شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مصرفيون سعوديون:

مصرفيون سعوديون: "عابر" عملة رقمية ستسبح في بحر من الخسائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الخميس 21 فبراير 201901:02 م

بدءاً من العام المقبل، سيكون للسعودية والإمارات، عملة خاصة بهما للتبادل التجاري بين البنوك، بعيداً عن الدولار الأمريكي، واليورو الأوروبي، عملة رقمية غير مطبوعة، الهدف منها تقليل تكاليف التحويلات واختبار قدرة هذه العملة على العمل بمثابة نظام احتياطي إضافي للمدفوعات المركزية المحلية، إضافة لتوفير ملاذ آمن للعملات الصعبة.

العملة الجديدة هي بديل رقمي لعملة "كرم" الخليجية الموحدة، المشروع الذي لم يرَ النور على الرغم من اعتماده قبل نحو عشر سنوات، بسبب خلافات على مقر البنك المركزي للعملة الموحدة.

وكشفت مؤسسة النقد السعودي أن عملة "عابر" تهدف لضبط نظم المدفوعات التجارية المشتركة بين البلدين، من خلال إتاحة المجال أمام البنوك للتعامل مع بعضها البعض بشكل مباشر لتنفيذ التحويلات المالية، غير أنه خلال العامين المقبلين، لن يتم التعامل مع العملة الرقمية الجديدة بشكل حصري، ولكن سيُسمح لها بأن تكون نظاماً احتياطياً إضافياً للنظم المركزية لتسوية المدفوعات المحلية عند تعطلها لأي سبب. وخلال هذه الفترة سيكون التركيز على النواحي الفنية، كما سيقتصر على عدد محدود من البنوك، أي في كل دولة ثلاثة بنوك في كل جهة، بهدف التأكد من عدم وجود عوائق فنية، وستتم دراسة النواحي الاقتصادية والمتطلبات القانونية للاستخدامات المستقبلية.

وبحسب تقارير البنك المركزي الإماراتي يتم إنشاء العملة الجديدة وتخزينها وتبادلها على شبكات "البلوكتشين" المنفصلة الخاصة بها. وشبكة البلوكتشين الخاصة بالعملة الرقمية هي دفتر الأستاذ العام لجميع معاملات تلك العملة التي حدثت في أي وقت مضى، ومن خلاله تجري مراقبة تدفق العملة، والتأكد من سلامتها، ووجود المقابل المادي لها.

المشروع سيخضع خلال الأشهر العشرة المقبلة لدراسة أبعاد التقنيات الحديثة وجدواها ومعرفة مدى أثرها في تحسين وخفض تكاليف عمليات التحويل وتقويم المخاطر التقنية وكيفية التعامل معها. ويهدف البرنامج التجريبي إلى تقويم تأثير هذه العملة في السياسات المالية الحالية، قبل البدء بتطبيقه مطلع 2020.

طريقة عمل "عابر"

يُخطط للعملة الرقمية "عابر" أن تكون بديلاً  من النقد التقليدي، وخاصة الدولار الأمريكي، ولكنها لن تكون عملة رقمية متاحة للتبادل الشخصي، بل للتبادل التجاري البنكي بين السعودية والإمارات فقط، كخطوة أولى لإطلاقها عالمياً، بحسب البيان الرسمي المشترك بين مؤسسة النقد السعودية، والبنك المركزي الإماراتي. ستكون المرحلة الأولى "تجريبية" بغرض استكشاف أبعاد تقنيات سلاسل الكتل والسجلات الموزعة التي استخدمت في تداول العملات الرقمية.

بعد نحو شهر من الإعلان عنها، وقبل 11 شهراً من التدشين الرسمي، تباينت ردود المحللين الماليين والمصرفيين حول العملة الرقمية "عابر" التي أعلنت السعودية والإمارات إطلاقها منتصف يناير الماضي، لتكون وسيلة للتداول البنكي بين البلدين. ففي وقت اعتبر محللون أن العملة ستوفر الكثير من النقد الأجنبي على مصارف البلدين، تشكك آخرون في جدوى إصدار عملة إلكترونية في وقت تعاني العملات الرقمية القائمة من هبوط حاد في قيمتها، وتضييق رسمي على نشاطها.

علاقة قوية

هناك الكثير من المشاكل في الأفق، بحسب محللين ماليين تحدثوا لرصيف 22. لن تدخل هذه العملة حيز التعامل الفعلي قبل العام 2020، وسيكون ذلك بعد تأهيل الكوادر الفنية التي ستتعامل مع التقنية مستقبلاً، وبحسب مصرفيين فإن الكثير من العقبات ستواجه العملة الجديدة، وبسببها قد لا ترى النور فعلاً.

يؤكد المحلل المالي الدكتور فهد الناصر، وهو مصرفي سابق، أن لا معطيات تُمكن من الحكم على العملة الجديدة، ويجب الانتظار عدة أشهر لتحليل المعطيات، ويقول لرصيف 22 :"حالياً لا توجد أي أسس لتقويم العملة، وما دامت محصورة في التبادل البنكي، من غير الممكن تقويمها بشكل دقيق، نحتاج لأن تكون متاحة للتداول الشخصي لمعرفة الاتجاه الذي تسير فيه". ويضيف :"ليس لدينا سوى بيانات مؤسسة النقد السعودي والمصرف المركزي الإماراتي، وهي بيانات غير مفصلة، ولا يمكن بناء تقويم عملي عليها، ولكن بشكل عام فإن التبادل التجاري السعودي - الإماراتي محدود، ولا يزيد على عشرين مليار دولار، معظمها مشتقات نفطية وزيوت، ولكن هذا التبادل ينمو بشكل سريع، وصل في العام الماضي لنحو 11٪، وهو مرشح للزيادة بفضل العلاقة القوية بين البلدين".

ويشدد الناصر على غياب المعلومات المتصلة بالعملة التي سيتم ربط عابر بها مستقبلاً، ولكن في كل الحالات ستكون عرضة للتأرجح في القيمة، ويضيف :"سوق العملات متقلبة لا يمكن السيطرة عليها، خاصة العملات الرقمية التي شهدت العامين الماضيين تقلبات كبيرة. هذه من أهم عيوبها، كما أننا لا نعلم حتى اليوم  هل يتم ربط هذه العملة بسعر صرف العملة بالعملة المحلية أم بالدولار الأمريكي، ولكن في كلتا الحالتين، ستكون العملة الجديدة عُرضة لتقلبات سوق العملات الحاد".

بدءاً من العام المقبل، سيكون للسعودية والإمارات، عملة خاصة بهما للتبادل التجاري بين البنوك، بعيداً عن الدولار الأمريكي، واليورو الأوروبي، عملة رقمية غير مطبوعة، الهدف منها تقليل تكاليف التحويلات واختبار قدرة هذه العملة على العمل بمثابة نظام احتياطي إضافي للمدفوعات المركزية.
" ما الذي سيميز عابر عن غيرها؟"، يجيب مصرفي سعودي :"علينا الانتظار حتى شهر يناير المقبل، كي نعرف بقية التفاصيل المالية للعملة الجديد، ثم نجيب عن هذا السؤال المهم".
"سوق العملات الرقمية يعاني من هبوط حاد، وقيود صارمة من الدول. في 2018 فقدت العملات الرقمية 75٪ من قيمتها، وتراجع الاهتمام بها". فما الذي ستقدمه عملة "عابر" الرقمية؟

أزمة عالمية

تمر العملات الرقمية بأزمة هبوط حاد في أسعارها، بحسب المصرفي مازن الشراري وهو المدير التنفيذي لمؤسسة "مال وأعمال" المالية، فإن العملات الرقمية عبارة عن عملات افتراضية يتم تداولها من خلال الإنترنت وهي غير مطبوعة أو يتم سكها من قبل سلطات نقدية محددة ولا يوجد لها أي سلطة منظمة كالبنوك المركزية، ويقول لرصيف 22 :"تستخدم هذه العملات في عمليات شراء السلع والخدمات والتعامل على بعض الخدمات المالية الإلكترونية في أسواق السلع وغيرها، بالإضافة إلى قابليتها للتحويل أمام الدولار واليورو بأسعار تتغير على مدار اليوم في البورصات العالمية. وما يميزها من العملات التقليدية أنها ذات نظام تشفير عالٍ ودقيق يصعب معه قرصنتها"، ويضيف:"ميزتها هذه جعلتها غير مرحب بها في كثير من الدول، وخاصة العربية لصعوبة السيطرة عليها، أو معرفة مصدرها، وأين يتم إنفاقها، الأمر الذي يجعلها وسيلة مثالية لغسل الأموال عبر التحويل من الحسابات المصرفية إلى العملات الرقمية". ويشدد الشراري على أن هناك مشكلة ستواجه العملة مستقبلاً، عدا تأرجح أسعارها، ويتابع :"صحيح أن العملات الرقمية تتمتع بحماية كبيرة، وصعب اختراقها، ولكن القراصنة يتطورون يوماً بعد يوم، وإذا نجحوا في فك شفرتها، فسيكون ذلك خطراً كبيراً يهدد البنوك المتعاملة بها، وقد يدفعها للإفلاس، فكما يصعب فك شفرتها، سيصعب أيضاً تتبعها، وهو ما سيعني الكثير من المال لحمايتها".

في اتجاه مغاير، يؤكد المحلل المالي بندر الجعيد أن عملة "عابر"، تملك مزايا لا تملكها أي من العملات الرقمية المتداولة في السوق، مثل البيتكوين وغيرها، وهي أنها مدعومة من البنكين المركزيين في البلدين، مما يجعلها أكثر ملاءمة وأمناً، ويقول لرصيف 22 :"على عكس بقية العملات الرقمية، التي تُواجه بحروب من الدول، وقيود صارمة،  تتميز "عابر" بطابع خاص عن باقي العملات الرقمية، إذ يتم إصدارها ودعمها من قبل السلطات الحكومية في البلدين، وليس من قبل مبرمجين مجهولين"، ويضيف :"الهدف من العملات الرقمية هو توفير الوقت المستغرق في تحويل الأموال من دولة إلى أخرى، وإخراج البنوك، من معادلة تحويل الأموال، مما يؤدي إلى اختفاء تكلفة التعاملات المالية التي تتقاضاها البنوك والمؤسسات المصرفية والمالية، وهذا ما ستوفره عابر للبنوك المحلية، وهي في البداية ستكون عملة خدمية، غير مطروحة للمضاربة في أسواق العملات، مثل عملة البيتكوين وغيرها، وهو ما يعني أيضاً أنها ستكون أكثر استقراراً في قيمتها".

سوق خطرة

تواجه أسواق العملات الرقمية الكثير من المخاطر، وتقلبات الأسعار، فهي عرضة للتضييق القانوني، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لكونها أرضاً خصبة لتمويل الإرهاب وغسيل الأموال. في عام 2018، رفضت هيئة الأوراق المالية والسندات في الولايات المتحدة عدداً كبيراً من طلبات تقدمت بها شركات لتشغيل منصات التداول في العملات الرقمية لتأسيس صناديق استثمار متبادلة بالبيتكوين، ويتخوف المصرفيون من أن تتم معاملة "عابر" مستقبلاً بمثل هذه العملة، كما أن سوق العملات الرقمية، تعرض لهزة عنيفة في العام الماضي، وتراجعت قيمته من 449 مليار دولار إلى أقل من 114 ملياراً، وفقدت نحو 75٪ من قيمتها.

وكانت السعودية حذرت قبل يومين من التعامل مع العملات الرقمية، فأصدرت وزارة التجارة والاستثمار تحذيراً رسمياً من مواقع إلكترونية تروج للاستثمار في العملات الرقمية الافتراضية على شبكة الانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وقالت الوزارة إن هذه المواقع تزعم أنها جهات مرخصة من قبل الجهات الرسمية في المملكة، وهذا غير صحيح، وطالبت المواطنين بالإبلاغ عنها، هذا الأمر دفع الناصر ليتساءل :"ما الذي سيميز عابر من غيرها؟"، ويضيف :"علينا الانتظار حتى شهر يناير المقبل، لنعرف بقية التفاصيل المالية للعملة الجديدة، لنستطيع الإجابة عن هذا السؤال المهم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard