شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أن

أن "تقترب جداً" من العنصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتطرف

الجمعة 26 مايو 202312:31 م

كان مراسل راديو ماركا الإسباني متحمساً، وربما غاضباً، إلى درجة جعلته يتجاوز دوره الصحافي، وهو يحاول إقناع أنشيلوتي، مدرب فريق ريال مدريد، بأن جمهور فريق فالنسيا لم يكن عنصرياً، وأن المشكلة ترجع إلى "عدم فهم" أنشيلوتي - الإيطالي-  للّغة الإسبانية!

في المؤتمر الصحفي، أصرّ المراسل على أن الجمهور لم يناد لاعب ريال مدريد، البرازيلي الأسمر فينيسوس جونير، بلفظة "قرد"، بل ناداه بلفظة "أحمق"! التي تقترب صوتياً – في لغة الإسبان – من كلمة قرد. وبعد أن يقدم المراسل حجّته تلك، يتقدم خطوة أخرى، متهماً المدرب بأنه يتلاعب بموضوع قد يتطور إلى مستوى "خطير جداً"، ويتهمه ضمنياً باللعب بورقة العنصرية التي "نقف جميعا ضدهاً"، يقول المراسل، الذي استفزّت كلماته المدرب الإيطالي إلى درجة دفعته إلى مغادرة مؤتمره الصحفي، الذي بدا للحظة وكأنه مؤتمر المراسل لا المدرب!

يعود التشابه اللفظي، الحقيقي أو المزعوم، بالذاكرة إلى حدث قريب للغاية، طواه اندلاع الحرب في السودان. إذ قبل الحرب بأيام، وفي مباراة بين الأهلي المصري والهلال السوداني بالقاهرة، هتفت بعض جماهير الأهلي ضد لاعب سوداني، زعمت حسابات سودانية على مواقع التواصل أن الجمهور استخدم هتافاً عنصرياً هو "العبيد اهم"، بينما أكد "الأهلوية" أنهم كانوا يستخدمون الهتاف المصري الشهير في ملاعب الكرة "العبيط اهو"! وأن لفظة عنصرية مثل "عبيد" ليست دارجة في الملاعب المصرية.

في مباراة بين الأهلي المصري والهلال السوداني بالقاهرة، هتفت بعض جماهير الأهلي ضد لاعب سوداني، زعمت حسابات سودانية أن الجمهور استخدم هتاف "العبيد اهم"، بينما أكد "الأهلوية" أنهم كانوا يستخدمون الهتاف المصري الشهير "العبيط اهو"!

بالطبع، كما في مثل تلك الظروف، صدّق كلُّ طرف ما يريد أن يصدقه، وأقنع أذنيه بأن تتبع قناعاته، مستخدما الدفوع والدفوع المضادة، المتشابهة بصورة تثير الدهشة مع ما استخدمه بعدها بأسابيع، المراسل الإسباني والمدرب الطلياني.

الحدثان متطابقان  إذن تقريباً، باستثناء أن الحدث الإسباني، الذي وقع على ستاد ميستايا، قد صُعّد إلى أعلى المستويات، وشهد تضامناً علنياً من الرئيس البرازيلي نفسه، ومحاولات من الاتحاد الإسباني لإطفاء النار عبر إلغاء عقوبة طرد اللاعب البرازيلي الذي – حسب تقرير لجنة المنافسة في الاتحاد الإسباني-  "استفزته الصيحات العنصرية وأخرجته عن هدوئه" ما دفعه للتورط في مشاجرة ومن ثم الطرد.

وعلى الرغم من حماس المراسل لنفي تهمة العنصرية عن الجمهور، فإن تقرير الحكم أثبتها، فألغيت عقوبة اللاعب، وأعلن عن إغلاق جزئي لمدرجات ملعب فالنسيا لمدة خمس مباريات، بالإضافة إلى توقيع غرامة مالية على الفريق، فضلاً عن منع دخول المشجعين الذين ثبت عليهم الاتهام.

في الواقعة القاهرية، ثمة شكاوى لدى الاتحاد الأفريقي، منظم المسابقة التي تنافس فيها الفريقان المصري والسوداني، لكنها – للأسف- شكاوى متبادلة، نتيجة سنوات من الحزازيات والوقائع المتوالية بين الجمهورين "الشقيقين"، تتبع "التقاليد" العربية المعهودة بين الجيران، قبل أن تبتلع الحرب السودانية ومآسيها جميع أخبار الرياضة.

وبالطبع، فإن شخصاً لا يتابع كرة القدم، سوف يحق له أن يشعر بالدهشة أمام هذا النوع من الدفاع الذي قدمه المراسل الإسباني أو جمهور الأهلي في مباراة الهلال، إذ ما هو الجيد في كلمات مثل "أحمق" أو "عبيط" حتى يتم استخدامها كأدلة براءة من العنصرية؟ وهو ما يضع يده عليه تشافي هرنانديز، نجم الكرة الإسبانية الأسبق والمدرب الحالي لنادي برشلونة، الغريم التقليدي لريال مدريد، في مؤتمر صحافي لاحق يقولها صراحة: "لا يُسمح في ملاعب أي رياضة بما يتم التهاون معه في ملاعب كرة القدم". مشيراً بذلك إلى التساهل مع إطلاق الإهانات والشتائم في ستادات "الساحرة المستديرة".

من المألوف أن يمتلئ "تايم لاين" فيسبوك ومواقع التواصل بإهانات وشتائم يصدرها "أناس محترمون"، بل ومثقفون، تعليقاً على مباريات كرة القدم، ومن المألوف أن يتم تبرير تصرفات شديدة الإساءة بمجرّد التحجّج بأنهم "جمهور كورة"

ربما يمكن مدّ عبارة تشافي على استقامتها لتشير حتى إلى أي مكان آخر، رياضي أو غير رياضي، هذا السلوك الغريب في ذاته، والغريب في التهاون معه، أي سلوك إطلاق الشتائم المنغمة بحناجر الآلاف تجاه لاعب معين، هو سلوك يصعب تفهم أنه لا يزال مقبولاً للغاية في الملاعب، بل يتم اتهام اللاعب الذي يفقد أعصابه أمام هذه الشتائم الجماعية بأنه "ضعيف"، في مقابل الاحتفاء باللاعبين الذين تعاملوا مع هذه "الضغوط" ببساطة، على غرار البرازيلي الأسمر داني ألفيس، الذي ألقى عليه جمهور نادي فياريال الإسباني- إسباني مرة أخرى – موزة (مجاز آخر لكلمة القرد)، فقشّرها داني وأكلها ببساطة وأكمل اللعب. (يا لثبات الأعصاب) هكذا احتفت الجماهير بداني، المحبوس الآن على ذمة اتهامه باغتصاب فتاة في ملهى ليلي ببرشلونة في ديسمبر الماضي!

ونحن نعرف أيضاً، أن الإهانات كسلوك "عادي" في مجال كرة القدم لا تقتصر على الجمهور المتعصّب في الاستاد، فمن المألوف تماماً أن يمتلئ "تايم لاين" فيسبوك ومواقع التواصل بإهانات وشتائم يصدرها "أناس محترمون"، بل ومثقفون، تعليقاً على مباريات كرة القدم، ومن المألوف أن يتم تبرير تصرفات شديدة الإساءة من قبل أشخاص بمجرّد التحجّج بأنهم "جمهور كورة".

في ظل هذا النوع من التسامح، المقبول – بغرابة – في ذاته، ليس من الغريب أن تتجاوز الكلمات حد الإهانات "العادية" لتدخل من حين لآخر ملعب العنصرية، لا يهم هنا أن تكون الكلمة أحمق بدلاً من قرد، أو عبيط بدلا من عبيد، فلا بد أن بعضهم قال فعلاً هذه الكلمة، ولابد أنها - بالمعنى قبل اللفظ-  قد استطاعت جرح العديدين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard