شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
سعاد حسني

سعاد حسني "السندريلا" التي لم تلبس فستان الفرح

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 16 مايو 201702:28 م

"وَقَف الشريط في وضع ثابت، دلوقتي نقدر نفحص المنظر، مافيش ولا تفصيلة غابت، وكل شئ بيقول وبيعبر...". هذا المقطع من قصيدة "أنغام سبتمبرية" لصلاح جاهين، ألقته سعاد حسني بصوتها، وكأنها تطلب منا أن نتأمل شريط حياتها كاملاً، بكافة تفاصيله، لا أن نختزله في جزء بسيط منه، هو مشهد الوفاة، قتلاً أو انتحاراً، كما اعتادت وسائل الإعلام أن تتساءل في ذكرى سعاد حسني. المشهد لو وسّعنا حدقات عيوننا، فسنجده غنياً، ففيه:

الكفاح

سعاد محمد كمال حسني البابا، ولدت في 26 يناير 1943، لأب سوري، يعمل (خطاطاً عربياً)، انتقل من الشام إلى القاهرة عام 1912، وعين في المعهد الملكي للخط العربي وحصل على الجنسية المصرية عام 1956. مصلحة الأحوال المدنية المصرية، تشير إلى أن سعاد ولدت في شارع الفوالة بحي عابدين في القاهرة،  في حين أن البعض يقول إنها ولدت في سوريا، بحسب كتاب "القصة الكاملة لسندريلا الشاشة العربية، سعاد حسني" لندى إسماعيل. الأب كان مزواجاً، وله من الأبناء 16، من بينهم سعاد، ونجاة، الفنانة المعروفة، الأخت غير الشقيقة لسعاد، وابنة خالتها في الوقت نفسه، بحسب كتاب "سعاد حسني: بعيداً عن الوطن... ذكريات وحكايات" لعصام عبدالصمد. انفصلت الأم عن الأب، وسعاد صغيرة، لتتربى في منزل عبد المنعم حافظ، زوج والدتها، الذي كان يعمل مفتشاً في وزارة المعارف المصرية، وتحرم من دخول المدرسة. وسط هذا الارتباك الاجتماعي، استطاعت سعاد أن تتعلم القراءة والكتابة من زوج أمها، ليعوضها عن التعليم النظامي الذي حرمها أبوها منه، بحصص في المنزل. وأثقلت ذلك بتعلم الرسم من أختها سميرة، والموسيقى من أحمد خيرت زوج أختها، تقول إسماعيل. من هنا تأهلت سعاد لتكون فنانة مشهورة، بل منافسة قوية لفاتن حمامة على لقب أفضل فنانة في تاريخ السينما المصرية. لكن الأمر حسمته الأرقام لصالح فاتن، إذ اختارت لجنة النقاد 8 أفلام لها ضمن أفضل 100 فيلم مصري، في استفتاء النقاد الذي جرى عام 2007. بينما تم اختيار 6 فقط لسعاد، هي: "الزوجة الثانية، القاهرة 30، الكرنك، على من نطلق الرصاص، غروب وشروق، وخللي بالك من زوزو".

ولكن يرى الناقد الفني طارق الشناوي أن الكثيرين يفضلون سعاد على فاتن، وأن التقييم بحسب عدد الأفلام التي اختارتها اللجنة قد يكون ظالماً. واعتبر أن الفن لا يقيّم بالأرقام، فهو مسألة حسية إبداعية لا رقمية.

"ليت المصريين يجمعون على شيء مثلما أجمعوا على حب سعاد حسني" يقول أحد المفكرين عن سندريلا الشاشة
"كاملة الأوصاف" التي تزوجت 4 مرات ولم تلبس يوماً فستان الفرح
لكن المؤكد أن فاتن وسعاد قمتان متنافستان تشبهان عبدالوهاب وأم كلثوم، أو عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش في الغناء، موهبتان تتبادلان القمة، بحسب الوقت والدور. ربما كان العمر الفني لفاتن أكبر، واعتلاء القمة بالنسبة إليها، كان سابقاً لظهور سعاد، التي كانت نجمة مصر الأولى في الستينيات، خصوصاً في النصف الثاني من تلك الحقبة، التي ابتعدت فيها فاتن عن مصر، لأكثر من 4 سنوات.

العبقرية

سعاد التي لم تلتحق بالمدرسة، وصفها الشاعر السعودي غازي القصيبي، في قصيدة باسمها، بأنها كاملة الأوصاف: سعاد! يا سعادْ! يا أنتِ! يا كاملة الأوصاف! كان أول أدوارها باللغة العربية الفصحى، حين جسدت شخصية "أوفيليا" في مسرحية "هاملت" لشكسبير، التي قدمها إليها الشاعر عبدالرحمن الخميسي، الذي كانت تربطه صداقة بزوج أمها. كان ذلك عام 1958، بعد تجارب غنائية مع فرق الأطفال في برنامج "بابا شارو"، منذ أن كان عمرها عامين ونصف العام:

بعد دورها في "هاملت" رشحها الخميسي للمخرج هنري بركات لتقوم بدور البطولة في أول أفلامها "حسن ونعيمة" عام 1959، وكان عمرها 16 عاماً.

كانت كاملة، فمثلت بالفصحى في فيلم القادسية:

وتجيد الرقص:

والغناء:

وهو ما يراه طارق الشناوي في صالحها، إذا دخلت في منافسة مع غيرها من الفنانات، اللواتي لا يجدن إلا التمثيل. فهي، تستطيع الرقص والغناء بشكل مقبول جداً ومحبب للكثيرين، إلى جانب أنها ممثلة بارعة متنوعة في أدوارها، بين الفتاة الفلاحة، في "حسن ونعيمة":

والأرستقراطية في "غروب وشروق":

والمجتهدة المثالية، ابنة الراقصة الشعبية، في خلي بالك من زوزو:

والقروية التي تضطر إلى بيع جسدها، بعد غياب أخيها، وغدر حبيبها، في "شفيقة ومتولي":

والأرملة الملتاعة التي تنافس ابنتها على الحب، في "الراعي والنساء":

وغيرها من الأدوار المركبة والمعقدة- بحسب الشناوي. في كتابه "شخصيات مصرية فذة"، اختار المفكر المصري، جلال أمين، سعاد حسني، واحدة من أكثر المصريين تأثيراً، إلى جانب مفكرين وعباقرة آخرين. وقال عنها: "ليت المصريين يجمعون على شيء مثلما أجمعوا على حب سعاد حسني"، مبدياً إعجابه بنجاحها في أشياء كثيرة، منها كسبها لصداقة كوكبة من المثقفين أبهرتهم بموهبتها، مثل صلاح جاهين، أحمد بهاء الدين، صلاح الدين حافظ، حسن فؤاد... وغيرهم. بالإضافة إلى كبار المخرجين والمؤلفين والموسيقيين، وعلى رأسهم كمال الطويل، الذي لحن لها غالبية أغانيها، من شدة إعجابه بصوتها. كمال الطويل كان الشريك الثاني لمحمد الموجي، في إنتاج أفضل ما غنى عبدالحليم حافظ في السنوات العشر الأولى من مشواره الفني. لكن علاقتها بصلاح جاهين كانت مختلفة، فكان والدها الروحي، كما كانت تقول. وربما كان سبب ذلك تشابه روحيهما، فكلاهما قادر على إشاعة البهجة بين المحيطين به، رغم كآبته الداخلية، بحسب الروائي إبراهيم عبدالمجيد. أكثر أغاني سعاد حسني بهجة، كانت تلك التي كتبها صلاح جاهين، مثل "بمبي، يا واد يا تقيل، أغاني مسلسل هو وهي". وحين يسمع المصريون هذه الأغنية التي كتبها جاهين، ولحنها كمال الطويل، يعرفون أن شم النسيم على الأبواب:


السندريلا "أخت القمر"

الجميلة الطاغية الحضور، هي الصورة الذهنية التي نُقشت في عقول وقلوب محبي سعاد حسني، الذين يلقبونها بـ"السندريلا" و"أخت القمر"، وهما لقبان أطلقا عليها لجمالها وذكائها، اللذين جعلاها تتغلب على بساطة نشأتها، وتصل إلى المجد. وربما كانت تلك الصورة هي التي قتلتها قبل وفاتها بعشر سنوات، حين قررت الابتعاد عن التمثيل منذ عام 1991، بعد فيلم "الراعي والنساء"، الذي كرمت عن دورها فيه كأحسن ممثلة، من جمعية فن السينما، ومهرجان الإسكندرية السينمائي. يقول جلال أمين إن سعاد أصيبت بمشاكل صحية تتعلق بعمودها الفقري، وأرهقها هذا الأمر مالياً وبدنياً، وجعل الشيب يداهمها مبكراً، فكانت تخجل من الذهاب إلى الطبيب إلا ليلاً، كي لا يراها الجمهور وقد نال المرض من رشاقتها وجمالها. لذا قررت السفر والاستقرار في لندن، حتى توفيت في عام 2001. ويرجح أن تكون قد انتحرت بالفعل كما ذكرت الرواية الرسمية، إذ كانت وصلت لدرجة عالية من البدانة، وكانت مسرفة في تناول المهدئات، نظراً للاكتئاب الشديد الذي كانت تعانيه، خصوصاً أنها كانت في عمر تحتاج فيه إلى الحنان وتشعر فيه بالوحدة، بعد 4 زيجات رسمية من المخرج والمصور صلاح كريم، والمخرج علي بدرخان، والممثل والمخرج زكي فطين عبدالوهاب، والسيناريست ماهر عواد. وأخرى غير رسمية ومشكوك في صحتها، من الفنان عبدالحليم حافظ. وفي كل تلك الزيجات لم تلبس فستان زفاف، ولم تنجب، رغم حملها المتكرر أثناء ارتباطها بعلي بدرخان، بحسب جلال أمين.

السياسة؟

بعد ثورة 25 يناير، نشطت الأقاويل حول علاقة سعاد حسني بالسياسة، وتجنيدها لصالح المخابرات المصرية، من قبل صفوت الشريف، وزير الإعلام المصري الأسبق، وضابط المخابرات في عهد جمال عبدالناصر، بعد أن صور لها فيلماً جنسياً مع عميل للمخابرات المصرية، ليهددها به إذا رفضت التعاون. وعزز هذه الادعاءات ما ذكرته "جانجاه"، أخت سعاد حسني غير الشقيقة، التي نشرت ما زعمت أنه مذكرات السندريلا، وألمحت فيه إلى أن صفوت هو المسؤول عن قتلها. ونشرت عقد زواجها العرفي من عبدالحليم حافظ، الذي نفى ورثة العندليب صحته. ويتساءل الفنان سمير صبري عن سر انتشار تلك الروايات عقب ثورة 25 يناير، وما إن كان للأمر علاقة بطبيعة الفترة التي كان يتغير خلالها النظام السياسي في مصر. وأشار إلى أنه سافر إلى لندن عقب وفاة سعاد، وأجرى تحقيقاً تليفزيونياً مطولاً حول موتها، ولم يصل إلى نتيجة ترجح قتلها بفعل فاعل من الأساس. مضيفاً أن غالبية المؤشرات تؤكد أنها انتحرت. كانت تدرك أن حياتها قد أوشكت على الانتهاء، وقالت لطبيبها عصام عبدالصمد، أثناء إقامتها في لندن: "لو مت عاوزاك لما تسافر مصر تبقى تزور قبري، وتكتب كتاب عني، علشان أنا عارفة مدى صدقك وصراحتك ومش هاتقول غير الحق"، بحسب كتاب "سعاد حسني: بعيداً عن الوطن... ذكريات وحكايات" لعصام عبدالصمد. سنة 1999، سجلت سعاد حسني لهيئة الإذاعة البريطانية BBC قصيدة "أنغام سبتمبرية" باللهجة العامية المصرية، لأبيها الروحي صلاح جاهين، وأهدتها أيضاً للإذاعة المصرية. وفي التسجيل، يتضح الإرهاق والاكتئاب المسيطران على صوتها، بالإضافة إلى كآبة القصيدة، التي كانت آخر ما سجلت
الروائي إبراهيم عبدالمجيد، يقول إن اكتئاب سعاد في آخر أيامها كان أمراً طبيعياً، فقد وجدت نفسها في عالم يدعوها بكل ما فيه إلى الحنين لعالمها القديم، لعبدالحليم حافظ وصلاح جاهين.

فكانت دائماً في كل أدوارها تبدو كعروس، لكنها وجدت نفسها في آخر أيامها بلا عريس. تغير الزمن في ألفيته الجديدة، وتصدر ضعاف القيمة وصغار القامة الواجهة، وأصبح البيزنس حاكماً لكل شيء، وقبعت سعاد في منفاها "الاختياري الإجباري" بلندن، تعاني التجاهل والمرض والاكتئاب، فكان الحل أمامها ربما مغادرة هذا العالم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard