يتزايد حضور الأغاني الفارسية المترجمة إلى العربية بشكل ملحوظ على موقع يوتيوب، وهي ترجمات تقوم بها قنوات يُشرف عليها هواة يحبّون الموسيقى الفارسية ويسعون إلى نشرها في أوساط الناطقين بالعربية.
حالياً، يمكن أن نجد ترجمات لأغاني نجوم إيرانيين شهيرين مثل كوكوش وداريوش وهايمون شجريان وشهرام ناظري ومحمد أصفهاني وعلي رضا قرباني ورضا صادقي ومحمد معتمدي ومحسن يكانه وغيرهم من النجوم الإيرانيين الكبار والشباب.
وتتنوع الأغاني المترجمة لتشمل أغاني صوفية وموسيقى فارسية كلاسيكية وبوب وروك، كما تتنوع كلمات الأغاني المختارة بين أشعار جلال الدين الرومي وبين كلمات عاطفية شبابية بسيطة.
الفرس يملكون ثقافة ثرية وجذابة
شاشا سازان شاب كردي من العراق، مقيم في مدينة أربيل، ويهتم بالأدب والفكر العرفاني الصوفي ويشرف على قناة على يوتيوب تحمل اسمه ومخصصة لترجمة أغاني التصوّف الفارسية. عن أسباب إقباله على ترجمة الأغاني الفارسية وحبه للثقافة الفارسية، يقول سازان لرصيف22: "تعلمت الفارسية وأنا في سن المراهقة، وذلك لسببين: أولهما سرعة ترجمة الفكر الغربي إلى الفارسية وتوافر الكثير من المصادر العالمية باللغة الفارسية، ولأنني كنت أعتقد أن الفارسية هي الجسر والوسيط السهل بالنسبة إليّ للعبور إلى عالم الفكر الغربي من كل نواحيه". وأضاف: "أما السبب الآخر، فهو حبي للشاعر اليساري الفارسي الكبير أحمد شاملو. ومن هنا بدأ اهتمامي بهده اللغة وإنتاجاتها الثقافية". وبخصوص الأغاني الفارسية، يضيف أنه "بما أن الشعب الإيراني عموماً، والفارسي خاصة، شعب متعلق بالتراث والعرفان، فإن أغانيهم تنطبع بهذه الخاصية الثقافية من حيث اللحن والكلمات والأداء وحتى الملابس والآلات الموسيقية، ومن هنا بدأ تعلقي بالأغاني الفارسية حتى في المرحلة التي لم أكن أجيد فيها اللغة الفارسية ولا أفهمها". أما بخصوص قناته على يوتيوب، فيقول سازان: "كانت ولا زالت مجرد هواية وحباً لمشاركة لحظة فرح وسرور وسعادة مع الآخرين. فحين أستمع إلى أغنية تروق لي وتعجبني، سواء من حيث الكلمات أو من حيث اللحن والصوت، أو أية زاوية فنية أخرى، أحب أن أشاركها مع الآخرين". في البداية، كان سازان يترجم بعض تلك الأغاني إلى اللغة الكردية ويرسلها إلى عدد محدود من الأصدقاء. ومرة خطر بباله أن يترجمها إلى اللغة العربية ويرسلها إلى أحد أصدقائه العرب، فقام الأخير بنشرها على فيسبوك. يقول: "تعجّبت من كثرة المعجبين العرب بتلك الأغنية. ومن هنا، طلب مني صديقي ترجمة أغانٍ فارسية من هذا النوع، وهو النوع العرفاني، إلى اللغة العربية. هكذا أتت وتطورت فكرة القناة. كانت البداية والغاية والدافع إلى تأسيسها، ولا زالت، مجرد مشاركة لحظات مبهجة ومنح اللذة لمَن يلتذذ بتلك الأغاني، لا أكثر ولا أقل".من مشهد إلى بابل
لا تختلف قصة سازان كثيراً عن قصة علي زنكنة، وهو شاب عراقي يُشرف على قناة Top.Music فارسي المتخصصة في ترجمة أغاني البوب الفارسية. وُلد زنكنة في إيران عام 1993، وكان يقطن سابقاً في محافظة مشهد الإيرانية، ويعيش حالياً في محافظة بابل العراقية. عن أسباب تعلقه بالفن الفارسي، يقول زنكنة لرصيف22: "بصراحه، أنا منذ صغري كنت أحب الأغاني والموسيقى، وبسبب سكني في إيران ولكون لغتي الأم هي الفارسيه، تعرّفت على الأغاني الفارسية، وبقيت أستمع إليها، ولم أبدأ بتعلم العربية إلا عند بلوغ العاشرة، حين رجعت إلى العراق وبدأت معاناة تعلم اللغة العربية". كانت بداية حكاية زنكنة مع ترجمة الأغاني الفارسية صدفة. لم تكن لديه نية فتح قناة على يوتيوب. ومرّة، داخل مجموعة على فيسبوك كان عضواً فيها، نشر أحد الأعضاء أغنية إيرانية لمرتضى باشايي، اسمها "ستايش" وطلب ترجمتها، فقال له إنه سيترجمها. يروي أن ترجمته "أعجبت الأعضاء وبعدها طلبوا مني أن أفتح قناة على يوتيوب، وعندها بدأت بالتفكير في الأمر لأنني وجدت معجبين كثيرين بالأغاني الفارسية وبالثقافة الفارسية عموماً". ويضيف: "كان من أهدافي أيضاً نقل الثقافات وتعليم اللغة حتى ولو عبر أشياء بسيطة". يؤكد زنكنة أن اختياراته تغلب عليها موسيقى البوب، ويقول: "أكثر الأغاني التي أختارها من فئة البوب لأن الجمهور أو المتابع يحب الاستماع إليها، وأترجم الأغاني التي يطلبها المتابعون".تلاقٍ ثقافي في زمن الكراهية
تأتي هذه الترجمات ويأتي التفاعل مع نشر الغناء الفارسي في ظل أجواء تعصف فيها الاستقطابات الطائفية والعرقية، وفي وقت يعتبر عرب كثيرون أن إيران دولة عدوة لهم ولا يأتي منها سوى الخراب والدمار. يتبنى هذا الخطاب أنظمة ومثقفون وقادة رأي في العالم العربي، وهو خطاب لا يميّز كثيراً بين إيران-السلطة وإيران-الشعب والثقافة، ما يضع أمام محاولات التلاقي الثقافي الكثير من المطبّات. يقول سازان: "يعجبني في الثقافة الفارسية ويجذبني إليها عمقها وروحانيتها وشحنتها الإنسانية والكم الهائل من الحب والعشق فيها". ويضيف: "حين أتحدث عن الثقافة الفارسية، أتحدث عن الإرث الإنساني، عن التراث البشري للفرس وليس عن الدولة الإيرانية وسياساتها. وهذه ملاحظة مهمة. فالفرس شاركوا في إثراء التراث الإسلامي والبشري بكثير من الإبداع والمساهمات التي سجلها التاريخ. ولا ننسى أنهم أول الشعوب في الشرق التي تواصلت مع التراث الفلسفي والطبي اليوناني في مدرسة جندنيسابور قبل نقله إلى اللغة العربية بمئات السنوات".فنّ وأدب الإيرانيين وأغانيهم ليست جزءاً من السياسات الرسمية، فـ"الفن والثقافة، خاصة في الحالة الإيرانية، هما مجال معارض للسلطة"
في ظل أجواء تعصف فيها الاستقطابات الطائفية والعرقية، وفي وقت يعتبر عرب كثيرون أن إيران دولة عدوة لهم ولا يأتي منها سوى الخراب والدمار، يبادر شباب عرب إلى تأسيس قنوات على يوتيوب لنشر وترجمة الأغاني الفارسيةويشير سازان إلى أن الفرس لعبوا دوراً رائداً في حركة الطب والترجمة وفي إغناء الثقافة العربية الإسلامية في مدينة بغداد. ويردّ المشكلة القائمة حالياً إلى أن "الحديث عن الثقافة الإيرانية يأتي من منطلقات إيديولوجية أو سياسية". كثيراً ما يجد سازان على ترجماته تعليقات تهاجم وتشتم الشعب الإيراني وتقول إن الفن الإيراني ليس إلا جزءاً من المجوسية، ولكنه يشير إلى أن "أكثر الأغاني والفنانين الذين أقوم بترجمة أغانيهم منبوذون من قبل السلطات الإيرانية، بل منهم مَن هم مطلوبون أمنياً وتُمنع أغانيهم ولا يمكن أن تُبث عبر أية قناة تلفزيونية إيرانية". وضرب مثلاً على ذلك بفرقة "ماه بانو" التي منعت السلطات أعضاءها من السفر وصادرت جوازات سفرهم، والمغني هوماي الذي "لا يزال يُمنع من إقامة الحفلات في إيران". ومن أكثر الأغاني مشاهدة على قناة سازان أغنية "مارا بس" لفرقة "ماه بانو"، وكلماتها من أشعار الشاعر قدسي المشهدي وهو شاعر فارسي ذائع الصيت. ونشرت القناة أيضاً أغنية "أية دنيا هذه وأية جنة تلك؟!" من أداء هوماي ومستان. ويتابع سازان: "بل هناك من الشيعة الإيرانيين مَن يكفّر جلال الدين الرومي ويفتي بأن الاستماع إلى أشعاره حرام وممكن أن يؤدي إلى الزندقة".
"الفن ضدّ السلطة"
يعتبر سازان أن المشكلة هي في المتلقي العربي الذي يتهم كل ما هو إيراني وفارسي من فن وفكر وإبداع، بأنه مجوسي، أو عدو للعرب، ويرى أن هذا الموقف يُبنى على مبادئ طائفية ومذهبية وانحيازات سياسية، ويتصوّر أن كل ما لا يشبهه ولا يوافقه في العقيدة والمذهب هو مبتدع وضال ويستحق النار. وعن تأثر المواقف السياسية على تلقّي العرب للفنّ الإيراني، يؤكد أن "دور إيران في المنطقة سلبي وهو جزء من المشاكل السياسية، ومشارك فعال في الحروب والكوارث"، ولكنه ينبّه إلى أن فنّها وأدبها وأغانيها ليست جزءاً من سياسات السلطة، فـ"الفن والثقافة، خاصة في الحالة الإيرانية، هما مجال معارض للسلطة". يعتبر سازان أن الثقافة الفارسية غير الرسمية "هي ثقافة علمانية مخالفة ومعادية للدولة وسياساتها، والدولة الإيرانية هي من أكثر الدول المنطقة تشدداً في التضييق على حرية الرأي، لأنها تفهم أن الفن والعرفان الإيرانيين يشكلان تهديداً داخلياً كبيراً عليها". ويؤكد أن ما يهمه هو فقط إفساح المجال أمام المشاهد العربي كي يتلذذ بالأغاني التي يقدّمها، "سواء أكان موافقاً على المحتوى من الناحية السياسية والمذهبية، أو مخالفاً له، فالمقياس عندي فني بحت". أما زنكة، فإن تقييمه لنظرة العرب للإيرانيين أكثر تفاؤلية من تقييم سازان، ويعتبر أن الاحتقان العربي الفارسي "موجود فقط في الإعلام، وهو بين السياسيين وليس بين الشعوب". ويبدو أن الاهتمام بالثقافة الفارسية في أوساط بعض العرب ليس قليلاً، فالقناتان المذكورتان ما هما إلا عيّنة من قنوات مماثلة منها قناة شرف المفتي التي تترجم أغاني صوفية وقناة أدهم الغزالي، وقناة عبد الله الكطراني وغيرها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون