شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
مع وجود الجاذبية لا حاجة لنا للرب.. هناك ما ينوب عنه في الفيزياء

مع وجود الجاذبية لا حاجة لنا للرب.. هناك ما ينوب عنه في الفيزياء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 18 يونيو 201803:00 م
بسببها مهما طار طير وارتفع فكما طار وقع، إذا فلتّ منها على كوكب، فلن تفلتَ منها على آخر، تقوى حينًا، وتضعف حينًا، يتلوّى أمامها الفضاء الواسع كخصر راقصة خالقًا واقعًا "كيرفيًا" لا تستطيع الأحجار والنيازك، مهما حلّقتْ، الإفلات منها، هي بداية النجوم، والنجوم بداية الكواكب والنيازك والأقمار، وهي نهاية النجوم أيضًا، وبداية الثقوب السوداء، التي بدورها ينتهي عندها كلّ شيء، ليس فقط الزمان والمكان والعقل، والعين البشرية أيضًا لا تستطيع النظر إلى ما بعدها. إنّها الجاذبية، حتى لو نظرتم في المرآة، فسترونها، حدقوا إذا استطعتم.

سماؤنا خيال نيوتن وأينشتاين

تخيّل اليونانيون القدماء أنّ الأرض هي المركز، وأنّ الأجسام تسقط إلى مركزها مدفوعة بِثقلها، وأضاف غاليليو أنّ الهواء يتدخّل في مدى جاذبية هذا المركز للأجسام، حتى جاء الانقلاب الأول في خيالنا حيال الجاذبية من قبل إسحاق نيوتن، الذي رأى أنّ كلّ جسمٍ يبذلُ جهدًا لِجذب جسم آخر، وعلاقة الجاذبية تلك مبنيّة على كتلة الجسمين والمسافة بينهما. via GIPHY أمّا أينشتاين فيشرح الجاذبية بأنّها أكثر من مجرّد قوة، هي انحناء مُستمرّ في الفراغ، كحَجَرٍ ثقيلٍ مُلقَى في وسط قِطعة قماش، فالكتلة لأي جسم تدفع الفضاءَ إلى الانحناء والانثناء، تمامًا مثلما يفعل الحجر مع نسيج القماش، لِتسقط الكرات الأصغر باتجاه الأجسام الأكبر. وحركة تلك الكواكب حِيال النّجم، الكتل الأصغر حيال الكتلة الأكبر، تُشبه دراجة تُسرع مائلة في مضمار السباق، قوّة سِحريّة تشدّ الأجرام حولَها، ولكنّها لا تُرى، إذ ليست كسائر قوى الجذب الكونيّة الأخرى. via GIPHY نظرة تبدو وكأنها خارجة من الخيال العلمي، لقد علمتنا الفيزياء الحديثة أن ننحي تجاربنا اليومية جانبًا ونحن نتأمل الأجرام في السماء، أو جسيمات الذرة على الأرض، وفي الجاذبية، حتى نفهمها، علينا أن ننسى أنّ الزمان والمكان منفصلان، وأنّ هذا الفضاء هو فراغ تتحرك فيه الكواكب مشدودة بخيط سحري إلى النجوم، ونسيج تشوهه كتل الأجسام الكبرى، كلما كانت كتلة الجسم أكبر، خلقت تشوّها في هذا النسيج، وانثناءات في "القماشة" المستوية.
تُفضّل بعض النجوم ألّا تعيش وحيدة، تبحث في هذا الفضاء الواسع عن حبيبة، نجمةٍ أخرى، مستخدمةً القوة "الإلهية" الخفيّة، الجاذبية، حتّى تقترب من نجمةٍ أخرى.
يقول أوشو، المعلم الروحاني الهندي، منتقدًا، أنّ الطاويين اكتشفوا الثقوب السوداء قبل الغربيين، ولكن في داخلنا وليس خارجنا.
يُصيغ الفيزيائي الشهير جون ويلر العلاقة بين الكتل والفضاء: الكتلة تقبض على الفضاء، تُخبره كيف ينحني، والفَضاء يَقبض على الكتلة، يُخبرها كيف تتحرّك. يعتقد الفيزيائيون في نظرية الانفجار الكبير، مادّة متناهية في الصغر أحدَثَت انفجارًا هائلًا، ومنذ تلك اللحظة بدأت الجاذبية عملها، وأول ما تخلقه الجاذبية هو النجوم. وتحول الجاذبية السماء إلى قصص أسطورية، نجوم عزباء، وأخرى مُتزوجة، تستجيب لها مواد، بينما ترفع رايات العصيان موادُ أخرى كشيطان يرفض السجود لآدم.

الجاذبية: قُبلات النجوم العاشقة

عمر النجوم يُحسب بمليارات السنين، وكُلّما كانت كُتلتها أكبر كان عمرُها أقصر، حيث تَحوي قلب تلك النجوم أفرانًا نووية تصهر موادَها، وتعيش حالة من التوتر، فتلك الحرارة الفائقة تُوَلّد ضغطًا للخارج، والجاذبية الخارقة تخلق ضغطًا للداخل، وهذا التوتر يسميه العلماء "Main sequence". من هذا التوتر والصراع الداخلي للشمس، يأتينا ضياؤها وحرارتها بالدرجة التي سَمَحَت بوجود ظاهرة الحياة. وأثناء هذا التوتر، تُفضّل بعض النجوم ألّا تعيش وحيدة، تبحث في هذا الفضاء الواسع عن حبيبة، نجمةٍ أخرى، وتتزحلق على "قماشة أينشتاين" خالقة انحناءاتها وانثناءاتها، مستخدمةً القوة "الإلهية" الخفيّة، الجاذبية، لجذب كل الأجرام التي تقترب منها، متباهيةً أمام النجمات الأخرى بإمكاناتها، حتّى تقترب من نجمةٍ أخرى، وتتبادلان القبل، ولكن لا تتبادلان الأحماض الهرمونية مثل قبلات البشر. وعندما يتقاعد النجم، المرحلة التي يصفُها العلماء بالقزم الأبيض، ولم يَعُد لديه ما يحرقه في قلبه، يبعث إليها برسالة حبّ على شكل ضوء أبيض، نداءات صديق موجوع تسمعها العديد من النجوم، وتستجيب حبيبته، ويمتصّ منها غاز الهيدروجين مستخدمًا قوة الجاذبية، ممّا يسمح له بأن يكبرَ ما يوازي 40% من حجم شمسنا، ويموت ميتةً يصفُها الفلكيون بالهادئة، ويُصنّفونها: "السوبرنوفا". via GIPHY وتتحوّل بعض النجوم إلى كيان مرعب، ليس فقط للأجرام السماوية التي يلتهمها جميعًا، ولكن للفيزيائيين الذين وقفوا عاجزين عن فهمه: الثقوب السوداء. الجاذبية دائمًا تربح، هكذا يؤمن الفيزيائيون، تقول فيزيائية واصفةً تحوّل النجم إلى ثقب أسود: "إنّه يُمثّل انتصار الجاذبية على الكتلة". ولكن النجوم غير المتزوجة ترفض "النيوترونات" فيها أن تسمع أوامر "الجاذبية"، ترفض الانكماش والتحوّل لثقب أسود، جاذبية خالصة غير مرئية، تجذب أصغر الكواكب وأضخم النجوم، ليكمل النجم الأعزب رحلته المتبقية شيطانًا يُطلق عليه الفيزيائيون "نجوم نيترونية"، على عكس العقل البشري الذي انهزم أمام تلك الجاذبية المطلقة "الثقب الأسود"، يرسم أينشتاين خيطًا مائلًا يسميه الأفق، لا أحد يستطيع أن يرى ما وراءه، هذه أقصى حدود العقل البشري. اكتشاف الجاذبية التي صاغت كل تلك الدراما الكونية منذ الانفجار الكبير حتى الثقوب السوداء، وهي نهايتنا المحتملة، حمل زلزالًا كبيرًا للعقائد الدينية، ظلّ الدين وحده لفترات طويلة يحتكر "رؤية" مكتملة عن بداية الخلق ونهايته، للمرّة الأولى التي تُصاغ فيها رؤية "مكتملة" عن الكون فيزيائيًا منذ النشأة حتى النهاية المحتملة. يجادل ستيفن هوكينغ دائمًا أنه مع وجود الجاذبية لا حاجة لنا للرب، هناك ما ينوب عنه في الفيزياء، يُثمن زاك إل ويلسون، كاتب ومنتج، في مدونته أهميّة اكتشاف الجاذبية بالنسبة إلى الوعي البشري، وأنّ الفرق بين البشر والحيوانات هو أن البشر تساءلوا: لماذا تسقط الأجسام؟ وأن هذا التساؤل بدأ يقربنا من "الله"، وعندما اكتشفنا الإجابات بدأ الله يُظهر نفسه للناس في الجاذبية، يقول ويلسون: لقد تمكّن أينشتاين من أن يرى قطعة من الكون ويترجمها لنا في نظرية الجاذبية النسبية، مثلما رأى موسى الله وترجمه لنا في الوصايا العشر. ولكن، من ناحية أخرى، فإن المؤمنين بنظرية "الماتريكس" يدعونكم لعدم تصديق كل ذلك: الجاذبية والزمان والمكان والكوانتم، ويدعونكم للتساؤل: هل فسّرت نظرية واحدة كل الظواهر؟ كلّ نظريّة لا تستطيع تفسير كلّ الظواهر الكونية، ولكن بتفسيرها ظواهر أكثر تتحوّل من فرضيّة إلى نظرية علمية.

الماتريكس: لا تصدقوا أينشتاين

تساءلوا: لماذا عقولنا قادرة على تفسير ظواهر كونية، ولكنها لا تستطيع معرفة كيف تحدث أنشطة أعصابنا الإدراك؟ لا أحد يعرف كيف تعمل خلايا الأعصاب في عقولنا، ليس ذلك فقط، إنّ الفيزيائيين الذين تؤمنون بنظرياتهم لا يولون أهمية لكل الفلسفات الخاصة بخلق الكون ونهايته، الأمر لديهم فقط معادلات رياضية، وحسابات رقمية، هل تدرون لماذا؟ تجيبكم نظرية الماتريكس أن العقل البشري هي أداة تطوّر مُسخّرة لإبقائكم أحياء مدة زمنية تكفي لأن تتعرّفوا على صديق/ة وتنجبون منه/ا، ثمّ لتذهبوا إلى الجحيم بعد ذلك، وكل هذه الطاقة الكبيرة لعقولنا ليس لسبب "إلهي"، أو تكريم لنوعنا، إنّ تحديات البقاء أحياء منذ 20 ألف عامًا كانت كبيرة، إن لم تكونوا أذكياء كأينشتاين ستموتون حرفيًا، وبعد أن انخفضت مستويات التحديات كثيرًا، تُصحّح آلية البقاء من عقولنا. والدليل أنّ علماء الانثربولوجيا لاحظوا أنّه كلّما تقدمنا بالزمن كلّما انخفضت أحجام عقولنا، وبالتالي تضاءل إدراكنا، وكما نقف الآن أمام الاهرامات التي بُنيت منذ أكثر من 3 آلاف عام مذهولين، سيقف أحفادنا بعد 3 آلاف عاما مبهورين بالتكنولوجيا والصواريخ الفضائية التي اخترعناها.
يدعوكم أوشو لأن تُغيّروا مصادر طاقتكم، لا تستمدوا طاقتكم من العالم، بل من أنفسكم، بحيلة بسيطة، انظروا إلى أنفسكم في المرآة
ليس ذلك فقط، يؤمن أصحاب نظرية الماتريكس أنّ عقولنا لم تُخلَق مطلقًا من أجل المعرفة وإدراك الواقع الخارجي، فببساطة عقولنا تستقبل الكثير من المعلومات أكثر مما تتحمّله ضرورة بقائنا، لذا تعمل خلايا الأعصاب على آليتين: ضغط المعلومات، وشفرة تصحيح الأخطاء، استقبال أقلّ عدد من المعلومات يسمح لكم بالنجاة، وآلية تشبه تلك التي تستخدمها المعالجات الذكية في حواسيبنا "شفرة تصحيح الاخطاء"، تسمح بتعديل ذاتي للأخطاء الواردة. أكثر بيئة صديقة لتلك الآليتين هي البيئة ثلاثية الأبعاد، تسمح لشفرة تصحيح الأخطاء العمل بكفاءة عالية، أمّا الواقع الحقيقي سطح ذو بعدين يمطرنا بوابل من الأصفار والآحاد، وتعشق تلك الآلية "شفرة تصحيح الأخطاء" الآرقام خاصّة المعادلات الرياضية، إنّها بحسب نظرية الماتريكس في قلب آلية "ضغط المعلومات" وشفرة تصحيح الاخطاء تمامًا مثلما تعمل حواسيبنا بالزيرو والواحد، ألم تسألوا أنفسكم لماذا يعمل عقلنا بكفاءة عالية رياضيًا، لقد تمكنّا من التقدم التكنولوجيا والعلمي رياضيًا أكثر من التأمل الفلسفي أو الحدس الإبداعي؟ هل كان لنا أن ندرك الجاذبية بدون المعادلات الرياضية الحسابية؟ هل توجد طريقة أخرى؟ لذا يُثمّن الصوفيون والبوذيون في الشرق منذ آلاف السنين الإبحار في عوالم النفس التي هي بنظرهم نسخة أوسع من الكون الواسع، وأكثرها صدقًا، يقول أوشو، المعلم الروحاني الهندي، منتقدًا، أنّ الطاويين اكتشفوا الثقوب السوداء قبل الغربيين، ولكن في داخلنا وليس خارجنا.

عمر الثلاثينات ثقوب سوداء بشرية

يقول أوشو لقد اكتشف الطاويون الثقوب السوداء منذ زمن طويل، إنهم لم يكونوا مهتمون بالفضاء البعيد، إنهم منشغلون بالثقوب السوداء داخلكم، ويُعرّفها بأنّها الحالة التي تنفقون فيها كلّ طاقتكم، وتصبحوا منهكين، وخاويين من الداخل. ويُثمّن أوشو رأي الهيبيين فيمن يتجاوزون الثلاثين عاما، يقولون "لا تُصدّق أحدًا في الثلاثينات"، في هذا العمر يكون معظم الناس أنفقوا طاقتهم، وحرقوا شغفهم في قلوبهم، حينها يمسون أمواتًا، ولكن ليظلّوا أحياءً يبحثون عن موضوع خارجي، صديقة تمدّهم بمشاعر وحميمية، وتنجب لهم أولادًا، حتى يجد لطاقته، عمله ومشاعره، معنى، ويُكمل حياته، وعندما يتقاعد يموت موتًا هادئًا، كالقزم الأبيض الذي تحدثنا عنه. ولكن هل يمكن للإنسان أن يصارع الجاذبية؟، ألّا يتحوّل لثقوب سوداء، ويستمرّ في إرسال الشعاع والحرارة، بحسب أوشو هذا ممكن. وفي حالة أشبه بالنجوم النيترونية الشيطانية التي تتزحلق في نسيج أنشيتاين في السّماء رافضة أن تموت في الجاذبية ثقوبًا سوداء، يدعوكم أوشو لأن تُغيّروا مصادر طاقتكم، لا تستمدوا طاقتكم من العالم، بل من أنفسكم، بحيلة بسيطة، انظروا إلى أنفسكم في المرآة، طويلًا، فقط بضع دقائق كل يوم، بهدوء وبلا أفكار أو كلمات، ثم اعكسوا الآية، اعتبروا انعكاسكم في المرآة هو أنتم، وأنتم انعكاسكم في المرآة، حينها يعدكم أوشو بوجود طاقة كبيرة تتحرّك داخلكم، سترعبكم في البداية لأنها حالة غريبة وغير مألوفة. إنها ترسم دائرة كاملة من الجاذبية تخرج منك وتعود إليك، وهذه الدائرة الكاملة وحدها فقط ستنقذك من الثقوب السوداء، شيء ما خالد سيخترقك، ولن تعود أرضيًا، لن تموت حتى لو مات جسدك، ستتحول إلى كينونة أبدية شبيهة بالنجوم النيترونية، وستمشي في الأرض بطاقة غريبة تخترقك، كما يتزحلق في سماء أينشتاين النجوم النيترونية، رافضة أن تموت.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard