شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أزمة واكد وأبو النجا أو الفنّ: ما الفرق بين

أزمة واكد وأبو النجا أو الفنّ: ما الفرق بين "كادرات" مبارك والسيسي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 30 مارس 201904:49 م

الفنّ مثل العلم لا دين له، تلك المقولة التي يُقصد بها الدين بمعناه اللغوي "التوجّه والطريق"، والتي تسمو بالأعمال الفنيّة، فوق التوجّهات الفكريّة الموحّدة، يبدو أنها ضلّت طريقها تماماً في الفترة الأخيرة في مصر، حتى أن المعارك السياسيّة وصلت كواليس التصوير وأوراق السيناريوهات، وأخيراً درج عضويات نقابة المهن التمثيليّة، الذي فقد مؤخّراً موهبتين لا يختلف اثنان على ندرتهما، بعد قرار النقابة شطب عمرو واكد وخالد أبو النجا والسبب "السياسة".

ولا أتناول هنا صحّة أو خطأ موقف عمرو وخالد فيما يخصّ زيارتهم للكونجرس، ولكن كما ذكرت الحديث يجب أن يظلّ في ساحة الفنّ، بعيداً عن المعترك السياسي، أما عن الممثّلين كمواطنين في دولة ما، فهناك قانون يحدّد إذا ما كانت فعلتهم ترتقي لمصاف الجريمة أم لا، وطالما لم يُصنّف ما فعله عمرو واكد وخالد أبو النجا، قضائيّاً، بأنه جريمة، فيجب أن أنظر بكل سخرية إلى نصّ بيان نقابة المهن التمثيليّة، الذي أطلق على فعلتهما خيانة عظمى.

وهكذا وجدت نفسي أتساءل حول مصير الفنّ فيما هو قادم، فحينما يتأكّد صنّاع الأعمال أن أيّ خروج عن النسق الحكومي سيجعل منهم عاطلين عن العمل، بالتأكيد سيلقي هذا بظلاله على اختياراتهم الفنيّة التي سيذهبون إليها بأقدام مرتعشة في كلّ مرّة، ومن التساؤل إلى المقارنة أكملت طريقي نحو أعوام مضت وفي جعبتي سؤال جديد، هل اختلفت "كادرات" السيسي عن "كادرات" مبارك أم أن الكاميرا كانت أكثر وضوحاً سابقاً؟

السينما في عصر مبارك

البداية من العام الفريد 2007، حين صوّبت السينما المصريّة سهامها على النظام الحاكم مباشرة، باتهامات جديّة للغاية، لا أتصور أنه يُمكن أن تمرّ مرور الكرام في عصرنا الحالي، إذا ما أراد أحدهم إنتاج أعمال مماثلة، أوّلاً تمّ فتح مِلف العشوائيّات على مصراعيه، عن طريق فيلم "حين ميسرة" وعدم التوقّف عند لوم رجال الأعمال، مثلما جرت العادة ،ولكن الفيلم الذي يعرض حياة عادية لمن يعيش تحت خطّ الفقر، وضع النظامَ ورجالَ الأعمال والتيارات الإسلاميّة، جنباً إلى جنب، داخل قفص الاتهام لأوّل مرة، ورسالة العمل كانت واضحة، بأن الفقر الذي يُنتج الجريمة، سببه الواضح هو النظام الذي يحكم البلاد ويحابي رجال الأعمال، ولم يجعل الإسلاميّين كبش فداء في النهاية، وإنما مجرّد متصيّدين لأخطاء الحكومة، يستغلّون الفقر والجهل في تجييش آلاف المحتاجين داخل صفوفهم.

ومن ملفّ العشوائيات إلى ملفٍّ آخر لا يقلّ أهمية، الحديث هنا عن فيلم "الجزيرة" الذي يحكي قصّةً "حقيقيّةً" رغم إصرار صنّاعه على وضع جملة ترويجية لا بدّ منها، مفادها أن الأحداث غير واقعية، ولكن الجميع في مصر يعلم أنها قصة حقيقيّة جرت في محافظة أسيوط، اختزلت العلاقة المشبوهة بين أحد كبار العائلات الصعيدّية هناك، ورجال الدولة في مناصب سياديّة، اتفاق متعارف عليه بالسماح بتجارة المخدرات والسلاح، ولا مانع من بعض تجارة الآثار في مقابل التصدّي لأي كيانات أخرى تنشأ خارج إطار وأحضان النظام.

وأخيراً يأتي دور الفيلم الأبرز "هي فوضى" الذي جسّد مشهداً تمثيليّاً لما سوف يحدث بعد عام 2007 بأربعة أعوام، أي عام الثورة، الفيلم الذي مثّل النظام في ضابط أحد أقسام الشرطة يُدعى "حاتم"، أمين الشرطة الذي يصول ويجول في الشوارع، معلناً سطوته، ويجبر من يشاء على ما يريد، ويعقد الاتفاقات السريّة والعلنيّة المحرّمة، ويغتصب بالقوة ما يلمع في عينيه، وضع أيضاً نهاية لكل ذلك، وعلى عكس تلك النوعية من الأفلام لم يكن البطل ضابطاً آخر أو محامياً، وإنما كانت الجماهير التي انتفضت حتى حاصرت "حاتم" داخل القسم واقتحمت أسوار قلعته التي ظنّ دائماً أنها مانعة، والنهاية كانت مقتله بعدما انفضّ الجميع من حوله، سواء الضباط الكبار أو قوّات التأمين.

وحتى قبل الثورة بأقلّ من عامين وتحديداً العام 2009، فوجئ المشاهدون بعرض فيلم "الديكتاتور"، الذي يروي قصّة اثنين من أبناء الحاكم، تتباين اهتماماتهما بين ولع أحدهما بوراثة كرسي العرش، وابتعاد الآخر عن طرقات السياسة، والانخراط في الاستمتاع بملذّات الحياة، وبالطبع كانت تلك هي النظرة العامّة لأبناء مبارك أنفسهم، بين جمال الوريث المنتظر، وعلاء الذي طاردته شائعات عديدة وصلت إلى أنباء منعه من الظهور أحياناً، بسبب ابتعاده عن طريق العائلة الحاكمة.

والآن، تخيّل أن يُعرض عمل ما مشابه لفيلمي "هي فوضى" أو "الديكتاتور"، مع الوضع الحالي، فالاتهامات بتكدير السلم العام لن تتأخّر عن دقّ أبواب منازل صنّاع الفيلم، ولن يتعجّب أحد لو شُطبت عضوية أبطال العمل من نقابة المهن التمثيليّة أيضاً.

وحتى لا يظنّ البعض أن هناك تهويل للأمور، لنذهب في جولة سريعة داخل صالات السينمات في الأعوام الأخيرة لنرى نوعية الأعمال المسيطرة على شبّاك الحجز، وبعدها نقرر مدى اتساع "كادرات" النظام الحالي لأيّ وجهة نظر مغايرة.

الفنّ مثل العلم لا دين له، تلك المقولة التي يُقصد بها الدين بمعناه اللغوي "التوجّه والطريق"، والتي تسمو بالأعمال الفنيّة، فوق التوجّهات الفكريّة الموحّدة، يبدو أنها ضلّت طريقها تماماً في مصر.

حينما يتأكّد صنّاع الأعمال أن أيّ خروج عن النسق الحكومي سيجعل منهم عاطلين عن العمل، بالتأكيد سيلقي هذا بظلاله على اختياراتهم الفنيّة التي سيذهبون إليها بأقدام مرتعشة في كلّ مرّة.

إن زيارة عمرو واكد وخالد أبو النجا للكونجرس كان الهدف منها شرح التضييقات الأمنيّة على فئات المجتمع، وهكذا لم تتوان الدولة، مُمَثّلةً بنقاباتها، عن التصديق على شهاداتهم ولا عزاء للفن حتى إشعار آخر.

السينما في عصر السيسي

منذ عام 2017 وحتى الأفلام المنتظر عرضها في عام 2019، وهناك وتيرة واضحة لحشو السيناريوهات، بعروض تحكي بطولات القوّات المسلّحة وجهاز الشرطة، والأزمة ليست في وجود مثل تلك الأعمال، بالعكس أرى أن عرض الأعمال التي تبرز حياة رجال الجيش والشرطة في التصدّي للإرهاب، أمر إيجابي للغاية، ولكن من ناحية أخرى، الأزمة أن تُصبح تلك العروض الجيّدة المصبوغة بألوان السياسة، هي الأعمال الوحيدة المتاحة للجمهور.

ففي عام 2017 تحديداً، حُسمت المنافسة على تصدّر شبّاك التذاكر بين فيلم "الخليّة" وفيلم "جواب اعتقال"، وكلاهما يهدف لإبراز الوجه الجيّد للقوات المسلّحة في حربها ضد الإرهاب، ومع وجود أحمد عز ومحمد رمضان كأبطال للأعمال، لم يجد الجمهور خيارات أخرى كثيرة متاحة، حتى الأفلام الكوميديّة لم تخلُ من الحديث السياسي الساخر من داعش مثلاً، مثل فيلم دعدوش وفيلم "حينما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره فينتهي به الأمر إلى المهزلة"، وتعود الأفلام التي تجسّد بطولات القوات المسلّحة في 2019 بعمل آخر منتظر لنجم الشبّاك أحمد عز بعنوان "الممرّ".

وحتى بالنظر إلى الدراما في رمضان الماضي، فسوف تجد حضوراً طاغياً للمسلسلات التي تعرض نفس محتوى سينما القوّات المسلّحة، مثل مسلسل "كلبش" و"أمر واقع" و"أبو عمر المصري"، بين ضابط يحارب الإرهاب ومتشدّد يقع في أيدي العدالة.

المقارنة السابقة تضع على عتبات المسؤولين عن الفنّ في مصر، علامات التوجيه الحكومي التي حلّت محل الذوق الفني، والترهيب "بعضويّة النقابات ربما" محلّ الترغيب بتقديم عمل مميز خالد، والعلامات لا تنحصر على نقابة المهن التمثيليّة فحتى نقابة الموسيقيين بات شاغلها الأكبر مطاردة شيرين عبد الوهاب، تارة بتهمة ازدراء نهر النيل، وتارة أخرى بتهمة بثّ شائعات بأن من يتحدّث في مصر يتمّ حبسه، والغريب أن زيارة عمرو واكد وخالد أبو النجا لأحد ممثلي الكونجرس كان الهدف منها شرح التضييقات الأمنيّة على فئات المجتمع، وهكذا لم تتوان الدولة، مُمَثّلةً بنقاباتها، عن التصديق على شهاداتهم ولا عزاء للفن حتى إشعار آخر.

مرّة أخرى، لا نحدّد هنا أي نظام سياسي هو الأفضل، ليست هذه المقارنة، ولكن بالحديث عن الفنّ، فإن نظام مبارك كان "أكثر ذكاءً" في التعامل مع هذا القطاع، ربما لخلق متنفسٍ للجماهير، أو حتى لتجميل الصورة العامّة لمبارك، ليظهر كراعي للحريات في مصر، ولوّ عن طريق السماح بمهاجمته عبر الشاشات، ولكن كل ما يعنينا في تلك المقارنة، أن كادرات مبارك كانت أقل توجيهاً من كادرات السيسي، وبالتالي فإن الناتج الفني أكثر قرباً وحميميّة للمشاهد بالطبع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image