شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل تمنع الموسيقى العنف؟

هل تمنع الموسيقى العنف؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 31 مايو 201710:30 م

مع تصاعد حصيلة قتلى "الإرهاب" في العالم العربي في السنوات الماضية، بدأت ترتفع أصوات منادية كثيرة بتعليم هؤلاء الوحوش بعضاً من الفنون الجميلة، كالموسيقى مثلاً، لكي تعالج ما في قلوبهم من علّة وتمنعهم من سفك الدماء. فقال مثلاً المغرد صلاح الراشد على تويتر: "لو كنت مسؤولاً لأمرت بعزف فرقة موسيقية أمام بيت كل محرض على العنف، لحين يتوب، مع الأيام ستطفىء الموسيقى ناره وغضبه وكراهيته وسيعود لرشده". وقال المفكر السعودي تركي الحمد: "من لا يتذوق الموسيقى لا قلب له، ومن لا يقنعه العلم لا عقل له". وكتبت الدكتورة أحلام يونس، رئيسة أكاديمية الفنون في القاهرة: "الموسيقى والفن عموماً، هما خط الدفاع الأول ضد العنف والفكر المتطرف". هذا الادعاء يفترض نقطتين رئيسيّتين، الأولى أن "الإرهاب" يكون عادة مرتبطاً بالتطرف الديني. والثانية أن للفنون دوراً في تهذيب النفس، الذي قد يمنع صاحبه من أي فعل عنيف أو دموي. فما صحة هذا الادعاء؟

أفلاطون والموسيقى

ارتبطت الموسيقى بالعسكرة والعنف منذ الأزل. فقال العرب: “قرعت طبول الحرب". وقال الفيسلوف اليوناني أفلاطون في كتاب "الجمهورية" إن الموسيقى مفيدة لتربية المحارب، فكان دائماً يربطها بألعاب القوى، لأنها قادرة على تهذيب المحارب وعزل مشاعره عمّا قد يراه سيئاً. يعتقد أفلاطون أن هنالك نوعين من الموسيقى، الأول سيئ، كعزف الناي مثلاً، والآخر جيد، ويجب أن يكون تأثيره إيجابياً على المحارب. يقول: إن لم يكن المحارب تعلم الموسيقى بشكل صحيح، فستقوم الموسيقى بتربيته وتهذيبه". هذه كانت الصورة الذهنية في اليونان القديم عن الموسيقى، لكن كيف كان حال الموسيقى عبر التاريخ بعد ذلك؟

الموسيقى والعسكرة

تكاد لا تخلو أي دولة في العالم من وجود نشيد وطني تم تلحينه وكتابة كلماته وغناؤه في غالبية المناسبات الوطنية، وحتى في طوابير المدرسة الصباحية. ففي السعودية مثلاً، حيث يُمنع تدريس الموسيقى في الجامعات والمدارس، يتم تدريسها في الحرس الوطني. ويملك الحرس الوطني "معهد موسيقى القوات المسلحة"، الذي يخرّج الأوركسترات الوحيدة في السعودية، والتي تعزف فقط في الاستعراضات والمناورات العسكرية والسلام الملكي. كما كان الأمريكيون، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى غزو العراق، يستضيفون العديد من الفنانين والمسرحيين في القواعد العسكرية، لإحياء حفلات غنائية تحيي عزيمة الجنود. أما أثناء حكم هتلر للرايخ الثالث الألماني، والذي يُصنف من أكثر الفترات الاستبدادية في التاريخ الأوروبي، حاز الفن دعماً كبيراً قد يقارب مستوى الدعم العسكري. ليس فقط من هتلر بصفة شخصية، وكان رساماً أيضاً، ولكن من الحزب النازي كجزء من الأيدولوجيا. فكانت النازية تعتبر الفنون، وأهمها الموسيقى والرسم، من بين أهم الأدوات التي ستساعد في نهوض الأمة الألمانية وتعزز "القيم الألمانية"، والتي تسببت لاحقاً بحرق الملايين من البشر. كانت الموسيقى جزءاً من عملية العنف التي يقوم عليها النظام النازي، إذ كانت تصدح في كل أنحاء المؤسسات الرسمية، في المدارس والبيوت حتى في الثكن العسكرية. وكان هناك في بعض معسكرات الاعتقال أوركسترا خاصة بالمعسكر فقط، تعزف ألحان باخ وبيتهوفن لتسلية الجنود القائمين على تعذيب المساجين. وكان يتم بث الموسيقى عبر مكبرات الصوت في ساحات الإعدام بالمشانق أو القتل الجماعي، أو حتى أثناء التعذيب والضرب. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، كان قد نشأ جيل كامل في ألمانيا ارتبطت الموسيقى الأوروبية لديه بالقتل والتعذيب.

الرسم

حتى يومنا هذا، ما زالت أشهر الرسوم تنتمي للفنانين الذين نشأوا تحت ظل حكم الكنيسة، مثل جيوتو ومايكل آنجلو. جدارية يوم القيامة لآنجلو، على سقف كنيسة سيستينا، تعتبر الجدارية الأكثر شهرة في العالم، ورسمها بأمر من البابا آنذاك. كما كانت الحملات الصليبية شرقاً وغرباً في أوجها في ذلك الوقت. لم يكن ذلك مقتصراً على أوروبا القديمة، إذ حتى في أوروبا الحديثة قام الحزب النازي ببناء أحد أكبر المتاحف في القارة العجوز، يسمى بـ"متحف القائد” أو بالألمانية "فوغاموزيوم". جمع فيه الحزب النازي أهم أعمال الفنانين الأوروبيين، من مايكل آنجلو إلى يوهانس فيرمير. إذ سرقت حينذاك الكثير من الأعمال من فرنسا عقب الاحتلال، وبعضها ابتاعها هتلر بنفسه ووضعها في المتحف. لم تكن الحالة الأوروبية مثالاً شاذاً، فكان الكثير من المستبدين حول العالم مولعين بالفن. مثل رئيس الاتحاد السوڤياتي ستالين، الذي كان مهتماً بالفن، خصوصاً بالمدرسة الاشتراكية-الواقعية. وكان رئيس الصين الشعبية ماو تسي-تونغ رئيساً لمنتدى يانآن للفن والأدب، وألقى فيه عدة خطب عن أهمية الفن والأدب كركيزة للمجتمع الزراعي. وهو نفسه تسبب  لاحقاً بقتل عشرات الآلاف من المزارعين في الصين.

الرقص

حتى في عالمنا العربي، تمتلك منطقة الخليج رقصات متعددة، من اليولة شرقاً إلى العرضة في الوسط والسعب جنوباً. هذه الرقصات هي رقصات حرب، كانت تقوم بها القبائل العربية لدى مواجهة العدو. فرقصة الدحة مثلاً، في شمال السعودية وجنوب الهلال الخصيب، كانت تمارس لبث الحماسة في نفوس المحاربين. وذلك بإصدار أصوات عميقة قد تخيف العدو إذا كان في الجوار. ولكن مع نشوء الدول الحديثة في الخليج العربي، تم تحويل هذه الرقصات من أحد مظاهر الحرب إلى رقصات تراثية، يتم التعبير فيها عن ثقافة المنطقة.

هل "الإرهابيون" لا يهتمون بالفن؟

الفن عبارة عن تمظهر لأفكار الفنان من خلال ما يراه معبّراً عنه، ويتناسب مع ثقافته. فخلال حروب الجهاديين في أفغانستان إبان حرب السوفيات، كانت الساحة العربية ملأى بالأناشيد الشاعرية، التي تدعو للـ”جهاد” والتضحية في سبيل الله، مثل أنشودة "سنخوض معاركنا معهم". وكانت بعض الأناشيد حزينة تتغنى بفراق الأحبة والبكاء على الأطلال، مثل أنشودة "وين أيامنا؟”. حتى أن أسامة بن لادن نفسه، كان شاعراً ومولعاً بالشعر، فسمّى أول مخيم في أفغانستان بـ"المأسدة"، تيمُّناً بإحدى قصائد كعب بن مالك. حتى في هذه الأوقات، التي يتصدّر فيها داعش المشهد، هنالك الكثير من القصائد المتداولة لدى داعش والأهازيج حتى الرقصات. فتعتبر الشابة السورية أحلام النصر شاعرة الدولة الإسلامية، إذ كتبت عدة قصائد عن “الجهاد” والموت في سبيل الله، وتم تلحين بعضها وإنشاده.

سذاجة التحليل

مشكلة هذه التفسيرات المعلّبة تجاه الموسيقى أنها ستواجه صعوبة في شرح الكثير من الظواهر التي استعرضنا بعضها. وستمارس وصاية ثقافية، تحدد من خلالها ما يمكن أن يسمى فناً وما ليس فناً، بمنظار استشراقي يصنف الثقافات وفق تراتبية غربية. لا يمكن أن تُعالج مشكلة "الإرهاب" والجماعات الطائفية المسلحة بهذا التسطيح والتبسيط. إخلاء هذه الجماعات من بشريّتها وتصويرها بأنها خارجة عن السياقات الاجتماعية والسياسية لا يجدي نفعاً. يجب أن نعمل على نقد الأفكار والمسببات، لكي نستطيع إنهاء هذه الحالة، وليس ممارسة استعلاء ثقافي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard