شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
العلاقات الإسرائيلية المغربية: أعداء في العلن، أصدقاء في السر

العلاقات الإسرائيلية المغربية: أعداء في العلن، أصدقاء في السر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 8 نوفمبر 201608:04 م
شهدت العلاقات الإسرائيلية - المغربية موجة من الصعود والهبوط، بحسب الوضع الإقليمي، والشخصية الحاكمة في المغرب. فنشأت بين البلدين علاقات تباينت في درجاتها بين العلنية والسرية. عام 1948، بعد إعلان تأسيس دولة إسرائيل، ألقى الملك محمد الخامس خطاباً شديد اللهجة، هاجم فيه الصهيونية وإسرائيل. وعلى الرغم من أن المغرب حينذاك، كان تحت الحماية الفرنسية، وغير قادر على تبني سياسات مستقلة، إلا أن مجموعة كبيرة من المتطوعين المسلمين المغاربة، انضموا إلى القوات العربية التي تقاتل في حرب 1948. عام 1956 حصلت المغرب على استقلالها عن فرنسا، فكانت أولى الخطوات التي اتخذتها الحكومة الجديدة، الحد من هجرة يهود المغرب لإسرائيل. وبعد نحو عام، حظرت المغرب، بشكل نهائي، الأنشطة الصهيونية على أراضيها. ما دفع الحركة الصهيونية السرية في المغرب، إلى إدارة عمليات التهريب وتهجير اليهود بشكل سري تحت رعاية وتوجيه الموساد. عام 1961، بعد غرق السفينة "إيغوز"، وانتقال السلطة من الملك محمد الخامس إلى ابنه حسن الثاني، جرت مفاوضات سرية بين إسرائيل والمغرب، وتوصل الجانبان إلى اتفاق للسماح بهجرة يهود المغرب. وبمقتضاه تحصل الرباط على 250 دولاراً عن كل يهودي تسمح له بالهجرة إلى إسرائيل، كما تلتزم الأخيرة بمساعدة المغرب على تطوير أجهزتها الأمنية. وكانت سفينة "إيغوز" تحمل المهاجرين اليهود من المغرب إلى إسرائيل. استأجرها الموساد الإسرائيلي عام 1960، وحملت على متن كل رحلاتها بين 40-50 من اليهود المهربين من المغرب إلى إسرائيل. في 10 يناير 1961، أبحرت إيغوز من ميناء الحسيمة المغربي في رحلتها الـ13 مع 44 من المهاجرين اليهود على متنها. لكن المهاجرين غرقوا، وتم إنقاذ ثلاثة من أفراد الطاقم، وانتشال 22 جثة، في حين ضاعت بقية الجثث في البحر. منذ ذلك الحين، بدأت المغرب وإسرائيل في تأسيس علاقات سرية بينهما، وهو ما اتضح في فضيحة "بن بركة". ففي 29 أكتوبر 1965، اختطف الناشط السياسي في المعارضة المغربية بفرنسا مهدي بن بركة وقتل. لكن ما كشفته التحقيقات والوثائق بعد ذلك، وتسبب في أزمة بين إسرائيل وفرنسا، هو أن الموساد الإسرائيلي هو الذي أمد أجهزة الأمن المغربية بالمعلومات عن المكان الذي يقيم فيه بن بركة. وشهد منتصف الستينيات ذروة استفادة إسرائيل أمنياً من التعاون مع المغرب. إذ تقول وسائل إعلام إسرائيلية إن العاهل المغربي الملك الحسن الثاني ساعد إسرائيل في التجسس على القمة العربية التي انعقدت في المغرب عام 1965. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية شلومو غازيت، قوله إن المغرب مكن إسرائيل من تسجيلات قمة عربية استضافها عام 1965. ما هيأ لها سبل الانتصار في حرب 1967. وأضاف غازيت أن خلية من الاستخبارات الإسرائيلية زارت المغرب قبل موعد القمة بتنسيق مع النظام المغربي، فأمر ملك المغرب بتخصيص جناحٍ كامل من الفندق المقرر عقد القمة فيه، لرجال الموساد الإسرائيلي، ليتمكنوا من توثيق وقائع المؤتمر. لكنه في اللحظة الأخيرة، أصدر تعليماته بإلغاء الخطّة، خشية اكتشاف أمر إقامة رئيس الموساد مئير عميت ورجاله في الفندق، وبعدها مباشرة تسلم الموساد كل التسجيلات لما دار في القمة.

الوساطة بين مصر وإسرائيل

كان للمغرب دور مهم في جهود الوساطة بين مصر وإسرائيل على مدار سنوات طويلة، بالإضافة إلى وساطتها بين إسرائيل والفلسطينيين. وكجزء من جهود هذه الوساطة، كان المغرب في طليعة الدول العربية التي سمحت للمسؤولين الإسرائيليين بزيارتها سواء بشكل سري أو علني. في 22 يوليو 1986، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز المغرب، والتقى الملك الحسن الثاني في مدينة إفران السياحية. وعام 1995، وبعد اتفاق أوسلو، تأسست العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين. لكن عام 2000، بعد أحداث الانتفاضة الثانية، قطع المغرب العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع إسرائيل. وتقول صحيفة هآرتس العبرية حول وساطة المغرب في عملية السلام مع إسرائيل، إن رئيس الموساد الإسرائيلي آنذاك إسحاق حوفي، كان يتصرف في المغرب وكأنه في بيته، فكان يلتقي سفير السادات للمهمات الخاصة، محمد حسن التهامي، هناك. وذكر مركز إسحاق رابين للدراسات السياسية والاستراتيجية أن إسحاق رابين زار المغرب سراً عام 1976، وكانت هذه أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى دولة عربية. وناقش مع الملك المغربي سبل دفع عملية السلام مع الدول العربية.
تقرير مفصل يشرح العلاقة "شبه الوطيدة" بين المغرب وإسرائيل
ويشير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إلى أن رابين كان فضولياً بشأن قدرة المغرب على إعادة إطلاق الحوار المصري الإسرائيلي. وأضاف أنه بعد لقاء رابين مع الملك المغربي، استضافت الرباط  محادثات سرية بين وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه دايان، ومستشار الأمن القومي المصري حسن التهامي. وهذا ما مهدّ لزيارة الرئيس أنور السادات لإسرائيل، وتابع أن الملك حافظ على الدعم العام للسادات إلى حين اصطفاف الإجماع العربي ضد الزعيم المصري، بعد اتفاقات كامب ديفيد، ما أرغم الرباط على الانصياع. وبحسب موقع "المجموعة الإسرائيلية للديبلوماسية" فقد سافر ديان إلى المغرب، وهو يرتدي زياً تنكرياً لإقناع العاهل المغربي بإتمام هذا اللقاء.

علاقات عسكرية

على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين المغرب وإسرائيل، إلا أن التعاون الأمني والاستخباراتي بين الجانبين لم يتوقف، بحسب ما ذكرت القناة الثانية الإسرائيلية. فتشير إلى أن إسرائيل باعت للمغرب معدات عسكرية تضمنت منظومات حرب إلكترونية واتصالات ومراكز تحكم، لافتةً إلى أن هذا الأمر يحدث بصورة مستمرة. وأوضحت القناة الإسرائيلية أن تل أبيب باعت للرباط أيضاً 3 طائرات بدون طيار من طراز هيرون. وتم تسليم الطائرات للجيش الفرنسي، ومن هناك نُقلت إلى المغرب، وتم دهنها بألوان الجيش المغربي. وباعت المغرب أيضاً معدات عسكرية للطيارين. في يناير 2000 التقى وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك دافيد ليفي الملك محمد السادس في المغرب، وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إن العلاقات بين البلدين سوف تزيد. وعام 2009، نشرت صحيفة "هاآرتس" العبرية، تقريراً قالت فيه إنه على الرغم من قطع العلاقات العلنية مع إسرائيل، إلا أن الملك محمد السادس حافظ على استمرارية تلك العلاقات سراً مع تل أبيب، سواء عن طريق مستشار أبيه للشؤون الإسرائيلية أندريه أزولاي، أو عن طريق رئيس الطائفة اليهودية في المغرب، سيرجي برديجو.

العلاقات الاقتصادية

في تسعينيات القرن الماضي، ومع تأسيس العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، كانت هناك علاقات تجارية علنية بين البلدين. عام 1994 قدر معهد الصادرات الإسرائيلي حجم الصادرات الإسرائيلية في مجال الزراعة والهاي تك، إلى المغرب بنحو 220 مليون دولار في العام. وفي عام 2000 عقب قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أصدر اتحاد الصناعات الإسرائيلي تقريراً عن حجم العلاقات الاقتصادية، التي كانت قائمة بين البلدين، قال فيه إن المغرب من أقرب الأصدقاء لإٍسرائيل. إذ قفز حجم الواردات الإسرائيلية من المغرب بنحو 62%، ووصل إلى 830 ألف دولار في السنة. لكن مع قطع العلاقات الدبلوماسية ووقف التبادل التجاري العلني بين البلدين، تراجع حجم الصادرات الإسرائيلية للمغرب، وفي عام 2012 وصل حجم الصادرات الإسرائيلية للمغرب إلى نحو 12 مليون دولار. وعام 2012، وعلى خلفية ثورات الربيع العربي، وتراجع السياحة الإسرائيلية المتجهة نحو مصر وتونس، قال الدكتور يحيئيل حمو، مدير شركة "مروكو تور" للسياحة، إن عدد السياح الإسرائيليين الذين يتجهون إلى المغرب يراوح بين 10 و13 ألف سائح سنوياً.

العلاقات اليوم

في عام 2013، تم طرح مشروع قانون على البرلمان المغربي يجرم التطبيع مع إسرائيل. وينص على معاقبة كل من يساهم أو يشارك في التطبيع مع إسرائيل أو يحاول ارتكابه، بعقوبة حبس تراوح بين سنتين وخمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية. ويقول معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن حزب العدالة والتنمية الإسلامي دعم مشروع قانون تجريم التطبيع وقطع العلاقات مع إسرائيل لأنه يحقق له عدة أمور، من بينها السماح بالظهور كقوة سياسية قادرة على اتخاذ إجراءات جريئة تتحدى القصر. كما حصل مشروع القانون أيضاً على دعم حزب الأصالة والحداثة، وحزب الاستقلال، المحسوبين على الملك. ما يعني أن مشروع القانون حصل على موافقة شخصية من الملك. لكن الأحزاب الأخيرة الموالية للملك، سرعان ما تراجعت عن دعم مشروع القانون، وفشل البرلمان على مدار السنوات التالية في إقراره. مطلع العام الجاري، صوتت المملكة لصالح إسرائيل لرئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة. وعلى الرغم من دعوة  "مجموعة العمل من أجل فلسطين" بالمغرب، حكومة المملكة، ومطالبتها بإصدار توضيح لهذا الأمر، إلا أن الحكومة المغربية لم تعلق على الموضوع. وفي ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، شهدت الأعوام الماضية جدلاً مغربياً بشأن انتشار التمور الإسرائيلية في المغرب، وهذا ما دفع للتساؤل بشأن العلاقات الاقتصادية الخفية بين البلدين. وفي وقت نفت وزارة التجارة الخارجية بالمغرب وجود أي علاقات اقتصادية مع إسرائيل، قدر البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض، مهدي مزواري، قيمة ما يدخل للمغرب من منتجات إسرائيلية بنحو 50 مليون دولار. وقال إنه لا يمكن أن تدخل كل هذه المنتجات عبر التهريب. وفي أغسطس 2015، كشفت قناة i24 الإسرائيلية أن المغرب أرسلت نحو 30 شاباً من اليهود المغاربة إلى إسرائيل، للمشاركة في برنامج يرمي إلى دمجهم داخل المجتمع الإسرائيلي قبل توطينهم في إسرائيل والخدمة في الجيش الإسرائيلي. وأشارت القناة الإسرائيلية إلى أن الشباب حضروا إلى إسرائيل عن طريق روما، للمشاركة في مخيم صيفي لمدة 30 يوماً، تنظمه أكاديمية "عميحاي" ما قبل العسكرية بالتعاون مع الاتحاد الصهيوني الإسرائيلي، ومنظمة الصهيونية العالمية، للتدريب على أساليب القتال الإسرائيلية، تحت الرعاية المباشرة لوزارة الدفاع الإسرائيلية. وقال الخبير في القانون الدولي، والمحلل السياسي المغربي، الدكتور صبري الحو، لرصيف22، إن محددات السياسة الخارجية للمغرب تجاه إسرائيل تحددها خمس ضوابط رئيسية: "أولاً، التضامن المغربي الرسمي والشعبي مع العرب والفلسطينيين، ما فرض عليه المشاركة في الإجماع العربي ضد إسرائيل، والمشاركة في حربي 1967 و1973. وثانياً، اعتماد المغرب مقاربة واقعية ميزته عن بقية العرب، إذ أدرك أن الحل العربي الإسرائيلي لا يمكن أن يكون إلا سلمياً، فتبنى القرارين 142 و338 ومشروع روجنز، وكلها تضمن حق إسرائيل في الوجود والسلم". وأشار إلى أن هذه السياسة اكتسبها المغرب بالنظر إلى بعده الجغرافي عن النزاع وعلاقات الملك الراحل الحسن الثاني الكبرى، التي جعلته الوسيط بين العرب والدول الغربية الكبرى وإسرائيل. واستمر الملك محمد السادس في النهج نفسه، مع فرض دخول الفلسطينيين مع إسرائيل في مفاوضات مباشرة، شجعت المغرب على الموافقة لإسرائيل بفتح مكتب، سرعان ما تم التراجع عنه وإغلاقه. أما المحدد الخامس للسياسة المغربية فهو علاقات الدولة بمواطنيها اليهود الذين يحتفظون بجنسيتهم المغربية. وقال الحو: "بسبب إدراك المغرب للتأثير الكبير الذي تمارسه إسرائيل في صناعة القرار السياسي لدى مجموعة من الدول الكبرى، منها أمريكا، استغل ذلك لمصلحة نزاع الصحراء".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard