شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
من أين يأتي تقديس النبي شُعيب عند الطائفة الدرزية؟

من أين يأتي تقديس النبي شُعيب عند الطائفة الدرزية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 6 مايو 202303:26 م

ظهرت العقيدة الدرزية أو المذهب الدُرزي، في بادئ الأمر، في المنطقة المعروفة بـ"وادي التيم" بين دمشق وبانياس، وكان ذلك في عام 408 هـ. وتُعدّ العقيدة الفاطمية أساس العقيدة الدرزية، إذ بدأت الدعوة لذلك المذهب مع تولي الخليفة الفاطمي السادس المنصور المُلقب بالحاكم بأمر الله.

ولكن اسم الدروز كان ولا يزال مثار مناقشات عديدة بين المؤرخين والعلماء، فالمعروف أنهم لا يحبون أن يُلقَّبوا بالدروز، ويستنكرون أن ينسبهم أحد إلى الداعية "نوشتكين الدرزي"، الذي يرمونه بالإلحاد والخروج عن دعوتهم وعقيدتهم، ويفضلون لقب "الموحدين"، وعقيدتهم عقيدة "التوحيد"، ولكن أصبح "الدروز" هو الاسم الذي يُعرِّفَهُم ويميزهم عن الطوائف والمذاهب الأخرى.

يحظى النبي شُعيب، لدى أتباع الموحدين "الدروز" بمكانة رفيعة، فهو شخصية تاريخية ودينية، لعبت دوراً مهماً في أحداث تاريخية، خاصةً مع النبي موسى؛ إذ دعمه وأرشده وعلّمه أصول الإدارة وتنظيم صفوف قومه

لم يتفق المؤرخون والعلماء على الأصل العرقي للدروز، فهناك من يقول إن أصلهم فارسي، وآخرون يقولون إن أصلهم آرامي، ولكن لا يمكن إثبات أي رأي من تلك الآراء إلا من خلال وثائق تثبت ذاك الأصل، فاختلاط الشعوب وامتزاجها على طول الزمن يُبعد الإنسان عن نسبه الأصلي. ولكن بعض الأسر تركت ما يُحافظ على نسبها وما زالت تتوارثه من جيل إلى جيل، كما هو الحال مع "آل أرسلان" و"آل شهاب" و"آل معز"، أو السادة الأشراف، ونستطيع أن نتتبع نسب شيوخ قبائل الدروز ورؤساء عشائرهم ونقول إنهم عرب، عرب خالصون ارتحلوا إلى فلسطين ولبنان وسوريا.

كُتب الموحدين "الدروز"

يذكر الدكتور محمد كامل حسين، في كتابه "طائفة الدروز تاريخها وعقائدها"، أن الدروز يحافظون على إخفاء كُتبهم المقدسة حتى لا تقع في أيدي غيرهم، وتحتوي هذه الكتب على سجلات ورسائل كُتبت في عصر الحاكم بأمر الله. يعتقد الدروز بتأليه "الحاكم بأمر الله"، وبأن حمزة بن علي بن أحمد هو نبيه، وعندما اختفى الحاكم بأمر الله من دون أن يترك أثراً عام 1021م، آمنوا بأنه سيعود مرةً أخرى في نهاية العالم، ويوضح لنا أنس عُبيد، في كتابه "The Druze and their faith in tawhid"، أن عقيدة الدروز ما هي إلا مجموعة من الفلسفات الباطنية للأديان، فنجد فيها بعض الروافد الدينية من الديانة المصرية القديمة التي تعود إلى عصر أخناتون، وديانات الشرق الأدنى القديم، وحتى الفلسفة اليونانية، والتقاليد الغنوصية اليهودية، والتصوف الإسلامي، وقد خلطوا كل تلك الأفكار والمعتقدات وصبغوها بصبغة إسلامية، ونجد العديد من المصطلحات الخاصة بالمذهب الفاطمي أيضاً، إذ صاغ روّاد معتقد التوحيد الدرزي، فلسفةً تعتمد على فهمهم الخاص للآيات القرآن، ويُعرف كتابهم بـ"رسائل الحكمة"، وهو مجموعة من الرسائل والسجلات التي جُمعت على يد عالم الدين السيد جمال الدين عبد الله التنوخي، في القرن الخامس عشر الميلادي.

عدد رسائل الحكمة، ست رسائل تحتوي كل منها على ثلاثة مجلدات، كتبها حمزة، ويبلغ عددها ثلاثين رسالةً أو سجلاً، كتبها خلال السنوات الثلاث الأولى للدعوة، وهو المشكّل العام للعقيدة الإيمانية الخاصة بالدروز، وهو العقل الكلي وممثل البشرية، وأكمل ما بدأه الرجل الثاني عند الدروز، إسماعيل بن محمد التميمي، بصفته النفس الكلية، وفقاً لما ذكره أنس عبيد. كتب التميمي رسائل قليلةً، ولكن نُسب الجزء الأكبر من الرسائل إلى "بهاء الدين أبو الحسن"، والأخير من رواد المذهب الدرزي، ونُسبت ثلاث رسائل فقط إلى الحاكم بأمر الله، وكانت عبارةً عن تصريحات عامة ومراسيم ملكية.

وفي كتاب "النقط والدوائر"، وهو من كتب الدروز الدينية ويُنسب إلى تقي الدين، زين الدين عبد الغفار، لا نعرف عنهم الكثير. يصف كاتبه، حمزة، بهذه الأوصاف: "فهو صلوات الله عليه النور الكلي، والجوهر الأزلي، والعنصر الأولي، والأصل الجلي، والجنس العلي، فيه بدأت الأنوار، ومنه برزت الجواهر، وعنه ظهرت العناصر، ومنه تفرعت الأصول، وبه تنوعت الأجناس...".

ويُكمل لنا أنيس عبيد: "عقيدة التوحيد الدرزية، ومنها الإيمان بتناسخ الأرواح، أي أن الجسد الذي يموت، يمكن أن تحل روحه في مولود حديث الولادة وهكذا دواليك، ويؤمنون أيضاً بأن النبوة يمكن أن يصل إليها أي شخص، والعديد من الأفكار الدينية ذات الطابع الغنوصي والفلسفي الواضح، ولهم عَلم أو شعار يميزهم، مكوّن من ألوان عدة:

أولاً: الأخضر، ويرمز إلى الطبيعة والأرض (العقل).

ثانياً: الأحمر، ويرمز إلى الشجاعة والبطولة (الروح).

ثالثاً: الأصفر، ويرمز إلى النور والثقافة (الكلمة).

رابعاً: الأزرق، ويرمز إلى الطهارة والحشمة (القديم).

خامساً: الأبيض، ويرمز إلى الأخوة والسلام (الحلول أو التقمص).

عيد النبي شُعيب

يذكر أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة فيليب حتي، وهو لبناني الجنسية، في بحثه "The Origin of the Druze people religion with extracts from their sacred writing"، أن الدروز أو الموحدين يعتقدون بـ"الروحانية أو عبادة الموتى والقدسين"، والتي لا تظهر في كتبهم المقدسة، وتمثل هذه المعتقدات بقايا روحانيةً، وتعدد الآلهة التي كانوا يعتنقونها قبل الإسلام، ونجد تلك الأفكار أيضاً في المسيحية والإسلام، فالإيمان بالسحر والعين من المعتقدات واسعة الانتشار بين الجميع. ومن المقامات الأكثر شهرةً عند الدروز، وقد أصبح له عيد يحتفلون به، مقام النبي شعيب، إذ يحتفل أبناء الطائفة الدرزية في الخامس والعشرين من نيسان/ أبريل من كل عام، بعيد النبي شعيب، وفي هذا اليوم يزدحم المقام بالزوار الذين يأتون لالتماس البركة أو لإيفاء النذور. اعتاد الدروز أن يحتفلوا بعيد النبي شعيب منذ سنوات مديدة، وأصبحت الزيارة مناسبةً ينتظرها الدروز لما فيها من معانٍ دينية، ويقع مقام النبي شعيب في منطقة حطين قرب طبريا، وقد بُني المقام في عهد صلاح الدين الأيوبي بعد انتصاره على الصليبيين.

المصدر: موقع المكتبة الوطنية الاسرائيلية

ذُكر النبي شعيب في الكتب المقدسة بألقاب وأسماء عدة بحسب أبناء الطائفة الدرزية، منها: المختار، صفي البار، رسول، وفي التوراة ورد اسمه في سفر الخروج (18: 1): يثرون (وهو الاسم بالعبرية)، أو رعوئيل في بعض المصادر الأخرى، وفي السريانية هو "ثابور".

والنبي شُعيب في الإسلام هو نبي ورسول لقوم مَدين، وهو الرجل الصالح الذي لجأ إليه موسى بعد هروبه من مصر، وتزوج ابنته، "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ"، سورة الأعراف، 85".

ووردت الحكاية نفسها في التوراة أيضاً: "فَسَمِعَ يَثْرُونُ كَاهِنُ مِدْيَانَ، حَمُو مُوسَى، سفر الخروج (18: 1)".

ولكن لماذا النبي شُعيب؟

يحظى النبي شُعيب، لدى أتباع الموحدين "الدروز" بمكانة رفيعة، فهو شخصية تاريخية ودينية، لعبت دوراً مهماً في أحداث تاريخية، خاصةً مع النبي موسى؛ إذ دعمه وأرشده وعلّمه أصول الإدارة وتنظيم صفوف قومه، ووفق معتقداتهم كان معه حين أنزل عليه الرب الوصايا العشر، أما دعوة النبي شُعيب ذاته فكانت الصدق والأمانة في البيع والشراء، فهو يحظى بمكانة كبيرة ما جعلهم يتهافتون على زيارة المقام كل عام.

يبدأ العيد في اليوم الأول بالصلوات ومناجاة الله في مقام النبي، وتكون زيارة المقام على مدار ثلاثة أيام؛ تتم في اليوم الأول تأدية طقوس وشعائر دينية كالصلاة والمناجاة لغفران الذنوب، واليوم الثاني للتهنئة والمباركة والزيارات الرسمية من جميع الوفود والطوائف في أنحاء البلاد، أما اليوم الثالث فهو للزيارات العائلية.

وقد ازدادت أهمية المقام بعد أن تم ترميمه عام 1882، من قبل الرئاسة الروحية للطائفة آنذاك، وبمبادرة من الرئيس الروحي الخامس للطائفة آنذاك الشيخ مهنا طريف، وبعد هذا التاريخ تحول المقام إلى موقع مركزي في حياة الدروز، ليس فقط في فلسطين، وإنما في الأماكن كافة التي يتواجد فيها أبناء الطائفة الدرزية.

في عام 1969، تم الاعتراف رسمياً بالعيد كعطلة رسمية لأبناء الطائفة الدرزية تحت قيادة الشيخ أمين طريف، الرئيس الروحي للطائفة.

تقدَّر أعداد زوّار المقام في كل عام بأكثر من 10 آلاف زائر؛ إذ يزدحم المقام بهؤلاء الزوّار القادمين لالتماس البركة وإيفاء النذور، فيما تتخذ الاحتفالات هناك طابعاً دينياً وكذلك طابع التجمع الشعبي ولمّ الشمل، وقبل العيد بأسبوع، تبدأ التوعية والإرشاد بين أبناء الطائفة في البلاد بالتوجه إلى المدارس والحديث عن النبي شعيب وتاريخ المقام، فيما يتبادل أبناء الطائفة التهاني بقولهم: "زيارة مقبولة".

مكانة الطائفة الدرزية في فلسطين حالياً

يتركز وجود أبناء الطائفة الدرزية كما أوضح الباحث سامي سوايد، في كتابهHistorical Dictionary of the Druzes (Historical Dictionaries of Peoples and Cultures، في مناطق شمال فلسطين التاريخية حيث يتوزعون على ما يقارب 18 بلدةً وقريةً جبليةً، مثل: دالية الكرمل، قرية عسفيا، شفا عمور، المغار، كسرا، الرامة، ساجور، يركا، دير الأسد، عين الأسد، جولس، أبو سنان، البقيعة، بيت جن، جت، حرفيش، كفر سميع، ويانوح، وتوضح لنا الباحثة لينا قاسم في بحثهاhe Construction of Druze Ethnicity: Druze in Israel Between State Policy and Palestinian Arab Nationalism"، أن الدروز عاشوا في فلسطين كجزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني حتى عام 1948، عندما أُعلن كيان الاحتلال دولته، حيث سعت حكومة الاحتلال إلى عزل أبناء الطائفة الدرزية عن إطارهم العربي، وذلك بالضرب على وتر أن الدرزية، قومية بحد ذاتها، ولتقريبهم منها أكثر استغل كيان الاحتلال رواية تزويج النبي شعيب ابنته لسيدنا موسى، لتدلل للدروز على أن علاقة مصاهرة تاريخيةً تربطهم باليهود تضاهي علاقتهم بالعرب، ولكن برغم العلاقات المتوترة بينهم وبين العرب، إلا أن هناك العديد من الدروز الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل القضية الفلسطينية، خاصةً وقت الانتفاضة.

ذُكر النبي شعيب في الكتب المقدسة بألقاب وأسماء عدة بحسب أبناء الطائفة الدرزية، منها: المختار، صفي البار، رسول، وفي التوراة ورد اسمه في سفر الخروج (18: 1): يثرون (وهو الاسم بالعبرية)، أو رعوئيل في بعض المصادر الأخرى، وفي السريانية هو "ثابور"

توضح الباحثة في الدراسات الدينية في جامعة أمستردام أكاي هووج، في بحثها "Questions of Identity: the Druze in Israel"، أن رئيس وزراء كيان الاحتلال دافيد بن غوريون، أصدر عام 1956، قراراً يلزم بموجبه أبناء الطائفة الدرزية بالخدمة الإجبارية في الجيش الاحتلال، وواجه قرار التجنيد الإجباري في حينه مقاومةً شديدةً من قبل أبناء الطائفة الدرزية. وعلى الرغم من تحقيق كيان الاحتلال نجاحاً في فرض التجنيد على أبناء الطائفة الدرزية، خاصةً مع بداية الستينيات، إلا أنها ما زالت حتى الآن تواجه مطالبةً دائمةً من قبل مؤسسات عدة تمثّل أبناء الطائفة الدرزية بإلغاء قانون التجنيد الإجباري، ومن هذه المؤسسات لجنة المبادرة العربية الدرزية، ولجنة المعروفون الأحرار.

في عام 1959، فصلت سلطات كيان الاحتلال المحاكم الدرزية عن المحاكم الشرعية الإسلامية، وذلك بغرض تعزيز عملية فصل الدروز عن وسطهم العربي الطبيعي، وإمعاناً في تكريس الفصل خصصت الدولة لدروز فلسطين سلطات محليةً خاصةً ومدارس ومناهج خاصةً ترمي إلى خلق شعور لدى الطالب الدرزي يقضي بأنه ينتمي إلى طائفة مستقلة لا يربطها بالعرب والفلسطينيين أي رابط.

وبالرغم من انخراط الدروز في صفوف جيش الاحتلال، إلا أن هذا الأمر لم يحمِهم من سياسة التمييز العنصري التي يمارسها كيان الاحتلال ضد بقية الفلسطينيين داخل حدود 1948، ولم تنجُ أراضيهم من المصادرة لإقامة التجمعات الاستيطانية الصهيونية، وهذا ما تؤكده قيادة الطائفة الدرزية الروحية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image