شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
زيارة البابا فرنسيس للإمارات: أُمنيات وصلوات كثيرة

زيارة البابا فرنسيس للإمارات: أُمنيات وصلوات كثيرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 4 فبراير 201910:01 م

"ما يَحصل هُنا يفوق الخيال لأنني لم أتوقع بحياتي أن يزور بابا الكنيسة الكاثوليكية دولة خليجية يوماً ما". بهذه الكلمات أعرب إيلي بيار، 63 سنة، وهو مُقيم لبناني في الإمارات وتحديداً في أبوظبي عن مشاعره تجاه زيارة البابا فرنسيس، أول بابا يزور شبه الجزيرة العربية.

وصل البابا الإمارات مساء الأحد تلبية لدعوة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد والكنيسة الكاثوليكية في دولة الإمارات التي تحتضن نحو 200 جنسية للمُشاركة في حوار عالمي بين الأديان يشارك فيه شيخ الأزهر أحمد الطيب ونحو 700 من ممثلي العقائد والأديان من مختلف الجنسيات، شعاره: الأخوة الإنسانية. وتستمر زيارة البابا حتّى مساء 5 فبراير، وصفتها الصحف العالمية بـ "الزيارة التاريخية"، وهي تاريخية من عدة نواحٍ، بل حتى إقامة البابا وشيخ الأزهر في بيت واحد (وضعته سلطات الإمارات على ذمتهما) هي سابقة تاريخية، سيدوّنها التاريخ لعقود.

يعيش في الإمارات التي سمّت عام 2019 عام التسامح، نحو مليون مسيحي كاثوليكي مُعظمهم من الفلبين والهند، الآلاف منهم سيصلون غداً الثلاثاء في قدّاس تاريخي مُنتظر يتوقع أن يشارك فيه 120 ألف شخص في مدينة زايد الرياضية في تمام العاشرة والنصف صباحاً.

وفيما اعتُبرت زيارة البابا فرنسيس زيارة محبة وسلام لدعم التعايش بين أكبر ديانتين في العالم: المسيحية (ينتمي إليها 2.4 مليار شخص) والإسلام (1.8 مليار شخص)، وتعزيز قيم ومفاهيم الأخوة الإنسانية والتعايش السلمي بين الشعوب، تبيّن عقب الحوارات التي أجراها رصيف22 أن مسيحيي الإمارات يعيشون في الأصل حالة تعايش ديني وسماحة فريدة، لهم 8 كنائس لتأدية شعائرهم، وكُل ما يتطلعون إليه في لقاء البابا منحهم "القليل من بركته".

بيئة حاضنة للتنوّع

يؤكد إيلي لرصيف22 أنه لم يشعر بتفرقة دينية خلال 10 سنوات قضاها في الإمارات قائلاً: منصلي بكنائسنا بطريقة عادية جداً. ولكن هل أوضاع مسيحيي الإمارات تشبه أحوال مسيحيي الدول المُجاورة؟

يلفت الأب فادي ضو، وهو رئيس مؤسسة أديان اللبنانية التي تعمل من أجل التعددية والمواطنة الحاضنة للتنوّع، والمناعة الاجتماعية، والتضامن الروحي إلى أن هُناك ثلاثة أبعاد لزيارة البابا فرنسيس للإمارات، أوّلها: التأكيد على تعزيز العلاقات الإسلامية المسيحية، موضحاً في حديثه مع رصيف22 أن زيارة البابا لعدد من الدول الإسلامية منذ توليه البابوية بما فيها دولة خليجية للمرة الأولى (الإمارات) ثُم زيارته إلى المغرب تعكس الاهتمام بتوطيد التفاهم بين الديانتين الإسلام والمسيحية.

وأضاف أن البعد الثاني لزيارة البابا هو إعادة التركيز على أهمية الحضور المسيحي في المنطقة العربية عبر قدّاس علني وضخم يُقام الثلاثاء بعد أن أثّرت الحروب وعدم الاستقرار السياسي ووجود تنظيمات إرهابية كداعش على مسيحيي الشرق الأوسط في السنوات القليلة الماضية وخاصةً في سوريا والعراق.

وأكد الأب فادي ضو أن البعد الثالث للزيارة هو التركيز على الحُرية الدينية وتشجيع الإمارات وغيرها من الدول العربية على أن تكون "أوطاناً حاضنة للتنوّع".

وتَضُمّ نائبةُ رئيس مؤسسة أديان ومديرة معهد المواطنة وإدارة التنوع التابع للمؤسسة الدكتورة نايلة طبارة، صوتها إلى صوت الأب فادي ضو، مصرحة لرصيف 22 بأن رمزية زيارة البابا كبيرة جداً إذ تُعزز الأخوة بين الديانتين المسلمة والمسيحية وتؤكد أن "المسيحية" هي "مُكوّن أصلي في البلدان العربية" مُضيفة أن أهمية زيارة البابا فرنسيس أنها تقول للمسيحيين: لا تخافوا.

واعتبر البابا فرنسيس زيارته صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الديانتين "للسير معاً على دروب السلام".

رح نِتبَارك

يقول إيلي لرصيف22 إنه "مُمتن" لمُبادرة وزارة الشؤون الرئاسية التي تكفّلت بـ "كُل شيء"، بحسب قوله، موضحاً أن الوزارة تُوفر نحو 400 حافلة لنقل الجالية المسيحية من مختلف الإمارات إلى مدينة زايد الرياضية "دون دفع درهم واحد".

وأوضح أن القدّاس المُقام في استاد مدينة زايد الرياضية لن يحضره سوى 50 ألف شخص فيما سيكون خارجه (في مواقف السيارات) نحو 70 ألف شخص يُشاهدونه عبر شاشات ضخمة على بُعد بَعض كيلومترات عن البابا فرنسيس، مُضيفاً: كُلنا رح نتبارك من بركة حضرة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، رأس الكنيسة المسيحية وخليفة القديس بطرس.

أما مايا، 22 سنة، وهي لبنانية مُقيمة في الإمارات، فتقول إن "مُقابلة البابا تُعد حلماً سيتحقق بعد أقل من 24 ساعة" لافتةً إلى أنها لم تتمكن من لقاء البابا بندكتوس السادس عشر خلال زيارته لبنان عام 2012.

وأشارت في حديثها مع رصيف22 إلى أنها سجّلت حضورها فور إعلان كنيسة "مار يوسف" في أبوظبي بأن البابا فرنسيس سيترأس قداساً في الخامس من فبراير وأن هناك "مقاعد محدودة" في مدينة زايد الرياضية قائلةً: أقل ما يمكنني قوله إنه حدث عظيم. لم أرد تضييع فرصة لقاء البابا وحضور قداس يترأسه والأهم من ذلك كُله أن أنال برَكتِه وأُصلّي معه.

وأضافت: "لن أحمل صلواتي فقط بل سأحمل صلوات كُل مُحب طلب منّي أن أُصلي له بإيمان كبير بوجود البابا ولن أنسى توثيق الزيارة لحظة بلحظة"، مُتمنية أن تساهم زيارته بتغيير ولو كان طفيفاً في العالم العربي.

إيلي ومايا وكريستين، ثلاثة مسيحيين من جنسيات مختلفة يقيمون في الإمارات سيصلون غداً مع البابا في أول قداس يقام في شبه الجزيرة العربية. ماذا قالوا لرصيف22 وكيف يستعدون لتلك المناسبة التاريخية؟
لم يتجاهل البابا فرانسيس ما يحدث في اليمن وهو يعد العدة لزيارة الإمارات بل تحدث عن بكاء أطفال اليمن وآبائهم وكيف يصعد إلى الرب، لكن تلك العبارات لم تخفف من النقد الذي صدر عن منظمات دولية لقداسة البابا.
داليساي عاملة فلبينية في صالون تجميلي في دبي، لن تتمكن من حضور القداس الذي يشرف عليه البابا لكنها صرحت لرصيف22 أنها ستطلب من البابا فرنسيس أمراً واحداً: الصحة لها ولعائلتها وبالأخص لطفليها في الفلبين.
يعيش في الإمارات مليون مسيحي كاثوليكي مُعظمهم من الفلبين والهند، الآلاف منهم سيصلون غداً الثلاثاء في قدّاس تاريخي يتوقع أن يشارك فيه 120 ألف شخص في مدينة زايد الرياضية في تمام العاشرة والنصف صباحاً.

طبعت صورة عائلتي الصغيرة

"طبعت صورة عائلتي الصغيرة حتى أحملها معي  إلى القدّاس، ها هي داخل حقيبة يدي. لحظة.. موجودة عندي أيضاً في الموبايل"، تحدثني كريستين بحماسة، وهي عاملة فلبينية في إحدى مقاهي دُبي كشفت لرصيف22 عن رحلة استعدادها لهذا الموعد التاريخي، منذ لحظة الإعلان عن زيارة البابا، حتى حجزها مقعداً لحضور القداس.

لفتت كريستين في حديثها معي إلى أنها علمت بزيارة البابا من مواقع التواصل الاجتماعي ولم تُصدق الخبر حينها مُشيرة إلى أنها كانت تُراقب كُل الجهات الرسمية على الإنترنت لمعرفة كيفية الحضور رفقة زميلاتها في السكن بعد أن تأكدت من صحة الخبر، ثم توّجهت إلى كنيسة القديس سانت ميشيل للتسجيل وبعدها بنحو أسبوع حصلت على التذكرة المجانية.

تقول كريستين إن الصورة التي طبعتها لتحملها معها إلى القدّاس ستضعها على قلبها أيضاً، وهي صورة تجمعها بزوجها وابنها اللذين يعيشان بعيداً عنها في الفليبين لافتةً إلى أنها ستعتبرهما معها غداً لحظة يصلي البابا ويغدق بركاته على الآلاف مؤكدة بفرح عارم أنها لم تحلم بأن تقف أمامه يوماً، ولفتت إلى أن ثلاثة من أصدقائها أعطوها مسابحهم المُقدسة (Rosaries) لنيل بركة البابا ولتكون مسابحهم مُباركة ومقدسة من صاحب القداسة.

ورداً على سؤال ما إن كانت قد طلبت يوم عُطلة من عملها لحضور القدّاس، قالت بلهفة: أخبرت الإدارة أنني لن أحضر في الخامس من فبراير وهو حتى اللحظة يوم غير مدفوع الأجر رغم أنني سمعت بعض الإشاعات تقول إن يوم الثلاثاء سيكون طلة رسمية مدفوعة الأجر لكُل مُشارك في القدّاس. 

ولفتت إلى أن الباص الأول المُتجه من الشارقة، حيث تقيم، إلى مدينة زايد سيتحرك الليلة في تمام الساعة 11:15 مساء فيما سيتحرك الباص الأخير الساعة 3:15 فجراً ولكنها تقول: لقاء البابا يستحق هذا الانتظار كُله.

تمنّيت الحضور

تقول داليساي، وهي عاملة فلبينية في صالون تجميلي في دبي، إنها تتمنى الحضور لكنها لن تتمكن نظراً لظروف عملها. ولفتت في حديثها مع رصيف22 إلى أنها ستطلب من البابا فرنسيس أمراً واحداً إن مُنحت لها فرصة اللقاء "المستحيلة"، بحسب قولها: الصحة لها ولعائلتها وبالأخص لطفليها في الفلبين.

وقالت إن البابا فرنسيس لن ينسى في صلاته غداً كُل فقير وكُل مريض ولن ينسى أن يُصلّي لمن دمّرتهم الحروب، لافتةً إلى أن حدثاً كهذا لا بد من نقله على جميع المحطات التلفزيونية قائلةً: "سأشاهد القدّاس وأصلّي معهم من بعد".

وأكّدت أن مُشاهدة القدّاس المُقام على أرض الإمارات يعني لها الكثير رغم عدم تواجدها هُناك لأنها ستكون "على بعد أميال قليلة فقط من البابا" مُشيرةً إلى أنه بالنسبة لها وللكثيرين: المسيح على الأرض.

وبعكس داليساي، فوجئت جايا وهي بائعة عسل أوغندية بزيارة البابا فرنسيس مُتسائلة: ماذا؟ سيأتي هُنا؟ وحين عرفت أنها ليست مزحة ضحكت طويلاً وقالت: يبدو أنني أعمل كثيراً.. كثيراً جداً لدرجة أنني لم أعرف بخبر كهذا.

سألت جايا مرّتين إن كانت بالفعل تنتمي للديانة المسيحية بعد رد فعلها غير المتوقع لتؤكد: أنا مسيحية مُتدينة، أُصلي جميع صلواتي وأصوم.

وأكدت لرصيف22 أنها لا تُشاهد المحطات التلفزيونية الإخبارية ولم تُتابع مواقع التواصل في الفترة الماضية، ولكنها تقول بعد تأكدها من وجود البابا في الإمارات وإقامته قداساً الثلاثاء: إنه لشرف عظيم. كم أنا سعيدة حقاً بهذا الخبر. مُضيفة بالإنجليزية: what a lovely morning (ما أجمل هذا الصباح).

ولفتت إلى أنها لو كانت هُناك في القداس لن تطلب سوى "السلام لقلبها"، وبعد لحظات قليلة أضافت: سأطلب أن يُبارك لي بأهلي وبوظيفتي.

وأكّدت أنها لن تُغادر مدينة زايد الرياضية دون تذكار لوالدها وآخر لوالدتها. ولكن ما قالته كان مُجرد فرضية بعد نفاد جميع التذاكر.

بكاء أطفال اليمن يصعد إلى الرب

قبل أن يحل البابا في أرض الإمارات، ارتفعت أصوات حقوقية عدة في العالم تنتقد توجهه إلى أرض تشارك في حرب هي الأسوأ من حيث الآثار الإنسانية: حرب اليمن. كان البابا فرنسيس قد قال في عظته المعتادة صباح الأحد في مدينة الفاتيكان قبل التوجّه إلى الإمارات التي تلعب دوراً بارزاً في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية مُنذ نحو أربع سنوات في اليمن إنه يُتابع الأزمة الإنسانية في اليمن بـ "قلق بالغ" وكأنه يجيب مباشرة منتقديه في العالم، مناشداً كل الأطراف تنفيذ اتفاقية السلام وإيقاف الحرب لافتاً إلى أن بكاء أطفال اليمن وآبائهم يصعد إلى الرب. تلك العبارات لم تخفف من النقد الذي صدر عن منظمات دولية لقداسة البابا، وتساءل بعض الحقوقيين، هل سيعيد البابا هذا النداء على أرض الإمارات في قداسه، وعند لقائه بالمسؤولين؟

وقال مسؤولون بالفاتيكان إنه لم يتضح ما إذا كان البابا سيتحدث عن الحرب علناً أم في محادثات خاصة خلال الزيارة.

وبالتزامن مع تصريحات البابا، طالبت منظّمة "هيومن رايتس" الحقوقية البابا فرنسيس "بالضغط على الحكومة الإماراتية من أجل وقف الانتهاكات التي ترتكبها قوّاتها في اليمن".

وطالبته المُنظمة أيضاً باستغلال الزيارة لإنهاء قمع الإمارات للمنتقدين في الداخل وسجنها ناشطين إماراتيين، لانتقادهم الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي، لافتةً إلى أن السلطات الإماراتية تعتدي باستمرار على حرية التعبير وتكوين الجمعيات منذ 2011.

وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، سارة ليا ويتسن: رغم تأكيدات الإمارات على التسامح، لم تُظهر الحكومة أي اهتمام حقيقي بتحسين سجلها الحقوقي بل أظهرت مدى حساسيتها بشأن صورتها العالمية. على البابا فرنسيس توظيف زيارته للضغط على قادة الإمارات للوفاء بالتزاماتهم الحقوقية في الداخل والخارج.

ودعت منظمة العفو الدولية في بيان السبت البابا فرنسيس لإثارة قضية المُعتلقين مع مضيفيه وأن يحث على الإفراج عنهم على الفور ودون شروط.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard