شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
قوائم

قوائم "البيست سيللر" في مصر... تسطيح للأدب أم خطوة إلى الأمام؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 15 يونيو 201611:20 م

عام 1950، ظهرت حركة سُميت في ما بعد بـ"البوب آرت" Pop Art، وكانت ردّة فعل على فن ما بعد الحداثة الذي اعتبره أنصارها بأنه نخبوي ومعقد، فاعتمدوا في فنهم الجديد على استخراج الموروث الشعبي واستخدامه، حتى يصل إلى كل الناس لا إلى فئة صغيرة فحسب. ومنذ ذلك الوقت تمت التفرقة بين الأدب الشعبي الذي همه الانتشار والتسلية والإثارة، مثل كتب أجاثا كريستي وبين الأدب النخبوي أو الأدب الرفيع كما يسميه البعض.

في مصر سارت الأمور على النحو نفسه تقريباً. كانت هناك الكتب الخفيفة لنبيل فاروق وأحمد خالد توفيق والتي عُدت خطوة لا بد أن يمر بها القراء في رحلتهم للوصول إلى كتب الأدباء الكبار مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهما.

وبعد ثورة 25 يناير ظهرت على الساحة الثقافية قوائم "البيست سيللر" Best Seller وهي عبارة عن قوائم تضعها المكتبات الكبرى مثل "الشروق" و"ديوان" وسواهما وترتب فيها الكتب الأكثر رواجاً وفقاً لكَّم مبيعاتها. هنا لعبت منافذ البيع دوراً غير محايد إذ رشحت بشكل غير مباشر كتب "البيست سيللر" للقراء باعتبارها الأفضل لأنها الأكثر مبيعاً.

في الغالب تحتل الكتب "الخفيفة" رأس قوائم "البيست سيللر". وهذا ما استغلته دور النشر كما يرى بعض المثقفين، إذ لعبت دوراً "خطيراً" في الدفع بهذه النوعية من الكتب إلى السوق من أجل تحقيق المكاسب المادية وطرحتها بديلاً من كتب الأدب الجاد. وهذا ما أدى إلى تسطيح الثقافة بشكل عام. وفي الوقت الذي يمتلك نجوم "البيست سيللر" القدرة على منافسة أكبر الأسماء في عالم الأدب، يرفضون تصنيف كتبهم كأدب خفيف، مما عرضهم لهجوم ضارٍ داخل أوساط المثقفين الذين اعتبروا أن انتشار روايات ـ يعتبرها البعض رديئة ـ مثل "الفيل الأزرق" لأحمد مراد أو "هيبتا" لمحمد صادق يعد تسفيهاً وتسطيحاً لمفهوم الأدب.

الرواية موضة العصر

يرى صبحي موسى، الروائي ومدير تحرير مجلة "الثقافة الجديدة"، أن ظاهرة "البيست سيللر" ليست جديدة على المجتمع المصري، وأن الفرق هو فقط في نوعية الكتب الموجودة على قائمة الأكثر مبيعاً. فقديماً كانت دواوين فاروق جويدة وكتب مصطفى محمود وأنيس منصور هي الكتب التي يقبل عليها شباب الجامعات لأنها الأيسر والأسهل، وبمثابة جسر ناقل للشباب مما وصفه بالمراهقة الثقافية إلى الثقافة الأكثر جدية. أما الآن، فصارت الرواية هي رمزاً لـ"البيست سيللر"، وأصبحت موضة للعصر، وتتحقق فيها الوصفات السريعة المسلية والسهلة والمدهشة أحياناً، مما يجذب اهتمام جيل الشباب وربات البيوت بقراءتها.

ويضيف صاحب "الموريسكي الأخير" لرصيف22 أن انتشار كتابات "البيست سيللر" دلالة على وجود مجتمع حي ونابض يتجه لقراءة الأدب، وانعدامها يعني أن طاقة القراء سوف تتوجه للقراءات الدينيه أو الصحافية. ويعتبر أن هذه الكتابات تؤدي وظيفة مهمة إذ تلعب دور السلّم الذي يعبر عليه القارئ للتعرف على كتابة أكثر عمقاً.

ويؤكد صاحب "صمت الكهنة" أن ظاهرة "البيست سيللر" أحدثت رواجاً في توزيع الكتب، وأطلقت منافسة كبيرة بين دور النشر على طباعة أعمال قادرة على تحقيق مبيعات عالية، وأعمال أخرى قادرة على حصد الجوائز، ويضيف: "هذه المنافسة تصب في مصلحة الكتاب على مختلف توجهاتهم".

تحايل دور النشر

يتفق مع هذا الرأي الروائي سامح فايز الذي يحضّر لمشروع كتاب عن ظاهرة "البيست سيللر". وقال إنه ضد اتهام كتب "البيست سيللر" بتسطيح مفهوم الأدب، إذ تطور النظرة إلى الأدب متعلق بمنظومة الثقافة كاملةً، ومن الصعب أن يؤثر فيها مجرد صدور كتاب أو حتى مئة كتاب.

ويرى صاحب "جحر السبع" أن بروز مثل هذه الظاهرة في الوقت الحالي ليس له علاقة بخلطة "الدين، السياسة، الجنس" التي كان ينتهجها بعض الكتاب في الماضي، وأن هناك تحايلاً كبيراً تقوم به دور النشر من خلال تزييف عدد الطبعات والنسخ، هذا إلى جانب الحسومات الكبيرة التي تقدمها الدور للمكتبات لتدفع بكتبها إلى قائمة الأعلى مبيعاً.

ويؤكد فايز أن نوعية كتب "البيست سيللر" خارج مصر، خاصةً في دول أمريكا اللاتينية، تختلف تماماً عن مثيلتها في القاهرة، وهذا يرجع إلى اختلاف المجتمعات واختلاف الثقافة، فمثلاً من الإجحاف أن نجمع بين كتب غابرييل غارسيا ماركيز التي تحقق أعلى المبيعات في بلاده وبين "الغث" الذي يملأ رفوف المكتبات، وكل همه الانتشار والتمدد فقط.

أدب من أجل التسلية

وقال الروائي والمترجم أحمد عبد اللطيف لرصيف22: ليست هناك مشكلة في وجود ما يعرف بالأدب الخفيف أو "البوب آرت"، فهذه النوعية من الأدب كانت منتشرة منذ وقت طويل داخل مصر، وأبرز التجارب ذات الصلة كانت للدكتور نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق. وأضاف أن هذه الكتب كانت تلاقي ترحيباً كبيراً من القراء.

وأوضح صاحب "إلياس" أن كتب البوب آرت معروف عنها أنها "أدب من أجل التسلية"، وأنها مهمة لكونها خطوة للانتقال إلى قراءة الأدب الرفيع، لا للمساواة معها. وأكّد أنه بعد ثورة 25 يناير انتشرت "الكتابات الخفيفة". لكن هذه ليست المشكلة، المشكلة تكمن في عدم إدراك كُتّابها أو قرائها بأنها خفيفة، ويرجع هذا لدور النشر التي تقدمها باعتبارها كتباً مهمة، إلى جانب تلميع الصحافة قوائم "البيست سيللر"، وغياب كتابة نقدية قادرة على التصنيف والتفرقة بين أدب خفيف يهتم بالانتشار والتسلية، وبين أدب يبحث عن الذات، ويهتم بالموروث الإنساني، ويعيد اكتشافه.

هجوم غير موضوعي

أما مصطفى الفرماوي، مدير مكتبات دار الشروق، فقال: "إن اتهام الكتب التي تحقق أعلى المبيعات - أو ما يطلق عليها "البيست سيللر" - بالرداءة هو اتهام غير موضوعي". ويضيف أن هذه الكتب قد لا تكون الأفضل، لكنها ليست بالضرورة رديئة، والدليل على ذلك رواجها وارتفاع مبيعاتها.

في الوقت نفسه، رأى الفرماوي أن وجود كتاب دون غيره على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً يرجع لبضعة عوامل، أولها قدرة الكُتَّاب الشباب على التسويق لكتابتهم داخل الوسط الثقافي واعتمادهم في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك. علماً أن اعتماد البعض على الكتابة بلغة الشباب يجعل الإقبال أكبر على كتبهم، التي تكون في الأغلب من الأدب الساخر أو روايات الفانتازيا.

وعن الآراء التي تفسر انتشار كتب بعينها بوجود خلطة معينة فيها تحتوي على ثلاثية "الجنس، الدين، السياسة" يجيب الفرماوي بأن روايات مثل "هيبتا" أو "الفيل الأزرق" أو "1919" للكاتب أحمد مراد لا تحتوي على مثل هذه الخلطة، ويضيف أن كتب أحمد خالد توفيق حققت أعلى المبيعات، رغم أنها بعيدة تماماً عن هذه الخلطة.

ويلفت إلى أن الهجوم الكبير على كتب "البيست سيللر" ليس في محله، خاصة أن انتشار مثل هذه الكتب له وظيفة مهمة هي تشجيع الشباب على القراءة. عدا أن الكتاب الرديء يصير مجرد ظاهرة تلمع فجأة وتختفي فجأة.

أما عن الاتهامات الموجهة إلى دور النشر بالتعامل مع نشر الكتب كتجارة، مما يؤدي إلى تسطيح مفهوم الأدب، فيرد الفرماوي بأن دار الشروق تفرض معايير كثيرة لنشر كتاب دون غيره، كما أن الكتاب الجيد يفرض نفسه، ويضيف أنهم حريصون طوال الوقت داخل مكتبات الشروق على وضع قائمة ترشيحات للقراء، تضم كتباً لكتاب كبار مثل نجيب محفوظ، وغيرها من الكتب "الدسمة".

نشر الموضوع على الموقع في 28.03.2015


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard