شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
طرح جريء لقضايا الميراث والجنس…

طرح جريء لقضايا الميراث والجنس…"إن شاء الله ولد"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 23 مايو 202312:06 م
Read in English:

'Inshallah A Boy': Confronting society's toughest questions with film

جريء، متحدٍ، لكنه مباشر، بلا عمق تستحقه القضية المهمة والشائكة التي اختار المخرج الأردني أمجد الرشيد اقتحامها، في أول أفلامه الروائية الطويلة "إن شاء الله ولد" الذي ينافس في مسابقة أسبوع النقاد في مهرجان كان السينمائي السادس والسبعين (16 ـ 27 أيار/مايو 2023).

تأتي المشاركة الأولى للسينما الأردنية في المهرجان العريق، بهذا الفيلم الذي يعالج عدة قضايا: حق المرأة في الميراث، والوصاية على الأبناء، كما يعبر خطوطاً حمراء يحرّم المجتمع العربي النقاش فيها، كالحجاب والجنس خارج مؤسسة الزواج وغريزة الأمومة، وحق الإجهاض، وطلاق المسيحيين وقضايا أخرى لم نكن نتصور أن تطرح بشكل مباشر في فيلم عربي، فكان "إن شاء الله ولد" مفاجأة لمشاهدي المهرجان.


من اللقطة الأولي اختار المخرج الشاب أمجد الرشيد أن يكون مباشراً إلى حد الإلحاح بمواقف متعددة ومتشابكة تم تفصيلها أو حشرها بقصد، وبكثير من النهم وبحوار عالي النبرة، وأداء متأثر حماسي موجه.

جريء، متحدٍ، لكنه مباشر، بلا عمق تستحقه القضية المهمة والشائكة التي اختار المخرج الأردني أمجد الرشيد اقتحامها، في أول أفلامه الروائية الطويلة "إن شاء الله ولد"

الفيلم، الذي شارك مخرجه في تأليفه مع منى ناصر ودلفين أوجت، -وربما قد اختاروا أسلوب مباشر ليصل بسهولة للمشاهدين- يبدأ بالزوجة متوترة، وهي تحاول أن تلتقط حمالة صدر سقطت على جيرانها من حبال غسيلها المنشور. تقع الحمالة منها في الشارع فتداري نفسها وتتركها للمارة حرجاً، وكأنها عار يجب التنصل منه!

تنظر إلى وجهها في مرآة الحمام المكسورة، فتبدو صورتها ناقصة كما يراها المجتمع. تدخل حجرة النوم مرهقة، تتزين في عجالة، وعلى السرير تداعب زوجها الذي لا يهتم، ويبدو بارداً بلا مشاعر، يدير ظهره متعللاً بالإرهاق، فتنام محبطة، وينتهي اليوم.

مع بداية صباح جديد، تبدأ أحداث الفيلم؛ تنشط الزوجة داخل البيت، تعد لابنتها ما تحتاجه لتذهب إلى المدرسة، تنادي الزوج فلا يجيبها، بهدوء نعرف أنه مات، لتبدأ المأساة.


في العزاء، صوت امرأة منتقبة يعلو فوق صوت القرآن، تطالب الزوجة ـالتي صارت أرملة حزينة شاردةـ بعدم الخروج من البيت في أشهر العدة. ينفض الجميع، لتواجه وحدها الحياة. تعود إلى عملها ببيت أسرة مسيحية، لرعاية سيدة مسنة مصابة بألزهايمر، وفي أول ظهور لأخي زوجها يطالبها بسداد دين لم يخبرها به زوجها قط، تعترض، فمن أين تأتي بالمال لسداد الدين وهو لم يترك لها شيئاً، وكل مالها تنفقه على البيت؟ يحتد ويطلب منها بيع البيت، ليأخذ نصيبه (نصف التركة) ويقوم بسداد نصف الدين، رغم معرفته بأنها أسهمت بمالها وكل حليّها في هذا البيت الصغير، المأوى الوحيد لها ولطفلتها.

يطبق في البلاد الإسلامية، خصوصا أهل السنة، قانون الميراث المستند إلى الشرع الإسلامي وفقاً لتفسير الفقهاء لآيات المواريث في القرآن الكريم. ويختلف في تفسيرها فقهاء المذهبين، الشيعي والسنة. ففي حين تحجب البنت التركة عن الآخرين عند الشيعة، فعند السنة ترث الابنة الوحيدة نصف ااتركة، ويذهب النصف الآخر إلى الأهل، الذين لا يلزمهم قانون بالإنفاق على هذه الفتاة، أو سداد رسوم تعليمها أو نفقات زواجها وغير ذلك. في بعض الأحيان قد لا تراهم بعد توزيع التركة، والحياة تمتلئ بحكايات صادمة ومؤلمة لفتيات فقدن الأمان المادي بعد موت الأب، وربما يلقى بهن إلى الطريق دون رحمة بعدما كن في نعيم الموروث وقد غدر بهن الوارثون.

من البداية، وبإيقاع سريع، يضعنا الفيلم أمام قانون بموجبه يصرّ العم على بيع المسكن الوحيد الذي يحمي ابنة أخيه وأرملته "نوال"، ليتم تقسيم التركة "شرعاً". وهو لا يهتم بفزع نوال، ولا يجيب هو أو أخوها السلبي عن أسئلتها المشروعة... أين تذهب بابنتها؟ ولو كان لها ولد هل كان من حقه طردهم من البيت؟

الفيلم يصدم المشاهد بإثارة أسئلة لا أجابة إنسانية عنها، في ظل هذا زمن تبدل كثيراً دون أن تتبدل معه العقول، لتناسب منطق الحياة الآن، وليس في عصر النبوة.

الغريب أن فيلم المخرج الشاب يخلو من أي نموذج سويّ للرجال، فكان كل الذكور نماذج سلبية، مشوهة نفسياً، يحكمها الطمع والشهوة.

يحاصرها العم، يضغط عليها من أجل تدبير الدين، وأثناء ذلك تتفجر قضية أخرى، حين تكتشف "لورين" ابنة الأسرة البرجوازية التي تعمل "نوال" لديها أنها حامل، ولا تريد هذا الحمل من زوجها الخائن. لورين لا تريد إطلاقاً أن تصبح أماً. لا تشعر بهذه الغريزة، (وهذه قضية أخرى يخشى الكثيرون الاقتراب منها، فلا تملك كل النساء ـكما علمنا الأولونـ غريزة الأمومة).

نوال تسأل لورين بسذاجة: ولماذا تزوجتِ؟ فتجيبها: "من أجل الجنس". لا تتوقف نوال عند الرد كثيراً، فبالنسبة إليها، وإلى أمثالها، أصبحت هذه المشاعر رفاهية لا تقدر عليها، لكنها تستلهم من الموقف فكرة، فلماذا لا تدعي أنها "حامل" وبهذا توقف توزيع الميراث حتى تضع وليدها المزعوم؟ ومن يدري لعله يكون طفلاً ذكراً؛ فيحجب التركة ويضمن لها البيت! وهكذا تحتاج نوال ذكراً؛ لتواجه قمع مجتمعها الذكوري الظالم، وتتضامن نوال مع لورين وتحاول مساعدتها في الإجهاض، لكنها تفشل وتخسر عملها لدي الأسرة التي تطردها عقابا لها على هذا الأمر.

هكذا يفجر الفيلم باروداً، يشعل الأحداث بزخم من الموضوعات المهمة، وتتوالى بسرعة نالت من عمق كانت تستحقه، وتبقى له جرأة تناول ما حرمه البعض، كما يحسب للمخرج الموهوب انحيازه إلى المرأة ضد تمييز جندري لا يزال يُمارس عليها بلا رحمة.

الغريب أن فيلم المخرج الشاب يخلو من أي نموذج سويّ للرجال، فكان كل الذكور نماذج سلبية، مشوهة نفسياً، يحكمها الطمع والشهوة: العم، والخال، الزوج المسيحي، زميل العمل، حتى الطبيب... لكن المخرج يدافع عن نماذجه الذكورية : "هم ليسوا سلبيين أو مشوهين نفسياً، لقد وضعتهم الظروف في مواقف فرضت عليهم تلك التصرفات، وأري سلوكهم طبيعي وفقاً لتطور الاحداث الصعبة وظروفهم المادية الأصعب، وكذلك القوانين التي تمنحهم حقوقا فيتصرفون وفقاً لها".

قبل عامين شاهدت الفيلم الأردني "بنات عبد الرحمن" إخراج زيد أبو حمدان. كلا الفيلمين عن معاناة المرأة في المجتمعات العربية، ومخرجهما رجل، وليس فيهما رجل واحد سويّ، إلا الأب العجوز المريض الذي خرج ولم يعد! والمدهش أن الفيلم ينتمي أيضا لمدرسة الصوت العالي الموجه والأداء المسرحي، ويبدو هذا النهج المباشر عالي الصوت، سمة من سمات السينما الأردنية التي تخطو الآن خطوات واسعة ومبشرة، وأصبح لها حضور لافت في المهرجانات الدولية، بعدما ظلت لعقود أسيرة العروض المحلية.

يوثق الناقد السينمائي الأردني ناجح حسن في كتابه "السينما الأردنية... بشاير وأحلام" بداية السينما في بلاده بفيلم "صراع في جرش" عام 1985. أما فيلم "ذيب" الذي أخرجه عام 2014، ناجي أبو نوار ففاز بجائزة أفضل مخرج في الدورة الحادية والسبعين لمهرجان فينيسيا السينمائي، ويراه ناجح حسن علامة فارقة في تاريخ السينما الأردنية. وبعد ذلك قدم جيل شاب عدداً من الأفلام الطموحة.

فجر الفيلم باروداً، يشعل الأحداث بزخم من الموضوعات المهمة، وتتوالى بسرعة نالت من عمق كانت تستحقه، وتبقى له جرأة تناول ما حرمه البعض، كما يحسب للمخرج الموهوب انحيازه إلى المرأة ضد تمييز جندري لا يزال يُمارس عليها بلا رحمة

ولعل أهم ما قدمته السينما الأردنية في السنوات الأخيرة، في رأيي، هو فيلم "فرحة" لدارين سلام. الفيلم الذي مثّل الأردن للتنافس على جائزة الأوسكار، فئة أفضل فيلم أجنبي عام 2022، اتسم بدرجة كبيرة من النضج والعمق، وإن لم ينل حظاً وفيراً في تمثيل السينما الأردنية في المهرجانات الدولية بشكل واسع، مستحق، مقارنة بفيلم "بنات عبد الرحمن" الذي طاف مهرجانات عربية وأجنبية.

"إن شاء الله ولد" بطولة منى حوا وهيثم العمري ويمنى مروان ومحمد الجيزاوي وإسلام العوضي، وتم تصويره العام الماضي في العاصمة الأردنية بعدما حصل على منحة إنتاج من صندوق الأردن لدعم الأفلام التابع للهيئة الملكية الأردنية للأفلام. وحظي الفيلم بعد عروضه في مهرجان كان الحالي بترحيب كبير، ورغم ذلك فاجأتني تصريحاته الحذرة لمجلة "ڤارايتي" قال فيها: "لا يمكنني التنبؤ بردود أفعال الناس، لكني سأكون صادقا، هناك بالفعل الكثير من التعليقات السلبية، ولا أعرف لماذا؟! لكن هناك شعورا بأننا ـ نحن الأردنيين ـ لا نصنع أفلاما جيدة".

إلا أن المخرج أمجد الرشيد أكد في حواره السريع معي أن هذا التصريحات كانت قبل العرض بأيام ويعتقد أن تم فهم كلامه خطأ.

ويؤكد المخرج الموهوب ذو الفكر التقدمي أنه لم يجد أي مشاكل أو عقبات رقابية علي هذا السيناريو الجرئ ،بل وجد دعماً غير محدود من الهيئة الملكية الأردنية للأفلام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard