شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
من داخل

من داخل "الحجب" أحدثكم عن The Post... أن ننشر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 11 سبتمبر 201812:05 م
الرصاص يواجهه الرصاص وأن تُهدي إلي وردة، فذلك يعني أنك تنتظر مني مثلها، ولكن حينما تصلك مني فكرة ما، فالنتيجة تتوقف على من أنت وأين توجد؟ لربما يتحول إزعاجك منها إلى رصاص، وفي بعض الأحيان مزيد من الأفكار قد يتسبب في حجز باقيها، والحجب بالضرورة يُعني أن هناك طرفين لن يتمكنا من التواصل بسهولة، الطرف الأول هو من يكتُب بالتأكيد، أما الثاني فهو ذلك الشخص الذي يطل برأسه من خلف السور الذي بنيته في محاولة لخطف نظرة اشتياق لحاملي تلك الأفكار التي لطالما عاهدها وراقته كثيرًا. الأمر لم يبدأ من رصيف 22 وبالطبع لن ينتهي هنا، ففي العديد من منصات الرأي ومواقع الأخبار وحتى مواقع التواصل الاجتماعي تم منع مواطني الكثير من البلدان من استخدامها، والسبب في كل مرة هو فرض وصاية غير مطلوبة من المؤسسات والحكومات تجاه فئة الشباب المنوط بهم قيادة التغيير من الأساس.

من وحي تجربة The Post التاريخية والحجب

دعنا نعود قليلًا إلى مطلع السبعينيات من القرن الماضي تحديدًا في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، حينما واجهت صحيفة "نيويورك تايمز" قرارًا بالتقييد ومنع النشر بسبب تسريبها لعدة وثائق سرية من شأنها إدانة وزارة الدفاع الأمريكية خلال حرب فيتنام، الوثائق في حد ذاتها كانت مُفجعة للرأي العام خاصة مع تزايد الحركات الجماهيرية المُطالبة بإنهاء الحرب وعودة الأبناء المحاربين من أراضي الموت تلك، حيث كشفت تلك الأوراق السرية عن قرارات خاطئة اتخذتها الإدارة الأمريكية بدءًا بسبب الحرب من الأساس وحتى الخسائر العظيمة التي تكبدتها، وزيادة الطين بلة عدم الانصياع للرأي القائل بإنهاء الحرب وتقليل حجم الخسائر المتوالية.
توم هانكس من ذا بوست: "كي ندافع عن حقوق النشر... علينا أولًا أن ننشر"
الحجب بالضرورة يُعني أن هناك طرفين لن يتمكنا من التواصل بسهولة، الطرف الأول هو من يكتُب بالتأكيد، أما الثاني فهو ذلك الشخص الذي يطل برأسه من خلف السور الذي بنيته في محاولة لخطف نظرة اشتياق لحاملي تلك الأفكار التي لطالما راقته وبحث عنها.
ولكن بعد دخول الصحيفة لساحات القضاء الأمريكي والبدء في محاكمة اعتبرها البعض أحد أسباب التغير الكبير الذي طال مهنة الصحافة في التاريخ، كانت هناك على بُعد أميال عدة سلسلة أخرى من الوثائق تحتوي على معلومات أكبر قام بتسريبها أحدهم في معسكر الجيش الامريكي إلى صحيفة أخرى، وهي "واشنطن بوست"، لتدخل المؤسسة في صراع بين النشر أو الامتناع عن النشر، وبالحسابات المالية خاصة كان القرار الأفضل لمُلاك الصحيفة هو عدم النشر لحماية المستثمرين الجدد للصحيفة من التخوف الذي قد يدفعهم إلى بيع أسهمهم تجنبًا للمساءلة القانونية فيما بعد، ومن ناحية أخرى فإن امتلاكهم  تلك الوثائق واتخاذهم قرار بعدم النشر بالتأكيد سوف يصب في جُعبة علاقاتهم القوية بأهم القيادات داخل الدولة المترنحة قليلًا.

قرار واحد وثلاث غرف مُشتعلة

انقسمت الأمور كثيرًا داخل جميع الغرف التي تناقش تلك الأزمة، غرفتا التحرير والإدارة تتواجهان فيما نُشاهد الغرفة الثالثة حيث تجلس الجماهير في انتظار قرار –لا تعرفه بعد- قد يتسبب في تغيير أقدار أبنائهم في أراضي الموت الفيتنامية. الغرفة الأولى شهدت انقسامًا حادًا بين طرفي القرار، إذ وقفت "كاثرين" زوجة "فيل غراهام" أحد مُلاك واشنطن بوست في حيرة من أمرها حول ما إذا كانت تلك الوثائق تستحق ما سوف يحدث من غضب البنتاغون كالذي حدث مع نظيرتها النيويورك تايمز مثلًا، وظل معسكرا الرفض والقبول يتناوبان على التمسك بقراريهما وظلت هي مُترددة كثيرًا بينهما لفترة كبيرة، فجميع الإصلاحات الاقتصادية التي تم اتخاذها مؤخرًا على وشك أن تتداعى بسرعة، وفي كل الأحوال فرجال الأعمال لن يضعوا في اعتباراتهم معايير وحرفية المهنة العريقة فقط المال والعلاقات هما المهمان. الغرفة الثانية كانت أقل ترددًا، فالجميع هناك ينتصر لقرار النشر بالطبع، حتى هؤلاء الذين قد يخسرون وظائفهم لم يستطيعوا كتمان رغبتهم في انتصار الصحافة داخل تلك المعركة التي امتدت إلى ساحات القضاء بعد أن أصابهم ملل النشر عن أزياء القصر الحاكم، ومثل تلك التقارير التي لا تعبث في دهاليز يجب أن يكون مقدرًا للصحافة اقتحامها، وعلى رأسهم رئيس التحرير بن برادلي الذي سعى بقوة إلى حمل مجلس الإدارة على اتخاذ قرار النشر. وفي اللحظات الأخيرة قبل طبع العدد الجديد من الصحيفة اتخذت الإدارة قرارها التاريخي بالنشر، وسط حالة من الاحتفال الغامر الذي تجلى صداه داخل أروقة التحرير واستشرى حتى وصل إلى الشارع المُلتهب سلفًا، وبالطبع أتت نتيجة ذلك القرار بتطور في قضية نيويورك تايمز ذاتها، إذ أصبح للحكومة خصمان الآن ولكل منهما ثقل كبير وهنا مُحصنان إلى حد ما برغبة الشارع في معرفة الحقيقة، ولم يكن مقدرًا لتلك الملحمة أن تنتهي دون حدث سعيد  بتبرئة الصحيفتين بل كان لتلك الواقعة دور بارز في انهاء الحرب على فيتنام بعد ذلك بسنوات قليلة. يُمكنك أن تعايش لحظة الانتصار لقرار النشر في تلك المشاهد من فيلم "ذا بوست"

المعركة من أجل من؟... رسائل غير سرية

إذا ما قرر أحدكم أن يلعب دور من الشخصيات التي شاهدها في ذلك الفيلم، فقد يختلف القرار لأسباب عدة، فلو كنت من هؤلاء الذين يملكون المعلومة ويتملكهم الخطأ فلن يُريحك حرص البعض على تداولها وحتى لو كانت غير صحيحة، فلن تحبذ بذل العناء لتقديم وجهة نظرك بمثل ما قُدمت الفكرة المضادة لك، خاصة إذا ما كنت تستطيع بفعل السلطة اتخاذ قرار أسهل في رأيك وهو منع النشر أو الحجب، أما إذا جلست على أحد تلك الكراسي في مكتب مجلس إدارة الصحيفة فربما تتأرجح بين الموافقة والرفض على النشر، بين احترامك لقارئك وبين حرصك على المؤسسة التي كُلفت بحمايتها وإدارتها في الأساس أو حتى على علاقة تربط بينك وبين رجل ذي منصب رفيع في مُعسكر الدولة، ولكن بالتأكيد إذا أصبحت واحدًا من ملايين الجماهير التي تنتظر بلهفة معلومة وخبر فقط لأنها تستحق أن تعرف فلن تتردد لحظة في البوم برغبتك في النشر. لذا ليحمل أحدهم تلك الرسالة ويتوجه بها إلى الغرفة الرابعة التي لم ندخلها قط، والتي يجب أن لا تُصبح طرفًا في معادلة النشر أو عدم النشر من الأساس، مفادها أن الصحافة ليست خصومة وحُريتها ليست بأمر غريب أو مطلبًا مستعصيًا، بل هي حق أصيل للقارئ أولًا ولمن يمتهنها أخيرًا، وبين ذلك وذلك هناك مساحة شاسعة تُسمى بحق الرد والضمان الوحيد لها يتمثل في حرية الصحافة، فالمناصب تزول ومن كان بالأمس يتطلع إلى الصراخ قد يحتاج إلى المنصة نفسها التي وقف عليها يومًا يفعل ذلك مجددًا، على الرغم من أنه منعها عن الآخرين اليوم. توم هانكس من ذا بوست: "كي ندافع عن حقوق النشر... علينا أولًا أن ننشر"

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard