شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
بداية الدجينز في بيروت

بداية الدجينز في بيروت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 10 يونيو 201801:37 م
"يفطس" في الصيف، و"ما بدفي" في الشتاء، الدجينز هو البنطلون المفضل لدى الجميع، كبار وصغار، إناث وذكور من كل الثقافات والطبقات. هو الكلاسيك الذي لا يموت، بل يجاري الموضة، الملك المتربع على عرش الملابس، منذ عقود، بسلطة ممنوحة مباشرة من الشعب، ما دامت الأسواق مفتوحة والكل يتمتع بحرية الاختيار. نشرت صحيفة الفوربز الإلكترونية في ٢٦ أوكتوبر مقالة مثيرة للاهتمام عن طوني سلامة، صاحب امبراطورية آيشتي، يروي فيها أنه رائد الدجينز في المدينة، جلبه إليها عام ١٩٨٠، بعد عطلة له في إيطاليا، أيام كان طالباً. اشترى الشاب الذي في أول طلعته سراويل الدينيم التي أعجبته من البلد المتوسطي كأي زبون عادي، حملها معه في حقيبة السفر وباعها من جديد لزملائه في الجامعة اليسوعية. غلبت روح التاجر الفينيقي تلميذ الطبية، فأبى أن يكون حكيم أسنان، وصار اسمه، مع مسيرة بدأت في عز الحرب، مرادفاً لثقافة أزياء راقية ترسم وجهاً مشعاً من وجوه العاصمة.
يفطس" في الصيف، و"ما بدفي" في الشتاء، الدجينز هي البنطلونات المفضل لدى الجميع، بدأت في لبنان كلها بنية وبقصة واحدة، ثم حلت مكانها الزرقاء مع تقطيعات كارو كبيرة
أعود إلى ألبومات الصور القديمة في بيت أهلي، أفلفش، أقلب، أنظر إلى التي أُخذت في سنيني الأولى. ألاحظ بالفعل أن قلة يظهر فيها ناس يلبسون الدجينز
رواية حمّالة لجماليات عدة، أقلها عن شعب يحب العيش والشو أوف بقدر حبه للدمار والاقتتال، إلا أن التاريخ المذكور شكل محط سؤال عندي. كنت أعتقد أن الدجينز وجد على هذه الأرض قبلي بكثير، أنا المولودة سنة ١٩٨١.

كانت بداية الدجينز في لبنان أن استوردها تجار أفراد بحقائبهم من تركيا، عن طريق البر، ليستلمها منهم باعة البسطات

أعود إلى ألبومات الصور القديمة في بيت أهلي. أفلفش، أقلب، أنظر إلى التي أُخذت في سنيني الأولى. ألاحظ بالفعل أن قلة يظهر فيها ناس يلبسون الدجينز، منهم أقارب وأصدقاء للعائلة لا ينتمون إلى الدائرة الاجتماعية التي تحدث عنها الدجنتلمان سلامة، خاصة إذا أخذت بعين الاعتبار الانقسام الحاد الكائن بين الضفتين وصعوبة العبور بينهما. أضيف أن وضع البلد المشتعل والجو المحافظ للـ "غربية" لم يكن يسمح للمواطنين العاديين مواكبة آخر صيحات الموضة فور خروجها. يعني هؤلاء لم يتعرفوا على الدجينز ويقبلوه إلا بعد فترة من ظهوره، أي قبل الـ ٨٠ ...وابن المصلحة أدرى.

الجو المحافظ للـ "غربية"، ووضع البلد المشتعل خلال الحرب الأهلية، لم يكن يسمح لسكانها العاديين مواكبة آخر صيحات الموضة، فلم يصلها الدجينز فور ظهوره

بين السبعينات والثمانينات

يعمل محمد عيتاني في بيع الثياب منذ ٣٥ سنة وهو اليوم موظف بمحل دلاس (حمرا) المتخصص بالدجينزات. في روايته أن الأولى منها أتت إلى بيروت خلال منتصف السبعينات. كانت كلها بنية وبقصة واحدة، ثم حلت مكانها الزرقاء مع تقطيعات كارو كبيرة. استوردها تجار أفراد بحقائبهم من تركيا، عن طريق البر، ليستلمها منهم باعة البسطات في هذه المنطقة والروشة ويبيعوها بأسعار تترواح بين ٥ و١٠ ليرات. أما الثمانينات، فشهدت ظهور علامات تجارية طبعت المرحلة بقصاتها مثل كاريرا، لُويْس، لي وليفايس الذي كان أقواها. ومع صدور قرار بمنتصف التسعينات منع بيع الليفايس على الأراضي اللبنانية، لارتباطه بالاسرائيلية العالمية، ومصادرة منتوجات الماركة من المحال والحجِر عليها في عنابر الجمارك، لمعت فبارك أخرى كرينغلر، كومباني دو كاليفورني، ليبرتو وكازوتشي.  محمد يقول أيضاً أنا واليز، مقابل بربر، كان أول من باع الدجينزات من داخل متجر هنا. يجلس في واليز أخ صاحب المحل. يؤكد بالفعل أننا عرفنا الدجينز في سنين السبعين. كان شقيقه يبيع أدوات الخياطة في المكان، و"كم قطعة دجينز"، يحضرها على الطلب لزبائن يوصونه عليها. أما من أين كان يُحضرها؟ فيسمي بانغوان، جي أس، ومن عند "خوري" في ستاركو. أعود إلى ذاكرتي الشخصية من جديد، إلى ما أعرفه عن الأزقة الذي أتنفس هواؤه، وأساله إن كانوا بيت خوري هم نفسهم أصحاب "ذي هاوس أو دجينز" في شارع جاندارك، والذي تحول إلى مقهى "فورتي ليكس". يرد: "مبلا، هم الجماعة نفسهم". لا أرى دار الدجينز بعيداًعن الجامعة الأميركية، هو في النزلة المؤدية إليها تماماً. كما يُحكى في تاريخ رأس بيروت، أن هذا الصرح الآكاديمي، بطاقم معلميه الأجانب الذين سكنوا فيه وحوله، فتحوا باباً للمدينة على الحداثة من حيث مأكلهم وملبسهم لطلبهم على نوع البضائع المرتبط بنمط حياتهم، وأوحوا بهذا الواي أوف ليفينغ لطلابهم وجيرانهم. فهل كان أحدهم من زبائن واليز السباشيل؟ على اليوتيوب شريط بعنوان بيروت ١٩٨٤ يصور في ثوانيه الأولى تقاطع المودكا ويمبي. يمكن للمشاهد أن يرى مراهقاً بتي- شيرت صفراء ودجينز شارلستون يلوح مرتين للكاميرا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image