شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"لا تقارنوننا بالنّساء"... الطريق الصعب للرجل محترف "الرقص الشرقي" في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 16 أغسطس 201908:28 م

يتمايل يمنة ويسرة، خصره يهتزّ، متمكّن من أدائه، تعليقات جانبية، وهمز ولمز، ولكنّه يرقص في عالم آخر، تندمج أحاسيسه مع صوت الموسيقى القادم من الخلفية، فيشعر حينها أنّه طائر بين الإيقاعات الموسيقية.

الطريق طويل للرجال محترفي الرقص الشرقي، ومليء بالتحديات، فهو أمام مجتمع يُصنّف الرقص كإغراءٍ شهواني، تقوم به الراقصة الأنثى لإشعال غرائز الرجال، وينتقصون من قدر الراقص الذكر، بالإضافة للتحديات الفنية الداخلية، كيف يترجم بجسده دقات الطبول، وإيقاعات الموسيقى.

البداية مع فيفي عبده

يقول الراقص ومصمم الرقص الشرقي خليل خليل: "كنت أشاهد، وأنا صغير، في المنزل راقصات الزمن الجميل، نجوى فؤاد، وفيفي عبده، أشاهدهنّ بمفردي رغم أنَّ عمري كان عشرة أعوام، ومن ثمّ سافرتُ مع أسرتي إلى أمريكا، وهناك شاهدتُ راقصة استعراضية، حينها حبّيت وقررت أتعلَّم فنّ الرقص".

درس خليل الموسيقى الكلاسيكية منذ الصغر، وتخرّج من المعهد الموسيقى في الأرجنتين عام 2000، ومن ثم درس المسرح الموسيقي، وتخرَّج عام 2005، حتى التحق بالجامعة ودرس التسويق.

يقول لرصيف22 عن نوعية الجمهور الذي يشاهده: "الفئة التي أتعامل معها تعي جيداً الفن وتُقدِّر الفنَّانين، حتَّى من يتساءل يكون للمعرفة والفهم، خاصَّة أنَّ الأمر لم يعد غريباً كالسابق، فالسوشيال ميديا وأحداث الحياة جعلت الكثير من الأمور عادية، وهذا لا ينفي أنَّ فكرة رجلٍ يرقص على مسرح ليست أمراً عادياً في مصر، فقد يستغرب البعض لكن هنا يأتي دور الفنان، فهو قادر على العمل بشكلٍ محترم، يجبر الجميع على احترامه واحترام فنه".

الطريق طويل للرجال محترفي الرقص الشرقي، ومليء بالتحديات، فهو أمام مجتمع يُصنّف الرقص كإغراءٍ شهواني للأنثى تشعل به غرائز الرجال، وينتقصون من قدر الراقص الذكر، بالإضافة للتحديات الفنية، كيف يترجم بجسده دقات الطبول، وإيقاعات الموسيقى

يقول خليل إنه يتعرّض للكثير من الحكم الخاطئ لكونه راقصاً، وهذا راجع إلى أن الأغلبية في المجتمع المصري أصبح إدراكهم قاصراً على أن هذا النوع من الفن للرجال هو نوع من السمعة السيئة، ولأن المجتمعات العربية تميل أكثر نحو التديّن، وما يرافق ذلك من مظاهر، وتعتبر أنَّ الراقصين يأتون لتهديد المجتمع، وقلب الموازين.

يوضّح خليل التحديات الاجتماعية التي واجهته في مشواره لتعلُّم الرقص الشرقي، يقول: "في العالم كله الرقص فنّ، يتعلَّمه الناس منذ الصغر، لا فرق بين الجنسين، خاصة في الرقص الشرقي، لكن في مصر الناس يرون أن الرقص له علاقة بنمط حياة "منحرفة"، وهنا يمكن التفسير أنه بالفعل على حسب المستوى، ربما نجد راقصة نمط حياتها "منحرف"، لكن هناك مستوى آخر من الرقص، تكون حياة الراقصة الاستعراضية كأي سيدة، وكذلك الأمر للرجال الراقصين".

يرى خليل أنَّ الفنانين لهم موهبتهم، ولا توجد أماكن لتدريب الرقص، سواء للرجال أو النساء، يمكن اعتمادها، يقول: "لم أُفكِّر قط بالتوقُّف عن الرقص، فهو مفيد للجسم والصحة والنفسية، ليس فقط على مسرح، الرقص في أي وقت ومكان".

"جمال الخطوة موهبة"

يقول خليل معبراً عن فلسفته الخاصة بالرقص الشرقي: الرقص يحتاج إلى عدة أمور مثل جمال الوجه والجسد، والموهبة تكمن في جمال الخطوات، وكل ذلك يعتمد على الاختيار الجيد للموسيقى والملبس، يمكنني أن أصف الرقص بأنه "ترجمة الأصوات الموسيقية بالجسد".

استخدم خليل السوشيال ميديا في بداية طريقه، ولكن مؤخراً أصبح اهتمامه فقط بالأشخاص المهتمّين بهذا الفن، ومنصة "انستغرام" تساعده في ذلك.

من أبرز التعليقات التي سمعها من أحدهم، "يبدو أنك تحب الرقص وهو كل حياتك"، يعلق خليل: "في هذه اللحظة شعرت أنني استطعت الوصول لقلب المتفرّج وهذا أغلى وأهم مكسب".

وأشاد يحيى بصورة الراقص أو المدرب التي قدمتها السينما المصرية، وأكد بأنه يحب هذه الصورة، وأنه لولا السينما لم يكن هناك فهم لوجود رجال راقصين.

ويعتبر فيلم "دنيا" للفنانة حنان ترك من أبرز الأفلام التي استعرضت شخصيات معلمي الرقص، حيث مزج المدرب بين الأفكار الصوفية والروحانية، برقصات الجسد.

"أشعر بحرية أكثر في الرقص"

يحكي الراقص علي عبد الفتاح لرصيف22 بأن الصدفة هي من جمعت بينه وبين الرقص الشرقي، في إحدى الحفلات قام بتأدية عرضٍ للرقص الشرقي، ما دفع مدربته على تحفيزه لإعطاء ورش تدريبية للرقص الشرقي فقط، وقد كان بالفعل. أكثر ما أثار دهشة علي هو الدعم الكبير الذي حصل عليه ممن حوله، ورغم ذلك لا يفصح للجميع عن كونه مدرّب رقص شرقي.

وأضاف لرصيف22: "بدأتُ أكتشف حبي للرقص من عمر 9 سنوات إلا أن الفرصة لم تتح لي لدراسته، ولكني درست أموراً أخرى لها علاقة بالحركة، ومن ثم سافرت، لكن بعد عودتي لمصر قررت دراسة الرقص المعاصر والبالية، حتى تم ترشيحي للانضمام لبرنامج تدريبي في القاهرة، لافتاً أنه درس كل أنواع الرقص مع "Anthropotomia" علم تشريح العضلات".

"لم أفكر قط بالتوقف عن الرقص فهو مفيد للجسم والصحة والنفسية، ليس فقط على مسرح، الرقص في أي وقت ومكان"     

يتذكر علي المزاج النفسي الذي كان يصحبه طيلة مشواره إلى تعلم وإتقان الفن الشرقي، يقول: "دائماً ما كنت أرقص شرقي بيني وبين نفسي، وليس في العلن، وذلك بسبب الصورة المأخوذة عن الرجل الذي يمارس أو يمتهن الرقص الشرقي، فضلاً عن أن هناك مدارس مختلفة للرقص الشرقي، وكل راقص يختار النمط المناسب له، وإن كان هناك بعض تشابه في التكنيك".

يُعرّف علي الصورة النمطية المأخوذة عن الراقص الشرقي في بعض المجتمعات العربية بأنها نظرة اشمئزازية - الراقص لا يمت للرجولة بصلة- مرجحاً أن ذلك نتيجة للمعتقدات التي تربينا عليها.

وعن تكنيك الرقص نفسه، أوضح أنه يتبع طريقة التدريس بحيث يكون نظرياً وعملياً، وكيفية التنقل من خطوة لأخرى، فالأمر ليس سهلًا كما يعتقد البعض.

"أرقص لأني أعشق الرقص"

وبسؤاله عن أماكن تدريب الرجال للرقص الشرقي في مصر، أكد أنه لا يوجد أماكن لتدريب الرجال على الرقص الشرقي، رغم أنه من حق الجميع الرقص والتعلم دون خجل، خاصة أنَّ فرص الراقص الشرقي في مصر ضئيلة جداً على عكس الغرب، فالراقص يحتاج تصريحاً ومسرحاً مناسباً ومصمم رقصات وإضاءة وموسيقي حتى يمكنه الظهور على المسرح، مضيفاً أنه لم ولن يفكر في التوقف عن الرقص نهائياً، متمنياً أن يقدر على تغيير وجهة نظر البعض.

ممّا يميز رقصات علي هذا التناغم بين تعبيرات الوجه، وحركة الجسد، يقول علي: التناغم يرجع للتدريب والحالة التي يجسّدها الراقص على المسرح، لو الرقصة لها معنى ونابعة من شيء ما.

وعمّا يتم تداوله بأنه على الرجال تقليد النساء للشهرة، أكّد أن ذلك غير حقيقي، "فضلاً على أنه لا يوجد فارق بين الرجل والمرأة في الرقص، إلا أنه عمري ما كنت أقدّم الرقصة، وأنا أرى أن الرجل له رقص، والمرأة لها رقص آخر، كما أني غير مضطر لتقليد النساء حتى أحصل على الشهرة، فهناك فرق، أنا أرقص لأني أعشق ما أفعله".

وعلى عكس خليل، رفض علي الصورة التي قدمتها السينما المصرية عن الراقصين، أكد أنها ساعدت على نمو الصورة التي يراها المجتمع حتى الآن.

يصف علي إحساسه بنفسه أثناء الرقص: "وأنا بارقص شرقي أشعر بأني حر وأفخر بما أفعله، فهي مجموعة وتوليفة من الأحاسيس من أروع ما يكون.".

ويضيف علي أن الرقص الشرقي يضم العديد من الأساليب والأنماط، فكل راقص يختار نوعه المفضل سواء من الموسيقى أو الحركات، وليس بالضرورة أن تتم المقارنة بالنساء، فضلاً عن أنه لم يعد هناك رقص للرجال ورقص للنساء.

يُقدم يحيى وعلي رقصاتهم في مسارح داخل مصر بمحافظتي القاهرة والإسكندرية، وخارج مصر أيضاً، ويدرّبون داخل مراكز الرقص المعاصر في أقسام الرقص الشرقي المختصَّة.

وتقدم كازينوهات عديدة في شارع الهرم الشهير بالقاهرة فقرات للرقص الشرقي للرجال، ومعظمها قبل فقرة الراقصات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image