شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الموريتانيون بانتظار النفط منذ 15 عاماً

الموريتانيون بانتظار النفط منذ 15 عاماً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الأحد 9 يوليو 201710:30 ص

بدأت الشركات الأجنبية أعمال التنقيب في موريتانيا خلال السنوات الأولى من استقلال البلاد في 1960 بحثاً عن إمكان وجود النفط في صحرائها الشاسعة لتستمرّ حتى تسعينيات القرن الماضي. لكنّ الدلائل الأولية لم تشجع على الاستثمار في مجال النفط، إذ جاءت دون توقعات الشركات الكبرى التي تطمح لاكتشاف حقول ضخمة قابلة للاستغلال على المدى الطويل. وبعد مغادرة الشركات النفطية الكبرى، تمكّنت شركات صغيرة من اكتشاف مكامن جديدة للنفط بكميات تجارية بداية الألفية الثالثة، بفضل اعتماد التقنيات المتطوّرة في عملية الاستكشاف. وفي فبراير 2006، انضمّت موريتانيا إلى قائمة الدول المصدّرة للنفط الخام، بمعدل 84.5 مليون برميل سنوياً. إلا أن الآمال التي انتعشت مع بداية تصدير النفط الموريتاني سرعان ما بدأت تضمحل، لا بل تحوّلت إلى مخاوف في أحيان كثيرة.

اكتشافات أولية

يعود تاريخ اكتشاف أول حقل نفطي في موريتانيا إلى العام 2001، عندما أعلنت شركتا Hardman Resources Ltd و Woodside نجاح عمليات التنقيب المشتركة، المنفّذة بواسطة المسح الزلزالي، في اكتشاف أربع آبار نفطية في أعماق البحر. ومنذ ذلك التاريخ، دخل مصطلح النفط في القاموس السياسي الموريتاني، وتحوّلت الثروة المفترضة إلى مادة للدعاية السياسية والإعلامية في حين ازدهر اقتصاد الفنادق وتضاعف معدل الرحلات الجوية وتحوّلت نواكشوط إلى وجهة للمستثمرين والمهندسين ومقاولي الشركات، وبدأ الاهتمام الإعلامي الغربي بالبلاد وبالواقع السياسي والاجتماعي فيها.

مواضيع أخرى:

بعيداً من نظريات المؤامرة، من هم الرابحون والخاسرون من تقلبات أسعار النفط الأخيرة؟

كيف يتوزع النفط وعائداته على المحافظات العراقية؟

وبعد المحاولة الانقلابية التي زعزعت أركان حكم نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في يونيو 2003، وفي ظل تصاعد المطالب السياسية والاجتماعية، لجأت الحكومة إلى سلاح النفط كمحاولة لـ"تهدئة" الرأي العام وتخفيف حدة المطالب المتصاعدة. فحاولت من خلال الدعاية الإعلامية أن تقدّم الاكتشافات النفطية باعتبارها بداية عصر جديد من النمو والازدهار الاقتصادي والرخاء الاجتماعي. وفي هذا الصدد،  سعت الحكومة إلى تسهيل الإجراءات لتمكين شركة "وودسايد" الأسترالية من بدء العمل في أول حقل نفطي في أقرب وقت ممكن، واعدة بإطلاق الإنتاج النفطي في أواخر 2005. وأعلن الرئيس ولد الطايع شخصياً أن "تقسيم الثروة النفطية سيكون شفافاً وأنّ كل مواطن سينال نصيبه من عائدات النفط".

إلا أن ولد الطايع نفسه لم يشهد استخراج أول برميل نفط في موريتانيا، فقد سقط حكمه في انقلاب عسكري قاده العقيد أعلي ولد محمد فال في 3 أغسطس 2005. وفي ظل الأوضاع السياسية الحرجة، تأخّر الإنتاج النفطي الموريتاني عن الموعد المحدد سابقاً ولم يبدأ إلا في فبراير 2006، وهذا ما جعل البعض يربط بين الإطاحة بنظام ولد الطايع ومطامح السيطرة على الثروة النفطية الوليدة.

مقدار النفط في مويتانيا

في موريتانيا حوضان نفطيان كبيران. يمتدّ الأول، وهو الحوض الساحلي، على طول الحدود الشمالية والجنوبية من الساحل الموريتاني، على بعد 750 كم وطول 300 كم، ويغطي الحوض مساحة 184 ألف كلم مربع منها 100 ألف كلم مربع في أعماق المحيط. وقد بلغ عدد الآبار المحفورة في هذا الحقل 58 بئراً منذ تاريخ اكتشافه. أما الحوض الثاني فهو "تاودني" الذي يمتد على مساحة خمسمئة ألف كليومتر مربع في الجنوب الشرقي لموريتانيا، وبرغم مساحته الهائلة لا يزيد عدد الآبار في هذا الحقل على اثنتين هما: "أبولاغ 1" و"الواسعة 1".

ويعتبر حقل شنقيط في الحوض الساحلي، أحد أهم وأكبر الحقول النفطية، وهو أول مشروع لاستخراج النفط من البحر في ساحل شمال غرب إفريقيا. يقع على بعد 80 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة بعمق 800 متر. اكتشف هذا الحقل عام 2001 ووقّعت الحكومة الموريتانية عقداً لتقاسم الإنتاج فيه مع شركة Woodside ، وتبلغ طاقته الإنتاجية 75 ألف برميل يومياً. وفي العام ذاته، أعلنت الشركة  ذاتها أنّ احتياطات الحقل تبلغ 65 مليون برميل، فيما قدرت الدراسات التي أجرتها شركة Hardman على الحقل نفسه أن الاحتياطي يتجاوز 100 مليون برميل.

وقد حصلت شركتا Brimax وWoodside (ثم Hardman لاحقاً) على كلّ امتيازات التنقيب داخل المياه البحرية الموريتانية، وذلك بتوقيع سبعة عقود مع الحكومة. الا أنّ هذه الشركات الصغيرة لم تكن تمتلك القدرات التقنية لاستخراج النفط من أعماق المحيط، وهذا ما دفعها إلى الاعتماد على شركات كبرى لإجراء التنقيب. وعليه، استحوذت Woodside على امتيازات التنقيب على امتداد ما يعادل 47% من حقل شنقيط النفطي، ليكون ذلك أكبر استثمار لها خارج أستراليا، وتعاقدت مع شركة British Borneo وشركات أخرى لاستغلال حصتها فيما حصلت شركة Hardman على 19% من الحقل.

وإلى جانب Woodside وHardman، تعمل في موريتانيا شركات تنقيب أخرى كـTotal الفرنسية وPremier Oil (واحدة من أكبر شركات التنقيب في بريطانيا) وTullow Oil الإيرلندية، وRock oil وSterling and energy وغيرها.

وقبل الانطلاق الفعلي لعمليات الاستخراج، بدأت الدولة الموريتانية تجني عائدات النفط، في وقت مبكر، إذ قدّمت شركة Sterling منحة نقدية للدولة الموريتانية قدرها 15.05 مليون دولار، وتمويلاً بقيمة    130 مليون دولار مساعدةً للدولة في دفع حصتها من تكاليف استغلال الحقول النفطية.

بداية فاسدة وفضيحة

لم تمضِ أشهر قليلة على انطلاق الإنتاج النفطي الموريتاني حتى فجّرت حكومة المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية فضيحة فساد تُعدّ الأكبر في تاريخ البلاد، حين اتّهمت وزير النفط في آخر حكومات ولد الطايع، زيدان ولد أحميدة، بتوقيع ملحقات عقود تنقيب لمصلحة شركة Woodside خارج الإطار القانوني، وبدون الرجوع إلى البرلمان. وألقت شرطة الجرائم الاقتصادية، في 16 يناير 2006 القبض على وزير النفط السابق بتهمة "الفساد والتزوير والتواطؤ مع جهات أجنبية للإضرار بالمصالح الاقتصادية الاستراتيجية للبلاد".

وأدّت تطورات القضية لتدخّل مباشر من رئيس الدولة آنذاك العقيد أعلي ولد محمد فال الذي أعلن في 6 فبراير 2006 أنّ "ملحقات العقود (الموقعة مع Woodside) تشوبها عيوب جسيمة وتشكّل تهديداً جدياً للمصالح الوطنية". فدخلت الدولة الموريتانية وشركة Woodside في نزاع قويّ كاد يعصف بمستقبل الاستثمارات النفطية. وبعد أن وصلت المفاوضات الشاقة مرات عدّة إلى طريق مسدود، أٌعلن في 30 مارس 2006 إطلاق سراح وزير النفط زيدان ولد أحميدة عقب توصل الحكومة الموريتانية وشركة Woodside  إلى صيغة توافقية تقضي بإلغاء ملحقات العقود المثيرة للجدل، واضعة بذلك حداً لقضية شغلت الرأي العام الموريتاني بضعة أشهر.

وفي الواقع، أثّر الصدى الكبير الذي أحدثته فضيحة Woodside سلباً على الإنتاج النفطي الموريتاني إذ ظلّ في  تراجع شبه مستمر من 75 ألف برميل يومياً في 2006 إلى 14,990 برميلاً في 2007 ليشهد تحسناً طفيفاً في 2008، حين ارتفع إلى 16,510 ثم يعاود التراجع إلى 11,640 برميلاً يومياً في  2010 حتى وصل في 2011 إلى 8,000 برميل يومياً.

وفي العام نفسه، وقّعت الحكومة الموريتانية عقداً مع شركة Total للتنقيب عن النفط، بعد أن كشفت الشركة عن مؤشرات مشجعة لوجود مخزون من النفط والغاز الطبيعي في حوض تاودني.

وبحسب وزارة النفط الموريتانية، "لا يزال الجزء الأكبر من الموارد النفطية للبلاد خارج نطاق الاستغلال إلى الآن". ومع ذلك، فقد أعلنت الحكومة الموريتانية في 25 أبريل 2013 اكتشاف مخزون نفطي وصفته بالمهم ضمن ثماني آبار نفطية في منطقة تاودني وفي الحوض الساحلي بالقرب من العاصمة. وفي فبراير2015 ،أكّدت شركتا Chevron وKosmos energy الأمريكيتان اكتشاف مخزون وصفته التقارير الإعلامية بـ"الهائل"، مرجحة أن يكون الأكبر في منطقة غرب إفريقيا. وقد أعادت الاكتشافات الأخيرة إلى الواجهة الجدل حول مستقبل الثروة النفطية في البلاد.

وتواجه الاستثمارات النفطية في موريتانيا تحديات صعبة، أبرزها ضعف الدولة وعدم الاستقرار السياسي وانتشار الفساد وغياب عدالة مستقلة وشفافية حقيقية، بالاضافة إلى هشاشة البنية التحتية وانعدام الكفاءات الوطنية المتخصّصة في مجال النفط، وهذا كله جعل الدولة توكل تسيير القطاع إلى غير المتخصصين، أمرٌ قد يفسّر غياب سياسات واضحة في مجال النفط وضعف الموقف التفاوضي الموريتاني أمام الشركات النفطية الأجنبية وما يترتّب على ذلك من خسائر اقتصادية وأخطار بيئية، ناجمة عن استغلال الشركات الكبرى لحاجة البلاد الماسّة إلى ثروتها النفطية جراء تراجع سعر خام الحديد، وتعثّر قطاع الصيد البحري اللذين يعتمد عليهما اقتصاد البلاد.

نشر هذا الموضوع على الموقع في 26.04.2015


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image