلة البوتوكس، لتفتّش صديقتي وتقلبها رأساً على عقب، لتعود وتنظر إلي وإلى بسمتي الخبيثة، وترميني ببسمتها الزومبية وتعود لتجلس في كرسيها؛ علّها تعاود نومها. نظرت إلي مرافقتي وكأنني أنا الزومبية الخطرة على المجتمع، فأمسكت بيدها مجدداً لبلوغ بوابة الطائرة، وأخبرتها عن لعبتي التي بدت سخيفة، ولكن التي برهنت أن أمن مطار بيروت ينام في الليل، وأن أي إنسانٍ قد يعبره حاملاً مواد خطرة، وأن التدريبات التي تلقّاها الأمنيون المحافظون على أمنه هي مجرد صورة وهمية، ملصوقة على يافطة عملاقة خرقاء خارج المبنى.

لن أغرق في مقارنة مع أمن مطار تركيا، نقطة التوقف وتبديل الطائرات، أو مطار برلين بعيّنة من أمن مطار بيروت المرجَّح أن يُشحَن بإرهابيين أكثر من غيره، ولكن سأخبركم عن ندمي برمي مواد زوّدتني بجرعةٍ مميزة من السعادة والحرية في برلين، قبل أن أقصد لدى عودتي مطار بيروت ظناً مني أنه ربما التفتيش سيكون على أوجِهِ في منتصف النهار، إلى أن توضّحت الأمور على أرض الواقع. وتلك المرة، لا أنا ولا حقيبتي ولا أي صديقة لي، خضعنا للتفتيش الإلكتروني أو اليدوي أو أي شكلٍ آخر من التفتيش الأمني، قبل عبور طريق المطار المميزة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image