شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
مهرجان

مهرجان "كوز" السينمائي الكويري الفلسطيني في حيفا: بين الأبوية والاستعمار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 5 نوفمبر 201811:38 ص
كوز هي الزهرة المؤنثة لنبات الذرة التي تأتي متنوعة بالحجم والشكل وبعدد صفوف الحبوب فيها وبالألوان، تمامًا كما نختلف بميولنا وهويّاتنا وتوجهاتنا وأشكالنا المتنوعة كبشر، لهذا السبب اختارت "أصوات المركز النسوي الفلسطيني للحريات الجنسية والجندرية، "كوز" اسمًا لمهرجانها السينمائي الكويري الفلسطيني في عام 2015، والذي سيعقد في دورته الثالثة في عطلة الأسبوع الثانية من  شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري في مدينة حيفا. ألقي، ههنا، الضوء على الصراع الذي يخوضه هذا المهرجان مع الأبوية من جهة ومع الاستعمار من جهة أخرى والتحديات التي تواجهه في هذا الصراع. سأستخدم مصطلح "اللامعيارية الجنسية" للحديث عن الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج مع نفس الجنس والجنس "الآخر" وعمليات العبور والتحوّل الجنسي، التي تعتبر خارج المعيارية الجنسية المسموح بها مجتمعيًا والتي يتخذ هذا المهرجان من تصويراتها السينمائية موضوعًا.

Kooz-film-festival2 السينما والأبوية

إن السينما الناطقة بالعربية لم تمنح اللامعيارية الجنسية مساحة للتعبير عن نفسها، في الغالب كانت السينما أبوية بيد رجال معياريين ذوي امتيازات حتى عند تصوير اللامعيارية الجنسية كان يتم ذلك من منظورهم، وغالبًا ما حاول المخرجون/ات الابتعاد عن هذه التصويرات خوفًا من الرقابة التي كانت تقص تلك المشاهد من الأفلام في أحسن الحالات إن لم تمنع الفيلم بمجمله في أحيان كثيرة. لقد خاف كتّاب السيناريو والمخرجون التطرق لقضايا اللامعيارية الجنسية في أعمالهم، أما الممثلون والممثلات فلطالما تم انتقادهم من الجماهير المحافظة لتقمص تلك الشخصيات خصوصًا إذا كانت بسياق إيجابي. في ظل هذه الأبوية المحتكرة للمشهد السينمائي والقامعة للإبداع يوفّر مهرجان "كوز" والمهرجانات النسوية الكويرية الناطقة بالعربية مساحة لتشجيع صناع وصانعات الأفلام على إنتاج أفلام تتناول اللامعيارية الجنسية وتقديم شخصيات ممارسة للجنس مع نفس الجنس و/أو متحولة النوع الاجتماعي و/أو خارج إطار الزواج من غير وصمة بعين نسوية كويرية، وتسليط الضوء على ممارسات مهمشة ومقصية بعيدًا عن الشاشة في أحسن الحالات إن لم تظهر لتلعب دور الشرير الذي يقتل في النهاية إرضاءً لأجهزة الرقابة والجمهور الأبوي المحافظ، وبهذا السينما يمكنها أن تتحول لأداة نسوية كويرية ضد الهيمنة الأبوية على الجسد والجنسانية والجندر.
ألقي، ههنا، الضوء على الصراع الذي يخوضه هذا المهرجان مع الأبوية من جهة ومع الاستعمار من جهة أخرى والتحديات التي تواجهه في هذا الصراع.
سأستخدم مصطلح "اللامعيارية الجنسية" للحديث عن الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج مع نفس الجنس والجنس "الآخر" وعمليات العبور والتحوّل الجنسي.
لقد خاف كتّاب السيناريو والمخرجون التطرق لقضايا اللامعيارية الجنسية في أعمالهم، أما الممثلون والممثلات فلطالما تم انتقادهم من الجماهير المحافظة لتقمص تلك الشخصيات خصوصًا إذا كانت بسياق إيجابي.
حتى تصبح السينما "الكويرية" إحدى وسائل تطبيع الاحتلال بكل مجازره وانتهاكاته، وهو ما يتعارض تماماً مع جوهر الكويرية بالأساس كنظرية وتطبيق يسعيان إلى تحرير الأجساد والجنس من المعيارية.
إنتاج أفلام مثلية أو كويرية فلسطينية تتناول المثلية الفلسطينية هي ضرورة وهي حلبة صراع ضد المستعمر.
واحد من أهم التحديات هو قلة الأفلام الناطقة بالعربية التي تعرض الجنسانية والجندر والجسد من زاوية كويرية نسوية

السينما والاستعمار

بدأ في عام 2005 تعاون بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي وبين مديري تنفيذ أمريكيين مناصرين للكيان الصهيوني في العمل على الحملة التسويقية المسماة “إسرائيل كعلامة تجارية” تهدف إلى تصوير إسرائيل ككيان “عصري وحديث” وتستخدم "حقوق المثليين" لخلق تلك الصورة، وكجزء من هذا استغلال "مسيرة فخر تل أبيب" المثلية وما هو مرتبط بها من مهرجانات أفلام مثلية وتمويل أفلام إسرائيلية تحاول تصوير الاحتلال مساحة "متسامحة" مع اللامعيارية الجنسية ومن خلال هذا الادعاء تحاول تحسين صورتها دوليًا والتستر على جرائمها وانتهاكاتها المستمرة ضد الشعب الفلسطيني (بمعيارييه ولا معيارييه)، وتصوير ضحايا تلك الانتهاكات مجموعات معادية للمثلية تحديدًا واللامعيارية الجنسية بالمجمل وشيطنتهم، ومن خلال ذلك تبرير الانتهاكات الواقعة عليهم من قبل الاحتلال، وإرسال هذه الأفلام المثلية لمهرجانات سينمائية غربية، حتى تصبح السينما "الكويرية" إحدى وسائل تطبيع الاحتلال بكل مجازره وانتهاكاته، وهو ما يتعارض تماماً مع جوهر الكويرية بالأساس كنظرية وتطبيق يسعيان إلى تحرير الأجساد والجنس من المعيارية. وهكذا فوجود مهرجان كـ"كوز" يساهم في تحطيم خرافة الاحتلال "اللامعياري" مقابل المحتل "المعادي لللامعيارية" وإرجاع الكويرية إلى سياقها الحقيقي، أثناء حواري مع حنان واكيم، منسقة مشاريع في أصوات، أخبرتني بأن "الحاجة لمهرجان كوز ولإنتاج سينمائي فلسطيني يتناول الجنسانية والجندر في المجتمع الفلسطيني نبعت من وجود إنتاج اسرائيلي وغربي يحاول تناول الجنسانية والجندرية والجسد الفلسطيني من منظور المستعمر أو من منظور استشراقي في الغالب"، وهكذا تتحول السينما الكويرية إلى ما هو أبعد من تحرير جنسانية الأجساد غير المعيارية من الأبوية بل إلى تحرير جنسانية المستعمَر من هيمنة المستعمِر أيضاً كما تقول "فإنتاج أفلام مثلية أو كويرية فلسطينية تتناول المثلية الفلسطينية هي ضرورة وهي حلبة صراع ضد المستعمر". MAIN_Kooz-film-festival2

تحديات الكوز

واحد من أهم التحديات هو قلة الأفلام الناطقة بالعربية التي تعرض الجنسانية والجندر والجسد من زاوية كويرية نسوية، فطاقم "أصوات" يبحث عنها خلال السنة إذ تكاد تكون معدومة فلسطينيًا، أما التحدي الأكبر فهو إيجاد أفلام من إخراج نساء عن هذه القضايا، فأغلبية الأفلام المشاركة هذه السنة في المهرجان هي من إخراج ذكور، لكن في الوقت ذاته أخبرتني حنان "المميز هذه السنة وجود أفلام متنوعة أكثر من العالم العربي من الناحية الجغرافية، والأفلام هذه السنة أكثر جرأة من السنين الماضية"، فهذه السنة هنالك أفلام مشاركة من لبنان والعراق والإمارات العربية المتحدة والبرازيل وبولندا والولايات الأمريكية المتحدة، تتناول صياغة السياسة والطب والقانون والدين الخطب حول الجنسانية والجندر والجسد من خلال أصوات مجتمع الم.م.م. (وهو مصطلح يشير إلى مجتمع المثليين والمثليات ومزدوجي ومزدوجات الميل الجنسي ومتحولي ومتحولات النوع الاجتماعي والجنس المأخوذ من المختصر الإنجليزي LGBT الذي يحمل نفس المعنى) والنساء، فبين فيلم الرجل فقط عند الدفن (2016) الذي يناقش الجنس اللامعياري بين النساء في الإمارات، وبين الزين الي فيك (2015) الذي يناقش العمل بالجنس في المغرب، وانيانيز:ملكة في بيروت (2018) الذي يناقش حياة الرجال الذين يلبسون ملابس نسائية في بيروت، والعديد من الأفلام الأخرى. هذا التنوّع الجغرافي إنما يفكك محاولات عزل الاحتلال للمجتمع الفلسطيني عن باقي المجتمعات العربية في المنطقة أيضًا، مع ذلك تطمح "أصوات" للوصول إلى مخرجات نساء أكثر في السنة القادمة، فـ"كوز" هنا يذكرنا بأهمية تحرير السينما من الأبوية والاستعمارية وبالتالي تحرير صورتنا التي تظهر فيها منهما، الأبوية والاستعمار متداخلان بشكل كبير في صياغة ما نحن عليه اليوم على الأقل في المنتج الإبداعي السينمائي بشكل لا نحسد عليه، فلا جنسانية حرة في سينما كويرية نسوية بلا سينما حرة من الاستعمار والأبوية معًا.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard