شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
صيفٌ دمويٌّ قاتل والاسم

صيفٌ دمويٌّ قاتل والاسم "تحرش"... ماذا يحدث في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 26 أغسطس 201804:57 م
بينما تعيش مصر وأهلُها صيفاً شديد الحرارة، ثمّة كرةُ ثلج تكبرُ في ظرف أيامٍ معدودة فقط، لم تكن بيضاء جذابة، إنما عنيفة وانتحارية. وكلما مرَّ الوقت تلونت أكثر بالأحمر الدموي لضحايا وناجياتٍ من التحرش. سيطرت قضية التحرش على حديث المصريين، لا سيما مع وقوع حوادثَ مُتكررة في توقيتٍ زمنيٍّ متقارب، فضلاً عن ردود فعل الجمهور، التي جاء بعضها "مفاجئاً وصادماً" للبقية. يقول عالم الاجتماع الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه "سيكولوجيا الجماهير"، إن السلوكياتِ اللاواعيةَ التي يعبّر خلالها الناس عن معتقداتهم وقيمهم، تأتي في هيئة ردِّ فعلٍ غوغائي نتيجةَ شعورٍ شعبيٍّ واسع، وأنها تنشأ بين أولئك المتقاربين في نفس السلوكيات. إحصائيةٌ لهيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2013، قالت إن 99% من نساءٍ يعشْن في 7 مناطق مختلفةٍ، تعرّضن لأحد أنواع التحرش الجنسي، فيما تبقى التساؤلات حيَّةً عمَّا يفعله القانون في بلادٍ يحظى متحرشوها بمظلّةِ حمايةٍ مُجتمعية، تُجرَّم فيها الناجياتُ إذا كسرْن صمتهن، وتُعنَفن إذا ما أفشلْن محاولاتِ التعرض لهن، حتى في نطاق دوائرهن المباشرة.

الناجية من "مُتحرش التجمع" مُطالَبةٌ بالاعتذار له عن "الشوشرة"

هنا، عقد مصريون مقارنةً بين ردود الفعل تجاه التحرش بفتاةٍ في ضاحية التجمع الخامس الراقية شرقَ القاهرة، تحت غطاء "عرض لاحتساء القهوة" من قبل شاب لا يعرفها، وبين الخسارة الثقيلة التي مُني بها الفنان الأمريكي كيفن سبيسي المتهم بالتحرش، عبر إيراداتٍ هزيلةٍ لفيلمه عند طرحه في دور السينما، أظهر الجمهور موقفه مما فعله بإحجامه عن دخول صالات العرض.
&feature=youtu.be&a= فقدتِ الفتاةُ عملها، ونالت انتقاداتٍ واسعةً عبر فضاء الإنترنت، تخلَّلها تعليقاتٌ سلبية، لأنها فقط وثَّقَتِ الواقعةَ بعد محاولاتٍ عديدة منها لصدِّ المُتحرش، واعتبرها البعض أمراً لا يستدعي الجزع. في حين تحوَل الشاب إلى بطلٍ تلهثُ وراءه شركات الدعاية وسلاسل المحال التجارية، وتسعد فناناتٌ ومشاهير بالتقاط الصور معه. كما واصلَ بثّ مقاطعَ وُصفت بـ"الاستفزازية"، مع ظهوره في برامج تليفزيونية. أصبح نجمَ مجتمع. آخرُ فصولِ هذه القصة التي لم يتوقف الحديث حولها، ظهرت في مفاوضةِ أسرة المُتحرَش للفتاة ومطالبتِها بالاعتذار عن "الشوشرة التي سببتها" مقابلَ أن تُعيدها إلى عملها مرة أخرى.

مطاردة 3 فتيات في الشارع.. وخلاف "تحرش ولاَ هتك عرض جماعي"

كانت صرخاتُهن تتعالى لتقطعَ صمتَ الليل في شوارع مدينة دمنهور المُحافظة (دلتا مصر)، حينما كان عددٌ غفير من المراهقين يلاحق 3 فتيات، لكن بدا أنه لا أحد مُهتمٌ بما يجري في الجوار. في النهاية، فرَّت الفتيات بأعجوبةٍ من أيادي المهاجمين التي لامست أجسادَهن الغضّة واحتضنتهن دون رغبتهن تحت ستار الظلام.
/ إلا أن فورةَ الجدل عن الواقعة على شبكات التواصل الاجتماعي لم تتوقف عند إدانة ما حدث، بدا الأمر كعرضٍ سينمائيٍّ طويل، لم يُسقط واقعة "تحرش التجمع"، فالبعض رأى أن ما حدث في طنطا هو ما يستحق أن يُطلقَ عليه "تحرش" وليس "عرض القهوة".

أليس كافياً بعد؟!.. رفض التحرش بزوجته فقُتل على شاطىء بالإسكندرية

بينما استمرت المعارك الكلاميةُ بين مستخدمي الإنترنت حول ماهية التحرش، لم يمرَّ سوى بضعةِ أيام حتى حدثت واقعةُ تحرشٍ جديدة، لكن هذه المرة ارتفع سقف التوقعات ومعها تواصلت الصدمات كأنها جلساتُ كهرباء مرتفعةُ الفولت. ما حدث ليس تحرشاً لفظياً أو ملامسةً لأجسادِ النساء عُنوةً فحسب، إنما مُخضباً بلون الدم في مكانٍ لم يتوقعْ أحدٌ أن يصبح مسرحاً لجريمة قتل. شاطىءُ بحرٍ في إحدى الوجهاتِ السكندرية الساحلية التي يقصدها أبناء الطبقة الفقيرة والوسطى. في فيديو مروّع، ظهرت سيدةٌ وهي تحتضنُ زوجها المقتول وتبكي وتصرخ لنجدته، بينما حولتْ دماؤه مياهَ البحر إلى الأحمر. يقول ناشروا الفيديو على مواقع التواصل إن الزوج رفضَ مغازلةً غير مقبولةٍ من أحد الأشخاص لزوجته، فتطورت المشادّة الكلامية حتى أصاب المُتحرشُ الرجلَ المدافعَ عن عِرضه بضربةِ سكينٍ قاتلة في رأسه فأردته قتيلاً في الحال، وسطَ ذهول المصطافين. https://www.youtube.com/watch?time_continue=52&v=YqTjBx_LZpc ورُغم الصدمةِ التي أحدثها فيديو الواقعة، وجَه البعض انتقاداتٍ لاذعةً للزوج الضحية، قائلين: "لو راجل بجد مكنش راح البحر هو وزوجته مكان فيه شباب ومختلطة، لازم يتحمل العواقب". ووصفوه بـ"ديوث يستاهل" ما حدث له لأنه ترك زوجته، التي ظهرت في الفيديو مرتديةً زياً يغطي كامل جسمها، فضلاً عن كونها كبيرةً في السنّ مثله.
أثارت هذه التعليقات غضبً الكثيرين، متسائلين عن سبب غياب القانون عن مواجهة هكذا أفعال بينما يتم تفعيله في حالاتٍ أخرى، وأسبابِ تغيُّر سلوكيات المصريين إلى ما يشبه تعايش وقبول تجاه قضايا كالتحرش، في وقتٍ ربط البعض ذلك بانسحابِ الحكومة من الاهتمام بالتعليم وتراجعها عن الاهتمام بالعشوائيات. بجانب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر في السنوات الأخيرة. ويُعرِّف قانون العقوبات المصري التحرشَ بأنه "كلُّ إشارةٍ أو قول أو فعل له دلالةٌ جنسية تُخلُّ بحياء الآخر"، وسنَ عقوباتٍ قوامُها الحبسُ مدةً لا تقلُّ عن 6 أشهرٍ، وغرامةٌ من 3 إلى 5 آلاف جنيهٍ. أما إذا صحبَ التحرش ملاحقةٌ تصل العقوبة إلى الحبس مدةً لا تقلّ عن سنةٍ وغرامةٍ من 5 إلى 10 آلاف جنيه. وفي حالِ تحرش أي مدير بمرؤوسيه يتم حبسُه ما بين سنتين إلى 5 سنواتٍ، وغرامةٍ من 20 إلى 50 ألفَ جنيه. "لم يقف معي أحدٌ، الناس تكاثروا حتى يهرّبوا المجرم، وقالوا لي بلاش فضايح، وتعرضت لكمية ضغوط رهيبة، وأخوتي خافوا ينزلوا الشارع، والمحامي بتاعي باعني بـ30 ألف جنيه عشان أتنازل عن القضية" قالت رانيا فهمي، أولُ فتاة من صعيد مصر تحصل على حكمٍ في قضية تحرش في فبراير الماضي، حيث عُوقب المتحرش بالحبس 3 سنوات.
إحصائيةٌ لهيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2013، قالت إن 99% من نساءٍ يعشْن في 7 مناطق مختلفة من مصر، تعرّضن لأحد أنواع التحرش الجنسي.
تبقى التساؤلات حيَّةً عمَّا يفعله القانون في بلادٍ يحظى متحرشوها بمظلّةِ حمايةٍ مُجتمعية، تُجرَّم فيها الناجياتُ إذا كسرْن صمتهن، وتُعنَفن إذا ما أفشلن محاولاتِ التعرض لهن، حتى في نطاق دوائرهن المباشرة.

محضر صُلح!

يوم الأربعاء الماضي، أي في الليلة السابقة على صراخِ فتيات دمنهور الثلاث في جوف الليل، دارت وقائعُ قصةٍ أخرى في قسم شرطة قصر النيل. في ثاني أيام عيد الأضحى، كانت الفتاتان (روزانا وجهاد) تسيران في شوارع وسط القاهرة، عندما تعرض لهما عددٌ من المُتحرشين، الذين اعتدَوا عليهما بعد محاولتهما التصدي لهم. الناشطة النسوية غدير أحمد، مؤسسة حركة "ثورة البنات"، روت قصةَ احتجاز صديقتيها في قسم قصر النيل، وقالت في صفحتها على فيس بوك: "الصديقتان روزانا ناجح وجهاد موجودتان في نيابة قصر النيل بيتم التحقيق معاهم، والتهمة إنهم واجهوا التحرش.. آه والله، كانوا في وسط البلد وتُحرش بهما واتخانقوا". وأوضحت: "المتحرشين ضربوهم صمموا يروحوا القسم يعملوا محضر تحرش وتعدي بالضرب، فالمتحرشين عملوا بلاغ مضاد (سب وضرب)... البنات عملوا تقارير طبية تثبت الإصابات، وحاليا بيتم التحقيق معاهم.... غير التهديدات بالضرب (تاني) والانتقام من روزانا وجهاد. والنتيجة إن دلوقتي (بلاغ قصاد بلاغ). يا يتنازلوا كلهم ويحصل صلح. يا يروحوا كلهم النيابة، فروزانا وجهاد راحوا النيابة". "أنا عاوزة الرجالة اللي بتدافع عن #متحرش_التجمع ميحسوش بأي خطر أو تهديد. المجتمع بيبارك التحرش. والقانون مفهوش ذرة تفهّم للبعد النوعي لقضايا العنف الجنسي. في النهاية اللي قررت تصور، اتبهدلت. واللي قررت تسكت، اتبهدلت. واللي قررت تواجه التحرش برضو اتبهدلت"، تقول غدير. بعد ساعاتٍ من الواقعة، عاشت فتاةٌ أخرى من مدينة الإسكندرية نفس المشهد، وفق ما كتبته في حسابه على تويتر وقتها.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard