شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
يشجعه 40 مليون مصري... نادي الأهلي

يشجعه 40 مليون مصري... نادي الأهلي "ذا ماستر أوف ساسْبِنْس"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 24 أبريل 201803:00 م

حين عدّد الأسطورة التاريخية لنادي الأهلي المصري ورئيسه الحالي محمود الخطيب أسرار نجاح "نادي القرن العشرين" في إفريقيا، ذكر اسمان هما كبير مشجعيه حسين عفيفي (عم حسين) وأقدم عامل في غرف تبديل الملابس حارث محمود (عم حارث)... الأول ودّع الحياة والأخير لا يزال يرافق الفريق الأول منذ 44 عاماً.

ثمة علاقة خاصة ربطت النادي الأهلي، صاحب الـ111 عاماً، بإدارييه ولاعبيه وجماهيره على مدار عقود طويلة خلت، وساهمت في منح "القلعة الحمراء" المرابطة في جزيرة الزمالك، في قلب القاهرة، مكانةً متفردة.

"المارد الأحمر" هو الماء والهواء في حياة المشجع العشريني مصطفى تاج، ومصدر العيش والشهرة بالنسبة إلى "عم حارث".

تربى تاج، 21 عاماً، على عشق الـ"تيشرت" الحمراء. شاهد منذ صغره مباريات الأهلي وتابع أخبار نجومه ليل نهار، فيما لم يكن "عم حارث"، 58 عاماً، أهلاوياً عندما بدأ العمل في مقر النادي الرئيسي في الجزيرة، لكنّه تحوّل إلى تميمة حظ تتفاءل بها جماهيره كلما شاهدته يسبق اللاعبين إلى أرض الملعب.

"الأهلي حتة من أوروبا مش من إفريقيا"، يقول "عم حارث"، الأسمر النحيف الذي لا يخلع شعار الأهلي عن صدره، أكان داخل النادي أو خارجه.

عم حارث وتاج وكثيرون هم ضمن 40 مليون مصري يشجعون الأهلي، من أصل 50 مليون مشجع لكرة قدم في مصر، بحسب دراسة اشتركت فيها ثلاث شركات عالمية متخصصة في الأبحاث والدراسات الخاصة بالرعاية والتسويق الرياضي.

"كان حلم عمره أن يكون أول نادٍ وطني"

كل هؤلاء الملايين الأربعين كانوا سيشجعون نادياً آخر، أو ربما لم تكن الساحرة المستديرة لتجذبهم إلى عالمها المجنون، لو لم يتحرّك المحامي عمر لطفي بك، مؤسس نادي المدارس العليا، لتأسيس النادي الأهلي عام 1907، من أجل توفير مساحة رياضية للطلبة، بجانب عملهم النضالي لخدمة الحركة الوطنية، في ما كان يشكّل منتدى لهم.

لعب الزعيم البارز مصطفى كامل دوراً كبيراً في تأسيس نادي المدارس العليا، ذي الطابع السياسي، ولكن عمر لطفي هو صاحب فكرة تأسيس نادٍ رياضي للطلبة سمّاه "الأهلي" وتحمس لفكرته رفيقاه مصطفى كامل وعبد الخالق باشا ثروت، بحسب كتاب "الأهلي... قلعة للبطولات والوطنية"، الذي نُشر على هامش الاحتفال بمئوية تأسيس النادي عام 2007، ويسرد فيه الناقد الرياضي حسن مستكاوي حكايات من تاريخ النادي.

لكن "الأفوكاتو" (المحامي) لم يحظَ بالشهرة التي تجعل اسمه محفوظاً في ذاكرة جماهير الأهلي. اختير سعد زغلول، وزير المعارف حينذاك، أول رئيس لجمعية النادي العمومية لمدة سنة كاملة، وتخلى لطفي عن لقب أول رئيس للأهلي لصالح الإنكليزي ميتشل إنس الذي كان مستشاراً في وزارة المالية، وذلك لتيسير عملية الدعم المالي للنادي الذي عقد مجلس إدارته أول اجتماعاته الرسمية في 24 أبريل 1907.

يروي المستكاوي قصة علاقة سعد زغلول بالأهلي نقلاً عن الصحافي مصطفى أمين ويقول: "كان سعد باشا محباً للنادي الأهلي ومقدّراً لدوره الوطني، باعتباره أول نادٍ للمصريين، وكان حريصاً على متابعة أخباره ومتابعة فرقه الرياضية، وكان يحضر أحياناً مباريات فريق كرة القدم للأهلي وهو يشغل منصب رئيس وزراء وكان فخوراً بهذا النادي".

هذه النشأة بين أحضان الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال الإنكليزي هي ما صنع من الأهلي أكثر من مجرد نادٍ رياضي، وتربى الورثة على قيم ومبادئ أكسبته شعبية ترجمها نجاحاً لفريق الكرة، كما يقول لرصيف22 إبراهيم المنيسي، رئيس تحرير مجلة الأهلي، المطبوعة القديمة الناطقة باسم مجلس إدارة النادي وجمعيته العمومية وفرقه الرياضية.

ويرى المستكاوي أن الأهلي كان متنفساً رياضياً لاستيعاب النشاط السياسي للطلبة ضد الاحتلال البريطاني، وشكل ظهيراً وطنياً انطلق منه نسر الأهلي للتحليق في سماء الرياضة.

حجازي eleven... وأول فريق أهلاوي

دخول النادي الأهلي إلى عالم كرة القدم عام 1909، شكّل نقلة هامة في علاقة المصريين بهذه اللعبة التي وصلتهم عن طريق الإنكليز الذين كانوا يمارسونها في معسكراتهم منذ عام 1882، قبل أن تنتقل إلى شوارعهم وأزقتهم.

تشكل أول فريق للنادي الأحمر من لاعبي المدارس الابتدائية والثانوية الذين كانوا يمارسون الكرة في "الحوش" الترابي، المسمى القديم لملعب مختار التتش الذي أنشئ عام 1909.

ضمت تلك التشكيلة أسماء منها حسين فوزي، إبراهيم عثمان، محمد بكري، سليمان فائق، حسن محمد، أحمد أنور، حسين حجازي، عبد الفتاح طاهر، فؤاد درويش، حسين منصور، وإبراهيم فهمي. وكان أحمد فؤاد أنور أول كابتن في تاريخ الأهلي.

يقول المستكاوي عن ذاك الفريق: "كان نواة للشعبية الطاغية التي حظي بها النادي الأهلي، خاصة أنه كان فريقاً مصرياً خالصاً يحقق الانتصارات المتتالية في بطولات يجري تنظيمها ليكسب كل يوم عدداً إضافياً من الأنصار والمؤيدين"، ويضيف لرصيف22: "هذا الفريق شهد ميلاد النجم حسين حجازي وهو لا يقل مهارة عن التتش والخطيب وأبو تريكة، وصنع شعبية الأهلي في العشرينيات من القرن الماضي وأطلق عليه لقب حجازي eleven".

مختار التتش... تحدى الملك وسافر إلى فلسطين

إذا كان لحسين حجازي الفضل في تكوين نواة الشعبية الطاغية للأهلي في العشرينيات من القرن الماضي، فإن محمود مختار التتش هو الأيقونة التي لحقت بها، ولا تزال حاضرة في وجدان مشجعي الأهلي إلى الآن، ربما بسبب إطلاق اسمه على ملعب النادي الأساسي في فرع الجزيرة، وبسبب حضوره اللافت في مواقف تاريخية لم تسقطها ذاكرة الأهلاويين.

مختار التتش الذي خطط لإنشاء مدرج الدرجة الثالثة في ملعب النادي خلّدت رابطة أولتراس أهلاوي التي اختارت هذا المدرج موقعاً لها، ذكراه في أحد أغانيها الشهيرة. فقد أشارت أغنية "أساطير" إلى موقفه من دعم القضية الفلسطينية وعصيانه أوامر الملك بالسفر إلى غزة للعب مباراة ودية، بسبب تعارضها مع مصالح المحتل البريطاني آنذاك.

وجاء في الأغنية: "مختار التتش في 43، حارب الملك، سفّرنا لفلسطين". وبعد هذه "المحارَبة"، عوقب فريق الأهلي بالمنع من السفر بدون موافقة الملك فاروق ورئيس اتحاد الكرة محمد حيدر باشا، ورفض التتش الاعتذار فشُطب من سجلات اتحاد الكرة.

نادي الطبقة الوسطى

الوصول إلى "عم حارث" تطلب اختراق حواري ضيقة متعرجة في منطقة إمبابة حيث يسكن في عزبة الصعايدة. يُعرف هناك بـ"الكوتش حارث"، ويحظى بشعبية لم يكن يحلم بها رجل بسيط مثله، وحققها بشعار النسر الذي يحمله على صدره.

من أصل 134 بطولة أحرزها فريق "الشياطين الحمر" على مدار تاريخه الكروي، حمل عم حارث 77 منها، وهو عدد يتباهي به مشجعو الأحمر في مصر بقولهم إنه يزيد عن البطولات التي حققتها الأندية المصرية الأخرى مجتمعة.

"علاقتي بالأهلي بدأت بدخولي النادي والعمل مع كتائب النجوم في الأجيال المتعاقبة منذ عام 1974 حتى الآن، فحدثت النقلة في حياتي"، يتحدث الخمسيني في المقهى المجاور لمنزله بينما يلتف حوله أبناء حيّه ويضيف لرصيف22: "أخدم الأهلي بضميري وأشعر بالفخر للانتماء إلى نادي القرن".

في إمبابة وأحياء شعبية أخرى في القاهرة والجيزة، تنتشر مقاه تتصدرها شعارات الأهلي وتعج بمريديه أثناء المباريات، في مشاهد تعكس انتماء قطاعات كبيرة من "عوام الشعب" إلى النادي القاهري العتيق.

هذا الانطباع يؤكده مدير لجنة التعاقدات والتسويق في النادي الأهلي عدلي القيعي، ويقول لرصيف22: "الأهلي كان طوال عمره نادي الشعب، يشجعه الناس البسطاء في المقاهي والمترو والمخابز".

ورغم رفض الناقد حسن المستكاوي تصنيف جمهور أي ناد رياضي، لكنه يحاول تأصيل ظاهرة شعبية الأهلي العارمة بأنه أول نادٍ للطبقة الوسطى في مصر ويضم في عضويته طلبة الجامعة والموظفين والمزارعين.

ويرى إبراهيم المنيسي أن النادي يمتلك "خلطة شعبية أسسها أرستقراطيون وتلقفتها الجماهير".

"مش عظيم عشان بيكسب، بيكسب عشان عظيم"

شعبية الأهلي الطاغية ربما كانت لتتلاشى لو لم يحرز البطولات، فهو يستمد قوته وهيبته من ظهوره دائماً كبطل منتصر، يقول المستكاوي لرصيف22.

ويضيف: "سر نجاح الأهلي أنه بطل. صنع شعبيته في أول 40 سنة من تأسيسه لكنها استمرت، بعكس حال الزمالك الذي لمع نجمه في الخمسينيات والستينيات وتوقف فترات. ما يميّز الأهلي عن الزمالك استمراره في النجاح وحصد البطولات، ولولا ذلك لاستمر القطبان الكبيران في التنافس على الشعبية والمكانة إلى الآن".

غير أن عدلي القيعي يرى أن الجماهير المصرية تشجع فريقه لأنه نادٍ عظيم ويمتلك الشخصية القيادية طوال الوقت، مستعيناً بمقولة مأثورة له: "الأهلي مش عظيم عشان بيكسب، الأهلي بيكسب عشان عظيم".

الشخصية التي يتحدث عنها القيعي هي التي جذبت الباحث السياسي عمار علي حسن إلى تشجيع أصحاب القمصان الحمراء. ويروي لرصيف22 أنه تحوّل من الإعجاب بشخصية نجم الزمالك الأسبق حسن شحاتة لأنه كان جاداً وماهراً ومقاتلاً عنيداً إلى الفريق الأهلي الذي تتوافر فيه هذه الصفات بشكل جماعي ومتكامل.

"الأهلي إذا ترنّح سرعان ما يعود، وفي عز ضعفه يقاوم ولا يسقط في عين مشجعيه كفريق كبير. يمتلك عقيدة القتال حتى النهاية، ولا ييأس، ويمتلك لاعبوه الشعور بالانتماء إلى المؤسسة وبضرورة عدم خذلانها"، يضيف حسن.

صالح سليم... الأب الروحي

"كانت الفرجة على إبداعات المايسترو تعادل الفرجة على البولشوي (أقدم مسارح روسيا) والفرق الاستعراضية العالية. كان يمشي على أطراف أصابعه وكأنه راقص باليه وكانت لمساته السحرية للساحرة المستديرة تنتزع الآهات من صدور الآلاف". هكذا يتحدث شاعر العامية أحمد فؤاد نجم في كتابه "يا أهلي يا حبي يا حتة من قلبي" عن صالح سليم.

شحيحة هي الكتابات التي تصف سليم (1930-2002) اللاعب أمام طوفان المديح له كإداري، وكصاحب أقوى كاريزما في تاريخ المارد الأحمر، إلا أن لمسات المايسترو التي استمرت 18 عاماً على البساط الأخضر لها حكايات تُروى أيضاً.



يواصل نجم في كتابه حديثه عن المايسترو، نجم الخمسينيات والستينيات ويقول: "كنت واحداً من هؤلاء العشاق المجانين بفن صالح سليم، كنت لا أنام ليلة المباراة، فقط كنت أغمض عيني واستلقي على ظهري فلا أرى غير صالح والكرة في شباك الخصم مرة بالقدم اليمنى ومرة باليسرى ومرة بالرأس، وأظل أمارس هذا الجنون الجميل حتى يدرك شهرزاد الصباح!".

مش عظيم عشان بيكسب، بيكسب عشان عظيم. إذا ترنّح سرعان ما يعود. في عز ضعفه يقاوم ويمتلك عقيدة القتال حتى النهاية... 111 سنة على تأسيس نادي الأهلي المصري
دليل آخر يستدل به حسن المستكاوي في كتابه على شعبية المايسترو، هو ترديد المصريين في الستينيات مقولة أن مصر يحكمها ثلاثة: جمال عبد الناصر وأم كلثوم وصالح سليم. كان سليم أول لاعب مصري في العصر الحديث يلعب في أوروبا حين احترف في نادي غراتس النمساوي.

سينما الأهلي

لاعبون عدة مثّلوا الأهلي على الشاشة، كصالح سليم وشريف عبد المنعم وعادل هيكل وإكرامي الشحات، لكن "المارد الأحمر لم يظهر بحجمه الحقيقي في السينما المصرية"، حسبما يقول لرصيف22 الفنان الأهلاوي فاروق الفيشاوي.

"الأهلي كقوة ناعمة من أهم الأندية العربية، مؤسسة كبيرة وأكبر ناد منظم في مصر، لكن السينما لم تعطه حقه الطبيعي. أحب ظهور الأهلي كمؤسسة رياضية كبيرة وليس كفريق كروي فقط"، يضيف الفيشاوي.

ويشير إلى أن معظم مشاهير الفن في مصر يشجعون الأهلي بنسبة تصل إلى 80% مقابل 20% للزمالك، وهو ما يشرح ظاهرة ورود اسمه وصور نجومه كثيراً في الأفلام.

"كتالوغ صالح سليم"

سليم لم يكن مجرد مايسترو في الملعب كما وصفه شيخ النقاد الرياضيين نجيب المستكاوي. له فلسفة خاصة في الإدارة يسير على خطاها نادي القرن الإفريقي حتى الآن.

يفخر الأهلاويون، الإداريون منهم والمشجعون، بأنهم أحفاد صالح سليم، والمدرج يتغنى باسمه، وغرفة اجتماعات إدارته تسير حسب كتالوغه.

يتحدث القيعي عن الرجل الذي ترأس مجلس إدارة النادي الأحمر قرابة الـ20 عاماً ويقول: "صالح سليم هو العنوان الكبير والبوصلة لنا ونسير على كتالوغه في الإدارة، ومَن يحيد عنه لا مكان له بيننا"، شارحاً أن مضامين "كتالوغه" تظهر في "سرّية اجتماعات مجالس الإدراة والبعد عن المدربين والأعضاء إلا في إطار العمل".

لكن كتالوغ سليم لم يأت من فراغ. "هو توارث الإدارة الرشيدة ممن سبقوه مثل الفريق عبد المحسن كامل مرتجي وعبد الخالق باشا ثروت ومختار التتش"، يقول القيعي.

ويتذكّر لاعب الأهلي السابق ربيع ياسين "المايسترو" ودوره المحوري في جيل الثمانينيات الذي أعاد إلى النادي بريقه ويقول لرصيف22: "صالح سليم إداري عظيم يعشق الكيان وله جبروت وحضور طاغ ومتواضع في الوقت نفسه، ودائم النصح بخصوص الفريق".

لسليم عبارات يحفظها الأهلاويون عن ظهر قلب، فهو مَن أطلق عبارة "الأهلي فوق الجميع" التي قصد بها إعلاء مصلحة النادي فوق مصلحة كل أبنائه، وعبارة "الأهلي مُلك لمَن صنعوه... ومَن صنعوه هم مجشعوه".

"الأهلي له مبادئ ثابتة والالتزام بها يعكس قبولها من الرأي العام الأهلاوي، والظهير الشعبي يقظ دائماً ومساند للنادي وغيور عليه"، يقول إبراهيم المنيسي، مشدداً على أهمية تمسك النادي بتقاليده المتوارثة.

ويعلق القيعي على ترديد خصوم الأهلي مصطلح "المبادئ المستهلكة" في الإعلام كلما تحدّث مسؤول في القلعة الحمراء على مبادئ النادي بوصفه بـ"المكايدة"، ويقول: "كونه المؤسسة الأنجح في مصر والتي لا تشبه أحداً، لذا يواجه الأهلي حملات تشويه مستمرة للنيل من نجاحه".

ويحضر صالح سليم بطبيعة الحال في نشيد أساطير الأهلي: "صالح سليم القائد زينة الرجال/ الأب الروحي ياما ضحى للكيان/ وفي حب النادي الأهلي/ كان بيعلم أجيال/ في الجنة يا قدوتنا في عشق الكيان".

"المدرج لم ينسَ يوماً الأب الروحي صالح سليم، ففي كل مباراة حضرها أولتراس أهلاوي تحضر ذكراه بلافتة أو هتاف، وتحديداً الهتاف الشهير ‘أولاد صالح سليم على الفوز دايماً ناويين’. نعلم جيداً قيمة هذا الرمز في بناء شخصية قوية للنادي منذ الثمانينيات". هكذا يتحدث مصطفى تاج الذي قضى ست سنوات في رابطة أولتراس أهلاوي عن حضور المايسترو في مدرجات الثالثة شمال.

محمود الخطيب... الحرّيف

"اللي مشافش الخطيب متفرجش على كورة". عبارة تلقتطها أذناك من الآباء الذين شاهدوا فرقة الحواة التي تَقدَّمها محمود الخطيب في عقدي السبعينيات والثمانينات، وجسّدت مرحلة توهج الفريق تحت قيادة المدرب المجري ناندور هيديكوتي الذي قاد الأهلي للفوز بالدوري خمس مرات متتالية.

يحكي مؤمن المحمدي في كتابه "حكاية 100 مبارة صنعت تاريخ الأهلي" عن كواليس فوز الأهلي بكأس مصر عام 1978 بنتيحة 4/2 على غريمه التقليدي الزمالك. كان الزمالك يتقدّم بهدفين لهدف وكان يتبقى أقل من 18 دقيقة على النهاية، حينما نظر هيديكوتي إلى الخطيب الجالس بجواره على دكة البدلاء قائلاً بحسرة: "هنتغلب يا بيبو يا حبيبي". فأصر بيبو على المشاركة ونزل إلى أرض الملعب وقلب النتيجة.

نشأ بين أحضان الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال الإنكليزي. هو خلطة شعبية أسسها أرستقراطيون وتلقفتها الجماهير، ويستمد قوته وهيبته من ظهوره دائماً كبطل منتصر... 111 سنة على تأسيس نادي الأهلي المصري

"الخطيب هو عنوان جيلي وهو صاحب البصمة والأغنية ومحبوب الجماهير الأول على مدار تاريخ الكرة في مصر"، يقول ربيع ياسين الذي زامل "بيبو" في الأهلي ومنتخب مصر لسنوات طويلة.

أما المعلق ميمي الشربيني، نجم الأهلي في الستينيات، فيقول لرصيف22 إن الخطيب هو "أسطى جيله" وهو الذي قاد الفريق لاستعادة أمجاده بعد اعتزال كوكبة كبيرة من النجوم، بينهم الشربيني نفسه وصالح سليم وطه إسماعيل.

والخطيب هو مَن جذب الفنان فاروق الفيشاوي لحضور مباريات الأحمر الذي يشجعه منذ طفولته في المدرجات. يقول الفيشاوي: "بيبو هو نجمي المفضل، ومن بين مباريات كثيرة شاهدتها في الاستاد كانت مباراة اعتزاله من اللحظات الفارقة في علاقتي بكرة القدم. الخطيب بكى وبكينا معه". حينذاك، راحت الجماهير تهتف: "لا يا بيو لا لا ملكش حق".



اليوم، وبعد مرور 30 عاماً على اعتزاله، أصبح الخطيب رئيساً للقلعة الحمراء، ليستكمل مسيرة اللاعبين الإداريين وسط توقعات بنجاحه وسيره على كتالوغ صالح سليم، كونه يحمل "جينات الطريقة الصالحية"، كما يقول عدلي القيعي.

"روح الفانلة الحمرا"

لا يوجد توثيق لظهور مصطلح "روح الفانلة الحمراء" الذي يشيع مع الأهداف التي يحرزها الأهلي في الدقائق الأخيرة من عمر المباريات. لكن مؤمن المحمدي عثر على قصة له تعود إلى نهاية حقبة الأربعينيات، وعرضها في كتابه "حكاية 100 مباراة صعنعت شعبية الأهلي".



يروي المحمدي أن "الأهلي ابتدع نظام تقسيم اللاعبين إلى أساسين واحتياطيين، الأولون يلبسون الأحمر ويشتركون في المباريات الرسمية والآخرون يلبسون الأبيض، من هنا جاء تعبير روح الفانلة الحمراء، لأن التقسيمة كانت تخلق منافسة على مَن يلبس الأحمر".

ولطالما اشتهرت أجيال مختلفة في الأهلي بعادة إحراز الفوز في الدقائق الأخيرة، فلا يتذكر ربيع ياسين جيلاً للأهلي لم يفز في مباريات بعد الدقيقة 90 من عمرها، فالقتال حتى النهاية ثقافة متوارثة منذ الرعيل الأول للفريق.

وبحسب إحصائية حديثة، أحرز الأهلي 76 هدفاً في الدقائق الأخيرة خلال آخر 12 عاماً فقط، في البطولات المحلية والقارية، معظمها كانت بتوقيع مهاجمه الفذ عماد متعب وأسطورته محمد أبو تريكة.

ويقول ياسين إن هذه الثقافة تحتاج إلى لاعبين من نوع خاص يعلمون حجم وشعبية الأهلي، خصوصاً أن التيشرت الأحمر ثقيل على اللاعبين غير الملتزمين بتقاليده، رافضاً ربط انتصارات الدقائق الأخيرة بالحظ.

"الحظ لا يحالف شخصاً أو مؤسسة 100 سنة دون عمل أو عرق، فالعدل الذي نجده في الرياضة لا نجده في حياتنا السياسية". هكذا يعلّق عمار علي حسن على متلازمة الحظ التي يروّج لها منافسو الشياطين الحمر.

هذه الرؤية يطرحها أيضا الناقد حسن المستكاوي، بتأكيده أن النادي هو مَن صنع شعبيته، وهي ليست أمراً خلقه له الإعلام، لأن ذلك يحدث فقط في الديكتاتوريات القديمة، أما الرياضة فهي "النشاط الأعدل منذ خلق آدم وحواء".

الأهلي حبيب الحكومة؟

رغم نشأته في سياق سياسي بحت لطرد الإنكليز من مصر، فإن مجالس إدارة الأهلي تجنبت خلط مواقفه الوطنية بالأدوار السياسية التقليدية، فلا نرصد له موقفاً من نظام حكم أو حزب سياسي.

وكما يسرد المستكاوي في كتابه، صُبغ الأهلي بالوطنية منذ تأسيسه، بجانب أنه "أول ناد يؤسَّس من أجل المصريين ومن أجل أبناء الشعب"، فضلاً عن أدواره الوطنية التي بدأت قبل ثورة 1919 وامتدت إلى حرب أكتوبر 1973 وشملت مشاركة شبابه في التظاهرات وتطوعهم لحمل السلاح.

"الأهلي لم يُسيّس ولم يمارس السياسة بتجمعات حزبية بل بشكلها الوطني الداعم للدولة في الحرب والاستقلال، لأن الرياضة نشاط يفترض نظافته من السياسة"، يقول المستكاوي لرصيف22.

ويرفض الناقد الرياضي المخضرم ربط منح الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات الرئاسة الشرفية للنادي بالحصول على أية امتيازات، ويؤكد أن ذلك كان في إطار المجاملة ليس أكثر.

"الأهلي ليس حبيباً للحكومة كما يتردد. بالعكس، فكل مسؤولي الدولة كانوا زمالكاوية باستثناء السادات، وكل رؤساء مجالس إدارة اتحاد الكرة زمالكاوية، وأسرة مبارك ووزراؤه زمالكاوية"، يقول عدلي القيعي، نافياً تعاطف الحكام مع الفريق.

وقد مورست على الأهلي بعض الضغوط في عهد حسني مبارك تحديداً، يحكي عنها إبراهيم المنيسي ويقول: "أسرة الرئيس الأسبق مبارك تدخلت للسماح باحتراف (حارس المرمى عصام) الحضري في سيون السويسري عام 2008، لكن المجلس قرر ملاحقته عبر الفيفا، كما تدخل علاء مبارك الذي يشجع الإسماعيلي أيضاً لمنع انتقال اللاعب حسني عبد ربه إلى الأهلي من ستراسبورغ الفرنسي".

ويرى رئيس تحرير مجلة الأهلي أنه ليس من مصلحة النادي الوقوق على يسار أو على يمين السلطة بل تكمن مصلحته في التقرّب من مصلحة الوطن وجمهوره.

"من العتبة جينا ومن شبرا يا تريكة"

أتى نجم الأهلي محمد أبو تريكة في وقت احتاج فيه الفريق والمدرجات إلى "أسطى جديد" يرقّص كل الحي ويمطر مرمى خصومه بالأهداف ويغدق الدولاب بالبطولات، فصار النجم الذي تأتي إليه الجماهير من العتبة وشبرا.

20 بطولة أضافها "أمير القلوب" إلى خزانة الأهلي منذ انتقاله إليه من الترسانة في يناير 2003 حتى اعتزاله الكرة بقميص النادي في ديسمبر 2013، كانت معظمها تحت قيادة المدرب البرتغالي العجوز مانويل جوزيه.

علاقة هيديكوتي بالخطيب تشبه كثيراً علاقة جوزيه بأبو تريكة، إلا أن العلاقة الأخيرة أخذت منحنى أكثر إنسانية، فصرح البرتغالي كثيراً أن أبو تريكة هو أفضل إنسان تعامل مع في حياته.

"جيل أبو تريكة حظي بشهرة أكبر من جيل الخطيب بسبب الميديا والبطولات الكبيرة واختلاف ثقافة المدرجات، كما أن جوزيه هو أفضل مدرب أجنبي دخل مصر وقاد الفريق إلى العالمية". هكذا يصف عم حارث الجيل الذي غزا إفريقيا خلال العقد الأول من الألفية الثالثة.

يلخص عم حارث علاقته بأبو تريكة الذي أدرجته الدولة ضمن قوائم الإرهاب بعبارة: "أبو تريكة قماشة تانية. هو عم الناس ولا يوجد لاعب إنسان عظيم مثله في العمل والخير. من الآخر، مصر مجبتش واحد زي تريكة".

يتفرّد أبو تريكة عن بقية نجوم جيله بعلاقته بالجماهير. فـ"الماجيكو" كوّن ظهيراً شعبياً له بدعمه الواضح لرابطة أولتراس أهلاوي عقب مذبحة بورسعيد (2012) التي راح ضحيتها 74 شاباً، وكان اللاعب الوحيد الذي شارك في تظاهراتهم وامتنع عن التدريب لفترة حداداً على أرواح الضحايا.

"موقف تريكة معنا لن ننساه أبداً. عرّض نفسه للإيقاف عن اللعب لدعم حقوق الشهداء، لكنه حفر اسمه وسط مدرج الدرجة الثالثة لآخر العمر"، يقول مصطفى تاج.



من العتبة جينا ومن شبرا... يا تريكة

يا أبو الفانلة حرير حمرا... يا تريكة

فنان ولعبك رجولية... يا تريكة

يا نجم الكورة المصرية... يا تريكة

رجلك قوية... يا تريكة

يا مدفعية... يا تريكة

في الحتة ديا... يا تريكة

يا يا يا يااااا ياااااا تريكة

أولتراس أهلاوي... نبض الثالثة شمال

اللافت أن "الخواجة جوزيه" لم يكن محظوظاً بمجلس إدارته أو لاعبيه فقط، بل بنوعية الجماهير التي شجعت الجيل الذي قاده. فالحياة اختلفت تماماً مع إعلان تشكيل رابطة أولتراس أهلاوي في 14 أبريل 2007. أصبح للمدرج طعم ولون ورائحة مختلفة عن ذي قبل.

"كان المدرج قبل أولتراس أهلاوي جماعة من الناس تؤازر دون عقيدة وتهتف دون تجديد أو إنعاش، وتردد أسماء اللاعبين غير مدركة أن الكيان لن يتوقف على لاعب بعينه، إلى أن أضافت الرابطة قواعد تنظيمية منها إنكار الذات وتشجيع الفريق طوال الـ90 دقيقة، وعدم التعامل الإعلامي لكسب الأموال والامتناع عن الاحتكاك بالأمن لأية مصالح شخصية. كل هذه البنود جعلت من المدرج بيتاً لا تسكنه الرتابة والملل"، يقول تاج.



يتفق حارث محمود مع ذلك ويقول: "الناس زمان كانت بتروح تتسلى وتشجع الفرقة في يوم ترفيهي، لكن الأولتراس أضفى الحماس على المدرج وصار التشجيع يستمر 90 دقيقة وصار المؤيدون يسافرون مع الفريق إلى كل مكان في العالم".

ولكنّ مذبحة بورسعيد كانت مفصلية في حياة المدرج الأحمر عموماً، والثالثة شمال تحديداً. فمنذ ذلك التاريخ ورفاق مصطفى لا يحضرون سوى في المواجهات الإفريقية التي يخوضها النادي من حين إلى آخر.

المصائب لم تأتِ فرادى على أعضاء "الثالثة شمال"، إذ قضت محكمة مصرية في مايو 2015 بحظر جميع روابط الأولتراس على مستوى الجمهورية، بدعوى تورطهم في أعمال عنف.

"لا أنكر أن بعض الأفراد المتواجدين في المدرج وغير التابعين لكيان أولتراس أهلاوي يقومون ببعض الأفعال غير اللائقة، لكن لكل قاعدة شواذ ولا يجب الحكم على الرابطة بأنها مثيرة للشغب"، يواصل تاج حديثه.

إلا أن تاج نفسه انفصل عن الرابطة في العام الذي حوصرت فيه قضائياً وأمنياً، فتوقف عن حضور الاجتماعات والمباريات تحت اسمها، لكنه ينتظر بشغف تهيئة المناخ لعودته إلى المدرج من جديد دون قيود أمنية.

عم حارث أيضاً يفتقد حماس الأولتراس في المدرجات، ويقول إن أقل مباراة محلية كان يحضرها 30 ألف مشجع وفي المباريات الإفريقية يصل العدد إلى 70 ألفاً، أما الآن "فالمدرجات صامتة بدون أصحابها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard