شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"قرار جائر" و"تداعيات خطيرة"... هذا ما يعنيه حرمان فلاحي الدلتا من زراعة الأرز

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 25 أبريل 201802:55 م
أوقات عصيبة تنتظر الفلاحين في مصر خلال فصل الصيف، مع اتخاذ الحكومة تدابير إضافية لمعاقبة "المخالفين" لمراسيمها بخفض مساحات زراعة الأرز، بغية مواجهة الأزمة المائية المتفاقمة. منذ القدم اعتاد المصريون زراعة المحصول الأكثر وفرة في الإنتاج والعوائد المالية، والأكثر استهلاكاً للمياه، في بلاد ما زالت تعتمد طريقة الريّ بالغمر. هذا العام، حسب ما علم رصيف 22، تمّ إبلاغ فلاحين في الدلتا (شمالي مصر) بضرورة الالتزام بتوجيهات حكومية بزراعة محاصيل بديلة أخرى، مثل الذرة الشامية وفول الصويا. مع العلم أن هذه المنتجات غير مُجزية مالياً وإنتاجياً، ولا توازي الأرز الذي يعتمد عليه المصريون، كما المزارعون، في طعامهم اليومي. في الآونة الأخيرة، صعّد مسؤولون تحذيراتهم للفلاحين من زراعة هذا المحصول الاستراتيجي، الذي تكتفي مصر منه ذاتياً، وتتصدر به قائمة مُصدري الأرز حول العالم. وواكب ذلك إقرار البرلمان بشكل نهائي في جلسته العامة، قبل أيام، تعديلات اقترحتها الحكومة بموجبها تم اعتماد عقوبة الحبس 6 أشهر والغرامة 20 ألف جنيه لـ"المخالفين". وفي خلفية المشهد تلوح أزمة سدّ النهضة الإثيوبي المستمرة، بعد تعثّر الوصول إلى اتفاقات مُرضية للقاهرة تحفظ حقوقها التاريخية، وتضمن سريان تدفقات المياه التي تقدر بنحو 84 مليار متر مكعب في المتوسط سنوياً، بينما تستعد أديس أبابا لملء خزان السد حسب المتوقّع في نهاية العام الجاري.

زراعة "جبرية" بقرارات "جائرة"

تهديدات الحكومة للفلاحين بتقليل مساحات الأرز ليست وليدة هذه الأيام، لكن يبدو أن الأيادي التي ألفت هذه الزراعة لم تأبه كثيراً، حتى مع ما يظهر من قرار السلطات أخذ تحذيراتها الأخيرة على محمل من الجدية هذه المرة.    في مطلع العام 2018، صدر قرار يسمح بزراعة 724 ألف فدان من الأرز هذا العام، وهي مساحة تشير التقديرات إلى أنها أقل من نصف المساحة التي زرعت في 2017 والبالغة 1.8 مليون فدان، والتي زادت بدورها كثيراً عن المساحة المخصصة رسميًا والبالغة 1.1 مليون فدان. INSIDE_EgyptNileRiceFields وفي سبتمبر 2017، توقع تقرير لوزارة الزراعة الأمريكية تراجع إنتاج مصر من الأرز خلال الموسم الزراعي المقبل إلى 4.3 مليون مليون طن مقابل 4.8 مليون طن. وحسب تقرير لوكالة "رويترز"، بدأت الشرطة في مداهمة منازل فلاحين واحتجازهم حتى يسددوا غرامات متأخرة تعود إلى سنوات مضت.
أوقات عصيبة تنتظر الفلاحين في مصر خلال فصل الصيف، مع اتخاذ الحكومة تدابير إضافية لمعاقبة "المخالفين" لمراسيمها بخفض مساحات زراعة الأرز واستبدالها بالذرة وفول الصويا، بغية مواجهة الأزمة المائية المتفاقمة
خبراء ومزارعون حذروا من تداعيات "القرار الجائر"، على التربة والأسعار وعلى الفلاحين والمصريين عموماً...
في المقابل، وصف حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، في تصريحات صحافية، القرار بأنه غير مدروس و"جائر على الفلاح، ولا يراعي العدالة الاجتماعية، فهل ستخفضون مساحات القصب والموز؟" وقال نقيب الفلاحين إن "الأرز يحتاج 120 يوماً فقط لحصاده، في الوقت الذي تحتاج المحاصيل الصيفية الأخرى وقتاً أطول للحصاد، إضافة إلى أن غالبية الأراضي تروي الأرز بمياه الصرف الزراعي، وليست مياه الشرب". وأشار إلى أن الذرة لا تعطي إنتاجية كبيرة في الأراضي ذات الملوحة العالية، التي يتم زراعة الأرز بها، و"لن يغامر بزراعة محاصيل جديدة، إلا إذا توافر إرشاد زراعي جيد، وقطعاً لن يحدث، لأن أصغر مرشد زراعي في الوزارة عمره يتجاوز الـ56 سنة، وعددهم قليل جداً"، مستدركاً بالقول" لا ينفع كي نستصلح مليون فدان أن نبوّر مليون زيهم (نحوّل مليون فدان إلى أراضي بور)".

تداعيات خطيرة…

دعت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) مصر إلى استجابة "سريعة وكبيرة" من أجل ضمان الأمن الغذائي في السنوات القادمة، لعدد من الأسباب، من بينها شح المياه والتطور الحضري وآثار تغير المناخ. من جهته، أكّد نادر نور الدين، وهو أحد أبرز الخبراء المعنيين بملف الزراعة ومياه النيل، أن "الأرز هو البديل الوحيد حالياً لفيضان النيل، الذي يغسل تراكمات الأملاح والتلوث من أراضي الدلتا المجاورة للمياه المالحة للبحر والمتوسط"، موضحاً أن "جعل 47% من أراضي شمال الدلتا أراضي ملحية ضعيفة الإنتاج تحتاج إلى حتمية زراعات الأرز ولولاه لبارت جميع أراضي شمال الدلتا". وأضاف محذراً "علينا ألا نستمع إلى بعض الأكاذيب التي تقول إن مصر دولة صحراوية تزرع الأرز... نحن أدرى بأراضينا وزراعتنا من أي طرف آخر لا يتمنى لنا الخير". وشدّد نور الدين على أنه "إذا لم تزرع الأرض بالأرز فستخرج عن نطاق إنتاجيتها وتتحول إلى أراضي مالحة قاحلة غير قابلة للزراعة وتزيد فجوتنا الغذائية، وبالتالي ما نستهلكه من مياه لزراعة الأرز بالدلتا في مكانه الصحيح وليس هدراً، بل هو محصول مربح للفلاح ويجدد نشاط الأراضي الزراعية المصرية ويحافظ عليها من التدهور والتصحر". وأشار نور الدين إلى أن استهلاك الفرد في مصر من الأرز الأبيض حوالي 48 كيلوغراماً في السنة، قائلاً "بالتالي توفير احتياجات 104 ملايين نسمة يتطلب زراعة 1.5 مليون فدان سنوياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز دون زيادة تصديرية". وذهب مراقبون إلى أنه من المتوقع أن يصحب ذلك موجة غلاء في أسعار الأرز، الذي يُباع حالياً بـ 15 جنيهًا مصريًا (قرابة دولار أمريكي)، فضلاً عن تعطل وتراجع نشاط قطاعات وصناعات مرتبطة بالأرز.   ومن جانبه، تساءل مجدي الوليلي، عضو مجلس إدارة غرفة الحبوب باتحاد الصناعات، عن "مصير 875 مضرب أرز مُسجل في غرفة صناعة الحبوب، باستثمارات تصل لمليارات ويعمل بها 50 ألف عامل؟".

ذعر على الشبكات الاجتماعية

على ذات الوتيرة، تدفقت ردود فعل غاضبة على الشبكات الاجتماعية مُرفقة بتعليقات حملت مخاوف من "كوارث" قادمة جراء السياسات الزراعية المتخبطة للحكومة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard