شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قصة شخصيّة أو عن مصائر نساء تتغيّر وفقًا لأمزجة رجال

قصة شخصيّة أو عن مصائر نساء تتغيّر وفقًا لأمزجة رجال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 8 مارس 201907:13 م
في كل مرة أردت الكتابة عن قضايا النسوية كانت تستوقفني المعاناة التي تخضع لها المرأة والرجل على حد سواء في دول وطننا العربي من اعتقال وتهجير وتعذيب وفقر، وإلى ما هنالك من ظروف قاسية في السنوات الأخيرة، أفكر في قهر المرأة ولا أستطيع تجاهل معاناة الرجل أيضًا، وأتساءل في كل مرة، هل أستطيع المطالبة بحقي واحترامي كامرأة، في الوقت نفسه الذي يقبع فيه الكثير من الرجال في السجون ويتعرضون للتعذيب؟ أو في مخيمات اللجوء اللاإنسانية مع النساء والأطفال؟ و(طبعا لم أستثن أو أنسَ النساء المعتقلات وما يتعرضن له من ابتزاز واغتصاب وتعذيب).
كنت أقول في نفسي شاءت الظروف ووجدت نفسي مع رجل غربيّ، غير عربيّ، لم اختره بل أحببته، وأستطعت أن أرى الفارق الكبير في المعاملة بينه وبين بعض الرجال العرب؛ يحترمني، يدعمني ويقف إلى جانبي بكل حب، كنت أعتقد أن الديمقراطية والحرية هما اللتان جعلتا الكثير من رجال العالم الغربي يحترمون النساء إلى حد ما، وفي اليوم الذي تنتهي فيه حروبنا العربية ضد المستبدين سيصير الرجل العربي الذي لا يأخذ المرأة على محمل الجد، كزوجي الأوروبي متفهماً ومشجعاً. هذا الرجل نفسه الذي لم يستطع أن ينتظر كثيراً حتى يجعلني أكتشف أنني مخدوعة بأن الحرية والحضارة تؤثران في تصرفات الناس، وتجعلاهم أكثر مرونة في التعامل مع المرأة. واليوم بعد أن أدار لي ظهره ورحل بين ليلة وضحاها وتركني مع طفلتي ذات السنتين، دون مقدمات ودون خلافات تُذكر، بحجة أنه لم يعد قادراً على تحمّل المسؤولية، وأن العائلة تقيده ولا تجعله قادراً على التعبير عن الجانب البري فيه كما يرغب، وأنه يفتقد الشغف، وقتذاك عرفت متأخرةً أن المسألة لا تتعلق بالشرق ولا الغرب، لا بالحرية ولا القمع. إنها مسألة أخلاق.

الأخلاق وحس المسؤولية والنضوج، هذه العناصر التي تحكم تصرفاتنا وتميّزنا عن الآخرين مهما كانت انتماءاتهم وخلفياتهم الثقافية، إنها مسألة شخصية بحتة.

تركت طفلتي عندما كانت رضيعة وذهبت لأعمل بأشياء لا تناسب اختصاصي، لكي لا آخذ من المساعدات الاجتماعية، لم أرد أن أسمع من الآخرين أنني لاجئة تعيش على ضرائب الألمان، أردت أن أكون نداً لزوجي ، تساعدنا على الطفلة على قدر استطاعته هو، ومن لديه أطفال في السنتين الأولى والثانية يعرف مدى صعوبة الحياة في ظل الأوضاع المادية السيئة ومع متطلبات طفلة لا تتوقف عن البكاء من مغص البطن أو وجع الأسنان وأسباب كثيرة أخرى.

لشدة ما ضغط زوجي عليّ بعد الولادة من حرصه المبالغ فيه على طفلته أصابني اكتئاب استمر عدة أشهر، كنت أبكي ولا أعرف أين أسند ظهري، طفلة تبكي وأبوها دائم الخوف عليها ويتجاهلني تماماً، كنت أقول في نفسي إنها فترة ستمضي، تفهمت خوفه وعاتبته بعد عدة أشهر فبكى واعتذر.

إنه كاتب يجب أن أتفهم ذلك، يريد مساحة من الحرية حتى يبدع، هذا ما كنت أظنه، لذلك حاولت قدر استطاعتي أن لا أشغله بمشاغل الحياة اليومية، وأملاً مني أن القادم أفضل، لأن الحياة كانت تسير إلى الأمام، ابنتنا تكبر، صارت تذهب الى الحضانة وأوضاعنا المادية بدأت تتحسن، وسمحت لي الظروف أخيراً أن أتذكر نفسي وأتذكر أني امرأة، صرت أحاول الذهاب الى السوق وشراء ملابس جديدة، أزين المنزل بالشموع والأزهار، نعم بالفعل ظروفنا بدأت تتحسن، بإمكاننا الآن أن نعود رجل وامرأة وليس والديْن فقط.

لكنني اكتشفت أنني في الوقت نفسه الذي بدأت فيه أتعافى وأملك المزيد من الوقت وأننا الآن جاهزان للانطلاق مجدداً، أخبرني أنه وجد امرأة أخرى، وأنه اكتشف حين مارس الجنس معها كم هو مشتاق للحب والشغف، وأن حياته معي مملة، ومسؤولياته كثيرة، لا طاقة له على حملها.

تراءى أمامي شكلي بين حفاضات الأطفال لمدة عامين، وسط البكاء والصراخ، تذكرت كيف حملت طفلتي في منتصف الليل إلى المستشفى عدة مرات وكيف كنت أقضي الليل بانتظار دورها، في الوقت الذي يكون هو فيه يستجم في مكان ما ويفرغ رأسه للكتابة، تراءت أمامي كل ساعات العذاب التي عشتها والتي كانت تتلاشى بمجرد ابتسامة منه بعد أن يخبرني انه كتب شيئاً جديداً أو وقًع عقداً مهماً، وأخبرني أنه يظن أن أحد الأشياء التي تزعجه في هذه العلاقة أنني لا أفعل شيئاً لنفسي، فقط أعمل للعائلة.

ليس لدي تعليق، الصمت فقط، ماذا أقول له؟ غداً ستعود نادماً؟ أو أواسي نفسي أنه سيتذكر كم ضحيت من أجله ومن أجل ابنته وسيلازمه الإحساس بالذنب كل حياته؟ وبماذا يفيدني هذا الكلام؟ ماذا أستفيد إن عرف أو ندم أو اعتذر؟

أفكر في قهر المرأة ولا أستطيع تجاهل معاناة الرجل أيضًا، وأتساءل في كل مرة، هل أستطيع المطالبة بحقي واحترامي كامرأة، في الوقت نفسه الذي يقبع فيه الكثير من الرجال في السجون ويتعرضون للتعذيب؟
اعتقدت أنه في اليوم الذي تنتهي فيه حروبنا ضد المستبدين سيصير الرجل العربي الذي لا يأخذ المرأة على محمل الجد، كزوجي الأوروبي متفهماً ومشجعاً. هذا الرجل نفسه الذي لم يستطع أن ينتظر كثيراً حتى يجعلني أكتشف أنني مخدوعة بأن الحرية والحضارة تؤثران في تصرفات الناس.
لو كنت أنانية قليلاً كنت سأخبئ في كل شهر القليل من المال تحسباً لما سيأتي، لكني حسبت حساب القدر، الموت وحده ما كان يخفيني، ولم أتوقّع أن تأتي الضربة من رجل احترمه. صرت امرأة مملة. وهو رجل مسكين أتعبته امرأة لا هم لها سوى عائلتها.

ما أريد قوله من قصتي، أننا نحن النساء كلما ازدادت خبرتنا وتجاربنا ومعارفنا وقعنا في مشاكل ومطبات ليست متوقعة، ربما لو كنت امرأة اتكالية أجلس بجانب ابنتي وأخذ مصروفي منه أو من المساعدات الاجتماعية، كنت سأملك الوقت للمحافظة على الشغف، كنت سآخذ تعبه وأحضر أحداً ينظف منزلي مقابل المال بحجة أن أظافري ستتكسر، أو كنت لن أسمح له بالسفر بحجة أني أخاف في الليل وحدي، لو كنت أنانية قليلاً كنت سأخبئ في كل شهر القليل من المال تحسباً لما سيأتي، لكني حسبت حساب القدر، الموت وحده ما كان يخفيني، ولم أتوقّع أن تأتي الضربة من رجل احترمه واحترم عائلته وأداري راحته... صرت امرأة مملة... وهو رجل مسكين أتعبته امرأة لا هم لها سوى زوجها وابنتها ذات العامين.

يبدو أن الحياة لا تكف عن المفاجآت، والذكي هو من يحافظ على جزء من الأنانية المدروسة في شخصيته حتى يبقى آمناً، وكما يرمي غير المسؤول جواله أو حاسوبه عندما تصير خدماته بطيئة، يرمي عائلته أيضاً، وكم كنت مخطئة عندما ظننت أن التفاني والأخلاق والصدق هي مرتكزاتي في عائلتي.

 لا بد لي أن أذكر في النهاية قصّة عندما قابلت فناناً عربياً شهيراً منذ فترة وأخذ يشتكي من طفله ذي العشرة أشهر، أنه مصيبة ليس بالإمكان إعادته الى مصدره، وأن أمه مصرة على المحافظة على عملها، رغم محاولاته الدائمة باقناعها أن تترك وظيفتها وتتفرغ لابنها، لأنه فنان وغير قادر على معاكسة الوحي، ليس بإمكانه طوال الوقت الاستماع إلى بكاء ابنه، رغم أن هذا الرجل نفسه جلس عامين في البيت بإلحاح من زوجته، قالت له تفرغ لفنك وأنا سأعمل، وحين دار الزمن وطالبته بتحمل مسؤولية (ابنه) صار يتذمر.

مرة أخرى، في الشرق والغرب وفي كل مكان، الأخلاق هي سيدة الموقف.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard