شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
السينما أبعدت الجنس عن الأجساد السمينة

السينما أبعدت الجنس عن الأجساد السمينة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 30 ديسمبر 201801:31 م

السمنة كقضية كويرية

يبدأ فيلم الناظر صلاح الدين (2000) برواية قصّة مدرسة عاشور التي "بدأت...منذ فجر التاريخ"، فيقف علاء ولي الدين بثياب فرعونية في باحة مبنى مصري قديم يعلّم مجموعة من الطلاب نطق الكلمات ليرددوها من بعده، في أحد المشاهد تقف على يساره امرأة رشيقة فيقول "أو ياا" لتظهر الترجمة في أسفل الشاشة "مزة حلوة"، أما على يمينه فتظهر امرأة ممتلئة الجسد فيقول "أو يااع" فتظهر الترجمة " مش مزة خالص"، هذا كله خلال أوّل خمس دقائق من الفيلم، فعلى ما يبدو أن هذه الجملة لا تعني فقط أنها بشعة بل عديمة الأنوثة أيضاً.
لا أريد أن أتحدث هنا عن إقصاء الأجساد السمينة في السينما من الجمال والصحة بالسخرية والتنمر أو الشفقة بل عن ارتباط الجنس بهذا الإقصاء، وهذا ما يجعلنا نسأل هل أقصت السينما العربية الأجساد السمينة خارج الجنس؟
في هذه المقالة سأتتبع بعض مشاهد السينما العربية التي حاولت الخوض في علاقة الأجساد السمينة بالجنس.

ثنائية الرجولة مقابل السمنة

يبدأ فيلم عبود على الحدود (1999) بعبارة "الجندية شرف ورجولة"، يعني أن عدم قبول أي شخص في تلك الخدمة سينفي عنه جزءاً من رجولته، لنجد عبود (علاء ولي الدين) يحاول جاهداً أن يتنازل عن تلك الرجولة ومعها الخدمة العسكرية، لكن محاولات والده (حسن حسني) بكل ما أوتي من قوة ومكر في إرغامه على دخول الجندية ليصنع منه رجلاً تنجح في النهاية، ويفلح في تأخير ابنه عن الفحص الطبي الذي كان من المفترض أن يعفيه من الخدمة بسبب التصاق فخذيه نتيجة السمنة!
فيسأل والده: "إنت بتعمل فيا كدة ليه ؟"، ليجيبه: "أعمل فيك إيه؟ أنا بعمل منك راجل علشان تبقى زي الرجالة اللي قدامك دول، يا ابني افهم إنت بقيت جندي في القوات المسلحة، يعني بقيت محارب"، ليرد الابن على والده: "ده شكل محارب يا بابا؟ (مشيراً إلى وزنه) أنا بلهت وأنا بفكر"، فيقاطعه والده قائلاً: "التدريب حيعمل منك راجل". لقد أثار اهتمامي عرض السمنة كمقابل للرجولة في المشهد واختزال الرجولة في صورة الجندي المحارب الرشيق وإقصاء ما دون ذلك خارج مفهوم الرجولة.
على ما يبدو أن هذه العلاقة بين شكل الجسد والجنس في الأساس مرتبطة بالعسكرة، وفكرة أن رفض الأجساد السمينة الانخراط في التجنيد إنما هو مرتبط بعدم رجولة تلك الأجساد على الأقل من وجهة نظر السينما، فالرجولة، وفق ذلك، لها شكل ووزن محددان.
صديقي أثناء حديثنا عن هذا الفيلم قال لي: "بالفعل أشعر أن المجتمع يطلب مني خشونة أكثر من باقي الرجال بسبب سمنتي ومع ذلك تراني جميع النساء اللوتي أعرفهن كأخت لهن".
بعد 12 سنة يظهر أمامنا فيلم إيكس لارج (2011)، بطولة أحمد حلمي لكن مع الكثير من الشحوم الصناعية الملتصقة فيه حتى تجعل من جسده سميناَ، ليلعب دور مجدي رسام الكاركتير ويتناول الفيلم المشاكل التي تواجهه بسبب السمنة بشكل كوميدي، خلال أول خمس دقائق من الفيلم يستيقظ مجدي لتنهال عليه المكالمات الهاتفية من أصدقائه وصديقاته وبهذا يعرفنا المخرج على شخصيات الفيلم، إحدى هذه الشخصيات دينا (دنيا سمير غانم) التي تتصل به لتخبره إنها تعرفت على "شب مُز" على الفيسبوك وفي نهاية المكالمة تقول له "يا بنتي" لينصدم "بنتي"!
تضحك على نفسها وتعتذر" أنا أسفة سوري، ما هو من كتر ما إنت زي صاحبتي بقى"، من ثم يتلقى اتصال من ريهام (ياسمين رئيس) لتخبره أنها اكتشفت خيانة زوجها لها، وتطلب من مجدي التحقق من الأمر دون إخبار زوجها عن الحديث الذي دار بينهما، ليؤكد لها أنه لن يفضح السر: "أيوه يا بنتي فاهم، هو أنا غبي أنا هتكلم معاه ومش هقوله إن إحنا اتكلمنا، علشان ميغرش وكدة، فاهم أنا الحاجات دي" لترد عليه مستنكرة " يغير؟! يغير ايه يا مجدي! ده انت زي صاحبتي زي أختي". كل هذا حصل في أول خمس دقائق من الفيلم.
إن الحديث والإشارة إلى الرجل السمين بضمير المؤنث إقصاء تام عن الرجولة بسبب سمنته، إقصاء يتم تجاهله عند الحديث عن الأجساد السمينة والتنمر عليها في الغالب، هذا التصوير لعلاقة الأجساد السمينة بالجنس يجعل منها أجساداً لا معيارية جنسياً، وتجعل من السمنة قضية مهمة لا يمكن التغاضي عنها.
العلاقة بين شكل الجسد والجنس في الأساس مرتبطة بالعسكرة، وفكرة أن رفض الأجساد السمينة الانخراط في التجنيد إنما هو مرتبط بعدم رجولة تلك الأجساد على الأقل من وجهة نظر السينما، فالرجولة، وفق ذلك، لها شكل ووزن محددان.
الإشارة إلى الرجل السمين بضمير المؤنث إقصاء تام عن الرجولة بسبب سمنته، إقصاء يتم تجاهله عند الحديث عن الأجساد السمينة والتنمر عليها في الغالب، هذا التصوير لعلاقة الأجساد السمينة بالجنس يجعل منها أجساداً لا معيارية جنسياً، وتجعل من السمنة قضية مهمة لا يمكن التغاضي عنها.
تصوير الأشخاص الذين هم من الأجساد السمينة خارج إطار الجنس دون نقد ذلك أو تفكيكه يتحول إلى نبؤة محققة لذاتها، فلا يمكن تحرير تصويرات الأجساد السمينة من الهيمنة والوصاية دون تحريرها من هذا الإقصاء خارج الجنس المعياري وتفكيك صورة الرجولة المهيمنة ذات الوزن وشكل الجسد المحدد.

الأنوثة كمقابل السمنة

في فيلم زوج تحت الطلب (1985)، ومن المشهد الأول نلتقي شخصية وردة (أنجيل ارام) السمينة وغريبة الأطوار تحاول التقرب من ممدوح (عادل إمام)، فيقوم بصدها وعند محاولتها دخول الحمام يقول لها: "إنت رايحة فين؟ إنتِ عاوزة أربع أيام علشان تخرجي"، ومنعها من الدخول ليدخل هو بحجة أنه تأخر على عمله، من ثم تعلق بسبب سمنتها في باب المطبخ، مع سماع موسيقى كوميدية تشبه صوت الضراط، في نفس المشهد تقوم أم ممدوح بالدعاء لها بالعثور على إبن الحلال!
من هنا يبدأ الربط بين شكل الجسد والجنس، في مشهد آخر نجد أم ممدوح تقترح على إبنها الزواج من وردة لأنها "غلبانة وبنت حلال ومكسورة" فيرد عليها مستهزئاً من حجمها: "مكسورة؟ وإن مكانتش مكسورة كانت حتبقى قد إيه؟"، وكأنه لا يراها كامرأة لأنها ليست "مكسورة" بسبب حجمها من وجهة نظره واتخاذ ذلك حجة في عدم زواجه منها، عندما يكون الانكسار والضعف وصغر الحجم جزءاً لا يتجزأ من أنوثة المرأة فكيف له أن يتزوجها وهي ليست أنثى بعينه؟ فالسمنة كصفة في هذا المشهد هي صفة مناقضة للأنوثة تماماً، واختزال الأنوثة في الانكسار والرشاقة.
وهذا يقترح بأن السينما سلخت الجنس عن الأجساد السمينة من خلال خلق هذه الثنائيات وترسيخها فتتحول السمنة كنقيض لرجولة الأجساد الذكرية ولأنوثة الأجساد الأنثوية وكأنها حالة تقصي الجسد عن الجنس المعياري، ففي فيلم الباشا تلميذ (2004)، وفي أحد المشاهد تقول مايا (مها أحمد) لعزمي (حسن حسني): "أنا قررت أتعلم الغطس، غطسني غطوسة"، محاولة التقرب عاطفياً منه، ليرد عليها بقرف: "مفيش أنابيب تشيل الحجم ده".
عندما تذهب مجموعة الأصدقاء ومعهم مايا إلى السينما أمام مشهد قفزة جينفر لوبيز بجسدها الرشيق العاري في الماء من ثم تقبيل جيمس كافيزل لها في فيلم (Angel Eyes (2001،  نرى مايا قد ارتسمت ملامح الحزن على وجهها، وهو ما قد يمنحنا انطباعاً حول تأثير السينما الأمريكية تحديداً على الأشخاص ذوي الأجساد السمينة.
من ثم نجد مايا تقص قصتها التي تفسر حزنها في السينما: "لما كنت بسنوية عامة كان كل البنات بتحب وتتحب، كل الولاد بيعاملوني على أني اختهم، ولما رحت عالجامعة برضو بيعاملوني على أني اختهم، عارفين أنا نفسي في ايه؟ نفسي أحب، نفسي أتحب، نفسي أتخطف"، تنهي كلماتها الأخيرة وهي تبكي، لقد أكدت السينما مراراً أن الأجساد السمينة خارج إطار الجنس، فلا يكتفي المخرج بتصوير مايا غريبة عن باقي النساء وكأنها ليست واحدة منهن، عند مقارنة نفسها بهن، بل أيضاً يجعلها غير مرغوبة ولا جذابة دون نقد المخرج لهذه الصورة النمطية أو تفكيكها.
المشكلة أن الجمهور يصدق الصور التي تقدمها السينما ويتأثر بها فتصوير الأشخاص الذين هم من الأجساد السمينة خارج إطار الجنس دون نقد ذلك أو تفكيكه يتحول إلى نبؤة محققة لذاتها، فلا يمكن تحرير تصويرات الأجساد السمينة من الهيمنة والوصاية دون تحريرها من هذا الإقصاء خارج الجنس المعياري وتفكيك صورة الرجولة المهيمنة ذات الوزن وشكل الجسد المحدد، وكذلك الأنوثة الخاضعة المكسورة التي هي الأخرى لها وزن وشكل جسد محددان في هذا الاختزال الثنائي القطب.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard