شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
محمود درويش في بيتنا

محمود درويش في بيتنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 19 فبراير 201501:10 م

في اليوم التالي لوفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش خطرت فكرة إنجاز مسلسل تلفزيوني عن حياته في بال أكثر من مخرج وكاتب ومنتج وممثل من صنّاع الدراما السورية وفرسانها، وكأن العائق الوحيد أمام فكرة تنفيذ مسلسل عن حياته كانت حياته نفسها...

غرَّد المهتمون بأفكارهم علناً، وتهافت المنتجون على الكتّاب يعرضون الفكرة الجهنمية، وتهافت الكتّاب أيضاً على المنتجين والمخرجين عارضين فكرتهم الجهنمية، بل حتى أن مدراء الإنتاج خطرت في بالهم هذه الفكرة، وبالطبع فإن بعض الممثلين ممن يمكن للمكياج أن يحولهم إلى محمود درويش حسب وجهة نظرهم فكروا بالأمر أيضاً، أما الجمهور فهو الوحيد الذي جلس يفكر بمن سيلعب الدور، واستخلصوا نتيجة تتبنى إسمين أو ثلاثة من الممثلين المعروفين.

لكن الأمور لم تشتعل إلا عندما أعلن الممثل وصاحب شركة إنتاج تلفزيونية فراس ابراهيم عن تحضيره للمشروع، ولم يكتف بالإعلان عن إنتاجه، بل وتعدى ذلك بالإعلان عن قبوله للعب دور محمود درويش، لكن كيف؟ تساءل الجميع، وظهرت الأصوات التي تطالب بمنعه من ارتكاب هذا الدور، وصارت قضية محمود درويش وفراس ابراهيم قضية عامة تدخلت فيها الفصائل الفلسطينية النائمة حتى.

لم يثنِ هذا من عزم فراس ابراهيم الذي استنجد بكاتب ملتزم جاهز دائماً للكتابة، ومخرج فانتازي لم يسمع بمحمود درويش أساساً، وانطلقت عجلة التصوير، فراس ابراهيم بدور محمود درويش، والكاتب الكبير موافق، والمخرج الأكبر موافق، والجمهور غير موافق…

في عز الهياج الجماهيري ضد المسلسل جاءتني الدعوة للعب دور ممدوح عدوان فيه، ولم أوافق، أولاً لأنني لستُ ممثلاً تلفزيونياً محترفاً، وبالتالي لستُ مضطراً للعمل دائماً، وثانياً لأن المشاركة في مسلسل محكوم عليه بالفشل الذريع مقامرة لا معنى لها.

سألني صديقي أدهم مرشد لماذا لم أوافق، فأجبت: لأنني سأكون أول من يكتب عن المسلسل إذا ما لعبتُ دور ممدوح عدوان فيه وأقول: هيك محمود درويش بدُّه هيك ممدوح عدوان، وضحك أدهم للفكرة، بل وطلب مني لعب الدور كي أكتب هذه الجملة، المهم ما لكم بالطويلة اعتذرنا عن المشاركة، فطلبوا مني لعب دور الشاعر سليم بركات، لكني اعتذرتُ أيضاً، فطلبوا مني أن يصوروا مشاهد في بيتي ليوم كامل على أنه بيت أحد الشعراء الفلسطينيين المقيمين في أمريكا وهو الشاعر راشد الحسين.

قلنا ماشي الحال، نقبض أجرة التصوير دون مغبة المشاركة، وبالفعل اتفقنا على أن يصوروا يوماً في بيتي، ولكنهم جاؤوا بالصدفة في اليوم الذي كنتُ فيه عند أمي في الشمال بكفر جنة. استقبلتهم زوجتي اللاتفية التي لا تعرف العربية، وبدأوا بنصب عدتهم أمام ناظريها مستعينين بها وهم يضعون اللمسات على الديكور...

أول المفاجآت كانت أنهم لم يعثروا على كتب كثيرة في بيتي، كانت المكتبة تحتوي بمعظمها على كتب إنكليزية ولاتفية تعود ملكيتها لزوجتنا المثقفة، لم تكن الكتب العربية بكافية لديكور منزل شاعر فقرروا وضع كتب إنكليزية أيضاً في خلفية المشهد على اعتبار أنه يعيش في أمريكا على الرغم من كونه لا يقرأ بالإنكليزية ربما، ولم يوافق المخرج على عدد الكتب فوضعوا الكتب اللاتفية أيضاً معها.

نبهتهم زوجتي أن هذه الكتب لاتفية، لكن مدير الإنتاج أشار لها بيده “أنو متل بعضها”. كان أندريه سكاف هو الذي يلعب دور الشاعر راشد الحسين بالترافق مع سبعة أدوار أخرى يلعبها في ذلك الموسم في مسلسلات كوميدية مختلفة، وفي مشهد يتحدث فيه الشاعر على التليفون مع الشاعر محمود درويش يقترح سكاف أن يلعب بإحدى كاسيتاتي ويخرج الشريط من قلبها ويكرُّه. أعجب المخرج بالحل الإخراجي الذي قدمه الممثل الكوميدي، بينما لم تعجب زوجتي به، قالت له: هذا كاسيت كردي نادر فلماذا تعبث به هكذا؟! لكن أحداً لم يفهم على لغتها الإنكليزية، فيأست وتابعت التفرج على المجزرة التي ترتكب بحق إحدى كاسيتاتي وهي تفكر بالمعنى الرهيب من هذه الحركة الفنية.

عندما خرجوا جلست لتعيد الشريط المكرور إلى مكانه في قلب الكاسيت بدأب وهي ترد على التليفون.

عُرِضَ المسلسل في رمضان، وكان الجميع بانتظار الشراسة النقدية التي ستطاله، لكن الدنيا حظوظ، ولعل حظ صنَّاع هذا المسلسل كان بأن عرضه تم في أول رمضان بعد اندلاع الثورة السورية، ولم يعد هناك من يهتم لهذا الموضوع بنسبة أقل من عشرة بالمائة، ولمَ لا، فالبلاد كانت تنهب وتدمر وتسرق بكاملها، ولم يعد الأمر مقتصراً على محمود درويش.

الآن نسي الجميع المسلسل، وزوجتي تقول لي إن الشاعر الفلسطيني المقيم في أمريكا، وهي تقصد راشد الحسين قُتِلَ في شقته بنيويورك التي أحرقوها أيضاً... سألتها عن أي شاعر تتحدث؟ أجابت بعفوية: الذي أفسد لك الكاسيت.


فقلتُ لها ودمع العين يسبقني: “أتذكرين إذن. أتذكرين فراس ابراهيم عندما قام بدور محمود درويش!..أتذكرين فجاوبتني بالإنكليزية ودمع العين ينهملُ: “لا والله ..لكنني كلما ذكروا محمود درويش أمامي أتذكر فراس ابراهيم”.!


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard