شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الشيعة والسنّة... هل من مبرر لكل هذا الكره؟

الشيعة والسنّة... هل من مبرر لكل هذا الكره؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

كلمتان شائعتان في حياتنا العربية، لا تضاهيهما أيّة كلمات أخرى في التأثير على مجريات الأمور السياسية والاجتماعية والدينية. تحت شعارات الدفاع عنهما أريقت، ولا تزال تراق، دماء غزيرة في بلداننا التي اجتاحها وباء العصر: الطائفية. يكفي التلفظ بهما لتتلظى الوجوه غضباً، ويندفع الكلام من الأفواه تكفيراً للآخر وإلغاءً لفكره. ولكن، بعيداً عن التشنج والتحزب العاطفي الموروث، ما هي المساحة الحقيقية للخلاف والاتفاق بين السنّة والشيعة؟

اختلف الشيعة في نقطة البداية للافتراق السنّي الشيعي في التاريخ الإسلامي. فمنهم مَن يقول إنه بدأ مع وفاة النبي، ومنهم مَن يؤخره إلى حين واقعة كربلاء واستشهاد الحسين بن علي على أيدي الأمويين ويعتبره إعلاناً لظهور مذهب التشيع الذي تطور فقهياً منذ ذلك الوقت ليصل إلى ما هو عليه الآن.

وأياً تكن نقطة البداية، فالثابت لدى الجميع أنه لم تكن هناك فِرَق أو مسميات في عصر النبي، ولا مذاهب إسلامية متعددة في عهد الخلفاء الراشدين. وحين يعود المرء إلى الماضي ليفهم الأحداث التي قسمت المسلمين إلى شيعة وسنّة، وإلى فرق ومذاهب أخرى بعضها اختفى وبعضها لا يزال موجوداً، كالإسماعيلية والزيدية والأباضية، نرى أن الجانب السياسي في ظهورها طاغٍ لا يمكن تجاهله.

وقفت فرق الشيعة في التاريخ الإسلامي في صف المعارضة للحكام الأمويين والعباسيين ومَن تلاهم وصولاً إلى الدولة العثمانية. في المقابل، استعمل كل فريق الخلاف المذهبي لتوطيد الحكم وتوسيع النفوذ. وفي تلك الفترات الزمنية وبعقلية الصراع الديني-السياسي كُتبت أغلب الأدبيات التي يستعملها الطرفان مراجع لهم الآن. وعليه، يمكن أن نفهم لماذا يستمر هذا الاشتعال الطائفي الفكري حتى القرن الواحد والعشرين. فالصراعات السياسية في وقتنا الحالي يتم إخراجها للرأي العام على أنها دفاع عن صحيح الدين ضد المبتدعين من أبناء المذهب الآخر. ورجال الدين من الطرفين أسرى لتلك الأدبيات التي تحوّلت إلى أحافير فكرية عتيقة لا يستطيع أحد الخروج عليها وتحطيمها.

واللافت أن هناك جهلاً غير مبرر من الطرفين باعتقادات الطرف الآخر. فحين نبحث في غوغل عن السنّة والشيعة، نقع على كتابات الكراهية المبنية على الجهل. فالسنّة يلعنون الشيعة لأنهم يقولون بتحريف القرآن، ويؤلهون أئمتهم ولغيرها من التبريرات التي تحض على الكراهية. وهذا ببساطة شديدة غير صحيح إنْ نحن عدنا إلى مصادر المعلومات الدقيقة. فالشيعة لا يعترفون بأي قرآن آخر. كما أن عقيدتهم في الأئمة المعصومين، وإنْ كانت محل خلاف، فهي ليست بالشكل الذي يصوره دعاة الفتنة.

هل من مبرر لكل هذا الكره بين الشيعة والسنة - إنفوجرافيك 1

وعلى الجانب الآخر، نجد موروث الكراهية تجاه الصحابة طاغياً على تعليقات العامة من الشيعة ممن تلقفوها من أدبيات قديمة كتبت هذا الكلام لتبني سداً طائفياً يحمي النفوذ السياسي لدولها آنذاك. وما يقوله بعض الشيعة من قدح في الصحابة لا يلتفت لفتاوى مراجع الشيعة المعتبرين مثل آية الله خامنئي والراحل آية الله محمد حسين فضل الله في تحريم النيل من الصحابة وأمهات المؤمنين. كما أن هناك افتراضاً خاطئاً بأن السنّة اليوم هم "أمويون" يكرهون آل البيت وينكرون فضلهم.
استعمل كل فريق الخلاف المذهبي لتوطيد الحكم وتوسيع النفوذ، وفي تلك الفترات الزمنية وبعقلية الصراع الديني-السياسي كُتبت أغلب الأدبيات التي يستعملها الطرفان مراجع لهم الآن

في كل الأحوال لا يبحث إلا القلة عن نقاط الاتفاق. فكل التركيز في معظم ما نقرأه هو حول الاختلاف الذي لو نظرنا إليه بعين فاحصة لوجدناه يتقزم أمام ما بين الطائفتين من اتفاق.

فعلى سبيل المثال، الحديث عن ولاية علي بن أبي طالب وحقه في الخلافة وعصمة أبنائه الأئمة وصولاً إلى المهدي المنتظر في الفكر الشيعي، هو قناعة فكرية وخلاف تاريخي لا أثر له على حياتنا المعاصرة ولا على جوهر الدين في المعاملة بين البشر على أسس من العدالة والمساواة والتراحم. فما هو أثر الإيمان بأفضلية علي بن أبي طالب أو أبي بكر في التعامل بأمانة مع الآخرين، وأداء الفروض من صلاة وزكاة، والتراحم والقول الحسن ومحبة الآخر؟

هل من مبرر لكل هذا الكره بين الشيعة والسنة - إنفوجرافيك 2

"إن مخالفة المذهب ليست مخالفة لواقع الإسلام وحقيقته، بل لصاحب المذهب، وبالأصح للصورة الذهنية التي تَصوّرها عن الإسلام". هذا القول البليغ في دلالته أورده الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه "الفقه على المذاهب الخمسة". وقد يدهش الكثيرون حين يطلعون على هذا الكتاب ويرون أن مواقع الاتفاق بين المذاهب السنّية الأربعة والمذهب الجعفري الاثني عشري أكثر بكثير مما يظنون. فالمتصفح لأحكام العبادات والمعاملات في هذا الكتاب يجد أن الشيعة يتفقون مع هذا المذهب السنّي أو ذاك في قضية ما في كثير من الأحيان، أو يتفردون أحياناً بحكم معيّن بناء على تفسير مختلف أو لأنهم يستعملون طريقة أخرى في استنباط الحكم. وفي كل الأحوال، يرى القارئ لهذه الفتاوى أن مساحة الخلاف أضيق جداً مما يصوّره لنا واقع الصراع المذهبي في حياتنا اليوم.
"هناك جهل غير مبرر من الطرفين باعتقادات الطرف الآخر. فحين نبحث في غوغل عن السنّة والشيعة، نقع على كتابات الكراهية المبنية على الجهل"

وتصديقاً لهذا، فإن الاعتقاد بإمامة علي هو من ضرورات المذهب الشيعي ولكنّه لا يُخرج مَن لا يعتقد به من الملة، كما أكّد الراحل محمد حسين فضل الله. علماً أن الاعتقاد بإمامة علي وأبنائه لا تخرج الشيعة من الملة كما قال الشيخ علي جمعة، مفتي مصر الأسبق.

نعم، هناك نقاط خلاف بين الطرفين، وليس الغرض هنا إلغاءها وتجاوز الواقع. ولكن الغرض هو وضعها في حجمها الطبيعي الذي يجعلنا، إنْ نحن قرأنا المعلومات من مصادرها الصحيحة، ندرك كم من الوقت نهدره في كراهية غير مبررة، وتشاحن لا نتيجة له سوى ترسيخ الفرقة وإذكاء صراع عبثي لا طائل من ورائه.

إن الاعتقاد بأن الجدل في مثل هذه الأمور العقائدية هو جدل علمي يستند إلى منطق وأدلة ثابتة هو وهم مطلق. فالانتماء الديني والمذهبي أمر تحدده عوامل التنشئة والبيئة ويصبح مع الوقت جزءاً من انتماء الإنسان وهويته. وهكذا، فإن دليل كل شخص على صحة موقفه من أمر خلافي لا تحدده الأدلة التي بين يديه بقدر ما يحدده مسبقاً ولاؤه لجذوره الاجتماعية وتنشئته الفكرية والدينية.

فلا السنّي سيتخلى عن نظرته التوقيرية للخلفاء الراشدين، ولا الشيعي سيتخلى عن اعتقاده بأفضلية علي بن أبي طالب وإحياء مراسم عاشوراء التي ارتبطت في عقله بجذور الطفولة والانتماء العائلي. المشكلة الحقيقية عندنا تتلخص في أننا أسرى الماضي، وفي النتيجة لا نزال متأخرين عن العالم في ممارسة مفهوم تقبل الآخر.

نمارس سلطة غير مبررة في محاولة تغيير الآخر ليصبح مثلنا، وهذا لن ينجح يوماً بل سيبقينا في دائرة صراع عقيم لا معنى له حول أحداث تاريخية لا تمت لعصرنا بصلة. ومن الحكمة أن ننظر إلى المشتركات وحقيقة أننا شركاء في صميم عقيدة الإسلام، وما عدا ذلك من خلافات في الفروع ينبغي اعتباره أمراً طبيعياً يفرضه اختلاف الرؤى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard