شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

ملف الإصلاح الديني في الإسلام... أي إسلام نريد؟

في مؤتمر جرى تنظيمه قبل فترة، وقف رجل دين مصري وألقى كلمة مقتضبة تفيض بالاعتدال وبالرغبة في إرساء علاقات ودّية بين المختلفين دينياً. صفّق له الحاضرون وأثنوا على مقاربته. لم ينتبه أحد إلى جملة مرّت في كلامه ودعا فيها إلى ضرورة تصدي المؤسسات الدينية "العريقة" للأصوات التي تتحدث في شؤون الدين من خارجها. هذه الفكرة التي تبدو بسيطة تنسف كل مقاربته "الانفتاحية". في خلفيته، يريد منح "الكهنوت" الحق الحصري في تفسير الدين، رغم أنه هو نفسه سيواجهك بجملة "لا كهنوت في الإسلام" إذا حدثته في موضوع المقارنة بين الإصلاح الديني الذي شهده الغرب وذاك الذي يدعو إليه بعض الشرقيين اليوم. هذا ليس سوى مثال بسيط عن كيفية حضور العقلية "الإقصائية" في الخطاب الإسلامي "المعتدل".

نحن هنا لا نتحدث عن داعشي ولا عن سلفي متشدد بل عن أزهري يشغل منصباً مهماً في دار الإفتاء المصرية. في ذهن هذا "العالم"، لا أهلية لمسلم يتحدث في شؤون الدين بدون "شهادة" من إحدى المؤسسات الدينية التقليدية الكبرى، رغم أن هذه المؤسسات هي المسؤولة عن فهم أغلبية المسلمين لدينهم اليوم، وبالتالي هي المسؤولة عن الواقع الذي يحتاج إلى تغيير. وإلى هذا المثال البسيط يمكن أن نضيف أمثلة أخرى كثيرة عن المسكوت عنه في خطاب أغلبية رجال الدين الداعين إلى الإصلاح.

فإذا فكرنا في المُختلِف الذي يدعون إلى العيش السلمي معه، منطلقين من "سماحة" فهمهم للدين، سنجد أن هويته تقتصر على اليهودي والمسيحي. قد تشمل الشيعي وقد لا تشمله، وستتعقد المسألة لو كان إباضياً أو زيدياً، ولكنها بالتأكيد لن تتضمن بهائياً أو لادينياً أو معتنق ديانة لم يكن لها وجود تاريخي في "أرض التسامح"، وستتحول الكلمة إلى سيف لو كنا أمام شخص وُلد مسلماً وقرر التحوّل إلى ديانة أخرى. ربما لم تلقَ مصطلحات "الإصلاح الديني في الإسلام" و"تجديد الخطاب الديني" رواجاً في تاريخ العرب والمسلمين كما تلقاه اليوم. هناك شيء ما خاطئ. رواج هذه المصطلحات يؤكد ذلك. ولكن في التفاصيل، يكاد تعاطي الفاعلين في هذا المضمار ينحصر في إطلاق "فقاعات إعلامية".

عوامل كثيرة تساهم في تحوّل مطلب الإصلاح الديني إلى مطلب شعبي، وهي في الحقيقة عوامل متناقضة وليست نابعة من تفكير منطقي يحدد مكامن خلل ويسعى إلى تجاوزها. على رأس هذه العوامل رداءة الواقع الذي يعيشه معظم العرب والمسلمين اليوم. وفي ذهن كثيرين كلمة "الإصلاح"، أياً يكن الميدان الذي تُطرح فيه، لها مفعول السحر لما تحمله من وعد بحياة أفضل. التفاصيل لا تعني التوّاقين إلى الإصلاح. هم فقط يريدون الإصلاح ولكن أغلبيتهم لا تريد أي تغيير في معتقداتها وآرائها الموروثة! وفي صدارة هذه العوامل أيضاً الخجل، الخجل من صورة الإسلام والمسلمين الشائعة. مؤيدو الإصلاح يركضون وراء أية فكرة يمكن أن تحقق لهم نوعاً من التوازن النفسي مع قيم العصر. إنها مسألة صورية فقط.

نحن لسنا داعش لأن ديننا سمِح ولكننا لن نقبل مَن يحمل قناعات مخالفة لقناعاتنا ولن نسمح للمسيحيين ببناء الكنائس ولا للصوفيين بزيارة الأضرحة ولا للشيعة بالبكاء على الحسين... نريد أن نبقى كما نحن ولكن مع لبس رداء الإصلاح![post_quotes/] وفوق كل هذه العوامل وتحتها وبين ثناياها تبرز مسألة سعي السلطة إلى الهيمنة على الحقل الديني واستخدامه لتوطيد استبدادها. ليس غريباً أن يسير طرح تجديد الخطاب الديني في الدول العربية حيث تزيد الممارسات القمعية، وليس غريباً أن يقتصر تفعيل هذا الطرح أحياناً على تركيب كاميرات مراقبة للمصلين، أو على حفلات تجاذب بين السلطة السياسية والسلطة الدينية على مَن يسيطر على الناس. ولكن الإصلاح الديني ليس مسألة إدارية.

هناك حاجة إلى نوع من عقد اجتماعي يحدد دور الدين في الحياة ويحرره من السلطة السياسية، ومن سلطة "الكهنوت"، وينقل النقاش من دائرة الإصلاح بالاستبداد إلى الإصلاح بالمزيد من الحريات والنقاشات المفتوحة التي لا تعرف خطوطاً حمراء. وانطلاقاً من هذه المقاربة، يأتي ملف رصيف22 حول "الإصلاح الديني في الإسلام... أي إسلام نريد؟"، وهو ملف لا يدّعي أنه يقدّم حلولاً وكل ما يهدف إليه هو فتح مداخل جديدة للنقاش الحر حول موضوع يجب أن نشارك فيه جميعاً، وهو بالمناسبة مفتوح على صفحات الموقع منذ وقت طويل بدون أن يأخذ شكل الملف. 

Website by WhiteBeard
Popup Image