شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بعد قرار الانسحاب الأمريكي... أكراد سوريا بين أحضان الأسد وأنياب أردوغان

بعد قرار الانسحاب الأمريكي... أكراد سوريا بين أحضان الأسد وأنياب أردوغان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 22 ديسمبر 201804:55 م
سقط قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب الجنود الأمريكيين من سوريا كالصاعقة على الأكراد السوريين، خاصة مع تلويح تركيا باجتياح منطقة شرق الفرات الغنية بالبترول، والقضاء على قوات سوريا الديمقراطية. هذه المجريات تفتح التساؤلات حول مصير تلك القوات التي وصفت القرار الأمريكي بالخيانة: هل ستصبح فريسة سهلة للجيش التركي فيتكرر سيناريو عفرين؟ أم ستلجأ إلى النظام السوري وحليفته روسيا؟ "خياراتنا في الشمال السوري المقاومة والدفاع عن الذات". بهذه الكلمات وصفت الرئيسة المشتركة للإدارة الذاتية في شمال سوريا هدية يوسف استعدادات قوات سوريا الديمقراطية للتعامل مع آثار الانسحاب الأمريكي، مضيفةً أنها ستقوم بدورها كما دافعت عن نفسها قبل وجود التحالف أمام داعش. وأكدت يوسف لرصيف22 أن الانسحاب سيفتح الباب أمام توسّع الوجود الشيعي والنفوذ الروسي في المنطقة، وتغيير التوازنات الحالية، معتبرة أنه يعكس فشل السياسة الأمريكية في سوريا، خاصةً أن تنظيم داعش "لم ينتهِ ولديه المئات من الخلايا النائمة، ما سيجلب العديد من الكوارث على سوريا". ونفت يوسف وجود اتفاق ضمني بين الولايات المتحدة وتركيا حول الأكراد، مشيرةً إلى أن ما تخشاه واشنطن هو حدوث اشتباك بين قوتين في حلف الناتو، أي هي وتركيا، خاصة أن الأخيرة ترى في وجود قوات سوريا الديمقراطية على حدودها خطراً على أمنها القومي. من جانب آخر، أوضح المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية مصطفى بالي أن قرار الانسحاب كان مفاجئاً ويتعارض مع مخططات العمل التي كانت موضوعة ومتفق عليها سابقاً مع الجانب الأمريكي، وسينتج عنه "فراغ أمني وفراغ سياسي سيستفيد منه تنظيم داعش والدول الداعمة للإرهاب". وأكد بالي لرصيف22 أن القرار الأمريكي لا يساهم في الاستقرار والدفع نحو حل سياسي للأزمة السورية، و"على الرغم من ذلك فإن قوات سوريا الديمقراطية ستستمر في الحرب ضد الإرهاب انطلاقاً من قناعاتها".

"متشبثون بأرضنا"

منذ فترة وأنقرة تطلق تهديدات بشن هجوم على الأكراد السوريين في منطقة شرق الفرات. وعن استعدادات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لمواجهة الحملة التركية، يقول بالي: "نحن متشبثون بأرضنا". ويشير إلى أن "الأكراد يعبّرون عن مكونات شمال سوريا وسيصدّون أي هجوم عليهم"، لافتاً إلى أن التهديدات التركية ليست شيئاً جديداً أو طارئاً، لأن "الأطماع التركية في الأراضي السورية مستمرة ولا يتردد القادة الأتراك في التعبير عنها سواء بحديثهم عن استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، أو أراضٍ يعتقد الأتراك أنها من حقهم مثل حلب أو الجزيرة السورية". ولا يخفي عضو حزب الاتحاد الديمقراطي (ب. ي. د.) ولات علي أن الانسحاب الأمريكي "يصب في مصلحة الحملة العسكرية التركية"، متحدثاً عن "صفقة بين واشنطن وأنقرة، والدليل على ذلك صفقة صواريخ الباتريوت التي اشتراها (الرئيس التركي رجب طيّب) أردوغان من الولايات المتحدة، وتصريحات المسؤولين الأمريكيين بأن التحالف بينهم وبين "قسد" مؤقت إلى حين الانتهاء من الحرب على داعش". وأكد علي لرصيف22 وجود حشود عسكرية في المناطق التركية المقابلة لمنطقتي تل أبيض وكوباني، مشيراً إلى أنه لا توجد مقارنة بين القوة العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية وبين تركيا، صاحبة ثاني أكبر جيش في تحالف الناتو، و"لكن الإدارة الذاتية ستفعل المستحيل للحيلولة دون وقوع المنطقة في أيادي الأتراك". من جانب آخر، قال القيادي في قوات درع الفرات المدعومة من تركيا أبو سعيد الجنيد إن حشوداً تركية مدعمة بآليات ثقيلة جاهزة على الحدود لدخول منطقة شرق الفرات، مضيفاً أن "قوات الجيش الحر والفصائل السورية هي مَن سيقوم بهذه الحملة وسيساعدنا الجيش التركي، وسنكون المهاجمين الذين ينقضّون على أعضاء وحدات حماية الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني". وأضاف الجنيد لرصيف22 أنهم يستعدون لتلك المعركة منذ انتهاء حملة غصن الزيتون على عفرين، وذلك "لتحرير أهالي المنطقة من سيطرة تلك الميليشيات وإعادة النازحين الذين هجّروهم وأبعدوهم عن منازلهم". وبيّن الجنيد أن الانسحاب الأمريكي أنهى أحلام حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني في "فصل أراضي في شمال سوريا وبناء دولتهم المزعومة عليها"، موضحاً أن أمريكا لن تتنازل عن علاقاتها مع تركيا من أجل هذين الحزبين الانفصاليين. وحزب الاتحاد الديمقراطي هو الواجهة السياسية لقوات الحماية الشعبية الكردية، العامود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية. أما حزب العمال الكردستاني فهو حزب كردي تركي تعتبر أنقرة أن الكيانات الكردية السورية الأساسية تابعة له.

مفاوضات مع النظام وروسيا

تشير يوسف إلى أن الإدارة الذاتية ستفتح حواراً جاداً مع النظام السوري، لأن الاعتداء على الشمال السوري لن يمس الأكراد وحدهم وإنما سيمس العرب والسريان، والسكان المحليين بكافة مكوناتهم، لكنها تقول إنه لا توجد مفاوضات حالياً سواء مع النظام أو مع موسكو وإنما مجرد حوارات للتوصل إلى حلول. لكنّ علي يتحدث عن مفاوضات جرت خلال اليومين الماضيين مع بعض الضباط السوريين في مدينة القامشلي، موضحاً أن الاتصالات تمّت بالأساس مع الجانب الروسي "لأن نظام الأسد لا يمتلك قراره". وتابع عضو حزب الاتحاد الديمقراطي أن الأكراد يقبلون بوجود الروس والنظام في شرق الفرات مع إدارة ذاتية مخففة، ووجود جنود من الجيش السوري على الحدود مع تركيا، لأن دور الجيش السوري بالأساس هو حماية الوطن من أي اعتداء خارجي.

الوضع الميداني

تمتلك بعض القيادات الكردية السورية تقديرات للوضع الميداني تدفعها إلى عدم الخوف من الاحتمالات المستقبلية. يوضح القيادي العسكري في قوات سوريا الديمقراطية، والمشارك في الحرب ضد داعش في جيب هجين آخر معاقل التنظيم، شرفان جوكر أن انسحاب أمريكا لا يؤثر على الإدارة الذاتية في شمال سوريا في لأن القوات الكردية لديها عتادها وخبرتها والظهير الشعبي، ولديها أيضاً تدابيرها العسكرية لمواجهة احتمال الهجوم عليها. وبيّن جوكر لرصيف22 أن مشكلة القرار الأمريكي تكمن في أنه يفتح أعين الأعداء والطامعين مثل تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري والجيش الحر والمنظمات الإرهابية وحتى بعض الأطراف في كردستان العراق. وأضاف أن القوات الكردية تعمل منذ سبع سنوات وتقاتل دون توقف ولديها حالة إرهاق وتعب، لكن الوضع على الأرض ممتاز جداً.
الانسحاب الأمريكي من شمال سوريا سيفتح الباب أمام توسّع الوجود الشيعي والنفوذ الروسي في المنطقة، وتغيير التوازنات الحالية، و"يعكس فشل السياسة الأمريكية في سوريا"، خاصةً أن تنظيم داعش لم ينتهِ
بعد قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا... أكراد يتحدثون عن مفاوضات جرت خلال اليومين الماضيين مع بعض ضباط سوريين في مدينة القامشلي، وعن أن الاتصالات تمّت بالأساس مع الجانب الروسي "لأن نظام الأسد لا يمتلك قراره"
وبعكس المناخ العام الذي يتحدث عن قرب انسحاب الجنود الأمريكيين من شمال سوريا بعد قرار ترامب، ينفي جوكر وجود بوادر للانسحاب الأمريكي، ويقول إن "الأمور تجري كما كانت ولم يتغيّر أي شيء في العلاقة بين الضباط الأمريكيين والأكراد"، كاشفاً عن العمل حالياً على إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية جديدة في منطقة هجين. وفي نفس الإطار، أشار رئيس حزب التآخي السوري الكردستاني، المتواجد في منطقة شرق الفرات، جيكرخون علي إلى أنه في 19 ديسمبر قامت القوات الأمريكية بعرض مناقصة لتوسيع إحدى قواعدها العسكرية في مدينة عين عيسى. ونفى رئيس حزب التآخي الكردستاني في حديثه لرصيف22 قرب انسحاب القوات الأمريكية، متحدثاً عن وصول 150 شاحنة محمّلة بالأسلحة إلى شرق الفرات في نفس يوم إعلان الانسحاب.

الدور الأوروبي

في ظل صعوبة تقدير ما سيجري في المرحلة المقبلة، لا تستبعد يوسف أن يكون الوجود الأوروبي بديلاً عن الوجود الأمريكي، لأن لدى الأوروبيين تخوفاً من تمدد داعش والتنظيمات الإرهابية من سوريا والعراق إلى أراضيهم، موضحة أنه لا توجد ضمانات أوروبية بعد وإنما حوارات جادة، ومنها استضافة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لممثلي الإدارة الذاتية في قصر الإليزيه. وبرغم تأكيد عضوة المجلس التشريعي في مقاطعة الجزيرة نورا خليل أن الولايات المتحدة حتى الآن لم توضح ما إذا كانت ستخرج قريباً أو على المدى الطويل، إلا أنها تعتبر أن فرنسا قادرة على ملء الفراغ الأمريكي وبالطبع معها دول التحالف وربما هناك اتفاق بينهم وبين الأمريكيين بهذا الشأن. وتنتشر في سوريا حالياً قوة أمريكية تضم حوالي 2150 عسكرياً كما تنشر فرنسا حوالي ألف من جنودها. وتقول خليل لرصيف22 إن الرئاسة الفرنسية تؤكد دعم باريس لقوات سوريا الديمقراطية، ولكن برأيها، "الأهم من إعلان الدعم هو أن يتم حظر الطيران على الشمال السوري كي لا تتكرر سيناريو عفرين". وبيّنت خليل أن دول التحالف صرفت مبالغ مالية للإبقاء على الإدارة الذاتية، كاشفة عن دفع السعودية 100 مليون دولار للمساعدة في دعم الاستقرار في شمال وشرق سوريا، ودفع الإمارات 50 مليوناً، ومثلها من الفرنسيين، عدا ما ساهمت به المنظمات الفرنسية. من جانب آخر، ينتقد الباحث الكردي إبراهيم كابان تفرّد إدارة ترامب بالقرار ويتحدث عن ردة فعل قوية ضد الانسحاب الأمريكي بعضها أتى من حلفاء واشنطن في التحالف الدولي وفي مقدمتهم بريطانيا، وبعضها صدر من العسكريين الأمريكيين والاستخبارات الأمريكية والكونغرس. وأكد كابان لرصيف22 أن القرار الأمريكي يحتاج إلى شهرين لتنفيذه، ومن الممكن أن تغيّر الولايات المتحدة رأيها.

انسحاب شكلي

ولا يزال قسم من المتصارعين على الأرض السورية، سواء في الإدارة الذاتية أو المعارضة السورية، يرى أن قرار ترامب ليس له أثر على أرض الواقع، وأن القوات الأمريكية لن تنسحب من سوريا. ويقول عضو حركة المجتمع الديمقراطي شفكر عباس إن انسحاب الولايات المتحدة، شكلي يشبه إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل ثلاث سنوات. ويعتبر أن ترامب يحاول بث الذعر في دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، لابتزازهم مالياً، وفرض دفع تكاليف التواجد العسكري الأمريكي عليهم، وتوريطهم عسكرياً في سوريا.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard