شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"سندريلات مسقط": سهرة بوح نسائية مليئة بالحكايات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 2 مارس 201701:35 م

في حكاية "سندريلا" تأتي الجنية الطيبة وتساعد البطلة في أن تعيش ساعات معدودات خارج عالمها الكئيب، شريطة أن تعود قبل منتصف الليل.

تستعير "هدى حمد" من الحكاية الشعبية هذه الفكرة، وتؤسس بها عالم روايتها الثالثة "سندريلات مسقط"، مانحةً ثماني سيدات فرصة أن يعشن عدة ساعات خارج روتينهن المنزلي المعتاد والقاسي ليلةً واحدة في كل شهر.

يجتمعن في مطعم صغير مطل على البحر، محوّلين هذه الليلة إلى سهرة مليئة بالحكايات التي يبحن بها لبعضهن، كي يعدن إلى منازلهن خفيفات كالريش، متخففات من همومهن وآلامهن.

"في مثل هذه الليلة من كل شهر، تهرب السندريلات من قرف البيت والأولاد والأزواج المتطلبين، يخرجن غير مباليات بأحد، وغير مستعدات لتأجيل هذا الموعد على وجه الخصوص. ورغم إدراكهن أن الزمن سيركض بسرعة إلا أنهن يبذرن الوقت ويروينه لينمو على مهل (...) يتجوّلن في مسقط إلى أن يستقر بهن المكان في ذلك المطعم المطلّ على شاطئ القرم، والذي تحوّل اسمه بقدرة قادر إلى مطعم السندريلات".

تختار الكاتبة نماذج نسائية بطلاتٍ لروايتها، لتحكي من خلالهن عن مشكلات المرأة ومعاناتها في المجتمع العمانيّ الحديث، هذه المشكلات التي تتقاطع وتتشابه مع مشكلات المرأة وهمومها في بقية البلدان العربية وبخاصة في صراعها الحياتيّ مع المجتمع الذكوري ونظرته لها.

تحكي "ربيعة" عن حياتها الباردة والرتيبة مع زوجٍ لا يحب التغيير، ويريد أن يبقى كل شيء في زوجته وبيته كما هو، دون أي اهتمام برغباتها ورأيها هي، وتروي "تهاني" عن سرقة بناتها لعمرها، وعن رائحة الخادمة الملتصقة بجسد زوجها.

8 نساء يجتمعن في مطعم صغير مطل على البحر مرة كل الشهر. سهرة مليئة بالحكايات التي يبحن بها لبعضهن

كما تلقي الرواية الضوء على علاقة الأنثى بجسدها، وكيفية نظرها إليه، وما هي المشاعر التي تنتابها بسبب شكلها، فـ"نوف" أصبحت في السادسة والثلاثين من عمرها وهي دون زوج لأنه "لا أحد يرغب الارتباط بفتاة دون تضاريس"، أما "فتحية" فكانت تكره شكلها منذ طفولتها، ورغم أنها حين كبرت أجرت العمليات التجميلية لتغييره لكن صورة قديمة معلقة في صالون منزل والديها تقض مضجعها، إذ تذكرها بشكلها القديم. في حين تقصّ "سارة" ما تفعله الشيخوخة بالجسد وهي التي خبرت ذلك جيداً حين بدأت تغسّل جثة جدتها التي انتظرت الموت طويلاً وظنّت أنه لا يأتي لأنه "يقرف منها".

تتخذ الرواية شكل الحكايات الصغيرة التي تستقل كل منها عن الأخرى، غير أن ما يجمعها هو الفضاء الزماني (سهرة السندريلات الشهرية) والفضاء المكاني (المطعم الذي يجتمعن فيه)، لتشكّل هذه الحكايات بمجموعها صورة عن المجتمع في تحولاته وتقلباته، وبخاصة أن معظم هذه الحكايات تمتد على فترات زمنية طويلة، تمتد من طفولة أو مراهقة البطلات إلى مرحلة بلغن فيها أواسط العمر.

تجري الكاتبة من خلال هذه الفترات نوعاً من المقارنة بين الزمن القديم حيث الحياة البسيطة الوادعة والزمن الحديث السريع الذي أخفى جمال ما مضى. "الجنيّات هجرن مسقط منذ أن أصبحت مضاءة بالكهرباء، ومنذ أن تجمّد الناس في منازلهم الإسمنتية، وأصبح هدير مكيفاتهم وأصوات التلفاز أعلى من أصواتهن. بكثير من الدقة حدث ذلك، عندما انطفأ التأمل ومات الخيال".

تطرح الكاتبة أيضاً في السياق نفسه، كيفية تفاعل الناس مع هذا التطور، إذ تروي "عليا" ذكرياتها وهي طفلة عن أول مسلسل مكسيكي عرض على التلفاز، وكيف ترك تأثيره على الجميع، وتسرد "ريّا" صعوبات تعوّدها على حياة المدينة بعد أن تركت قريتها وصارت سيدة من سيدات المدينة "ولم تعد تعرف نفسها".

هكذا، تتولى السندريلات الثمانية في عرض قصصهن وحكاياتهن، ليصل الدور في النهاية إلى "زبيدة" التي تروي قصة عمتها التي أصابها ألزهايمر فنسيت كل الحكايات وجفّ بئرها، وتحوّل ذلك إلى كابوس يطارد ابنة أخيها، فقررت أن تلجأ إلى كتابة قصص السندريلات صديقاتها، فالكتابة هي ما سيحمي الحكايات من الضياع، والبئر من الجفاف.

"امتد رقصي حتى ساعات الفجر الأولى، وأنا أصرخ لكل الأمراء الذين راقصوني، متعمّدة ألا أفلت فردة حذائي هذه المرة: إن بئر جنياتي ممتلئ الآن يا عمتي... ولن أجف... لن أجف".

هدى حمد كاتبة عمانية، صدرت لها ثلاث مجموعات قصصية، حازت عن أول رواياتها "الأشياء ليست في أماكنها" المركز الأول في مسابقة الشارقة للإبداع العربي، وجائزة جمعية الكتاب والأدباء كأفضل إصدار لعام 2009. أنجزت ثاني رواياتها "التي تعدّ السلالم" ضمن محترف نجوى بركات لكتابة الرواية، و"سندريلات مسقط" هي روايتها الثالثة.

الناشر: دار الآداب/ بيروت

عدد الصفحات: 160

الطبعة الأولى: 2016

يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard